حوار حول المرأة والنص الديني


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 19:36
المحور: ملف - المرأة بين النص الديني والقانون المدني الحديث، قانون الأحوال الشخصية للمسلمين ولغير المسلمين،بمناسبة 8 مارت -آذار عيد المرأة العالمي 2014     


1- عند الحديث عن حقوق المرأة لماذا ترتبط على الأغلب بالبعد الديني؟ولماذا الإحساس عند معظم النساء بأن الدين يشكل عامل تعدي على حقوقهن؟
إن المجتمعات العربية ، على خلاف المجتمعات الغربية ، لازال الدين والأعراف يشكلان جوهر ثقافتها ويحددان الصورة السائدة عن المرأة وأسلوب التعامل معها . وعلى مر التاريخ العربي ، قبل الإسلام وبعده ، لم تتغير الصورة لأنها ترسبت في الوعي الجمعي ، ولا تختلف المرأة عن الرجل في درجة التشبع بهذه الثقافة . طبعا هناك استثناءات لكن قليلة جدا ومحاصرة حتى لا يصل صوتها إلى أغلب فئات المجتمع . وما يكرس هذه الوضعية أن الأنظمة السياسية التي تحكم منذ جلاء الاستعمار ، لم تحسم في الخيار التحديثي ، بل حافظت على الطابع التقليدي لبنيات المجتمع الفكرية والأسرية والدينية والحزبية ولم تعمل على بناء المواطن الحر المتفرد بشخصيته وقناعاته الفكرية . حافظت هذه الأنظمة على الموروث الثقافي والديني والاجتماعي والسياسي وكرسته عبر نظام التعليم والإعلام ، حيث أعادت إنتاج رعايا لا يدركون معنى وجودهم وحقيقة ذواتهم إلا داخل الجماعة/المجتمع/الأمة . فالمجتمع هو الذي يمنح المعنى والقيمة لوجود أفراده وليس العكس . ونتيجة لهذه الوضعية يمارس المجتمع سلطته على الفرد ويشكل شخصيته ونمط تفكيره وردود فعله . وما يزيد من تعقيد الوضعية العامة ( وضعية المرأة في المجتمع ، وضعية الثقافة ، وضعية الدين ونمط التدين ، وضعية السياسة وعلاقة الأنظمة بالمواطنين الخ) أن التيارات الإسلامية والسلفية تغزو المجتمع وتخترق مؤسساته وتعيد تكريس الجوانب السلبية للموروث الثقافي وإشاعتها كجزء من الدين . ومن مظاهر "الأسلمة" أن الأنظمة السياسية باتت تزايد على الحركات الإسلامية في تكريس الموروث الثقافي بكل سلبياته وتناهض مطالب الإصلاح التي ترفعها الحركة الديمقراطية . فلأسباب سياسية ، تحالفت الأنظمة الحاكمة مع فصائل التيار الإسلامي لضرب المد التحرري ووقف تنوير المجتمعات . فالمجتمعات العربية تخضع لموجة "البدونة" بفعل زحف "فقه البداوة" مع التيار السلفي المتشدد ، حيث بات المرأة نفسها أشد عداءا لمطالب تحريرها من التقاليد التي تسلبها إنسانيتها وتصادر حريتها وكرامتها . وليس غريبا أن تعتمد الحركات الدينية على النساء لنشر القيم الحاطة بالمرأة . من هنا يمكن القول بأن الدين يتم توظيفه لتكريس الثقافة الذكورة وشرعنة استغلال النساء . فكما اجتهد عدد من فقهاء الدين لتحرير المرأة من سلطة التقاليد التي تلبست بالدين ، يجتهد آخرون في تكريس قهر المرأة واستغلالها . وباعتبار الثقافة السائدة في المجتمعات العربية هي الثقافة الذكورية التي تتسربل بالدين ، فإن كل مطالب النساء من أجل رفع الحيف عنهن وتمتيعهن بحقوق المواطنة وحقهن في المساواة تواجه مناهضة شرسة من التيار المحافظ الذي يوظف الدين كسلاح ضد النساء ؛ الأمر الذي جعل فئات من النساء يعتقدن أن سبب قهرهن ومنعهن من التمتع بحقوقهن هو الدين . فهذا التيار يفتقر إلى الحجة ليدافع عن موقفه المناهض لحقوق المرأة ، فيعجز ما يجعله يحتمي بالدين وبالقراءة الذكورية لنصوص الدين .
2- كيف تربط بين النص الديني و القوانين المناهضة لحقوق إنسانية المرأة و النظام الاقتصادي الرأسمالي؟
مشكلة المرأة في المجتمعات العربية تضرب جذورها في عمق التاريخ العربي ما قبل الإسلام . لذا لا يمكن ربط ظهورها بالإسلام . وما ينبغي التنبيه إليه هو أن الأعراف الاجتماعية والقيم السلبية التي سادت قبل الإسلام لم تندثر ، بل وجدت في القراءات المحافظة والمتشددة للنص الديني ما يغذيها ويشرعنها . فالدين هو سلاح ذو حدين وقابل للتأويل وللقراءات المتناقضة . فالنص الديني حمال أوجه ، ويمكن قراءته وتأويله حسب الثقافة والقيم التي يحملها كل شخص . لكن السائد حاليا هو التأويل المناهضة لحقوق المرأة ، وقد تصاعدت الأصوات المطالبة بإلغاء التشريعات التي وضعتها الأنظمة التي أسقطتها ما بات يعرف "بثورات الربيع العربي" ووضع تشريعات "إسلامية" تسمح بتعدد الزوجات ، وحرمان المرأة من حقوقها الاجتماعية والسياسية . فاستغلال المرأة وقهرها ليس وليد النظام الرأسمالي ، بل سابق عنه بقرون عديدة . ويمكن الربط بين القراءة الذكورية للنص الديني وبين النظام الرأسمالي في الاستغلال البشع للمرأة واستعبادها . فالمجتمعات العربية كانت ترفض خروج المرأة للعمل ، ولما اضطرتها الظروف للعمل خارج البيت ، فإن أنظمة الشغل تخصص لها أجرا أقل من أجر الرجل مقابل نفس العمل . وهذا استغلال فظيع للمرأة . لكن لا يمكن تحميل الدين مسئولية هذا الاستغلال . فالثقافة الذكورية والأعراف الاجتماعية والقيم الرأسمالية كلها عناصر تتضافر لتكريس استغلال المرأة داخل البيت وفي مجالات العمل .
3- هل فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم سيحقق للمرأة وقضيتها التقدم تعزيز تحررها ومساواتها التامة مع الرجل و لماذا الخوف في فصل الدين عن الدولة وخاصة ما يخص قوانين الأحوال الشخصية ؟
فصل الدين عن الدولة هو مطلب التيار الحداثي الديمقراطي ، لكن لا يمكن اعتباره الشرط الضروري لتحرير المرأة . فهناك مجتمعات إفريقية لا تدين بالإسلام لكنها تضطهد المرأة وتقهرها . حقا القراءة الذكورية للدين تسمح بتأويل نصوصه بما يكرس استغلال المرأة باسم الدين ما يجعلها تعتقد أن قهرها مصدره الدين . والغريب في الأمر أن نساء التيار الديني يقاومن مطالب الهيئات النسائية من أجل التحرر والرقي والمساواة ، ويتمسكن بالأعراف القديمة التي تغلفت بالدين وصارت جزءا منه . فهؤلاء النساء الإسلاميات والسلفيات يرفضن التحرر ويتشبثن بالخضوع للرجال وطاعتهم ، بل يعتقدن حقا أن غضب الزوج على زوجته يحرمها من دخول الجنة . هنا يتحول الدين بفعل القراءة الذكورية إلى أداة لاستغلال المرأة وقهرها . وتمثل الأحوال الشخصية المجال الأمثل لتكريس استغلال المرأة ومصادرة حقوقها وحتى إنسانيتها لما تصير ، بفعل عقد الزواج، ملكا للزوج وليست شريكا له في بناء الأسرة وتدبير شؤونها .
من هنا يمكن القول بأن تحرر المرأة في المجتمعات العربية ليس رهينا بالفصل بين الدولة والدين ؛ بل هذا الفصل يكاد يكون مستحيلا . لذا فالمطلوب هو التمييز بين المجال الديني والمجال السياسي .
4- تعاملت السياسة مع قضية المرأة بدونية تامة وأدرجتها ضمن محاولات التهميش والعتمة وتحاول تركيز البقاء على تابعيتها. وتزامنت تحديدا مع صعود التيارات الدينية بكافة تلاوينها.
معلوم أن التيارات الدينية تعادي حقوق المرأة وتناهض مطالبها بالمساواة والحرية وبأبسط حقوقها . هذه التيارات تسعى لتشكيل قاعدة واسعة من النساء تدين لها بالخضوع والطاعة وتشكل كتلة ناخبة طيعة تضمن الفوز لها إذا اضطرت للقبول بالانتخابات . فمسألة الطاعة تسري على المرأة في البيت وفي السياسية وفي البرلمان وفي المؤسسات المنتجة .
5- على ضوء الصمت على جرائم الشرف وتخفيف العقوبة على الجاني في معظم قوانين الدول العربية ،كيف تنظر النساء اليوم الى حقوقها ؟وكيف تقيم مكانتها في هذه المجتمعات؟
ينبغي التمييز بين بين صنفين من النساء : النساء المنتميات للتيار الديني بفصيليه الإسلامي والسلفي ، والنساء المنتميات لباقي الأحزاب أو غير المنتميات . فنساء التيار الديني هن أسيرات الإيديولوجية التي يروج لها هذا التيار ويعدن إنتاجها وتربية بناتهن عليها . إنها ثقافة الخضوع والخنوع وطاعة الأزواج . وقد كرست الأنظمة العربية هذه الوضعية ، وضعية الخضوع وتبخيس قيمة المرأة وإنسانيتها ، عبر سلسلة من التشريعات التي تحمي جرائم الشرف وجرائم الاغتصاب . ففي كثير من الدول العربية تحكم تشريعاتها بعقوبات شكلية وجد مخففة إن لم تكن البراءة في حق من يقتل المرأة بذريعة الدفاع عن الشرف . فيما دول أخرى تشرع لعقوبات نسبيا مشددة كما هو الحال في المغرب . لكن في المقابل تشريعات المغرب تعفي المغتصب من العقوبة إذا قبل الزواج من الضحية . وقد حدثت فواجع وانتحارات بفعل هذا النوع من التشريع حتى اضطرت الحكومة الحالية ، وتحت ضغط الجمعيات النسائية والحقوقية ، إلى تعديل الفصل 475 من القانون الجنائي الذي ينص على إسقاط العقوبة على المغتصب في حالة زواجه من الضحية ، وبات التعديل يوجب العقوبة على المجرم في كل الأحوال . ومثل هذا التشريعات تشجع الجناة على مواصلة ارتكاب جرائمهم كما تشجع غيرهم على ارتكاب مثلها والافلات من العقاب .

6- اين اصبحت حقوق النساء ما بين الموروث من العادات البالية وتفسير النص الديني والسلطة الحاكمة المدافعة عن السيطرة الذكورية؟
تختلف وضعية النساء وحقوقهن من دولة إلى أخرى . وكان من المفروض أن تحدث "ثورة"
الربيع العربي نقلة نوعية في حقوق النساء ، لكن الذي حدث في مصر وليبيا كان أكثر سوءا بعد إلغاء القوانين السابقة التي كانت تحفظ عددا من الحقوق لصالح المرأة بما فيها تجريم الختان وتقييد تعدد الزوجات إلى حد المنع . بل طالب حزب تونسي بدسترة زواج ملك اليمين ومارسه بعضهم في مصر في ظل نظام الإخوان . أما في المغرب فقد رفضت حكومة بنكيران الإسلامي مطالب تغيير الفصل 475 من القانون الجنائي ، ولم تقبل التعديل إلا بعد سقوط ضحايا كثيرات من الفتيات . فالإسلاميون لا يؤمنون بحقوق النساء ولا يسعون لتطبيقها . فهم يكرسون الأعراف والتقاليد التي تحق من قيمة المرأة وتهمشها وتنظر إليها فقط كعورة وموضوع للشهوة الجنسية . وقد استغل التيار السلفي المتشدد وضعية ضعف دول "الربيع العربي" ليطالب بإلغاء القوانين التي يراها "مناقضة" للشريعة . لذا فمعركة حقوق النساء هي معركة المجتمع برمته وتستوجب تعبئة كل القوى الحية ، ولا يمكن المراهنة على الحكومات الإسلامية لتحسين أوضاع النساء وهم يسعون لإقرارهن في البيوت . بل إن الإسلاميين يتصدون لكل الأصوات المطالبة بتجديد الخطاب الديني وإعادة قراءة النصوص بما يستجيب لمطالب النساء في المساواة وإلغاء كل أشكال التمييز ضدهن وتجريم العنف بكل إشكاله ضد المرأة . لا زالت وتتكاثر الأصوات التي تحرض على ضرب النساء باعتباره تشريعا إلهيا ، وترفض كل المطالب بالمساواة بما فيها المساواة في الإرث . بل تجرأ عدد من شيوخ التطرف في المغرب وافتوى بتكفير الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي وقطاعه النسائي ومثقفيه لأنهم طالبوا بالمساواة في الإرث . ولسوء الحظ قضت المحكمة بإدانته بشهر موقوف التنفيذ وغرامة 500 درهم ( 1 دولار = 8 دراهم) . الأمر الذي عده الحقوقيون تشجيعا لفتاوى التكفير والتحريض على القتل .
7- ما هي برأيكم دوافع مصادرة حق اعطاء المرأة العربية جنسيتها لأبنائها وزوجها هل هو عامل سياسي،أم قانوني،ام ديني؟
تجدر الإشارة هنا إلى أن المغرب أقر للمرأة حقها في منح جنسيتها لأبنائها من الزواج المختلط . وجاء هذا بعد نضالات طويلة خاضتها الجمعيات النسائية والحقوقية . لكن يبقى حق المرأة أن تمنح جنسيتها لزوجها مصادرا . وتطالب الهيئات النسائية والحقوقية بتخويل المرأة هذا الحق . بينما في بقية الدول تعاني المرأة من الإجحاف القانوني باستثناء تونس التي حافظت على مدونة الأحوال الشخصية التي كان معمولا بها قبل "الثورة". ولعل من ابرز أسباب منع المرأة من منح جنسيتها لأبنائها وزوجها أن الدول العربية/الإسلامية تتعامل مع المرأة بنفس المنطق الذي تتعامل به القبيلة مع نسائها . فالقبيلة عادة تضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل فتحرمها من الحقوق التي للرجل ، ومنها الإرث . فالمرأة لا ترث في القبائل التي تخضع لنظام الملكية المشاعة أو الملكية الجماعية للأرض ، إذ أن تمليك المرأة معناه فتح المجال للأزواج الغرباء ليصيروا ملاكا ينافسون أبناء القبيلة الأصليين . وهكذا هي نظرة هذه الدول إلى الجنسية . لذا فهي ترفض أن تمنحها لغير الأبناء الأصليين أو من هم من رجال غرباء وبرانيين .
8 - حقوق المرأة هل ضاعت أم ضعفت عند دخول النص الديني عليها وتقنينها في قوانين احوال شخصية للمسلمين وغير المسلمين؟
النص الديني يخضع لقراءات متعددة وأفهام متباينة . فالنص الديني يحمل المعنى الذي يريده ويسعى إليه من يقرأه . فهو حمل أوجه . من هنا فمشكلة المرأة في مجتمعاتنا ليست مع النص الديني ولكن مع تأويل الفقهاء لهذا النص وجعله يخضع لتصورات ذكورية ويستجيب للأعراف والتقاليد ويغذيها ويتغذى منها . لهذا نجد نفس النص الديني تقرأه طالبان قراءة مناقضة لقراءة الأحناف أو المالكية ، القدامى منهم والمحدثين . الأمر الذي يضع دولنا أمام ضرورة تجديد الخطاب الديني لترقى بوعي المجتمعات .

9 ــ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان وسيداو ،متى ستصبح قيد التنفيذ دون أية تحفظات في عالمنا العربي؟ وهل لحقوق المرأة الانسانية دين تقبع داخله ؟
حقوق المرأة هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان . وطالما مجتمعاتنا لا تحترم حقوق الإنسان في بعدها الكوني ، فإن حقوق المرأة والرجل معا لن يتم احترامها . من هنا يمكن القول إن رفع التحفظات مشروط بإشاعة ثقافة حقوق الإنسان واعتماد منظومتها في وضع التشريعات الوطنية . وطالما ظلت التشريعات الوطنية أسمى من المواثيق والعهود المتعلقة بحقوق الإنسان ، فإن حقوق المرأة ستظل مصادرة أو مقيدة في أحسن الأحوال . وما يكرس هذه الوضعية هو تشبث دولنا "بالخصوصية" التي تسمح لها بخرق حقوق الإنسان باسم حقوق الإنسان . فكل دولة تتحجج بالخصوصية لوضع تشريعات تنافي حقوق الإنسان أو لمصادرة حقوق المرأة .