الوهم الكبير


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 16:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

منذ تنصيب ما يسمى بحكومة التناوب سنة 1998 والتي قيل انها جاءت من جهة لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية التي اعلن عنها تقرير للبنك الدولي سنة 1995 ومن جهة أخرى لضمان انتقال سلس للسلطة بين ملكين (توفي الحسن الثاني سنة 1999) ومن جهة ثالثة تخليق الحياة العامة (حيث ظل الحزب الحاكم يردد انه جاء فقط لتخليق الحياة العامة، أما الازمة الاقتصادية فلا قدرة له عليها)، لكن صيرورة الواقع أكدت للجميع على أنه عدا تحقيق حكومة اليوسفي للهدف الثاني أي ضمان الانتقال السلس للسلطة فقط قبل انهاء ترأس الاتحاد الشتراكي للحكومة في انتخابات 2003، فإن السكتة القلبية لم تفتأ تتفاقم كما لا زالت الحياة العامة تتكسر أكثر فأكثر على صخرة الفساد الذي أصبح بديلا جذريا للاخلاقيات في ابسط حدودها ويفرز عاهات دائمة، نفس الشيئ عشناه مع حكومتي ادريس جطو وعباس الفاسي فالبعض يدعي التكنوقراطية لمعالجة الاختلالات على كاهل القوت اليومي للشغيلة والبعض الآخر يدعي معالجة الازمة الاقتصادية والمالية بالتسريحات الجماعية وتجميد الأجور، ثم أخيرا ها هو حزب العدالة والتنمية الذي كذب دهرا على دقون المغاربة البسطاء المتدينون وهو في المعارضة وعندما وصل الى الحكومة في 25 نونبر 2012 نطق كفرا بكل ما كان يدعيه أمام الناخبين وأكثر ما يشتهر به بنكيران اليوم هي المقصلة الثلاثية الأضلاع والتي تستهدف القوت اليومي للجماهير المقهورة في أبسط حاجياتها الاساسية والمتمثلة في كل من:

- اعدام صندوق المقاصة؛

- مراجعة انظمة التقاعد عن طرق الزيادة في السن ورفع نسبة الاقتطاعات والتقليص من رواتب التقاعد؛

- ثم مراجعة الضرائب عبر رفع المعدلات الضريبة على القيمة المضافة على كافة السلع والخدمات الاساسية.

الوهم الذي يقع فيه الكثيرون خصوصا تحت تأثير الخطاب الاقتصادوي المنمق واستعراض النسب المائوية والأرقام المختلفة ضمن الناتج الداخلي الاجمالي، هو أن حكومة بنكيران:

اما أنها تعالج اقتصاد البلاد بواسطة الصعقة الكهربائية (والتي تتحملها فقط الجماهير الشعبية المقهورة) وذلك من اجل معالجة الازمة من جهة والتحضير للقفزة التنموية من جهة أخرى ؛

أو أنها كما يدعي فصيل من الاقتصاديين البرجوازيين بأن هذه الحكومة تحاول فعلا ادخال اصلاحات عبر الصعقة الكهربائية لكنها تخطأ فقط في المنهجية والآليات المتبعة في الاصلاح، ويقترحون آنذاك بضرورة اصلاح الاصلاح وهو ما يعني أن الاحزاب المعارضة القائلة بذلك والمركزيات النقابية البيروقراطية التابعة لها، تقترح صعودها مكان حكومة بنكيران لاعتماد المنهجية الاصلاحية المناسبة والتي لن تخرج أيضا عن الصعقة الكهربائية مع تغليفها بنفس الأوهام والوعود بإمكانية معالجة الأزمة وبالتمهيد للانطلاقة الاقتصادية الموعودة. وهذا ما يعني ان الأحزاب اليمينية واليسارية والاسلامية لا يختلفون على حماية مضمون النظام البرجوازي واساليب نهبه للجماهير الكادحة ويجتهدون فقط لغويا في تجميل اساليب حماية ذلك المضمون.

الوهم إذن متحكم ومستشري ومتقاسم بين أدوار احزاب الاغلبية وأحزاب المعارضة ومركزياتها النقابية البيروقراطية، كما أن الصحافة بكافة تلويناتها وتوجهاتها الحزبية أو المستقلة تغذي هذا الوهم لدى الجماهير الشعبية وتدافع عنه بشراسة، وقد يخال للمتبع السادج للمناوشات الدائرة على أعمدة الصحف أن هناك فعلا معركة ديموقراطية تنافسية على مشاريع مجتمعية متمايزة.

لكن ما هي الحقيقة المرة التي يعمل الجميع على اخفائها، إنه أمر بسيط يخفيه جميع هؤلاء وهو أن ما يحدث في بلادنا منذ ما يسمى بالاستقلال هو التغطية على كيفية عمل النظام الرأسمالي في بلادنا، وكيف تستغل البرجوازية المتحكمة في السلطة بدون شريك هذا الوهم الذي تشتغل عليه الاحزاب السياسية والمركزيات النقابية بمقابل، لكي تتفنن في اعمال وأساليب النهب والسلب وتجميد الأجور والتسريحات الجماعية، وحيث أن لكل مرحلة منطقها وأساليب نهبها. فالنظام البرجوازي القائم في بلادنا لن ينتج طالما ظل قائما غير النهب والسلب والافقار، مقابل مراكمة رؤوس الاموال واعادة توظيفها "بشروط تنافسية" لاستخراج أكبر نسبة ممكنة من الارباح. شروط التنافسية ليست شيئا آخر غير مرونة الشغل أي تشغيل العامل لساعات طوال مقابل أجور زهيدة لا تغطى سوى ساعتين من العمل الذي يقدمه، ويترك هذا بطبيعة الحال معدلا مرتفعا من الارباح للبرجوازية المتحكمة في وسائل الانتاج.

الاقتصاديون البرجوازيون يلجؤون الى مختلف الحيل لنشر الوهم وسط الكادحين بان الاقتصاد في أزمة ويحتاج الى تفهمهم وصبرهم على تخفيض اجورهم وطردهم خاصة عندما يقسمون الناتج الداخلي الاجمالي على عدد رؤوس المغاربة فتظهر النسبة الضعيفة من الناتج الداخلي الاجمالي للفرد، بينما الواقع أن هذا الناتج الداخلي الاجمالي لا يوزع الا بين النخبة البرجوازية المتحكمة في وسائل الانتاج والتي توظف رؤوس الاموال المحققة من دماء الكادحين في البورصات العالمية وممارسة عيشة ومظاهر البدخ والرفاهية(انظر حكاية الوزير الذي استطاع في ظرف سنتين الانتقال من شقة صغيرة في حي شعبي بمدينة القنيطرة الى السكن في فيلا فاخرة على شاطء البحر بضواحي مدينة الرباط والتي قيل ان ثمن الفيلا يبلغ ستة ملايير سنتيم).

وسواء تعلق الامر بحكومة عبد الرحمان اليوسفي اليسراوي أو حكومة ادريس جطو التقنوقراطي أو حكومة عباس الفاسي اليميني أو حكومة بنكيران الاسلاموي، فإن تغذية الوهم واحد ومشترك بين الجميع والغرض منه هو ضمان استمرارية النهب والسلب والتهميش والافقار حتى تستمر البرجوازية الحاكمة في مراكمة رؤوس الاموال على حساب معاناة أغلبية الكادحين من الطبقة العاملة

تغذية هذا الوهم الكبير المشترك بين الاغلبية والمعارضة والذي يدعم استمرارية الدولة البرجوازية الاحتكارية في رعاية المتحكمين في دواليبها، لا يمكن ايقافه بالطرق السلمية، وقد تتبعنا وقائع شبيهة في البلدان المجاورة خاصة في تونس ومصر، فرغم الانتفاضات الجماهيرية القوية التي اسقطت الدكتاتورين بن علي ومبارك، إلا أن البرجوازية المتحكمة في دواليب النظام والدولة ظلت تتلاعب بالوعي الطبقي للجماهير عن طريق فبركة الوهم، فبدأته أولا بنشر الاسلام السياسي، ولكن سرعان ما انفضحت حقيقة التيارات الاسلامية كفصائل برجوازية ذات أهداف سياسية خبيثة مما أشعل ردود فعل جماهيرية عنيفة انقشع معها الوهم فتم اللجوء مباشرة لاستخدام العنف عن طريق الانقلاب العسكري كما حدث في مصر ويحدث حاليا في ليبيا في سياق آخر وربما يحدث ذلك غدا في اماكن أخرى وباساليب أخرى. والملاحظ من خلال تجربة ما يسمى بالربيع العربي ما يلي:

- لجوء البرجوازية المهيمنة بدون شريك للحفاظ على سلطتها الى دعامتان اثنتان للحفاض على استمرارية نهبها للكادحين فإما تلجأ الى التخدير الايديولوجي وتغذية الأوهام بواسطة احزابها ونقاباتها أو تلجأ الى الى الاختيار القمعي البوليسي والعسكري والقضائي للحفاض على استمرارية سلطتها وهيمنتها؛

- غياب شبه التام أو التواجد الضعيف جدا للمنظمات البروليتارية المفروض فيها توعية الجماهير الشعبية وقيادة نضالاتها وتثويرها وتأهيلها من أجل اسقاط النظام الكلي واقامة المجتمع الاشتراكي الخالي من الطبقات، وهذا الواقع ناجم عن تخلف الوعي الطبقي واساليب تنمية الوعي البروليتاري.

وأمام شراسة استعمال العنف والمغالطات للإبقاء على الطبقة العاملة في حالة من التخدير، راضية عن شروط عبوديتها واضطهادها واغترابها، فلن يحدث تغيير حقيقي عبر الوسائل السلمية ومنها آليات الديموقراطية البرجوازية ووهم الانتخابات والبرلمانية وما يسمى بممثلي الشعب، لأن البرجوازية لها خبرة قرون في تحوير هذه اللعبة لصالحها وابعاد المعارضين الحقيقيين والاستمرار عمليات اضطهاد واستغلال الطبقة العاملة. فلا يمكن إذن تغيير الوهم الكبير الا عن طريق الثورة على النظام السياسي البرجوازي من أجل اسقاطه كلية واعادة بناء أسس الدولة الاشتراكية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا كمرحلة انتقالية نحو المجتمع الخالي من الطبقات.

حقيقة ان انجاح هذه الصيرورة انطلاقا من الاعداد للثورة البروليتارية وانجاحها وارساء دكتاتورية البروليتارية كنظام سياسي انتقالي يعمل على محو الطبقات، لن يحدث بشكل عفوي وغير منظم، فالتنظيم السياسي البروليتاري والذي يراكم الخبرات التنظيمية والنضالية عبر صيرورة طويلة من تجارب الصراع الطبقي المنظم، هو وحده الكفيل بصقل الأداة السياسية الديناميكية لبلوغ الأهداف الاستراتيجية للطبقة العاملة.