بين -الربيع العربي- والربيع ألأوكراني انفصال دون اتصال .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 19:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

استطاع الحراك السياسي ، في أوكرانيا ، أن يصمد طيلة ما يقرب من أربعة شهور ويجسد وحدة المعارضة وتكتلها حول شعار واحد "المجد لأوكرانيا" . حافظ المتظاهرون على سلمية حراكهم ووحدة مطالبهم في تنسيق محكم مع المعارضة البرلمانية التي لم تركب على الحراك ولا تاجرت به ولا خانت شعاره . ويمكن المقارنة بين "ثورات الربيع العربي" وثورة الربيع الأوكراني لنقف على ما بينها من اتصال أو انفصال :
1 ـ شعار الأوكرانيين "المجد لأوكرانيا" ظل مستحضرا ووفيا للوطن وللشعب ، إذ لم يرفع المتظاهرون شعار إسقاط أركان النظام ومؤسساته ومطاردة "أزلامه" وتصفية "فلوله" و"شبيحته" . كل نظام له أعوانه وأتباعه وهم ليسوا بالضرورة "فلولا" ولا "شبيحة" . لهذا لم يعلن الأوكرانيون عن معاداة كل من ساند النظام من برلمانيين ووزراء ورجال أعمال وأطر حزبية .
2 ــ شعارات "الربيع العربي" متعددة ومتباينة : "ارحل" ، "الشعب يريد إسقاط النظام" ، "الشعب يريد تطبيق الشريعة" "حرية ، كرامة عدالة اجتماعية" الخ . شعارات لا تميز بين الدولة والنظام والمؤسسات والحزب أو التحالف الحاكم . جميعهم سواء وجميعهم مستهدفون بشعار "ارحل" ؛ الأمر الذي خلق مقاومة في صفوف من استهدفهم شعار "ارحل" في وجودهم السياسي ومصالحهم المادية وأوضاعهم الاجتماعية وحرياتهم الشخصية . شعارات تشيع العداء وتتغذى عليه .
3 ــ هدف الحراك الأوكراني اقتلاع الاستبداد السياسي الذي مارسه الرئيس ، رأس النظام الذي كان يتمتع بصلاحيات دستورية واسعة . لهذا سارع البرلمان إلى إقالة الرئيس وتحديد موعد الانتخابات وتقليص صلاحيات الرئيس المقبل . لم يطالب الأوكرانيون بحل البرلمان ولا اعتقال أعضاء الحكومة ولا مطاردة "فلول" النظام . أدركوا أن الدولة ليست ملكا لفرد ولا للنظام ، لذا لا مجال لتقسيم الشعب إلى موالين للنظام ومعارضين له ، أو تفتيت قواه وتناحرها . فشعار "المجد لأوكرانيا" يوحد كل المواطنين ويطمئن حتى الموالين للنظام وللرئيس المقال على مصيرهم وحق انتمائهم للوطن . فالمواقف السياسية مهما كانت ، لا تلغي حقوق المواطنة ولا تُجرّد منها .
4 ــ "الربيع العربي" له أهداف ومطالب كثيرة متباينة ومتنافرة . وتباين الأهداف عصف بأزهار الربيع واجتث جذورها . بل أضعف الحراك وأدخل قواه في اقتتال داخلي وفتنة مذهبية عصفت بالأمن والاستقرار وهجّرت المستثمرين وروعت السياح ونفّرت جموعهم . لقد حرض "الربيع" العربي ضد النظام والدولة ورموزهما وقواعدهما الحزبية والسياسية والإعلامية والقضائية والفكرية والأمنية والفنية . إنه العداء المقيت لكل ما له علاقة بالنظام وإن لم يكن موال له . وضعية من هذا النوع أشاعت الخوف والرعب وقسمت المجتمع إلى فئات وطوائف إن لم تكن متصارعة فهي على استعداد لذلك .
5 ــ الربيع الأوكراني تقوده معارضة منظمة بأهداف واضحة وبتنسيق محكم مع فئات الشعب المعتصمة . فالثورة لا تنجح بعدد الثوار ولا بنوعية الشعارات التي ترفع ، بل بإستراتيجيتها الواضحة التي تضعها قيادة واعية ومتبصرة تعرف من أين تبدأ وأين تنتهي . لهذا حافظ على وحدة الصف وحقق الهدف .
6 ــ "الربيع العربي" لا قيادة له ولا إستراتيجية ولا أهداف مشتركة غير إسقاط النظام . فبمجرد ما سقط الناظم ظهرت التناقضات وتنافرت الأجندات وظهرت على الساحة تيارات لا تؤمن بالديمقراطية ولا بقيم المواطنة ولا حتى بالدولة المدنية . تيارات ركبت على "الثورة" وسرقت ثمرتها وانحرفت بها نحو الاستبداد أو المجهول . تيارات تمارس كل أشكال الإرهاب لإقامة دولة "الخلافة" وتطبيق الشريعة وطرد "العلمانيين" وأهل الديانات الأخرى خارج الوطن الذي لم يعد يسع جميع أبنائه ، بل وطن للمؤمنين فقط . تيارات دينية ومذهبية جاءت بأنظمة أو تسعى لفرضها هي من أشد الأنظمة استبدادا في تاريخ البشرية . تيارات تعادي المواطنين وقيم حقوق الإنسان أكثر مما تعادي الأنظمة المنهارة . تيارات متمسكة بالسلطة ومستحلة كل الوسائل والأساليب الموصلة إليها والممكّنة منها ومن الدولة . أباحت الكذب والقتل والسحل والتزوير والتآمر على الوطن والتواطؤ مع الإرهاب ، بل وممارسته والتحريض عليه . تيارات قوضت الدولة والمؤسسات وأحرقت المجتمع بنار الفتنة والطائفية.
ملحوظة : التدخل الروسي في أوكرانيا افسد على الأوكرانيين فرحتهم واسقط أزهار ربيعهم .