الحب بالأزرق... - علي السوري الجزء العاشر-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 4361 - 2014 / 2 / 10 - 23:21
المحور: الادب والفن     

صباح الخير أيها الوطن الجميل خلف المحيطات..
أسأل نفسي ما هذا الحنين إلى وطن ( تعترنا) حتى نخرج منه؟!
الوطن:
ذكرى..
و أحلامٌ ..
و جسرٌ متينٌ بينهما يمرُّ فوق تغريبة الطرق الفرعيّة التي تمنحك جواز سفر آخر.
ما الذي خسرناه حتى ارتمينا في أحضان الطرق الفرعية؟!
تشكو "سنية" لي كلّ يوم حال المصريين، فقرهم، آمالهم و طموحاتهم..
تشكو لي معادلة إما تحت (البوط) العسكري أو تحت " العمائم"..
أية لعنة تحل على من يقرأ التاريخ بلسان الأدباء و الشعراء.. أية لعنة تحلّ على من قرأ " نجيب محفوظ".." طه حسين".." أحمد شوقي".. على من غنى مع " إمام"، و حلم مع "الناصر"..
أية لعنة و أنا لم أستطع أن أرى أحفاد الفراعنة يوماً إلا فوق عجائب الدنيا.. في إلهام الشعر.. و في قلب الحياة...
**********

علاقة " عمار" ب " هبة" تشبه علاقة القط مع طائر جميل..
يحاول القط مصادقته لكنه يعلم أنه ليس جيداً في أنواع الطيور.. يخشى من كونه نسراً آخراً، في عالم طيور بريّة...
" هبة" متمردة جميلة في " عراق" حلّ الحزن فيه منذ اعتزل التمرد...
كل " ثلاثاء" تقيم " هبة" في منزلها مناظرة شعرية، تدعو إليها كل المغضوب عليهم من المعارضة العراقية، و كل مناظرة تتحول في النهاية إلى حلبة صراع ل ( الأنا) يخرج منها الجميع منتصر إلا " هبة" ذاتها.. و التي تعارض الجميع..
" هبة " تقول الحقيقة و لهذا هي لا تشبه أحداً و لا تُعجِبُ أحداً.
الاستثناء الوحيد هو " عمار" الذي تعجبه كل تفاصيل هذه المرأة الطائر.. رأسها الصغير الجميل.. شعرها ( المنفوش) .. (منقارها) الشامخ المدبب.. و أخيراً عقلها، أجل " عمار " يجد في شجاعة " هبة" كل ما افتقده في " عبير".
رغم كل ذلك .. لا تزال " عبير" تسكن حياته كأنها " بغداد" أخرى.. و الحب الأول لا يقصيه حب آخر...

حوار اليوم في بيت " هبة" كان عن الوضع السوري، الموضوع الأشد إحداثاً للجدل في زمن النفط و الحريم، ربطة عنق حمراء كانت تحاور نظارة طبية، و كعب عالٍ:
- لا تقدموا الولاء إلى الجيش السوري.. جيش خائن.. باع بلاده إلى عائلة..
- بالله عليك يا رجل.. هل أدمنت قنوات النفط و البترول.. الجيش يحارب مرتزقة، و بغض النظر عن النظام الحاكم، فالجيش اليوم يجب أن ينتصر، و إلا سنصبح على موعد مع " أفغانستان جديدة..
- أعتقد أن ما حدث مع النظام السوري، يشبه ما حدث مع الراعي الكذاب.. ظل يكذب على الناس إلى أن لم يعودوا يصدقوه، عندها هجم الذئب المتآمر.. الناس يعتقدونه يكذب كالعادة، بينما قبائل الذئاب تنتظر الفرائس.. ما رأيك " هبة"؟!
تنحنت " هبة" تستعدُ لكسب عداواتٍ جديدة:
-سيقتل وطنكم التعميم.. سار العراقيون بوطنهم نحو المجهول من لحظة نسفوا فيها سمعة جيش بلادهم بكلّه.. لم أسمع أيّاً من الأمريكيين أو البريطانيين يسبّ جيش بلاده بأكمله لأنّ أفراداً منه خانوا الشرف العسكري في " أبو غريب".. أو " غوانتانمو".. كانت الخيانة دوماً فردية و ليست معممّة..
تعميم الشر على جيش وطن بأكمله.. لا يعني سوى محاولة إسقاط هذا الوطن.. و تعميم الخيانة يعني تعويم الشرف.

-إذا أردت ألا نعمم اسألي من البداية لمَ تحكم الأقلية أكثريّة؟!

- هذا يتوقف على تعريفك للأقلية و للأكثرية:
الأكثرية في قاموس المعاني عربي عربي:
طائفة من الناس تجمعهم رابطة اللغة أو الدين أو المبدأ ويعيشون مع طائفة أخرى أقل شأناً أوأقل عدداً « الأكثرية القومية ، الأكثرية الطائفية ، الأكثرية النيابية »
تعريف آخر:
الأغلبية: "مصطلح يستخدم لوصف ذلك القسم من مجموعة تكّون أكثر من النصف".
في الإحصائيات العالمية يشكل :
المسيحيون نسبة 33,32٪-;-
ثم يأتي المسلمين بنسبة 21,01٪-;-
إذا اعتمدنا النظرة الوهابية للأكثرية فاعتماداً على ما تقدم في زمن العولمة هل يجب أن يحكم المسيحيون العالم؟!

- لا طبعاً أنا أتكلم عن الأكثرية بالنسبة للمكان...

- تقصد أننا مجبرون على أن نطلق لقب أكثرية على الفئة الأقل عدداً.. و فوقها هذه الفئة ليس فيها نساء بل زمرة مغيبة المعالم بالنقاب الأسود.. و مسروقة المستقبل بحدود نقصان العقل و الدين؟!
أكثرية لفئة تعج بالذكور و يندر فيها الرجال؟!
للأسف الأكثرية التي تصفونها هي أقلّ في كل شيء ..
إذا لم تصدقوا: اسألوا عن تبعات مظاهرة قيادة نساء السعودية للسيارات!!

- ليس كل نساء المسلمين هكذا.. أيضاً معنى كلامك أنك ترفضين حكم الأكثرية كما في كل بلدان العالم ، هل رأيت رئيساً مسلماًً ل " فرنسا" مثلاً ؟! علينا أن ننظر بعقل، يجب أن تُحكم البلاد من قبل الأكثرية...

-طيب .. و لمَ تكون أكثرية دينية؟!

إن اعتمدنا النظرة العقلانية للأكثرية من حيث كونها ( الأكثر عدداً) فسيشكل الفقراء البسطاء أكثرية هذا العالم المدوّر.. منهم يجب أن يكون الرئيس.. الملك.. أبونا و شيخنا..

-لكن الفقراء مهمشون و يدفعون ثمن كرسي الرئيس.. الملك.. و ثمن حماقات أبونا و شيخنا !
-ومع هذا نجد من يتطرف! و أول المتطرفين هم المتثاقفين!
إذا نظرنا للتعريف بحسب نظرية الأكثرية هي الأفضل شأناً:
فهذا حالياً ينطبق على البلدان العلمانية ( الكافرة) التي يتزاحم ( المسلمون) التقاة على أبواب سفاراتها!!

-و برأيك ك " ملحدة" أين تكمن الحقيقة إذا؟!

-و من قال بأني " ملحدة"؟! كل من يعارض القطيع يجب وسمه بالإلحاد؟!
و مع ذلك سأجيبك ربما تكمن الحقيقة في ألا تعتقد بأنّك أكثريّة، فأيّاً كان معتقدك أنت أقليّة:
البشر كثيرون جداً ..و الأديان تختلف باختلاف بصمات الأصابع!
لا فضل لأحد على أحد عند الخالق.. إلا إذا أردت أن تكفر..
فإن اعتقدت أن ما أورثك إياه أجدادك هو الأفضل أو أنه (أغلبية)، فأنت في حاجة إلى استخدام عقلك ..
و تذكر يتميز الإنسان عن الحيوان ب العقل.
*******************

أي نفع لرسائلي الكثيرة إلى " السوريّ" الحزين؟!
لماذا أحببتُ رجلاً لا زمان في قلبه للحب.. و لا مكان للاستقرار؟!
رجل يخبرني كل يوم عن مدينة فاضلة، و أحلام قتلتها أنصاف الحقائق؟!

أكتبُ كل يوم رسالة للسوري الحزين.. أضعهم في صندوق من المخمل الأسود اشتريته يوماً من محل دمشقي في " القيمرية".. و حملته مع قلبي عبر المحيطات.. لأضع فيه كل آمالي الجميلة بأن أبقى في وطني و أنحر الغربة..
ها قد أصبح الصندوق ملاذاً لأسرار مشاعري مع " السوري".. بينما السوري لا يزال لا يراني..ليس سهلاً أن تحبّ قضيّة.. ( الثورة) تتحول إلى حرب أهلية.. و يدخل الغرباء البلاد من كل الجهات إلا من القلب...
لم أكن أعتقد أن القبور ما زالت تحكمنا.. و أننا مهما حاولنا تجاهل حروب السلاطين و تاريخ السيوف سيبقى الحبل السريّ لمورثاتنا موصولاً بماضٍ لا يهمنا أن ننقده بل يهمنا أن نفخر فيه.

دخل " السوري" منزلي اليوم حاملاً باقة من الورد الأزرق، قال لي :
- كل عام و أنت بخير.. عيد الحب ليس فقط للعشاق بل للأصدقاء.
و قلت في نفسي:
- هل من الضروري أن ( تخبصها) .. كل عام و أنت بخير كافية .
فيما هو يعدّ القهوة كنتُ ما زلت أرتب الورد في ( المزهرية) الفضية، أسمع قلبي يعاتبني:

-هل تحبينه أيتها الساذجة؟! أما زال في قلبك الصغير مكان يتسع لرقعة جديدة.. ما الذي يحق لك اختياره في الرقعة الجديدة؟!
ربما هو لونها فقط...
و لأنني قررت أن أجعل الرقعة زرقاء.. قلت له :
-ما رأيك في الذهاب للتزلج على الثلج غداً قدمي أصبحت في حالة جيدة...
- أي مكان مع " عليا" يشبه " سوريا" لنذهب اليوم...

رسالتي في ذلك اليوم للسوريّ كانت خاصة جداً، أفكر هل أرسلها أم أضمها لأخواتها في صندوقي السريّ.. كتبتْ حيرتي:
و أنا أُحبّكَ..
بعدد الكلمات التي لم نقلها بعد..
بجميع الحروف التي يخترعها الأطفال فينطقون بمفرداتٍ أولى..
وسعَ الضحكات التي تعمّدتُ أن أهديها إليك..
كبر حماقاتنا عندما يطرق الحب باب القلب ..
و أحبك من قبل أن يخترعوا " عيد الحب"..
و لو دخلوا قلبي كما دخلته أنتَ سيعرفون أن كل الأيام في حياة العشاق زرقاءٌ كسماء..
فاللون الأحمر الذي تلوّن به القلوب عن غباء لم يعد يصلح في زمن الحروب و الدماء...

هل لوّنت يومك؟!
كل عام و أنت بخير...


يتبع...