مالي بوابة المغرب إلى إفريقيا ومجاله الحيوي .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 01:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


تمثل السياسية الجديدة التي ينهجها المغرب تجاه إفريقيا تصحيحا للأخطاء الدبلوماسية التي وقع فيها بعد انسحابه من الاتحاد الإفريقي وتوجهه إلى الاتحاد الأوربي بدافع الرغبة في الانضمام إليه . تركت تلك السياسة المجال فارغا لتملأه الدبلوماسية الجزائرية وتحشد الدعم لموقفها العدائي للوحدة الترابية للمغرب وعزله عن امتداده الإفريقي . فكانت انقلابات موريتانيا ومالي ودعم الإرهاب في منطقة الساحل مداخل رئيسية لتنفيذ إستراتيجية العزل هذه . ولحسن الحظ أدرك المغرب ،في السنوات الأخيرة ، أن عليه تغيير إستراتيجيته لكسب الرهان ومحاصرة التآمر الجزائري ضد وحدته الترابية وأمنه الوطني . ولعل قراءة المتغيرات السياسية والأمنية التي فرضتها الأحداث المتتالية التي سرّعت من وتيرتها الأسلحة المتدفقة من مخازن القذافي بعد انهيار نظامه بأيدي التنظيمات الإرهابية التي حاولت فرض واقع سياسي جديد على دول الساحل بسبب هشاشة أنظمتها ومؤسساتها ، لعل هذه القراءة وهذه الأحداث هي التي منحت للمغرب فرصا ثمينة من أجل استثمارها بما يضمن التواجد القوي والمشاركة الفعالة في رسم معالم المستقبل لدول الساحل وجنوب الصحراء إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة اللتين أدركتا أهمية الدور المغربي في محاربة الإرهاب ودعم الاستقرار في المنطقة . من هنا كان القرار الصائب للمغرب بدعم التدخل العسكري الذي قادته فرنسا مطلع يناير 2013 ، في شمال مالي لطرد التنظيمات الإرهابية التي أعلنت إقليم أزواد "إمارة إسلامية" بعد طرد مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد ؛ كما كان للدور المغربي برئاسته لمجلس الأمن في دجنبر 2012 ، تأثيره المباشر في توفير الدعم الأممي لخطة التدخل العسكري لمساعدة الدولة المالية على بسط سيادتها على كامل التراب الوطني . كانت فعلا حربا دبلوماسية وسياسية مفتوحة بين المغرب الساعي لفتح منافذه نحو إفريقيا جنوب الصحراء وتأمين امتداده الجغرافي والتاريخي نحو الجنوب ، وبين الجزائر التي تكرس جهودها ومقدرات شعبها في معاداة الوحدة الترابية للمغرب ومحاصرته شرقا وجنوبا بمخططات الانفصال والإرهاب والتهريب والمخدرات . إنها إستراتيجية ذكية وواقعية هاته التي يسلكها المغرب في تعامله مع القضايا والمشاكل الإفريقية . إذ لم يعد المجال الأمني والاقتصادي والسياسي والديني محصورا عند الحدود الجغرافية الجنوبية للمغرب ، بل تشكل دول الساحل والصحراء مجاله الحيوي والحدود التي تحمي أمنه واستقراره . والخطر القادم من منطقة الساحل لا يتهدد فقط دولها ، بل يتجاوزها إلى تهديد الأمن المغربي والدولي . إن ما يجري في دول الساحل والصحراء يهم المغرب مباشرة ، لأن استقراره من استقرارها . بهذه الرؤية الواقعية والمستشرفة للمستقبل المشترك ، عزز المغرب حضوره السياسي والديني والأمني والاقتصادي في دولة مالي حتى يوفر لها إلى جانب جهود فرنسا ودول إفريقية أخرى أسباب الاستقرار السياسي والدعم الاقتصادي في ظل مقاربة شمولية تروم محاربة الإرهاب من مداخل شتى على رأسها الهشاشة الاجتماعية . وقد أفلح المغرب في إقناع الدول الغربية بضرورة توفير الدعم المالي لدول الساحل للقضاء على الأسباب المادية التي يستغلها المتطرفون في استقطاب وتجنيد ضحاياهم من الشباب . وفي هذا الإطار ، تبنى الاجتماع الوزاري الخاص بدول الساحل الذي عقده مجلس الأمن بالرباط برئاسة المغرب في 10 دجنبر 2012 المقاربة المندمجة التي طالما دعا المغرب المنتظم الدولي باعتمادها في محاربة التطرف والإرهاب في منطقة الساحل والصحراء . وهو الأمر الذي ترجمه الاتحاد الأوروبي بتوفير 6.75 مليار دولار للتنمية في دول الساحل ما بين 2014-2020 ، كما وعد البنك الدولي بتقديم مساعدة بقيمة 1.5 مليار دولار في شكل استثمارات ، على مدى سنتين ،في مجال البنية التحتية والطاقة الكهرومائية وبرامج زراعية والصحة . بالموازاة مع الجهود الدولية ، يبذل المغرب جهوده الذاتية لتقوية روابطه السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية بدول الساحل . وتمثل حالة مالي مجالا نموذجيا لنقل التجربة المغربية في مجالات الأمن والاقتصاد والدين والوحدة الترابية . لأجل هذا حافظ المغرب على حياده الإيجابي في الصراع الداخلي بين الأزواديين والحكومة المركزية ، بحيث ظل يدعم الوحدة الترابية لمالي وفي نفس الوقت الإقرار بالحقوق السياسية للأزواديين . من جهة أخرى ، وسيكون لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل سياسي ، الدور الإيجابي والحاسم في تجاوز النزعات الانفصالية التي تتهدد دول المنطقة . ذلك أن الانفصال لا يحقق الاستقرار ولا يوفر شروط التنمية ، والمثال السوداني دليل على فشل المشروع الانفصالي وانسداد أفقه . وبقدر الدعم الأمني والاقتصادي ، جاء الدعم الثقافي والديني الذي يقدمه المغرب لدولة مالي عبر إعادة ترميم وبناء الأضرحة والمساجد التي هدمها المتطرفون بعد سيطرتهم على تومبكتو ، وكذا تكوين 500 إمام وفق المذهب المالكي لمواجهة التيارات المتطرفة التي تنشر عقائدها بين السكان وتقوي لديهم الاستعداد للانخراط في التنظيمات الإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل والصحراء.