دكتاتور قَيْد الصُّنْع!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4373 - 2014 / 2 / 22 - 21:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


إذا أَرَدتُّم دليلاً على دُنُوِّ إشراق شمس "الدولة المدنية" في مصر، وفَيْض انتخاباتها الرئاسية المقبلة ديمقراطيةً وحُرِّيَّةً، فإنِّي أُقَدِّم إليكم هذا الدليل الآن على شكل "تَهْنِئة" للمرشَّح الرئاسي المشير عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي بفوزه العظيم بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية؛ فهذا الرَّجُل، الذي يُمثِّل كلَّ تناقض خلاَّق مُفْعَم بالنَّشاط والحيوية، أَبى إلاَّ أنْ يؤسِّس لعهد سياسي جديد، مدني ديمقراطي، يليق بثورة 25 يناير، وهو يرتدي الزِّي العسكري؛ فلَمَّا استشعر ضرورة أنْ يُزوِّد جيشها العظيم أسلحةً قويةً، استبدَّل الزِّي المدني بالزِّي العسكري، ويَمَّمَ الكرملين وسيِّده بوتين، ليشتري منه السلاح (معبود كل جيش) بِثَمَنٍ اقتَطَعَه من أموال أَغْدَقَها عليه "المُحْسِنون العرب"، لعلَّه يُحْسِن السَّيْر بمصر إلى ما فيه نَفْعهم؛ ولقد أُريد لصفقة الأسلحة تلك أنْ تُذكِّر الناس (شرقاً وغرباً) بعهد جمال عبد الناصر، وبموسكو الحمراء، وبصفقة الأسلحة التشيكية؛ فإذا بها تَجْعَل "المُقارَنة" طريقاً إلى إظهار وإبراز وتأكيد الفَرْق في الجوهر والأساس؛ ولَمَّا قَبَض سيِّد الكرملين "الثَّمَن"، ثَمَّن (وبارَكَ) تَرشُّح السيسي لانتخابات الرئاسة المقبلة.
شكلاً ليس إلاَّ، سنرى، في انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة، وعلى مستوى "التَّرَشُّح" و"المرشَّحين"، شيئاً من "التعدُّدية" و"المنافسة"؛ ولسوف تقيم هذه الانتخابات الدليل على أنَّ "الفوز بالتزكية" يمكن أنْ يتَّخِذ له هذا الشكل؛ فهل من المنطق والحكمة في شيء أنْ "يتوقَّع" المرء أنْ يَفْشَل ويُهْزَم المرشَّح المشير عبد الفتاح السيسي في انتخابات الرئاسة، وهو الذي ما كان لِيَقْبَل خوض مُعْتَرِكها لولا "تفويض الجيش" و"طَلَب الشعب"؟!
الفريق (فالمشير) السيسي "يَقود" و"يَعْبُر"، أيْ يستطيع قيادة الأُمَّة، والعبور، غير مرَّة، بمصر وشعبها إلى حيث الأمن والأمان والاستقرار والرَّخاء، مُمَثِّلاً "الضرورة التاريخية"، وممتثِلاً لها؛ لكنَّه يَحْرِص دائماً على ألاَّ يبدأ قبل أنْ يُفَوِّضَ الجيشُ إليه الأَمْر، وقَبْل أنْ يرى "الشعب" يَنْزِل إلى الشارع، مُسْتَغيثاً صارِخاً "وامعتصماه"؛ فهذه "الشَّرْعية الشعبية" هي وحدها الطريق التي يُحَبِّذ إلى "الشرعية الدستورية"؛ فـ "الانقلاب العسكري (الذي لا ريب فيه)" يُشَرْعَن أوَّلاً بـ "النزول الشعبي العظيم"، ثمَّ تأتي الانتخابات الرئاسية لِتُتَمِّمَ شَرْعنته.
هذا "المُرشَّح" سيفوز، ولن يخسر؛ لأنَّ "الشعب" ليس "صِبيانياً"، ليُبايعه، في الشارع، على أنْ يُصوِّت له؛ ثمَّ يَغْدُر به يوم الاقتراع!
إذا أَرَدتُّم جواباً عن سؤال "كيف تَصْنَع دكتاتوراً؟"، فما عليكم إلاَّ أنْ تَنْظروا بعيون يقظة، لا تغشاها أوهام، إلى صُعود نجم السيسي، فباسم هذا الرَّجُل الآن يُسمَّى بعض الزيوت، وبعض أنواع الشكولاتة، في مصر الآن؛ وعَمَّا قريب، قد يَصْدُر له ما يشبه "الكِتاب الأخضر"؛ فهو نَهِمٌ في السُّلْطة، وفي طَلَب "العَظَمة" و"التَّعظيم".
في الثالث من تموز/يوليو 2013، لَبِسَ الفريق السيسي لبوس "بونابرت"، مؤسِّساً لـ "حُكْمٍ بونابرتي" جديد؛ وكانت "الصورة الشهيرة"، التي ظَهَر فيها "الجنرال" متوسِّطاً "الهلال (أيْ الأزهر وشيخه)" و"الصليب (أي الكنيسة القبطية ورئيسها)"؛ فإنَّ لـ "مدنية" الدولة، في عهد السيسي، أقانيمها الثلاثة: "الجيش" و"الهلال" و"الصليب".
وكان لبعض رجال "المؤسَّسة الدينية (الأزهرية)" مساهمة جليلة في رَسْم "الصُورة"، صورة الشخص والعهد؛ فشيخ الأزهر رأى "الخوارِج" يَظْهَرون في المعارَضة، فقال: "المعارضة السلمية لوليِّ الأمر الشرعي (أيْ السيسي) جائزة ومباحة شرعاً؛ ولا علاقة لها بالإيمان والكفر؛ أمَّا العنف والخروج المسلَّح، فهو معصية كبيرة، ارتكبها الخوارج في خروجهم على الخلفاء الراشدين (من أمثال السيسي)".
وكيل الأزهر السابق الشيخ محمود عاشور، وكمثل مَنْ أُوحي إليه، قال: "إنَّ الله مَنَّ على مصر بالفريق عبد الفتاح السيسي، وإنَّه لَمِنْ فضائل الله سبحانه وتعالى على المصريين".
وفي حضور هذا الذي مَنَّ الله على مصر به، قال مفتي الديار المصرية السابق علي جمعة: "إنَّ الرؤى قد تواترت على أنَّ قادة الجيش المصري (وفي مقدَّمهم السيسي) مُؤيَّدون من الرسول، وإنَّ عليهم محاربة الخوارج".
بكلِّ ما شاخ، وتَقادَم عهده، وأكل عليه الدهر وشرب، يريد "الرئيس" السيسي بناء المستقبل، أو "مصر المستقبل"؛ ولقد عَرَف بعض شيوخ الأزهر كيف يَسْتَحْضِرون لـ "الرئيس المقبل" كثيراً من "أرواح الماضي"؛ فـ "الخوارِج" ظَهَروا في "المعارَضَة (المصرية لحكم السيسي)"، وتمادوا في خروجهم على عهد يشبه عهد الخلفاء الراشدين؛ فإذا كان المشرق العربي مسرحاً لصراعٍ جديد، أيْ قديم متجدِّد، شُخوصه عُمَر وعلي ومعاوية ويزيد والحسن والحسين..، فإنَّ "أرض الكنانة" مسرح لصراعٍ يخوضه "خوارج جُدُد"؛ وعلى "الرَّعية" أنْ تنتصر للجنرال، المؤيَّد من الرسول، والذي يشبه، في عهده، الخلفاء الراشدين، حتى ينتصر على هؤلاء الخوارج، الخارجين عليه!