-سيسي مصر- و-بشار سورية- و-بوتين روسيا-!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4394 - 2014 / 3 / 15 - 14:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
مصر وسورية، وبينهما أوكرانيا؛ فهذا هو الآن مُثَلَّث الصراع الاستراتيجي الإقليمي والدولي؛ وعمَّا قريب سنرى، في وضوح أكثر، خيوط الرَّبْط، ومزيداً من هذه الخيوط.
السيسي في مصر، وبشار في سورية، يندفعان، قُدُماً، وعلى غير هدى، في الإعداد والتحضير لانتخابات رئاسية، إنْ أمْعَنَّا النَّظَر فيها، وقارنَّا بين المصرية منها والسورية، نَجِد كثيراً من أوجه الشَّبَه بين هذه وتلك؛ وكثيراً من أوجه الشَّبَه، أيضاً، بين الرَّجُلَيْن؛ فالسيسي يريد لإنقلابه العسكري، الذي خَلَطَه بما يسمَّى "ثورة يونيو"، ولاغتصابه (مع زمرته من العسكر المهيمنين على الجيش الآن) السلطة، ونَحْرِه ثورة 25 يناير، "شرعية"، متأتية من "صندوق اقتراع"، أسوأ صُنْعاً من "صندوق مبارك"؛ وبشار يريد لبقائه في السلطة، الذي لم يُبْقِ على شيء من سورية، أنْ يستمر بـ "شرعية" متأتية من "صندوق اقتراع"، أسوأ حتى من "صندوق السيسي".
السيسي، وقَبْل أنْ يُنْتَخَب، وحتى يُنْتَخَب، في انتخابات رئاسية، تَضْمَن له فَوْزاً يشبه "الفوز بالتزكية"، أَنْجَز بنفسه "مُهِمَّة انتخابية فريدة "، إذْ "انتخَبَ مُنْتَخِبيه"؛ فكل مناوئيه ومعارضيه ورافضيه من الناخبين، أو مِمَّن يتمتَّعون بحق الاقتراع، وهُمْ غالبية "المجتمع الانتخابي"، لا بَلْ غالبيته العظمى، مُنِعوا (ولو من طريق جَعْلهم يَمْتَنِعون) عن التصويت؛ فلا ناخِب لهذا "المرشَّح الرئاسي الواحد (ولو تَزَيَّن وتزركش بمنافسين صوريين)" إلاَّ المُصوِّت له حتماً؛ والنتيجة النهائية الحتمية هي فوزه بنحو 99% من الأصوات، أيْ من أصوات "أقلية انتخابية"، هي لجهة ضآلة حجمها خير دليل على أنَّها انتخابات لا تَصْلُح إلاَّ لدكتاتور، ولا يَسْتَصْلِحها غيره.
السيسي عَرَفَ كيف "يُهجِّر" الشعب والناخبين (غير الموالين) عن "انتخاباته"؛ أمَّا بشار فهَجَّر (بالموت والدمار) نحو عشرة ملايين سوري، بعضهم في مخيمات الشقاء في خارج الأراضي السورية، وبعضهم، في داخل سورية، ينتقلون من مكان إلى آخر، بحثاً عن الأمن والأمان، وعن مأوى، ولقمة عيش مُغَمَّسة في الدم والذل والهوان؛ وليس ثمَّة ما يمنعه من منع ملايين المُغْتَربين السوريين عن التصويت؛ لكونه لا يَثِق بولائهم له، وإنْ كان "التزوير في النتائج" هو سيِّد اللعبة الانتخابية، التي تُبشِّر السوريين بمزيدٍ من عذابٍ أليم.
مِنْ قَبْل، كان للشعوب الحق في تغيير حُكَّامها؛ أمَّا الآن فاكتسب الحاكم الحق في تغيير شعبه؛ ففي مصر "شعب السيسي" يَنْتَخِب السيسي، وفي سورية، "شعب بشار" يَنْتَخِب بشار"!
وبشار يريد أنْ يبدو مُفْعَماً بالحرص على "الانتخابات في موعدها"، وعلى "شرعيته السياسية" في حُكْم سورية، ولو كان العالم كله يتساءل في دهشة واستغراب قائلاً: "أين هي سورية وشعبها؟!".
وفي الأردن، يتحدَّث الناس الآن عمَّا يًسمَّى "ثلاثة في واحد"؛ فإعادة انتخاب بشار، مع استمرار حربه المجنونة على الشعب السوري، قد تتمخَّض عن نسخة سورية من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، فيُؤسَّس لأوضاع تبقي اللاجئين السوريين حيث هُم الآن؛ وربَّما تَنْقَلب المأساة الفلسطينية مهزلةً في الحالة السورية، فيَصْدُر عن الأمم المتحدة قراراً يشبه القرار الرقم 194، ويَنَصُّ على حقِّ اللاجئين السوريين في العودة أو التعويض، ويُجنَّس اللاجئون السوريون في الأردن، في آخر المطاف، بالجنسية الأردنية، فتَضُمُّ المملكة الأردنية الهاشمية في تكوينها الديمغرافي الجديد سوريين إلى الفلسطينيين والأردنيين. وقد يأتي الفلسطينيون إلى المملكة بأرض جديدة هي الضفة الغربية، والسوريون بأرض جديدة في جنوب سورية!
وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري "توقَّع" أنْ يأتي انفصال شبه جزيرة القرم، والأزمة بين الغرب وروسيا والتي تتركَّز طاقتها التفجيرية الآن في أوكرانيا، بتعقيد الجهود المشتركة بين الولايات المتحدة وروسيا للتخلُّص من ترسانة بشار الكيميائية؛ فما كان من موسكو إلاَّ أنْ أكَّدت أنَّ موعد التخلُّص من هذه الترسانة لن يتغيَّر؛ ويبدو جَليَّاً أنَّ المقايضة الجديدة التي تسعى إليها روسيا وإيران وبشار هي "إعادة انتخاب بشار رئسياً في مقابل التخلُّص من ترسانته الكيميائية في الموعد المتَّفَق عليه". ولا مانع، بعد ذلك، من "جنيف ثالثة"، تبحث في "هيئة الحكم الانتقالي" على مدى سنوات الرئاسة الجديدة لبشار!
و"روسيا بوتين" لها مصلحة الآن، وأكثر من ذي قَبْل، في لعب الورقتين الإيرانية والمصرية؛ فإنَّ مفاعلات نووية إيرانية جديدة سَتَبْنِيها روسيا، وإنَّ السيسي "المُنْتَخَب رئيساً" يمكن أنْ يكون خير حصانٍ روسي في العالَم العربي؛ فهو ، وبأموال سعودية وإماراتية، يشتري السلاح من روسيا، وقد يُوسِّع الوجود العسكري البحري لروسيا في "المتوسط"، بإضافته موانئ مصرية إلى ميناء طرطوس السوري. و"روسيا بوتين" تَرْقُب الآن مزيداً من الارتفاع في منسوب "القلق السعودي الاستراتيجي"، وفي بُعْدِه الإقليمي على وجه الخصوص.
أمَّا السيسي فلن يَحْكُم مصر، بصفة كونه "رئيساً مُنْتَخَباً"، إلاَّ وهو في عزلةٍ شعبية متزايدةٍ متَّسِعة؛ ولن يُفْهَم فشله المحتوم في الحُكْم وحلِّ المشكلات المصرية الكبرى إلاَّ على أنَّه فشل للمؤسسة العسكرية نفسها؛ وهذا بحدِّ ذاته خطر جديد يُضاف إلى جُمْلَة الأخطار التي تعصف بمصر.