كتاب الميراث: ب2 ف 1 هجص ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.)


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4347 - 2014 / 1 / 27 - 00:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب الميراث: ب2 ف 1 هجص ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.)
الباب الثانى : عن الهجص الفقهى السّنى فى تشريع الميراث
مقدمة للباب الثانى
1 ـ بسبب سبق القرآن بتشريعات الميراث فإن الفقه السّنى ـ الذى تأثر جزئيا بالتشريع القرآنى فى الميراث ـ كان ولا يزال متفوقا على التشريعات الغربية فى هذا المجال . ولكن تظل تشريعات الفقه السنى ـ فى أغلبها ـ مجرد ( هجص ) إذا قورنت بتشريعات الميراث القرآنية . واساس الهجص هنا أن الفقهاء السنيين تأثروا بثقافتهم فى العصور الوسطى فأضافوا وحذفوا وتلاعبوا فى تشريعات الميراث ، وصاغوا هذا فى أحاديث وأقاويل للصحابة والتابعين ، فنشأ تشريع فى الميراث السُّنى مُحمّل بالهجص . ومع هذا يظل الهجص السنى فيه متفوقا على تشريعات الميراث فى الغرب . هذا يوضح الى أى مدى تبلغ عظمة التشريع القرآنى التى نزلت فى عتمة ظلام العصور الوسطى ـ نورا للعالم . ولا تزال .
2 ـ وتعطى فصول هذا الباب لمحة سريعة عن الهجص فى تشريع الميراث السُّنى .
الباب الثانى : لمحة عن الهجص الفقهى السّنى فى تشريع الميراث
الفصل الأول : هجص ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.)
أولا : هذا هجص يناقض الاسلام
1 ـ لأنه يناقض مقصدين من مقاصد أساسين فى تشريع الاسلام ، هما العدل والحرية المطلقة فى الدين . ولقد تعرضنا لهما كثيرا فى مؤلفات سابقة ، ولن نُكرر ما قلناه ، ولكن سنضيف شيئا جديدا متصلا بموضوعنا ، وهو أهمية التحديد القرآنى لمستحقى الصدقة والزكاة المالية والوصية والميراث .
2 ـ حين دعا ابراهيم عليه السلام ربه أن يرزق أهل مكة الأمن والثمرات فقد قصر دعوته على المؤمنين منهم دون الكافرين ، وجاء الرد من رب العزة بأنه جل وعلا سيرزق الجميع من مؤمن وكافر ، ولكن الذى يموت كافرا سيُعذّب يوم القيامة بعد أن يتمتّع فى الدنيا : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) البقرة ) . الرزق للجميع ، وقد تكفل ربّ العزة برزق كل دابة : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)(هود )( وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60)(العنكبوت) ، وبالتالى فالرزق لكل فرد من البشر بغضّ النظر عن إيمانه أو كفره .
3 ـ نفس الحال فى الحقوق فى الصدقة والزكاة المالية ، فقوله جل وعلا عن صفات المتقين :( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات ) يعنى أن المتقى إذا سأله سائل للصدقة يُبادر بإعطائه الصدقة دون أن يسأله عن دينه ومذهبه ، وإذا رأى محروما بادر بإعطائه دون ان يقيم له محكمة تفتيش يستجوبه عن عقيدته . فالمستحق للصدقة هنا مُحِدّد بالصفة وهى ( السؤال ) و ( الحرمان ) ، وليس مهما إن كان صالحا أو فاسقا مؤمنا أو كافرا . وحين يقول رب العزّة جل وعلا : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة) فالفقير هنا لا أهمية لدينه وجنسه ووطنه ، يكفى كونه فقيرا أو مسكينا أو إبن سبيل ليأخذ ( حقّه ) من الصدقات فى الدولة الاسلامية . وفى الصدقة الفردية يقول رب العزة جل وعلا : (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ) 177 ) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة ). الصفات هنا هى المُعوّل عليه ، يكفى كونه من ذوى القربى والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ليأخذ حقه . أما هدايته وعلاقته بربه جل وعلا فلا دخل لأحد بهذا ، وليس علينا هدايته لأن هدايته أو ضلاله هى مسئوليته الشخصية ، والذى علينا أن نعطيه حقا فقيرا أو مسكينا أو يتيما أو قريبا أو ابن سبيل . وليس هناك أروع من قوله جل وعلا لنا وللنبى عليه السلام بعد تفصيلات فى تشريع الصدقة :( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) البقرة ). أى لسنا مسئولين عن هداية مستحقى الصدقة ، لأن الله جل وعلا يهدى منهم من يشاء الهداية، ومفروض أن نتصدق إبتغاء وجه الله ، وما ننفقه سيكافئنا الله جل وعلا خيرا فى الدنيا والآخرة .
2 ـ إذا كان هذا فى ( حق الصدقة ) فهو أولى فى حقوق الوصية والميراث . لقد تكرّر النّص على ( حق ) ذى القربى كقوله جل وعلا : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26)الاسراء ) ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (38) الروم ). هنا ( حق ) واجب لأناس محددين بالوصف وهم ذو القربى . وكل منا يعرق أقاربه والأقربين منهم . ليس مهما أن يكون أحدهم فاسقا عاصيا أو مؤمنا تقيا ، المهم أن يكون من ذوى القربى ليأخذ حقه من الاحسان والصدقة ، ويكفى أن يكون من ( الأقربين ) ليأخذ حقه من الميراث ومن الوصية . وينطبق هذا على الورثة الأقربين فى قوله جل وعلا :( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء )، وينطبق على بقية الأقارب قوله جل وعلا :( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء )، وفى الوصية : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ).
3 ـ لا دخل على الاطلاق لاختلاف الدين فى الميراث ، فالمسلم يرث الكافر ، والكافر يرث المسلم ، واليهودى يرث المسلم ويرث النصرانى المسلم ،والعكس . والمرتد عن دينه يرث ويوُرّث دون أى إعتبار على الاطلاق لموضوع الدين فى الميراث . يكفى أن يكون أبا أو أما أو ابنا أو زوجا أو أخا ليرث . فالعبرة بالوصف ( الأقربين ) عموما ، والأب والأم والأولاد والزوج والزوجة والأخ والأخت والأخوة . بهذا ـ وفقط ـ يستحقون حقوقهم من الميراث . وإذن فمن ( هجص ) الدين السُّنّى أن منع التوارث عند إختلاف الدين .
ثانيا : هجص مالك فى الموطأ :( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.)
1 ـ بدأ مالك بهذا الهجص ، وصنعه حديثا نسبه عبر العنعنة للنبى عليه السلام . جاء فى الموطأ : ( 1086 – حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ‏"‏ ‏.‏ ) هنا يروى يحيى الذى كتب الموطأ سمعا من مالك أن مالك روى له هذا الحديث يزعم أنه سمعه من (ابن هشام ) الزهرى . وقد أثبتنا أن مالك لم يسمع ابن شهاب الزهرى ولم يره اصلا .
2 ـ وتوالى تزييف أحاديث أخرى منسوبة لعلى بن أبى طالب ، أن أبا طالب الذى مات مشركا بزعمهم ورثه ابنه المشرك عقيل ولم يرثه ( على ) : ( 1087 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ إِنَّمَا، وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ - قَالَ - فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنَ الشِّعْبِ ‏.‏)
3 ـ وحديث مُضحك يقول : ( 1088 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الأَشْعَثِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّةً لَهُ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً تُوُفِّيَتْ وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الأَشْعَثِ ذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَالَ لَهُ مَنْ يَرِثُهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا ‏.‏ ثُمَّ أَتَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ أَتَرَانِي نَسِيتُ مَا قَالَ لَكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَرِثُهَا أَهْلُ دِينِهَا ‏.‏) وهنا إفتراء مضحك ، فكيف تكون لمحمد بن الأشعث بن قيس زعيم قبائل كندة اليمنية فى العراق عمّة يهودية أو نصرانية ؟ ومتى التقى محمد بن الأشعث بن قيس بعمر بن الخطاب ، وأبوه ( الأشعث بن قيس هو الذى عاش خلافة عمر وعثمان وعلى ؟ ) والمفترض فى قضية كهذه أن يكون السائل هو الأب الأشعث بن قيس وليس طفلا له إسمه محمد .
4 ـ وهناك حديث لا صلة له بالموضوع جاء فى الموطأ : (1089 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّ نَصْرَانِيًّا، أَعْتَقَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَلَكَ - قَالَ إِسْمَاعِيلُ - فَأَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنْ أَجْعَلَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ‏.‏ ) يجوز ان يكون هذا النصرانى الذى أعتقه عمر قد مات بلا وارث . ويكون متوقعا أن تئول تركته الى بيت المال . وليس لهذا صلة موضوع أنلا يرث المسلم الكافر والعكس .
5 ـ وفى النهاية يأتى فى الموطأ هذا الحديث الفكاهى : ( 1090 - وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الثِّقَةِ، عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، يَقُولُ أَبَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُوَرِّثَ، أَحَدًا مِنَ الأَعَاجِمِ إِلاَّ أَحَدًا وُلِدَ فِي الْعَرَبِ ‏.‏ قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ فَوَضَعَتْهُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ وَلَدُهَا يَرِثُهَا إِنْ مَاتَتْ وَتَرِثُهُ إِنْ مَاتَ مِيرَاثَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ‏.‏ قَالَ مَالِكٌ الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَالسُّنَّةُ الَّتِي لاَ اخْتِلاَفَ فِيهَا وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ بِقَرَابَةٍ وَلاَ وَلاَءٍ وَلاَ رَحِمٍ وَلاَ يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ ‏.‏ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لاَ يَرِثُ إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ وَارِثٌ فَإِنَّهُ لاَ يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ ‏.‏ ) يقول : (وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الثِّقَةِ، عِنْدَهُ ). أى يروى عن مجهول يجعله ( ثقة ) ، ولماذا يكون ثقة وهو مجهول الاسم والنسب والعنوان ؟ وينسب لعمر بن الخطاب ولفقهاء المدينة هذا التشريع الظالم . ولو كان هذا تشريعا إسلاميا تم تطبيقه فى عصر النبوة لما إحتاجوا الى رأى عمر بن الخطاب وغيره . هو فى النهاية تشريع ظالم يعبر عن تعصب دينى يجعل الجنسية فى الدين ، ويؤسس تفرقة بين الناس على أساس إنتمائهم الدينى . وهذا هجص يخالف الاسلام، يقول جل وعلا :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)( الحجرات )
ثالثا : البخارى ومسلم يتابعان مالك فى هجص: ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم )
1 ـ جاء فى صحيح البخارى : ( وقال عمر بن عبد العزيز: أجز وصية الأسير وعتاقه، وما صنع في ماله، ما لم يتغيِّر عن دينه، فإنما هو ماله يصنع فيه ما يشاء. -3-25 - باب: لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم. وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له. )
2 ـ وجاء فى صحيح مسلم : ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ). ( 4225- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى- قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الآخَرَانِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ. ).
رابعا : الشافعى يقوم بتفصيل هذا الهجص فى كتابه ( الأم )
1 ـ يقول الشافعى فى ( الأم ) : ( لاَ يَرِثُ أَحَدٌ مِمَّنْ سُمِّيَ لَهُ مِيرَاثٌ حَتَّى يَكُونَ دِينُهُ دِينَ الْمَيِّتِ الْمَوْرُوثِ وَيَكُونُ حُرًّا، وَيَكُونُ بَرِيئًا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلاً لِلْمَوْرُوثِ، فَإِذَا بَرِئَ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثِ الْخِصَالِ وَرِثَ، وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يَرِثْ، فَقُلْت‏:‏ فَاذْكُرْ مَا وَصَفْت، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ إنَّمَا وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ، وَلاَ جَعْفَرٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلِذَلِكَ تَرَكْنَا نَصِيبَنَا مِنْ الشِّعْبِ‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّ الدِّينَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا بِالشِّرْكِ وَالْإِسْلاَمِ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ. ).
الشافعى هنا يكرر هجص مالك فى:( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.)، ويستخدم نفس أحاديث مالك ، ويجعلها قاعدة دينية ، بزعم أنها ( سُنّة ) ، يقول : (فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنَّ الدِّينَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا بِالشِّرْكِ وَالْإِسْلاَمِ لَمْ يَتَوَارَثْ مَنْ سُمِّيَتْ لَهُ فَرِيضَةٌ. ) . ولا يكتفى بذلك بل يضيف أسبابا أخرى للحرمان من الميراث لم يقُلها مالك ، وهى الرق ( العبودية ) والقتل . يقول : (لاَ يَرِثُ أَحَدٌ مِمَّنْ سُمِّيَ لَهُ مِيرَاثٌ حَتَّى يَكُونَ دِينُهُ دِينَ الْمَيِّتِ الْمَوْرُوثِ وَيَكُونُ حُرًّا، وَيَكُونُ بَرِيئًا مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلاً لِلْمَوْرُوثِ، فَإِذَا بَرِئَ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثِ الْخِصَالِ وَرِثَ، وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يَرِثْ . ) الاسلام إكتمل بالقرآن الكريم . أما دين السُّنة فهو دين أرضى وضعى يكتبه أربابه ، بدأ به مالك ، ثم أضاف اليه الشافعى ، وأضاف من جاء بعد الشافعى واحتلفوا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم . من هنا يأتى الشافعى بما لم يقله شيخه مالك ، ويجعله دينا باسم السُّنّة .
2 ـ ولأن الأديان الأرضية مؤسسّة على الاختلاف والشقاق فإن الاختلاف قائم هنا . تحت عنوان : ( باب الْخِلاَفِ فِي مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ، وَفِيهِ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِمِيرَاثِ الْعَبْدِ وَالْقَاتِلِ ) يقول الشافعى فى كتاب ( الأم ) : ( قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَوَافَقَنَا بَعْضُ النَّاسِ، فَقَالَ‏:‏ لاَ يَرِثُ مَمْلُوكٌ، وَلاَ قَاتِلٌ عَمْدًا، وَلاَ خَطَأً، وَلاَ كَافِرٌ شَيْئًا، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ‏:‏ إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَمَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ، أَوْ قُتِلَ وَرِثَهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ‏.) ودخل الشافعى فى جدل ـ كعادته ـ فى كتاب ( الأم ) . ونفهم منه أن آراءه الفقهية لم تحظ بقبول فى عصره . ويتشعب الشافعى فيدخل فى هجص جديد لم يتعرص له شيخه ( مالك ) فى الموطأ ، وهو ميراث المرتد . وينتهى بقوله : ( قُلْنَا‏:‏ فَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْكَافِرِينَ. ) أى لا يرث مسلما ولا يرثه مسلم .
3 ـ ثم يدخل فى هجص جديد عن حكم المرتد الذى يلحق بدار الكفر وهل هو فى حُكم الميت : ( قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ مَا وَصَفْت بَعْضَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُهُمْ عِنْدَهُمْ، أَوْ كَأَعْلَمِهِمْ فَقُلْت لَهُ مَا وَصَفْت، وَقُلْت‏:‏ لَهُ أَسْأَلُك عَنْ قَوْلِك، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ حَرَامًا أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ أَبَدًا قَوْلاً لَيْسَ خَبَرًا لاَزِمًا، أَوْ قِيَاسًا أَقَوْلُكَ فِي أَنْ يُورَثَ الْمُرْتَدُّ، وَهُوَ حَيٌّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْكُفْرِ خَبَرًا، أَوْ قِيَاسًا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَمَّا خَبَرٌ فَلاَ، فَقُلْت‏:‏ فَقِيَاسٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ مِنْ وَجْهٍ، قُلْت فَأَوْجِدْنَا ذَلِكَ الْوَجْهَ قَالَ‏:‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعِي فِي الدَّارِ وَكُنْتُ قَادِرًا عَلَيْهِ قَتَلْته‏؟‏ فَقُلْت فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ فَتَقْتُلُهُ أَفَمَقْتُولٌ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ بِلاَ قَتْلٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْت‏:‏ فَكَيْفَ حَكَمْت عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى، وَهُوَ غَيْرُ مَيِّتٍ‏؟‏ أَوَرَأَيْت لَوْ كَانَتْ عِلَّتُك بِأَنَّك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ فِي حَالِهِ تِلْكَ فَقَتَلْته فَجَعَلْته فِي حُكْمِ الْمَوْتَى فَكَانَ هَارِبًا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ مُقِيمًا عَلَى الرِّدَّةِ دَهْرًا مِنْ دَهْرِهِ أَتُقَسِّمُ مِيرَاثَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْت‏:‏ فَأَسْمَعُ عِلَّتَك بِأَنَّك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِ حُكِمَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَوْتَى كَانَتْ بَاطِلاً عِنْدَك فَرَجَعْت إلَى الْحَقِّ عِنْدَك فِي أَنْ لاَ تَقْتُلَهُ إذَا كَانَ هَارِبًا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَأَنْتَ لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَك حَقًّا فَتَرَكْت الْحَقَّ فِي قَتْلِهِ إذَا كَانَ هَارِبًا فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ‏.‏قُلْت‏:‏ فَإِنَّمَا قَسَّمْت مِيرَاثَهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْكُفْرِ دُونَ الْمَوْتِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قُلْت‏:‏ فَالْمُسْلِمُ يَلْحَقُ بِدَارِ الْكُفْرِ أَيُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ إذَا كَانَ فِي دَارٍ لاَ يَجْرِي عَلَيْهِ فِيهَا الْحُكْمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ قُلْنَا فَالدَّارُ لاَ تُمِيتُ أَحَدًا، وَلاَ تُحْيِيهِ، فَهُوَ حَيٌّ حَيْثُ كَانَ حَيًّا وَمَيِّتٌ حَيْثُ كَانَ مَيِّتًا‏.‏ قَالَ نَعَمْ‏:‏ قُلْنَا أَفَتَسْتَدْرِكُ عَلَى أَحَدٍ أَبَدًا بِشَيْءٍ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ أَقْبَحُ أَنْ تَقُولَ الْحَيُّ مَيِّتٌ‏؟‏ أَرَأَيْت لَوْ تَابَعَك أَحَدٌ عَلَى أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ حَيًّا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْك أَنَّ مَنْ تَابَعَك عَلَى هَذَا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ غَبِيٌّ لاَ يُسْمَعُ مِنْهُ‏.‏ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ مَعًا عَلَى دَلاَلَةِ الْمَعْقُولِ عَلَى خِلاَفِكُمَا مَعًا‏؟‏. ) . كلام سقيم وتفصيلات واختلافات وجدال فى موضوع غبى وهجص لا محلّ له على الاطلاق فى الاسلام . هم يقومون بتشريع يخالف شرع الله جل وعلا ، ثم ينهمكون فى تفصيله والاختلاف حوله بكلام سقيم وجدل عقيم . أى فى النهاية هو تشويش على الشريعة الاسلامية الحقيقية البسيطة الواضحة فى القرآن الكريم . وهذه مجرد ملاحظة من قراءة بعض سطور فى كتاب ( الأم ) للشافعى بأجزائه السبعة ، وهى مليئة بأنواع فريدة من الهجص . ما كان أغنى عنها المسلمون لو تفرغوا لتدبر كتاب الله جل وعلا .
أخيرا : مقتطفات أخرى من هجص الشافعى بلا تعليق :
1 ـ يقول الشافعى فى ميراث المجوس : ( مِيرَاثُ الْمَجُوسِ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَقُلْنَا‏:‏ إذَا أَسْلَمَ الْمَجُوسِيُّ وَابْنَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ، أَوْ أُخْتُهُ أُمُّهُ نَظَرْنَا إلَى أَعْظَمِ السَّبَبَيْنِ فَوَرَّثْنَاهَا بِهِ وَأَلْغَيْنَا الْآخَرَ وَأَعْظَمُهُمَا أَثْبَتُهُمَا بِكُلِّ حَالٍ، وَإِذَا كَانَتْ أُمٌّ أُخْتًا وَرَّثْنَاهَا بِأَنَّهَا أُمٌّ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ قَدْ تَثْبُتُ فِي كُلِّ حَالٍ وَالْأُخْتَ قَدْ تَزُولُ وَهَكَذَا جَمِيعُ فَرَائِضِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَنَازِلِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ أُوَرِّثُهَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ مَعَهَا فَقُلْنَا لَهُ أَرَأَيْت إذَا كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ وَهِيَ أُخْتُ أُمٍّ‏؟‏ قَالَ أَحْجُبُهَا مِنْ الثُّلُثِ بِأَنَّ مَعَهَا أُخْتَيْنِ وَأُوَرِّثُهَا مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهَا أُخْتٌ قُلْنَا أَرَأَيْت حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إذْ جَعَلَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ فِي حَالٍ وَنَقَصَهَا مِنْهُ بِدُخُولِ الْإِخْوَةِ عَلَيْهَا أَلَيْسَ إنَّمَا نَقَصَهَا بِغَيْرِهَا لاَ بِنَفْسِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى بِغَيْرِهَا نَقَصَهَا فَقُلْنَا وَغَيْرُهَا خِلاَفُهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْنَا، فَإِذَا نَقَصْتهَا بِنَفْسِهَا أَفَلَيْسَ قَدْ نَقَصْتهَا بِخِلاَفِ مَا نَقَصَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ‏؟‏ وَقُلْنَا أَرَأَيْت إذَا كَانَتْ أُمًّا عَلَى الْكَمَالِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُعْطِيَهَا بِنَقْصِهَا دُونَ الْكَمَالِ وَتُعْطِيَهَا أُمًّا كَامِلَةً وَأُخْتًا كَامِلَةً وَهُمَا بَدَنَانِ، وَهَذَا بَدَنٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَدْ دَخَلَ عَلَيْك أَنْ عَطَّلْت أَحَدَ الْحَقَّيْنِ قُلْنَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى اسْتِعْمَالِهِمَا إلَّا بِخِلاَفِ الْكِتَابِ وَخِلاَفِ الْمَعْقُولِ لَمْ يَجُزْ إلَّا تَعْطِيلُ أَصْغَرِهِمَا لاَ أَكْبَرِهِمَا قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَجِدُ عَلَيْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ قَدْ تَزْعُمُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَيْسَ بِكَامِلِ الْحُرِّيَّةِ، وَلاَ رَقِيقٍ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ صَارَ إلَى حُكْمِ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُورَثُ، وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وَلاَ يُحَدُّ مَنْ قَذَفَهُ، وَلاَ يُحَدُّ هُوَ إلَّا حَدَّ الْعَبِيدِ فَتَعَطَّلَ مَوْضِعُ الْحُرِّيَّةِ مِنْهُ قَالَ‏:‏ إنِّي أَحْكُمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَقِيقٌ قُلْت‏:‏ أَفِي كُلِّ حَالٍ، أَوْ فِي بَعْضِ حَالٍ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ فِي بَعْضِ حَالِهِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنِّي لَوْ قُلْت‏:‏ لَك فِي كُلِّ حَالِهِ قُلْت لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ، قُلْت‏:‏ فَإِذَا كَانَ قَدْ اخْتَلَطَ أَمْرُهُ فَلَمْ يُمْحَضْ عَبْدًا، وَلَمْ يُمْحَضْ حُرًّا فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ فِيهِ بِمَا رَوَيْته عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُحَدُّ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيَرِثُ وَيُورَثُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ تَقُولُ بِهِ قُلْنَا وَتَصِيرُ عَلَى أَصْلِ أَحْكَامِهِ، وَهُوَ حُكْمُ الْعَبِيدِ فِيمَا نَزَلَ بِهِ وَتَمْنَعُهُ الْمِيرَاثَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قُلْنَا فَكَيْفَ لَمْ تَجُزْ لَنَا فِي فَرْضِ الْمَجُوسِ مَا وَصَفْنَا‏؟‏ وَإِنَّمَا صَيَّرْنَا الْمَجُوسَ إلَى أَنْ أَعْطَيْنَاهُمْ بِأَكْثَرِ مَا يَسْتَوْجِبُونَ فَلَمْ نَمْنَعْهُمْ حَقًّا مِنْ وَجْهٍ إلَّا أَعْطَيْنَاهُمْ ذَلِكَ الْحَقَّ، أَوْ بَعْضَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَجَعَلْنَا الْحُكْمَ فِيهِمْ حُكْمًا وَاحِدًا مَعْقُولاً لاَ مُتَبَعِّضًا لاَ أَنَّا جَعَلْنَا بَدَنًا وَاحِدًا فِي حُكْمِ بَدَنَيْنِ‏.‏)
2 ـ ويقول الشافعى يثرثر فى ميراث المرتد : ( مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ فَكُلُّ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلاَمِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَإِنْ ارْتَدَّ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ عَنْ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَرِثْهُ الْمُسْلِمُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَطْعِ اللَّهِ الْوِلاَيَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَوَافَقْنَا بَعْضَ النَّاسِ عَلَى كُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ قَالَ تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقُلْنَا فَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلاً فِي مَعْنَى الْكَافِرِينَ، أَوْ يَكُونَ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ‏؟‏ فَإِنْ قُلْت‏:‏ هُوَ فِي بَعْضِ حُكْمِهِ فِي أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ، قُلْنَا أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا فِي حُكْمٍ مُؤْمِنًا فِي غَيْرِهِ‏؟‏ فَيَقُولُ لَك غَيْرُك فَهُوَ كَافِرٌ حَيْثُ جَعَلْته مُؤْمِنًا وَمُؤْمِنٌ حَيْثُ جَعَلْته كَافِرًا، قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْنَا أَفَلَيْسَ يَجُوزُ لَك مِنْ هَذَا شَيْءٌ إلَّا جَازَ عَلَيْك مِثْلُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَإِنَّا إنَّمَا صِرْنَا فِي هَذَا إلَى أَثَرٍ رَوَيْنَاهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَتَلَ الْمُسْتَوْرِدَ وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ وَرَثَتَهُ الْمُسْلِمِينَ قُلْنَا، فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْكُمْ أَنَّهُ غَلَطٌ وَنَحْنُ نَجْعَلُهُ لَك ثَابِتًا أَفَرَأَيْت حُكْمَهُ فِي سِوَى الْمِيرَاثِ أَحُكْمُ مُشْرِكٍ، أَوْ مُسْلِمٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلْ حُكْمُ مُشْرِكٍ قُلْنَا فَإِنْ حَبَسْت الْمُرْتَدَّ لِقَتْلِهِ أَوْ لِتَسْتَتِيبَهُ فَمَاتَ ابْنٌ لَهُ مُسْلِمٌ أَيَرِثُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، قُلْنَا أَفَرَأَيْت أَحَدًا قَطُّ لاَ يَرِثُ وَلَدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَاتِلَهُ وَيَرِثُهُ وَلَدُهُ‏؟‏ إنَّمَا أَثْبَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَوَارِيثَ لِلْأَبْنَاءِ مِنْ الْآبَاءِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْمَوَارِيثَ لِلْآبَاءِ مِنْ الْأَبْنَاءِ وَقَطَعَ وِلاَيَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ «لاَ يَرِثَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ خَارِجًا مِنْ مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْمُشْرِكِينَ بِالْأَثَرِ الَّذِي زَعَمْت لَزِمَك أَنْ تَكُونَ قَدْ خَالَفْت الْأَثَرَ؛ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه لَمْ يَمْنَعْهُ مِيرَاثَ وَلَدِهِ لَوْ مَاتُوا، وَهُوَ لَوْ وَرَّثَ وَلَدَهُ مِنْهُ انْبَغَى أَنْ يُوَرِّثَهُ وَلَدَهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرِثُوهُ، وَلاَ يَرِثُهُمْ كَانَ فِي مِثْلِ مَعْنَى مَا حَكَمَ بِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَقَالَ‏:‏ نَرِثُ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يَرِثُونَا كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا أَفَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ عَلَيْك أَحَدٌ بِهَذَا مِنْ قَوْلِ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ شَبِيهُهُ‏.‏
وَقَدْ قَالَهُ مُعَاوِيَةُ وَمُعَاذٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ‏:‏ لَك إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ يَحْكُمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالنِّسَاءِ اللَّاتِي يَحْلِلْنَ لِلْمُسْلِمِينَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ لاَ نِسَاءِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَقَالَ‏:‏ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَلِمُعَاوِيَة وَلَهُمَا فِقْهٌ وَعِلْمٌ فَلِمَ لَمْ تُوَافِقْ قَوْلَهُمَا‏؟‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْكُفَّارَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَأَتَّبِعُ مُعَاوِيَةَ وَمُعَاذًا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ فَأُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ، وَلاَ أُوَرِّثُ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ كَمَا أَقُولُ فِي نِكَاحِ نِسَائِهِمْ قَالَ‏:‏ لاَ يَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ‏:‏ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» فَهَذَا عَلَى جَمِيعِ الْكُفَّارِ، قُلْنَا وَلِمَ لاَ تَسْتَدِلُّ بِقَوْلِ مَنْ سَمَّيْنَا مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ مُحْتَمَلٌ لَهُ‏؟‏ قَالَ إنَّهُ قَلَّ حَدِيثٌ إلَّا وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ وَالْأَحَادِيثُ عَلَى ظَاهِرِهَا لاَ تُحَالُ عَنْهُ إلَى مَعْنَى تَحْتَمِلُهُ إلَّا بِدَلاَلَةٍ عَمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ قُلْنَا، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا حُجَّةً فِي أَنْ يَقُولَ بِمَعْنًى يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ قُلْنَا فَكُلُّ مَا قُلْت‏:‏ مِنْ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْك فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ، وَفِيمَا رَوَيْت عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُهُ‏.‏
قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقُلْنَا لاَ يُؤْخَذُ مَالُ الْمُرْتَدِّ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ كَانَ أَحَقَّ بِمَالِهِ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَّمَ الْإِمَامُ مِيرَاثَهُ كَمَا يُقَسِّمُ مِيرَاثَ الْمَيِّتِ وَأَعْتَقَ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَجَعَلَ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ حَالًّا وَأَعْطَى وَرَثَتَهُ مِيرَاثَهُ فَقِيلَ‏:‏ لَهُ عِبْت أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله تعالى عنهما حَكَمَا فِي دَارِ السُّنَّةِ وَالْهِجْرَةِ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ الَّذِي لاَ يُسْمَعُ لَهُ بِخَبَرٍ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ بِأَنْ تَتَرَبَّصَ امْرَأَتُهُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ تُنْكَحُ فَقُلْت‏:‏ وَكَيْفَ نَحْكُمُ بِحُكْمِ الْوَفَاةِ عَلَى رَجُلٍ امْرَأَتُهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا‏؟‏ وَهُمْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي مَالِهِ بِحُكْمِ الْحَيَاةِ إنَّمَا حَكَمُوا بِهِ لِمَعْنَى الضَّرَرِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقَدْ نُفَرِّقُ نَحْنُ وَأَنْتَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ عَلَى الزَّوْجَةِ فَنَزْعُمُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنِّينًا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ صِرْت بِرَأْيِك إلَى أَنْ حَكَمْت عَلَى رَجُلٍ حَيٍّ لَوْ ارْتَدَّ بطرسس فَامْتَنَعَ بِمُسَلِّحَةِ الرُّومِ وَنَحْنُ نَرَى حَيَاتَهُ بِحُكْمِ الْمَوْتَى فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ خَالَفْت فِيهِ الْقُرْآنَ وَدَخَلْت فِي أَعْظَمِ مِنْ الَّذِي عِبْت‏.‏ وَخَالَفْت مَنْ عَلَيْك عِنْدَك اتِّبَاعُهُ فِيمَا عَرَفْت وَأَنْكَرْت‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَيْنَ الْقُرْآنُ الَّذِي خَالَفْت‏؟‏ قُلْت‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ‏}‏ فَإِنَّمَا نَقَلَ مِلْكَ الْمَوْتَى إلَى الْأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى خِلاَفُ الْأَحْيَاءِ، وَلَمْ يَنْقُلْ بِمِيرَاثٍ قَطُّ مِيرَاثَ حَيٍّ إلَى حَيٍّ فَنَقَلْت مِيرَاثَ الْحَيِّ إلَى الْحَيِّ، وَهُوَ خِلاَفُ حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنِّي أَزْعُمُ أَنَّ رِدَّتَهُ وَلُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مِثْلُ مَوْتِهِ، قُلْت‏:‏ قَوْلُك هَذَا خَبَرٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا فِيهِ خَبَرٌ، وَلَكِنِّي قُلْته قِيَاسًا‏.‏ قُلْت‏:‏ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَلاَ تَرَى أَنِّي لَوْ وَجَدْته فِي هَذِهِ الْحَالِ قَتَلْته فَكَانَ مَيِّتًا، قُلْت‏:‏ قَدْ عَلِمْت أَنَّك إذَا قَتَلْته مَاتَ فَأَنْتَ لَمْ تَقْتُلْهُ فَأَيْنَ الْقِيَاسُ‏؟‏ إنَّمَا قَتْلُهُ لَوْ أَمَتَّهُ فَأَنْتَ لَمْ تُمِتْهُ‏.‏ وَلَوْ كُنْت بِقَوْلِك لَوْ قَدَرْت عَلَيْهِ قَتَلْته كَالْقَاتِلِ لَهُ لَزِمَك إذَا رَجَعَ إلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ الْمَيِّتَ فَتُنَفِّذُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى‏.‏ قَالَ‏:‏ مَا أَفْعَلُ وَكَيْفَ أَفْعَلُ، وَهُوَ حَيٌّ‏؟‏ قُلْت‏:‏ قَدْ فَعَلْت أَوَّلاً، وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ زَعَمْت أَنَّك إنْ حَكَمْت عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَوْتَى فَرَجَعَ تَائِبًا وَأُمُّ وَلَدِهِ قَائِمَةٌ وَمُدَبَّرُهُ قَائِمٌ، وَفِي يَدِ غَرِيمِهِ مَالُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي دَفَعْته إلَيْهِ، وَهُوَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ، وَفِي يَدِ أَبِيهِ مِيرَاثُهُ فَقَالَ‏:‏ لَك رُدَّ عَلَيَّ مَالِي، وَهَذَا غَرِيمِي يَقُولُ هَذَا مَالُك بِعَيْنِهِ لَمْ أُغَيِّرْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِي إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَهَذِهِ أُمُّ وَلَدِي وَمُدَبَّرِي بِأَعْيَانِهِمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ لاَ أَرُدُّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ نَفَذَ فِيهِ، قُلْنَا فَكَيْفَ رَدَدْت عَلَيْهِ مَا فِي يَدَيْ وَارِثِهِ، وَقَدْ نَفَذَ لَهُ بِهِ الْحُكْمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ هَذَا مَالُهُ بِعَيْنِهِ، قُلْنَا‏:‏ وَالْمَالُ الَّذِي فِي يَدِ غَرِيمِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُهُ مَالُهُ بِعَيْنِهِ، فَكَيْفَ نَقَضْت الْحُكْمَ فِي بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ‏؟‏ هَلْ قُلْت‏:‏ هَذَا خَبَرًا، أَوْ قِيَاسًا قَالَ‏:‏ مَا قُلْته خَبَرًا، وَلَكِنْ قُلْته قِيَاسًا، قُلْنَا فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ قِسْته‏؟‏ قَالَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ يُصِيبُهَا أَهْلُ الْعَدْلِ، فَإِنْ تَابَ أَهْلُ الْبَغْيِ فَوَجَدُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَعْيَانِهَا أَخَذُوهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهَا بِأَعْيَانِهَا لَمْ يَغْرَمْهَا أَهْلُ الْعَدْلِ، وَكَذَلِكَ مَا أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ لِأَهْلِ الْبَغْيِ، قُلْنَا فَهَذَا وَجَدَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَرَدَدْت بَعْضَهُ، وَلَمْ تَرْدُدْ بَعْضَهُ فَأَمَّا أَهْلُ الْعَدْلِ لَوْ أَصَابُوا لِأَهْلِ الْبَغْيِ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ مُدَبَّرَةً رَدَدْتُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِمَا وَقُلْت‏:‏ لاَ يَعْتِقَانِ، وَلاَ يَمْلِكُهُمَا غَيْرُ صَاحِبِهِمَا وَلَيْسَ هَكَذَا قُلْت‏:‏ فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ‏.‏)
3 ـ ويثرثر فى ميراث المشركة فيقول : ( مِيرَاثُ الْمُشْرِكَةِ : قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قُلْنَا‏:‏ إنَّ الْمُشْرِكَةَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْأَخَوَيْنِ مِنْ الْأُمِّ الثُّلُثُ وَيُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَمَّا سَقَطَ حُكْمُهُ صَارُوا بَنِي أُمٍّ مَعًا وَقَالَ‏:‏ بَعْضُ النَّاسِ مِثْلَ قَوْلِنَا إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا لاَ يُشْرِكُهُمْ بَنُو الْأَبِ وَالْأُمِّ وَاحْتَجُّوا عَلَيْنَا بِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلَنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُمْ فَقَالُوا اخْتَرْنَا قَوْلَ مَنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ أَنَّا وَجَدْنَا بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ يَكُونُونَ مَعَ بَنِي الْأُمِّ فَيَكُونُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ الثُّلُثَانِ وَلِلْجَمَاعَةِ مِنْ بَنِي الْأُمِّ الثُّلُثُ وَوَجَدْنَا بَنِي الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ يُشْرِكُهُمْ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَيَأْخُذُونَ أَقَلَّ مِمَّا يَأْخُذُ بَنُو الْأُمِّ فَلَمَّا وَجَدْنَاهُمْ مَرَّةً يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُونَ وَمَرَّةً أَقَلَّ مِمَّا يَأْخُذُونَ فَرَّقْنَا بَيْنَ حُكْمَيْهِمْ فَوَرَّثْنَا كُلًّا عَلَى حُكْمِهِ؛ لِأَنَّا وَإِنْ جَمَعَتْهُمْ الْأُمُّ لَمْ نُعْطِهِمْ دُونَ الْأَبِ، وَإِنْ أَعْطَيْنَاهُمْ بِالْأَبِ مَعَ الْأُمِّ فَرَّقْنَا بَيْنَ حُكْمَيْهِمْ فَقُلْنَا إنَّا إنَّمَا أَشْرَكْنَاهُمْ مَعَ بَنِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ جَمَعَتْهُمْ وَسَقَطَ حُكْمُ الْأَبِ، فَإِذَا سَقَطَ حُكْمُ الْأَبِ كَانَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ صَارَ لِلْأَبِ مَوْضِعٌ يَكُونُ لَهُ فِيهِ حُكْمٌ اسْتَعْمَلْنَاهُ قَلَّ نُصِيبُهُمْ، أَوْ كَثُرَ قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَجِدُ مِثْلَ مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُسْتَعْمِلاً فِي حَالٍ ثُمَّ تَأْتِي حَالٌ فَلاَ يَكُونُ مُسْتَعْمِلاً فِيهَا‏؟‏ قُلْنَا نَعَمْ، قَالَ‏:‏ وَمَا ذَاكَ‏؟‏ قُلْنَا مَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ وَخَالَفْت فِيهِ صَاحِبَك مِنْ الزَّوْجِ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ قَبْلَهُ وَيَكُونُ مُبْتَدِئًا لِنِكَاحِهَا وَتَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى ثَلاَثٍ، وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ وَاحِدَةٍ، أَوْ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَهْدِمْ الْوَاحِدَ، وَلاَ الثِّنْتَيْنِ كَمَا يَهْدِمُ الثَّلاَثَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ مَعْنًى فِي إحْلاَلِ الْمَرْأَةِ هُدِمَ الطَّلاَقُ الَّذِي تَقَدَّمَهُ إذَا كَانَتْ لاَ تَحِلُّ إلَّا بِهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ وَكَانَتْ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا بِنِكَاحٍ قَبْلَ زَوْجٍ كَمَا كَانَتْ تَحِلُّ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى فَلَمْ نَسْتَعْمِلْهُ قَالَ‏:‏ إنَّا لَنَقُولُ هَذَا خَبَرًا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قُلْت‏:‏ وَقِيَاسًا كَمَا وَصَفْنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ عُمَرُ فِيهِ غَيْرَهُ‏.‏
قَالَ‏:‏ فَهَلْ تَجِدُ لِي هَذَا فِي الْفَرَائِضِ‏؟‏ قُلْت‏:‏ نَعَمْ الْأَبُ يَمُوتُ ابْنُهُ وَلِلِابْنِ إخْوَةٌ فَلاَ يَرِثُونَ مَعَ الْأَبِ، فَإِذَا كَانَ الْأَبُ قَاتِلاً وَرِثُوا، وَلَمْ يُوَرَّثْ الْأَبُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ حُكْمَ الْأَبِ قَدْ زَالَ وَمَا زَالَ حُكْمُهُ كَانَ كَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَلَمْ نَمْنَعْهُمْ الْمِيرَاثَ لَهُ إذَا صَارَ لاَ حُكْمَ لَهُ كَمَا مَنَعْنَاهُمْ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ حُكْمٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا قَالَ‏:‏ فَهَذَا لاَ يَرِثُ بِحَالٍ وَأُولَئِكَ يَرِثُونَ بِحَالٍ قُلْنَا‏:‏ أَوَلَيْسَ إنَّمَا نَنْظُرُ فِي الْمِيرَاثِ إلَى الْفَرِيضَةِ الَّتِي يُدْلُونَ فِيهَا بِحُقُوقِهِمْ لاَ نَنْظُرُ إلَى حَالِهِمْ قَبْلَهَا، وَلاَ بَعْدَهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَمَا تَعْنِي بِذَلِكَ‏؟‏ قُلْت‏:‏ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَاتِلاً وَرِثَ، وَإِذَا صَارَ قَاتِلاً لَمْ يَرِثْ، وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَمَاتَ ابْنُهُ لَمْ يَرِثْ، وَلَوْ عَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَرِثَ قَالَ‏:‏ هَذَا هَكَذَا‏؟‏ قُلْنَا فَنَظَرْنَا إلَى الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا لِلْأَبِ حُكْمٌ فِي الْفَرِيضَةِ أَسْقَطْنَاهُ وَوَجَدْنَاهُمْ لاَ يَخْرُجُونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا إلَى بَنِي الْأُمِّ‏.) .
سؤال أخير : بعد أن عرفنا روعة الاسلام فى بداية هذا المقال ، إن لم يكن هذا هجصا .. فماذا يكون ؟