الاستراتيجية الصناعية لبرنامج انبثاق وسياسة التشغيل في المغرب


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4387 - 2014 / 3 / 8 - 03:29
المحور: الصناعة والزراعة     

أجرى الصحافي محمد منجد حوارا صحافيا باللغة الفرنسية مع عبد السلام أديب حول الاستراتيجية الصناعية لبرنامج انبثاق Emergence وسياسة التشغيل في المغرب، وفي ما يلي الترجمة الكاملة للحوار باللغة العربية مع بعض التصويب:

• هل تعتقدون بأن الاستراتيجية الصناعية المعتمدة في اطار برنامج انبثاق تسير بشكل متوازي مع سياسة التشغيل المعتمدة في بلادنا؟

•• نفس الازدواجية التي تقسم المغرب والمغاربة الى عالمين أحدهما عصري متحكم في كافة القدرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمرتبطة بالخارج وآخر عتيق مرتبط بالبنيات التقليدية الانقسامية الموروثة عن ثقافة الماضي، نجدها تطال أيضا قطاع الصناعة، لكن المغرب الذي يدعي أنه أصبح يتوفر على استراتيجية صناعية منذ سنة 2009 هو نفسه الذي أصبح أكثر تفوقا في مجال الاستيراد، فكيف يمكنه التوفيق بين الاثنين؟ أكثر من ذلك، تؤكد المؤشرات الاحصائية للتجارة الخارجية حدوث افراط في مجال استيراد منتجات كانت حتى الأمس القريب، يم تصنيعها في المغرب وكان من الممكن الاستمرار في هذا التصنيع لو كانت هناك رغبة في تقوية الانتاج الوطني والدفاع عنه.

تعدنا الاستراتيجية الصناعية لبرنامج انبثاق Emergence بامكانية خلق 220.000 منصب شغل اضافية سنة 2015، وزيادة ب 50 مليار درهم في الناتج الداخلي الاجمالي، وتحقيق 50 مليار درهم كاستثمارات خاصة وبالزيادة في حصة الصادرات بمبلغ 95 مليار درهم.

لكن، وعود استراتيجية انبثاق قد تظل مجرد أوهام نظرية بعيدة عن الواقع بكافة تناقضاته. تؤكد المعطيات الاحصائية الرسمية حول عدد العمال العاملين في مجال الصناعة أن هناك 600.000 منصب شغل، تشكل حوالي 13 في المائة من الساكنة النشيطة، ويحقق القطاع 120 مليار درهم كقيمة مضافة و110 مليار درهم من الصادرات. لكن حصة الصناعة في الناتج الداخلي الاجمالي تبقى متواضعة، فقد بلغت سنة 2000 نسبة 18 في المائة، وفي سنة 2010 نسبة 13,7 في المائة ثم في سنة 2012 نسبة 14,5.

وقد سبق للمغرب أن عرف خلال عقد الثمانينات والتسعينات، تطويرا لعدد من القطاعات الصناعية أهمها قطاعي النسيج والجلد، والتي لعبت دورا كبيرا في مجال التصدير والتشغيل.

لكن القطاع الصناعي أصبح اليوم طاردا لمناصب الشغل، وقد أكدت ذلك المنحى مختلف التحقيقات الميدانية الرسمية، فرسميا فقد قطاعي النسيج والجلد 26.000 منصب شغل صافية ما بين 2008 و2011، لكن معطيات احصائية اخرى غير رسمية تشير الى ان قطاع النسيجبمفرده فقد خلال هذه الفترة أزيد من 50.000 منصب شغل.

وقد هم فقدان مناصب الشغل على الخصوص القطاعات التقليدية والمقاولات الصغرى، وأيضا في جميع القطاعات بدون استثناء. لكن الاحصائيات الرسمية لا تشير الى ذلك لأن قسم واسع من العمال يرغمون على الاشتغال في القطاع غير المهيكل لتأمين معيشتهم وبذلك لا تشملهم الاحصائيات والتحقيقات الرسمية.

الأيدي العاملة الكلية المشتغلة في ميدان الصناعة، والتي تم احصائها رسميا، انتقل عددها من 526.000 الى 578.000 أجير، بين سنتي 2007 و2011، أي باضافة 52.000 منصب شغل صافي خلال السنوات الأربع، بمعدل 13.000 منصب شغل في السنة. هذا الانجاز هو أكثر من متواضع بل انجاز تافه جدا. فمن المفروض ان يعمل المغرب على خلق ما بين 200.000 و350.000 منصب شغل في السنة وقد فقدت الصناعات الصغرى والمتوسطة لوحدها 25.000 منصب شغل بين 2007 و2011.

• ما مدى فعالية عقود الشغل محدودة المدة التي أصبحت واسعة الانتشار؟ وكيف تقيم أشكال التشغيل التي تعتمدها الوكالة الوطنية لانعاش التشغيل والكفاءات l’ANAPEC؟

•• لا أعتقد أن هذه الأشكال تشكل حلولا ناجعة لأزمة التشغيل في بلادنا وانما أصبحت في ظل انتشار البطالة جزء من الأزمة. فتلك الاساليب المعتمدة في التشغيل في ظل بحث الباطرونا الدائم عن تقليص كلفة الانتاج الاجرية لربح معركة المنافسة، تخفي ميولات جديدة نحو ممارسة الاستغلال المفرط للطبقة العاملة عبر مساومتها على أجور زهيدة غير قابلة لضمان الامن والاستقرار للعامل.

ومن بين الأشكال الأكثر انتشارا حاليا خدمات الوكالات المشغلة. فالعامل الذي يختار مضطرا الاشتغال عبر هذه الوكالات لن يحلم أبدا بالاشتغال بالوقت الكامل. وقد انفجرت نضالات ضخمة سنة 2008 من طرف 850 عامل تم تسريحهم من طرف وكالة سيميسي التي كانت تشغلهم بواسطة عقود محدودة المدة لا تتجاوز سنتين لكل عامل مع امكانية ابرام عقود محدودة جديدة. وقد اشتغل اغلبية هؤلاء العمال ال 850 لأكثر من 10 سنوات بمثل هذه العقود المحدودة. وقد كان هؤلاء العمال يشتغلون في وحدات انتاج الفوسفاط الخاضعة لإدارة المكتب الشريف للفوسفاط، لكنهم لا يستفيدون من نفس الامتيازات والضمان الاجتماعي المخول لعمال المكتب الفوسفاطي، وحينما بدأ العمال يطالبون بالإدماج اختارت وكالت سيميسي الطرد الجماعي لهم. لكن نضالات هؤلاء العمال ستتكلل بالنجاح بعد معارك جبارة وتحقق الادماج في المكتب سنة 2011 في سياق انتفاضات الربيع الديموقراطي.

وعلى العموم، هناك ضعف كبير في خلق مناصب الشغل، كيفما كان مستوى المؤهلات، وضعف كبير في الملاءمة بين الطلب على الشغل وعرض الكفاءات. كما ان هيمنة القطاع الفلاحي والقطاع غير الرسمي على عالم الشغل يعبر عن عمق الهشاشة الآخذة في تدمير الرأسمال البشري.

ويشكل الشباب فيما بين 15 و29 سنة حوالي 30 في المائة من مجموع السكان و44 في المائة من الساكنة النشيطة (15 – 64 سنة). لكن الشباب هم اليوم الأكثر تعرضا للإقصاء من النمو الاقتصادي وطيلة ثلاثة عقود الأخيرة، وقد نمت أعداد العاطلين الشباب وأعداد الشباب غير النشيط وأصبحوا يعدون بمئات الآلاف. ويعتبر الشباب عموما وحاملي الدبلومات العليا على الخصوص الشريحة الأكثر تعرضا للبطالة والتهميش، وفي الغالب ما لا تتطابق فرص الشغل المعروضة مع مؤهلاتهم. الولوج الى سوق العمل يضل عبارة عن حاجز حقيقي امام حاملي الدبلومات العليا (باستثناء حاملي دبلومات المدارس والجامعات المقتصرة على ابناء الطبقات الحاكمة والمغلقة تماما أمام أبناء الطبقة الشعبية)، أما الشباب المتغلون فيضلون معرضين لعدم استقرار الشغل.

• بغض الطرف عن عرض الشغل، ينتقد العديد من الخبرات نوعية العمل في المجال الصناعي، فكيف تقيم ذلك؟

•• الباب ينغلق اليوم تدريجيا فيما يخص نوعية العمل الصناعي، تحت وقع انعكاس اتفاقيات التبادل الحر، التي تدفع نحو التراجع كلية عن التصنيع في المغرب. فالمغرب أصبح مكبلا بعدد من اتفاقيات التبادل الحر التي أبرمها مع دول كالاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، والامارات العربية المتحدة، وتركيا، وتونس، ومصر والأردن. علما أن هذه الاتفاقيات التبادل الحر لم تسبقها دراسات عميقة بخصوص انعكاساتها. فانطلاقا من نهاية عقد التسعينات، تعددت الدعوات الى ابرام هذه الاتفاقيات. وفي بعض الحالات كما هو الشأن بالنسبة لاتفاق أكادير الشهير (مع كل من تونس، ومصر والأردن) والاتفاقية المبرمة مع تركيا.

كما انطلق المنطق الذي قامت عليه هذه الاتفاقيات من أن تعدد اتفاقيات التبادل الحر، سيؤدي ليس فقط الى دفع التنافسية الصناعية ألى الأمام، لكن أيضا جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وفي بعض الأحيان الاستثمارات الاستراتيجية التي يحتاجها المغرب من أجل توطين قطاعات صناعية أساسية.

لكن المعركة في الواقع لم تكن متكافئة، فهناك العشرات الألاف من مناصب الشغل أصبحت اليوم مهددة بالاندثار تحت تأثير تنافسية بعض الدول مثل تركيا، فكافة الماركات الصناعية العالمية المصنعة للمعدات الآلية المنزلية l’électroménager تتوفر على فروع لها في تركيا. كما تتضمن هذه المنتجات، مكونات قادمة في الغالب من دول جنوب شرق آسيا، والتي تمثل 70 في المائة من سعر التكلفة. فهذه المنتجات عندما يتم تجميعها في تركيا تصل الى المغرب بعد ذلك حاملة علامة "مصنع في تركيا". ومنذ اربع سنوات، أصبحت واردات المنتجات التركية نحو المغرب تتضاعف كل سنة.

• هل تصح المراهنة على اعادة توطين فروع الاحتكارات العالمية الكبرى كصناعة السيارات والطائرات من أجل دفع دينامية التشغيل الى الأمام؟

•• القاعدة المادية الأساسية التي تقوم عليها استراتيجية اعادة توطين فروع كبريات الاحتكارات الصناعية الدولية تتمثل أساسا في تأويج أرباحها عبر البحث عن أفضل الامتيازات المقارنة على حساب بروليتاريا ذات أجور منخفضة ودون شروط شغلية مكلفة. وانطلاقا من ذلك يمكننا أن نتساءل عن طبيعة البركان الذي يتهيأ للانفجار في ظل التناقضات المشتعلة عالميا بين قوى الانتاج المتقدمة جدا والتي تهيمن عليها الشركات الاحتكارية الكبرى، من جهة، وعلاقات الانتاج المتدهورة جدا نتيجة الاستبداد والاستغلال القائم من جهة أخرى؟

نتيجة هذا البركان قد تدفع نحو الأمام أي نحو نمط انتاج اشتراكي ذو بعد انساني كوني ينهي علاقات الاستبداد السابقة، أو قد تدفع نحو الخلف أي الى مزيد من الاستغلال والاستبداد وسيادة البربرية.