هل دقّت ساعة تقييم الأداء السياسى للترويكا؟


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4355 - 2014 / 2 / 4 - 08:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

الآن وقد هدأت موجة الاحتجاجات وتقلّصت فرص التراشق بالتهم والتهكّم.. يحقّ للمواطنين أن يتساءلوا عن سمات هذه التجربة السياسية التونسية «الفذّة» التى تميّزت بقبول النهضة مبدأ الديمقراطية التشاركية وإصرارها على عقد إيلاف مع حزبى المؤتمر والتكتّل. فإلى أىّ مدى كانت هذه التجربة متميّزة بالفعل أم أنّها كلّفت التونسيين خسائر جمّة وعطّلت حلمهم بالاستقرارين السياسى والاجتماعى؟


على امتداد سنوات حكم الترويكا لاحظ التونسيون: انزياح حزب النهضة عن مسار إقامة الشراكات الحزبية الحقيقية التى تقوم على الممارسة الديمقراطية واحترام التعدديّة والتنوّع لينقلب إلى حزب مهيمن بدعوى تمثيله للأغلبية. فكانت الديمقراطية أداتية توظّف لتهيئة المناخ الملائم لتحريك قواعد اللعبة الانتخابية لصالح الحزب الحاكم بما فى ذلك النسق السريع للتعيينات القائمة على أساس الولاء والتدخّل فى ترشيح عدد من الشخصيات لتولّى مهام فى الداخل أو بالخارج. ولعلّ هذا النمط السلوكى مشترك بين الحركات الدينية على اختلافها فلسان حال الإخوان: الاستحواذ إذا تمكّنت وعقد التحالفات إذا لم تتمكّن شريطة أن تكون لك اليد العليا. والمتأمل فى تاريخ الإخوان على سبيل المثال ينتبه إلى أنّهم تحالفوا مع اليسار ثم مع اليمين المتشدّد ممّا يفنّد الزعم بأنّ تجربة تحالف النهضة مع المؤتمر والتكتّل هى ابتكار تونسى متميّز.

افتقار الترويكا إلى رؤية سياسية واضحة وسياسات دقيقة وترتيب محكم للأولويات يتلاءم مع المطالب الثورية. ولعلّ تأخّر معالجة ملفّ العدالة الانتقالية وملفّ الشهداء وجرحى الثورة خير مثالين دالين على سوء تقدير الأولويات، وعجز حكومة الترويكا عن توقّع الرهانات المطروحة فى مثل هذه المرحلة. وسبب غياب الرؤية السياسية فى اعتقادنا، هيمنة العقدى على السياسى إذ تبدو الحلول جاهزة متى تعلّق الأمر بإدارة ما له صلة بالأيديولوجى غائبة متى ارتبط الأمر بالمجال الاقتصادى أو السياسى الصرف.

عسر التفاعل مع الواقع الاجتماعى والسياسى والاقتصادى والثقافى فى تعدّده والعجز عن عقلنة المواقف. وكأنّ الحكّام صمّ بكم لا يعقلون ولا يتّعظون من تجارب الأمم السابقة التى عاشت على وقع الأسلمة القسرية (السودان ــ الجزائر ــ أفغانستان...) لا يريدون أن يتلقوا دروسا من أحد لا من أردوغان أو المعارضة.

صعوبة الإقرار بالفشل والتجاوزات وكلّما بان العجز عن إدارة المرحلة الانتقالية تضخّمت الأنوات وصار الاستعلاء سلوكا مشتركا بين جميع القياديين الحاكمين من أهل اليمين أو اليسار «المعتدل». فلم نجد وزيرا اعتذر أو أقرّ بفشل سياسته المنتهجة أو اعترف بالانتهاكات والتجاوزات.

إنكار النكوص الحاصل والتنكّر للوعود المقطوعة. فبعد أن سوّقت حركة النهضة نفسها على أساس أنّها حزب معتدل وسطى مؤمن بالديمقراطية ومدنية الدولة عاين التونسيون بروز قيادات تتعامل مع السياسة لا من منظور الدولة بل من منظور التنظيم وتُغلّب مصلحة الحزب على مصلحة الوطن. فهل جاز القول إنّ أغلب قيادات النهضة «تسلّفت»؟

بدا المشروع الرئيس لا الحفاظ على المكتسبات وتطويرها مثلما وعد حزب النهضة بذلك بل العمل على تفتيت الدولة وتدمير مؤسساتها بكسر شوكة القضاة حين طالبوا باستقلال القضاء، و«ترويض» الإعلام حين تمنّع أصحابه عن خدمة الحكّام وهو أمر يفضح التناقض بين تصور إسلاموى للدولة قائم على الفهم الشمولى للإسلام باعتباره دينا ودولة والمفهوم المعاصر للدولة باعتبارها دولة المؤسسات والقانون. وهو مسلك مشترك بين الإخوان فالولاء هو للتنظيم لا للدولة ومصلحة الأمّة تقدّم على مصلحة الوطن. فلا غرابة والحال هذه ألا نتبين مشاعر وطنية فيّاضة تهزّ القوم حين يعزف النشيد الوطنى أو يرفع العلم.

فى ضوء استقراء بعض ملامح تجربة الترويكا فى الحكم يتعيّن على حكومة مهدى جمعة أن تسدّ الفجوات، وتعالج الملفات المستعجلة آخذة فى الاعتبار ضرورة القطع مع ممارسات لا تنمّ عن وعى سياسى وإدراك لمتطلبات السياق، ومع سلوك سياسى طفولى، وأداء غير مسئول وحضور إعلامى ردىء.

يطمح التونسيون والتونسيات فى أن يتبيّنوا تغييرا فى الخطاب السياسى وتجديدا فى آليات تدبير ما تبقّى من المرحلة الانتقالية: مزيدا من المسئولية والنضج والحوكمة الرشيدة والشفافية والمصداقية والنزاهة والتفاعل مع مختلف مكونات المجتمع المدنى.

قاعدة النجاح الإصغاء إلى نبض الشارع وفهم الواقع المتغيّر وإعادة توطيد أركان الدولة المدنية وفق أسس المواطنة ومقتضيات العيش معا.