في مسارات الثورة السورية ومصائرها على أعتاب عامين ونصف من انطلاقها


ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن - العدد: 4343 - 2014 / 1 / 23 - 15:04
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

هذا البحث مساهمتي في كتاب جماعي، يصدر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بعنوان: الخلاص أم الخراب؟ سورية على مفترض الطرق. الكتاب من تحريري، وهو تحت الطبع حاليا.

"كيف يمكن للثورة السورية تجنّب الوقوع في براثن نظام قمعي شمولي جديد"؟
لا يبدو السؤال بهذه الصيغة المطروحة على المشاركين في الكتاب محدِّدا لأكبر المخاطر التي تتهدد سورية والثورة السورية. سورية مهددة، بالأحرى، بالتفكك ككيان والانهيار كدولة والانحلال كمجتمع إلى أمد يطول. ستتقصى هذه المقالة الأصول الأقرب لهذا الوضع، لكن ظاهر منذ الآن أن سورية التي يرتكز عليها نظام بشار الأسد، "سورية الأسد"، ليست إلا واحدة من 4 أو 5 سوريات، تتجه نحو التباعد والصراع، أو نحو تعايش عدائي.
هناك سوريات أخرى تنازع المملكة الأسدية تمثيل سورية العامة. أولاها سورية الثائرة التي تبدو اليوم مشتتة الذهن والإرادة، إن في تعبيراتها السياسية أو أذرعها العسكرية أو وعيها الذاتي؛ وثانيتها سورية السلفية التي تبدو منذ عام وأكثر متسعة المراتب على نحو مستغرب؛ ومن هذه الأخيرة سورية القاعدة التي لها جناحان هنا، "جبهة النصرة لأهل الشام"، و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)؛ ثم سورية الكردية أو "كردستان الغربية"، على ما يسميها "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي وقطاع متسع من الناشطين الكرد.
ثم إن كلا من هذه السوريات تبدو مقطعة الأوصال، يتحكم بها أمراء حرب أو سادة إقطاعيون مسلحون، ولم يستشر سكانها في أمر وقوعهم في مقاطعة هذا أو ذاك أو الطريقة التي يحكمهم بها هؤلاء الأمراء.
ولا تشكل "سورية الأسد" اليوم غير المنبع الديناميكي للتفكك والخراب العام، أعني خراب فكرة سورية العامة الواحدة، أشبه بإسرائيل إزاء فلسطين حتى اليوم، والمشرق العربي، ومنه مصر، حتى أوقات متفاوتة امتدت بين سبعينات القرن العشرين وأواخر القرن. احتكار التفوق الجوي والسلاح المتطور عموما إسرائيلي جدا، ومثله الاستئثار بأسلحة الدمار الشامل، ومثلهما تصوير النفس متراسا في وجه التطرف والإرهاب.
وعلى نحو ما إن وجود إسرائيل المتفوقة والحصينة في العالم العربي، وكفالة أميركا والغرب ألا يستطيع هزيمتها أو حتى تحقيق ضرب من التوازن معها، كان أحد منابع تمزق العالم العربي وتنازعه، فإن وجود النظام الأسدي المحصن روسياً وإيرانيا، الذي حالت القوى الدولية النافذة دون أن يستطيع الثائرون تهديده جديا، له المفعول ذاته: تفرق عالم الثورة الاجتماعي والسياسي والعسكري.

الثالوث السوري
تنفرد سورية عن دول عربية متوسطة الدخل تشبهها من نواح أخرى بثلاثة أشياء.
أولها نجاح النكوص نحو حكم سلالي في الأسرة الأسدية، وتحول التوريث ضمن هذه الأسرة إلى القانون الباطن للنظام أو دستوره الحقيقي، غير المصرح به مع ذلك. ظل الاسم الرسمي لسورية هو "الجمهورية العربية السورية"، ولم يُصرّح يوما من قبل أي مسؤول في النظام بأن سورية أضحت قاعدة لمملكة خاصة، المملكة الأسدية، ولم يتطور أيضا نسق من الأفكار "العقلانية" يسوِّغ هذا التحول السياسي الأكبر في تاريخ البلد منذ نشوئه، أو يضفي عليه الشرعية. ظل واقعا مكتوما، غير مضاء ولا يناقش. ولهذا السر المعلن امتثل عموم المثقفين السوريين رهبةً، وتواطأ معه بعضهم مصلحةً.
الشيء الثاني هو وزن الطائفية كأداة أساسية في الحكم منذ وقت مبكر من حكم حافظ الأسد، وقبله بطريقة مختلفة. أعني هنا استناد النظام إلى علاقات القربى لضمان دوامه وإعادة إنتاجه، وتوافق مصلحته في الدوام مع إعادة إنتاج موسعة للانقسامات الأهلية الموروثة. يثير هذا الشرط تفاعلات طائفية في المجتمع ككل، وشكل بمحصلة أكثر من أربعة عقود حائلا فعالا دون تقارب السوريين أو الاقتراب من تشكل وطنية سورية دامجة، فضلا عن كونه منبعا انفعاليا فياضا للعنف الفاشي(1).
لكنه أكثر من أي شيء آخر أفسد السياسة و"العقل" بأن جعل النقاش في الشؤون العامة مستحيلا أو يكاد، ليس لخطورة الأمر "أمنيا" على من قد يطرحونه ويفكرون فيه (وقد كان خطرا بالفعل)، ولكن لأن قطاعات من وكلاء العقل المفترضين، المثقفين والناشطين السياسيين، جعلوا من كبت النقاش في هذا الشأن المتنفس الوحيد لنشاطهم العام وعواطفهم الوطنية. للأمر جذور في تكوين سورية البعثية ونخبها السياسية والثقافية، مما لن نتطرق إليه هنا. لكن هذا حرم سورية من المفعول التطهيري والمعقلن للتفكير العلني في المشكلات العامة، وأسهم في تحويل الطائفية إلى شبح لا شكل له ولا ملامح محددة، يقض مضاجع المجتمع والسياسة والثقافة. كان من شأن نقاش علني في الأمر أن يضبط المشكلة ويُموضِعها ويحددها، فيسهل سيطرة المجتمع عليها وتحرره منها.
في المقام الثالث عرفت سورية ضربا من التحرير الاقتصادي في سنوات حكم بشار، يوافق ما يسمى عادة رأسمالية الحبايب أو أيضا رأسمالية المحاسيب. لا شيء خاصا جدا في هذا التحول، لكن تعرض التحولات الاقتصادية في بلدنا سمة سورية مميزة جدا: حيث يجري الكلام عليها فإنه يسدل ستار مطبق من الصمت على جذورها السياسية، كأنها تجري في فراغ سياسي، أو كأن السياسة شيء ثانوي لا تأثير له عليها. بالمقابل، تسجل المعارضة التقليدية في سورية انشغالا ثابتا بالنظام السياسي، وانشغالا ضعيفا بالتحولات الاقتصادية، فتحرم نفسها من فهم تشكل مركز الثقل الجديد للنظام، الثروة والامتيازات الضخمة، إلى جانب المركز السياسي الأمني العريق. النظام اليوم هو المركب السياسي الأمني المالي.
كان التحول الليبرالي تشريعا لتحول جرى واقعيا شغل بموجبه "الجيل البعثي الثالث" أو "أبناء المسؤولين"(2) ومحاسيبهم موقع الصدارة في البرجوازية الجديدة التي شغل منحدرون من البرجوازية السورية القديمة مواقع تابعة فيها. محصلة نحو نصف قرن من الحكم البعثي، "الاشتراكي"، هي تشكل هذه الطبقة الجديدة التي لا تستطيع الاستقلال عن الدولة بحكم شروط تكونها ومنشأ ثرواتها، ولا تحمل تاليا أي كمون تحرري أو ديمقراطي. وما يميز سورية من طغيان فاشي، رأينا تجليه أثناء الثورة، ولا يضاهيه بدرجة ما غير طغيان الأسرة القذافية في ليبيا، هو النهج السياسي للدفاع عن الامتيازات الخارقة وغير العقلانية التي نشأت وتصلبت في العقدين الأخيرين من حكم حافظ الأسد.
االثلاثية فوق تكفي للقول إننا بعيدون عن عالم الدولة الوطنية التي قد تتوسع في وسائل الإكراه في مجتمع متأخر، وهي تحاول توحيده ومجانسته من جهة، وتطويره تعليميا واقتصاديا واجتماعيا من جهة ثانية.
بمجرد الكلام على حكم سلالي نكون حيال نكوص إلى ما قبل وما دون الدولة الوطنية، وبعيدا عن الشعب والمواطنين، بعيدا أيضا عن عالم الحداثة السياسية الذي تشكل الدولة والحزب السياسي والمثقف والمواطن فاعليه العامين. لا يزال لدينا دولة وأحزاب ومثقفون وبقايا إيديولوجيات عمل حديثة، و"مواطنون"، لكن يتحرك الجميع في عالم من الطغيان والروابط العمودية، يلغي فاعليتهم التحررية المفترضة أو يقلبها على نفسها.
محصلة الفعل المتعاضد للثلاثية، الحكم السلالي الوراثي والطائفية ورأسمالية المحاسيب، هو بكل بساطة تداعي الدولة الوطنية، كأطار اجتماعي وسياسي للحياة والتفكير، وكـ"وعي مطابق" لها في بنيته الأساسية. ما حصلنا عليه هو وضع مختلط ومشوش، لا يتاح لعامة الناس المهمشين والمضطهدين ما يساعدهم على ضبطه أو التأثير عليه، فيما يفضل "الخاصة" الاستفادة منه على الاعتراض المكلف عليه.

الكيان ينهار، النظام يستمر، الثورة تتعثر...
ما الذي جرى في الثورة؟ كيف اكتمل انهيار الإطار الوطني وآلت سورية إلى بلد منقسم، لا شكل له ولا قوام، ولا يكاد سكانه بالذات يحيطون بشيء من وضعه أو يتحكمون به؟
هناك أربعة تحولات مهمة عرضت في نقطة ما قريبة من منتصف الخط الزمني للثورة السورية، ويحوز اتساع مساحة تلاقيها قيمة تفسيرية خاصة.
أولها المفعول التراكمي للعنف المهول، حربا وتعذيبا وحصارا، المقترن دوما بكراهية وتحقير خارقين. ملايين السوريين أصابهم هذا العنف مباشرة، وأصاب الجميع بصورة غير مباشرة، وسمم النفوس كلها. يكفي ذكر القصف بالطيران لمناطق مأهولة، ومنه سلسلة هجمات بالطيران على طوابير الخبز في آب من عام 2012(3)، والقصف بصواريخ سكود البعيدة المدى لمناطق مأهولة، واستخدام الغازات السامة، وقد أوقعت في 21 آب فوق 1400 ضحية في غوطة دمشق الشرقية، ونحو 10 آلاف من المصابين(4)، ومعايشة عدد كبير جدا من الناس للدم والأشلاء والقتلى، حتى لم يعد يشارك في الجنائز غير عدد قليل من أخصاء الشهيد (على ما عاينت بنفسي في غوطة دمشق في ربيع 2013)، يكفي ذلك حتى نتبين ملامح من الجحيم الذي يعيش فيه ملايين السوريين منذ 30 شهرا.
ومعلوم أن ما يداني ثلث السوريين، 7 ملايين نسمة تقريبا، هُجِّروا من منازلهم، إن داخل البلد (5 ملايين) أو خارجه (فوق مليونين)، فيما هي أكبر موجة من التحركات البشرية في تاريخ البلد والعالم العربي، لا تقارن بها نكبة اللاجئين الفلسطنيين في حربي 1948 و1967، ولا اللجوء العراقي في السنوات التالية للاحتلال الأميركي. ومن المحتمل أن هناك 200 ألف في مراكز اعتقال كثيرة، منها مثلا مطار المزة الذي لم يسبق أن استخدم كمركز اعتقال(5)، ومنها مركز اعتقال يجري فيه تعذيب يومي وحشي عند الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق بشار(6)، ومنها إعادة استخدام سجن تدمر الإرهابي(7)، وتعميم نظامه الوحشي على المقرات الأمنية وسجون أخرى. يتعرض السجناء في المقرات الأمنية لأشكال متطرفة من التعذيب، تتوفر عنها روايات مريعة(8). وقد سقط منهم شهداء 2826 حتى يوم 29/8/2013، حسب "مركز توثيق الانتهاكات" السوري، الجهة الأكثر موثوقية في شأن المعلومات عن ضحايا الثورة(9). والأرجح أن لهذه الوحشية ضلع في اللجوء إلى المقاومة المسلحة، وتفضيل عدد كبير من الناس الموت على أن يعتقلوا.
وتعرض ما لا يمكن إحصاؤه من النساء للاغتصاب في السجون أو في البيوت من قبل قوات النظام والشبيحة(10).
وقد يكون عدد المصابين والمعاقين في مرتبة نصف مليون أو أكثر(11).
يولد العنف انفعالات يمتنع التحكم بها، غضب مستعر ونوازع انتقام وتعطش للثأر وعمى للبصيرة وكراهية وتصلبا للنفس. ومعلوم أن الأمر وصل في حالة واحدة معروفة إلى محاولة أكل أحشاء أحد قتلة النظام المقتولين، وجعلت صاحبها، أبو صقار، علما على الثورة ككل، يذكره على المنابر الدولية زعماء رقيقو المشاعر من شاكلة فلاديمير بوتين.
كان العرب القدماء يقولون أنه يخرج من جسد القتيل طائر اسمه الصدى يصرخ طلبا للثأر. لا شك أن عشرات ألوف طيور الصدى تستصرخ الثأر اليوم في الأجواء السورية اليوم. وإذا كان الجن والعفاريت والأشباح إسقاطات خارجية للانفعالات البشرية، فإن العنف المجنون الذي عرفه البلد قد أطلق جيوشا من الجن والأشباح والغيلان من الجسد السوري الممزق.
أي عقل بارد، وأي تفكير واضح، في عالم الصدى والجن والأشباح؟
لقد حطم العنف المهول الرابطة الوطنية أيضا، ورفع مستوى العداوة بين السوريين إلى مستوى تحوز فيه أية عداوات وخصومات أخرى قيمة نسبية بالكاد، وبات التخلص من العنيف العام، أيا تكن الوسيلة وعلى يد أي كان، تطلعا مشروعا، ليس هناك وجه عادل للوم المعنّفين المنكشفين المهانين عليه.
وتدريجيا، مع تقدم الصراع، سجلت قوى محسوبة على الثورة تجاوزات متكاثرة وخطيرة، غير عادلة وغير إنسانية، وأخذ الأمر يتفلت من قدرة أي كان على الضبط. قد يمكن تفهم دوافع هذه التصرفات أو بعضها، لكن حين نصل إلى هنا، نخرج من عالم القيم ويضعف التماهي بالثورة وتتسع مراتب الاغتراب عنها، وندخل عالم الثأر والانتقام، الذي يؤول في النهاية إلى أن يقتل الجميع الجميع غن استطاعوا، ويمسي الجميع مثل الجميع.
هناك اليوم سجون كثيرة عند مجموعات كثيرة مناهضة للنظام أو مستفيدة من انكفائه عن بعض المناطق، ولا يبدو أن معاملة السجناء، وليسوا كلهم من أسرى النظام، كريمة أو قريبة من الكرامة. ومنذ الآن هناك سمعة مقلقة لبعضها، مثل "سجن التوبة" التابع للواء الإسلام في دوما، ومخيفة لبعض آخر مثل جميع السجون السبعة التابعة للدولة الإسلامية في العراق والشام ("داعش") في محافظة الرقة. هذا فضلا عن نظام عقوبات إسلامي، مورس في بعض المناطق على نحو استعراضي، وبغرض إظهار من يكون صاحب السلطة والكلمة العليا، وليس من باب العدالة وإحقاق الحق. في سجن التوبة الدوماني يفرض على السجناء أن يحفظوا أجزاء من القرآن، والصلاة طبعا. ومثل ذلك في سجون "داعش". ولا يبدو أن مصممي هذا النظام العقابي المقيت يتبينون أنهم يقيمون ارتباطا شرطيا بين العقاب والقرآن، فيجعلون حضور الله في حياة المسلمين أداة إكراه وقهر.
لدينا هنا حلقة مفرغة: عنف النظام المديد يثير انفعالات حادة عند المعنّفين، يتصرف هؤلاء بطريقة عنيفة وغير عادلة حيث أتيحت لهم الفرصة، أما المجتمع ككل فيبدو مأخوذا على حين غرة، ولا يستطيع تنظيم نفسه ضد تجاوزات المعتدين الجدد، أو التأثير على سلوكهم. يتسع نطاق الاغتراب السياسي الذي قامت الثورة أصلا ضده، ومن يتيسر له من مغتربي الثورة يشق دربه إلى مغترب ما، في الغرب أو غيره، ومن لا يستطع يغترب في داره، مستبطنا أوامر ونواهي السادة الجدد، أو منتهكا إياها في السر.
والمشكلة أنه طالما العنف الأسدي مستمر، فالفرصة محدودة جدا لاعتراض عام منظم على عنف وتعسف أي مناهضين له. وليس غير اعتراض منظم وعام هو ما يمكن أن يثمر.
في المقام الثاني دخلت مجموعات جهادية وجهاديين من أصول متنوعة دون إطار جامع لهم أو مرجعيات شرعية معترف بها أو عنوان معلوم يمكن الأخذ والعطاء معه. أغلب هؤلاء أجانب، قادمون من بلدان عربية وإسلامية وغربية، لكن "الأجنبية" صفة جوهرية للجهاديين حتى حين يكونون سوريين. نعني أجنبية فكرية وقيمية وسياسية عن الدولة الوطنية الحديثة بحكم المثال الاجتماعي والسياسي الذي يتطلعون إليه، ولا يتحملون بفعل التزامهم الحصري به غير مستوى متدن من المسؤولية حيال هذا المجتمع الغريب، السوري، وحيال حساسياته وذاكرته وتكوينه البشري وتاريخه الحديث.
يسجل دخول الجهاديين الأجانب عنصرا في اتساع نطاق ممارسة يمكن تسميتها سياسة الأعماق أو سياسة اللاشعور، التي يتمازج الدين والسياسة فيها ليكون الدين سياسة مباشرة والسياسة دينا، ولتعتبر طبقات التفكير والمفاهيم والرموز التي تكونت فوق العمق الديني، ما سنسميه "العقل"، غبارا يتعين نفضه وبِدَعا يتوجب قمعها. ومن هذه المفاهيم والرموز الدولة الوطنية ومبدأ المواطنة وتمايز الأمة السياسية عن الأمة الدينية وتمايز القانون عن "الشريعة"، وأولوية الذاكرة الوطنية على التاريخ ما قبل الوطني القديم.
انخفضت قيمة هذه السياسة القديمة، سياسة الأعماق، بفعل تشكل الدولة الوطنية الحديثة القائمة مبدئيا على المواطنة، وصارت توصف الممارسات التي تربط السياسة بالدين، بحق، بأنها طائفية. تداعي الدولة الوطنية وتنظيماتها، وتهافت سياسة نخبها القائدة (تمارس الطائفية من وراء قناع الوطنية)، تسببا بتقويض الدولة الوطنية والهوية الوطنية، وتعميم الطائفية في المجتمع. الجهاديون، وطائفيتهم مبدئية ومحاربة، هم بمثابة انبعاث حديث لمبدأ سياسي قديم، ظل معاصرا لنا بفعل تهافت الدولة الوطنية وانحطاط نخبها القائدة.
سهل من دخول الجهاديين خروج معابر حدودية من سيطرة النظام في صيف 2012، ثم خروج مناطق متسعة من سيطرته في صيف وخريف العام الماضي. لكن كان النظام ذاته قد أفرج عن مئات من الإسلاميين والسلفيين الجهاديين المحبوسين لديه في نيسان وأيار 2011 وحزيران، وقبيل الثورة أيضا، وذلك في خطوة ماكرة يحتمل أنه كان يُعوِّل عليها في تحول مواجهته إلى "جهاد"، بما يمكنه من بيع مكافحة الإرهاب في السوق السياسية العالمية. ويقول "مجاهد" من "جبهة النصرة"، أبو عبدالله الأنصاري (28 عاما، كان ملازما أول انشق في خريف 2011 عن جيش النظام)، تسنّت لنا رفقة سفر شاقة طوال 8 أيام في شهر تموز من هذا العام إن النظام مكر، لكن الله مكر به، وهو خير الماكرين، وإن مكر الله يتجلى في اعتقاده في صعود الجهاديين وصعود قضيتهم.
"جبهة النصرة" هي التشكيل الجهادي الذي أعلن عن نفسه في مطلع 2012، وهو مرتبط بتنظيم القاعدة، وقد "بايع" زعيم التنظيم أيمن الظواهري في نيسان 2013. لكن ظهر في الشهور الأخيرة تشكيل جهادي آخر، مرتبط بالقاعدة بدوره، هو "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، منازع على الشرعية القاعدية لـ"جبهة النصرة". ويبدو أن أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، أقر الجماعتين معا، على أن تبقى "الجبهة" في سورية، و"الدولة" في العراق. وهو ما لم تمتثل له الأخيرة، "داعش"، وتوسعت على حساب الجبهة في مناطق من الشمال السوري، الرقة وتل أبيض ومنبج وجرابلس...، وبعض مناطق إدلب. ويبدو أن بعض التوتر بين التنظيمين يحيل إلى اعتبارات "وطنية"، فالنصرة مكونة من "مجاهدين" سوريين أساسا، وهي إن كانت تقبل مجاهدين عربا ومسلمين، يسمون "المهاجرين"، على ما شرح لي أبو عبدالله الأنصاري المشار إليه للتو، فلأنهم يتمتعون بكفاءات خاصة، ولا تضعهم الجبهة في مواقع قيادية فيها.
لكن يبدو لي أن الأمر لا يتعلق بتوجه وطني سوري متسق، بل بضرب من مراعاة أكبر للبيئة السورية قياسا إلى "داعش"، مراعاة لا يكف عن مناقضتها المثال الفكري والسياسي الأممي للجهاديين. وليس واضحا كيف سيحل هذا التناقض: لمصلحة المثال الأممي، الذي يؤسس لسطة مطلقة وأكثر "أجنبية"، وتاليا الاقتراب من "داعش"، وربما الانحلال فيها، أو لمصلحة الإطار السوري و"الأنصار" (أي "المجاهدين" السوريين)، وما يوجبه ذلك من مراجعة المثال الجهادي الأممي.
"الدولة"، بالمقابل، مكونة من "مهاجرين" وافدين، ومن "أنصار" سوريين. ومن السوريين تجتذب "داعش" على نحو لافت أناسا كانوا في أسفل السلم الاجتماعي (مهربون، أصحاب سوابق، بائعو سكائر...)، فتمنحهم سلطة واعتبارا وهيبة، وربما يتمسكون هم بها لأنهم يدينون لها بكل شيء.
وهناك في الجو العام ما يبدو مناسبا للجهادية، ليس الكثير من العنف والغضب المستعر طوال عامين فقط، بل واستهداف تمييزي للبيئات السنية. الجهاديون نتاج التقاء موجة أسلمة، تتلون في سورية حتما بسردية مظلومية سنية معادية لغير السنيين (للعلويين بخاصة)، مع رد عنيف على شرط المجتمع المعنّف. وفرت شروط الثورة مع الزمن مساحات أكبر لتلاقي وامتزج هذين العنصرين: سنية سياسية واعية بذاتها ومقاومة مسلحة. ما المحصلة؟ ماذا ينتج عن تلاقي الهوية الدينية المسيّسة والمقاومة المسلحة؟ الدين والعنف؟ بالضبط "الجهاد". الجهاديون جهاد مشخص يمشي على قدمين، أو بالأحرى على أقدام كثيرة. مساحات اللقاء المتسعة بين الدين والعنف تفسر الانزياح التدريجي لمقاومة النظام باتجاه إسلامي، وسلفي أكثر منه إخواني، وسلفي جهادي بخاصة، وارتفاع راية الجهاد السوداء على حساب علم الثورة الملون(12).
هناك أيضا التعطش لممارسة السلطة، والسلطة المطلقة، مما توفر المجموعات الدينية المتطرفة أساساً له وتسويغ مقدساً. التعطش للسلطة يبدو شائعاً بصورة لافتة بين السوريين، بقدر ما هو غير مدروس أبداً. نخمن أن للأمر صلة بتفكك الأطر التكافلية التقليدية، وشيوع نمط الفرد المنفلت بلا ضوابط من أي نوع، وشيوع نموذج الأنا المطلق في سورية(13).
في المقام الثالث، هناك تنام محسوس، وإن لم يكن ظاهرا، لدور الخفي وغير المرئي في الصراع السوري، أعني الأجهزة السرية لأطراف متنوعة. هذا عنصر مهم دوما في السياسة الدولية، لكن تأثيره يتنامى، وقد يصبح أساسيا في أطوار تداعي سلطة الدولة والنظام العام، وتدهور سيطرتها على حدودها وتفاعلاتها مع العالم الخارجي. سورية تعرض اليوم مثالا للدولة المثقّبة كجغرافيا، والمفككة ككيان، والمنكشفة كمجتمع، والبهيمية كنظام، مثال اللاوطن، ما يجعلها ميسرة لاختراقات من كل نوع.
لا نملك معلومات محددة في هذا الشأن، لكن لا يكاد يكون ثمة شك في تدخل كبير لأجهزة سرية كثيرة، إسرائيل وأميركا، وإيران وحزب الله، وتركيا والسعوية وقطر وبريطانيا وفرنسا وغيرها، هذا من طبائع الأمور في ظروف كظروفنا. ولا ريب أنها، ومخابرات النظام الأسدي معها، تستتبع مجموعات سورية متنوعة بطرق متنوعة أيضا.
وفي ظهور الجهاديين ذاته يلتقي العامل غير المرئي من حيث أن نشاطهم سري ومحجوب، ومن حيث ما يحيط ببعض المجموعات على الأقل من شبهات ارتباط ببعض الأجهزة السرية، أو من اختراقها من قبل بعض تلك الأجهزة.
وقصة ميشال سماحة، الوزير اللبناني السابق، الموقوف في لبنان حاليا، الذي كان يفترض أن يشرف على تفجيرات في لبنان، يستهدف بعضها شخصيات مسيحية، وتلصق بظهر جهاديين إسلاميين، مثال ناطق على دور الأجهزة السورية، وعلى جانب من صناعة الجهاد(14). ويظهر هذا المثال أن دور المخابرات يتعدى العمليات القذرة إلى خلط الأوراق والتلاعب بالعقول والمواقف. هذا عنصر قد يكون الأهم في عمل المخابرات، ونرجح أنه يشكل جانبا كبيرا من عمل المخابرات السورية، وشريكاتها الإيرانية والروسية.
وفي الرقة يثار تساؤل بصدد عدم تعرض طيران النظام، المروحي والنفاث، لمقر "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهو يشغل بناء معروفا، قصر المحافظة، المقر الرسمي الأعلى للسلطة محليا. هذا بينما تتعرض مواقع أخرى للقصف، ولا يكف عن السقوط ضحايا مدنيون. هل يمكن تجنب السؤال؟ وما يتضمنه من شبهة بارتباط من نوع ما، "موضوعي" على الأقل، بين النظام و"داعش"؟
بما هي أجنبية كلها، من زاوية نظر الوطنية السورية، فإن تلك الأجهزة، ومنها في ذلك دوما مخابرات النظام الأسدي، لا تختلف عن الجهاديين في تأثيرها المحطم للإطار الوطني.
العنصر الرابع مرتبط بالعناصر السابقة، ويتصل بالدور الكبير، الكبير جدا فعلا، للمال السياسي في التأثير على خيارات أعداد كبيرة من السوريين وتوجهاتهم السياسية والفكرية. في الغوطة الشرقية، في نيسان الماضي سمعت قولا ينسب إلى هوشي منه: إذا أردت أن تقضي على ثورة، أغرقها بالمال! ويبدو أن هذا المال قام بدور مفسد هائل، وأتى، أو كاد، على روح المبادرة والتطوع والشجاعة التي ظهرت في عام الثورة الأول. وغير أن هذا المال مرتبط بأجندات جهات "داعمة" أجنبية، فإنه دخل ريعي مفسد لنظام القيم وللارتباط بين العمل والدخل، ومفسد للسياسة قبل كل شيء عبر شراء الولاءات والمواقف.
إذا صح مثلا أن مجموعة ملثمة تصور شريطا تعلن فيه عن نفسها باسم كتيبة كذا، وأنها قامت بعملية كذا كي تنال "دعما" ماليا من جهات راعية، ثم تصور شريطا آخر باسم آخر، وتنسب لنفسها إنجازات أخرى، مزورة غالبا، إذا صح ذلك فإن فيه دلالة كافة على الخراب الهائل الذي تسبب به المال السياسي. هذه رواية سمعتها من مقاتل من منطقة دير الزور، كان جنديا على جبهة الجولان، قبل أن ينشق ويشارك في مواجهة قوات النظام في الغوطة الشرقية. علما أنه على المستوى العسكري يشكل هذا المال قناة ربط بين مجموعات مسلحة في الداخل السورية ومجموعات ممولة في دول الخليج بخاصة، أكثرها سلفية التوجه ومتشدة دينيا، ولا يبعد أن يكون لبعضها على الأقل روابط بمخابرات بلدانها.
وإلى ذلك هناك مال الدول، الخليجية والغربية وإيران، الذي يبدو أنه أفسد سياسيين بقدر لا نعلمه، لكن نقدر أنه كبير. وكذك مال مؤسسات داعمة غربية يبدو أنه أسهم بدوره في إفساد ناشطين سياسيين سوريين، خارج البلد وداخله. هناك اليوم دورات من كل نوع تدرب في بيروت أو تركيا أو أوربا ما لا يحصى من "ناشطين" سوريين على ما يفترض أنها أنشطة مدنية أو "لتقييم الحاجات"، وهي حين لا تثار بشأن أنشطتها أسئلة متشككة، فإنها تصنع عادات سيئة واعتمادا سلبيا من قبل الناشطين السوريين على "رضاعة" الدعم المالي السخي(15). ويبدو أن هناك "ناشطين" يتعيشون من المشاركة في هكذا أنشطة، يميزهم عموما تواضع كفاءتهم وضعف مشاركتهم الفعلية في الثورة.
والمفعول المشترك للمال في كل الحالات هو تحويل الولاءات، وتوجيه الموالين في اتجاهات متنافرة، لا تتوافق مع مصلحة الثورة والمصلحة الوطنية السورية.

تشترك هذه التحولات الأربعة، العنف المجنون الذي مورس طوال نحو 900 يوم دونما توقف، الجهاديين وسياسة الأعماق، والقوى السرية أو غير المرئية، والمال السياسي، في تحطيم الإطار الوطني للحدث السوري، وتجعل الاكتفاء به على مستوى التفكير والتحليل قاصرا وغير منتج. لم يعد لسورية داخل، وتاليا لم يعد يجدي الاقتصار على التحليل الداخلي. تحولنا بسرعة من بلد بداخل ضيق يكاد يكون سجنا إلى بلد منفلش بلا داخل.
وفي التحولات الأربعة المذكورة للنظام الأسدي سجل متفوق. فغير مشاركة مرجحة في صناعة الجهاد والجهاديين، لم يكف النظام عن خوض جهاده الخاص وسياسة أعماقه الخاصة، التي لا تنفصل السياسة فيها عن الرابطة العقدية. الطائفية، وهي ركن أساسي من أركان سياسة النظام، هي سياسة أعماق، ولطالما كانت قوة مقوضة لعقلانية السياسة ولصلاحية التفكير السياسي العقلاني.
ودور أجهزة النظام السرية في التضليل وصنع وقائع تنسب إلى غيره مرجح وكبير، والأرجح أننا لا نحيط إلا بجوانب محدودة منه. إذا أتيحت المعلومات كلها يوما فقد يتبدى لنا أننا نعيش في عالم مزوّر إلى حد بعيد، وأن أكثرنا حذرا تعرض إلى التضليل مرارا. ومعلوم أن أجهزة النظام السرية "أجنبية" كثيرا عن أي معنى حي للوطنية السورية، إن من حيث الوحشية والقسوة اللامتناهية في التعامل مع عموم السكان، أو من حيث الروابط مع أجهزة مشابهة (إيران، حزب الله، روسيا...)، أو من حيث الطائفية التي تعشش فيها أكثر من غيرها، فضلا عن التكتم التام على ميزانياتها وتمويلها المحتمل لأفراد وجماعات داخل البلد وخارجه.
ثم دور المال السياسي المفسد. شراء الولاء في الداخل أو في المحيط الإقليمي من الفنون التي مهر بها النظام كثيرا. قبل الجميع الأحزاب الداجنة في "الجبهة الوطنية التقدمية"، والكثير من السياسيين والإعلاميين اللبنانيين. لا انفصال بين السلطة العمومية والأموال الخاصة هنا، ويمكن للمال في سورية أن يفتح جميع الأبواب المغلقة في البلد، على نحو يستحيل ما يدانيه في أي بلد رأسمالي.
أما العنف الذي لا يعرف حدا فلا أحد يجاري حكم السلالة الأسدية فيه. كان هذه رهانها الذي لم تحد عنه من أول يوم من الثورة. ولها الفضل الكبير في تكسير الرابطة الوطنية وإثارة نوازع الثأر، ونشر العنف في المجتمع السوري ككل، ودفع ما كان يمكن أن يكون نزاعا سياسيا داخليا إلى حرب محلية وإقليمية. وسبق أن قتلت عشرات الألوف من السوريين واعتقلت وعذبت عشرات الألوف في أزمة وطنية كبيرة في جيل سبق.
ثم مفعول الزمن. فقد تفاقم الانكشاف متعدد المستويات بفعل تطاول الأمد بالصراع السوري.

في قبضة "اللاعقل"...
بمحصلة فعل العوامل الأربعة، مضروبا بالزمن، يبدو اليوم كأن طبقة من حياة السوريين ووجودهم قد تحطمت، بكل مكوناتها الفكرية والسياسية والنفسية والأخلاقية، والمادية، وأن الطبقة الأعمق التي أخذوا يستقرون عليها هي طبقة أقدم، مكونة من عناصر أكثر أولية، دينية ومذهبية وإثنية وجهوية وقبلية، تولدت عن تفكك المُركَّب السوري الحديث، الدولة الوطنية. كانت تلك العناصر تشكل "الآخر"، "الأجنبي"، الذي كانت هذه الدولة تُعرِّف نفسها، وعيها وضميرها الوطنيين، بالتمايز عنه في أيام صعودها، هذا قبل أن تشرع بتقويض نفسها كدولة وطنية والانقلاب إلى حكم سلالي لا وطني أو قبل وطني، "أجنبي".
فإذا اصطلحنا بتسمية "العقل" على الطبقة الأحدث من المدركات التي تتكون لدينا بفعل العيش في أطر اجتماعية وسياسية وفكرية محددة في زمن محدد، المزامنة تاليا للمشكلات التي يطرحها علينا هذا العيش، فإنه حين تتحطم هذه الطبقة أو يتعطل اشتغالها لسبب ما، تظهر طبقات تحتها، أقدم وأقل ملاءمة لمقاربة المشكلات الراهنة، وأدنى "عقلانية". ويمكن لهذه الطبقات الأعمق والأقدم من المدركات أن تغدو موضع استثمار سياسي وفكري لقطاعات من المجتمع، أقل استفادة من الأطر الاجتماعية التي تنهار، ولا يوفر لها "العقل" القائم، المزور والملعوب به، أدوات لوعي نفسها أو لغة للتعبير عن مطالبها.
"العقل"، في الإطار السوري، تكونه مدركات من نوع الدولة ومؤسساتها والأمة والشعب والمواطن والطبقة والحزب السياسي والدستور والقوانين...، وقد انقلب في السنوات الأسدية، والبعثية، إلى مدونة عقابية للسوريين، تتيح اتهامهم وتخوينهم ومصادرة أصواتهم، ولا توفر لهم بالمقابل فرصا للاحتجاج والمطالبة الجماعية وتمثيل أنفسهم. مع تحطم أطر الحياة الوطنية في مسار الثورة، وقد كانت منخورة قبلها، فإن ما يتحطم معها هو "العقل" أيضا، وتفقد تلك المدركات نفعها في تنظيم وعينا بالواقع المتفجر ونقده.
لكن الإدراك الإنساني، مثل الطبيعة، يكره الفراغ، وهو لا يتحمل الحيرة والتشوش، وسيملأ نفسه بأقرب المتاح من المدركات، أقرب المتاح من اللاعقل. ليست المدركات والمفاهيم التي نستخدمها لإدراك الواقع "بنى فوقية" أو انعكاسات خفيفة لواقع تحتي ثقيل، إنها أدوات أساسية للتوجه في الواقع والتحكم به. حين تتعطل الأدوات الحديثة المزامنة، "العقل"، أو تستخدم لنزع قدرة عموم الناس على تعقل أوضاعهم، نستخدم أدوات غير مزامنة وأقل ملاءمة، اللاعقل.
ويأ خذ اللاعقل شكلين محتملين: طبقات أقدم من المدركات، غير مزامنة للمشكلات الراهنة، أقرب إلى "اللاوعي السياسي" بمفهوم ريجيس دوبريه(16)، وهو قائم على الرابطة الدينية وتنويعاتها المؤسسة للاجتماعي، وموافق للتشكيلات الاجتماعية التي أشرنا إليها (الطائفة والعشيرة والإثنية والقبيلة...). وتقترن هذه الطبقات بالعنف بفعل الانهيارات الجيولوجية للعقل وأطره الاجتماعية، وعدم صلاحية مدركات الطبقة الجديدة لتنظيم الحياة المعاصرة. والشكل الثاني هو الإبداع، وما هو طليعي في التنظيم والتفكير، وما لم يتشكل في طبقة أو ما لا يزال سائلا.
اليوم نعايش في سورية طبقة من الوجود والثقافة أقدم، مزامنة لتشكيلات قديمة كالعشيرة والطائفة والمحلة والإثنية...، ولا نرى إلا القليل من الإبداعية والتفكير الجديد.
نعايش أيضا الاستثمار في اللاعقل، وبناء هياكل اجتماعية وسياسية موافقة له، وتحديدا الإقطاعيات العسكرية الدينية التي سنتكلم عليها أدناه.

إقطاعيات عسكرية دينية...
نحن بعيدون هنا عن صورة بلد مهدد بالوقوع في براثن طغيان جديد. التهديد في سورية اليوم وجودي أكثر، يطال كيان البلد ووحدته و"عقله"، أو وعيه الذاتي كدولة وطنية، وهو منذ الآن يطال أيضا قابليته للحكم، وقابليته للفهم، وقابليته للعيش أيضا. لدينا إمارة أسدية عدوانية تشغل حيال باقي سورية (نصفها مساحة، وأقل من نصف سكانها) موقعا إسرائيليا. لدينا أيضا تجزؤ متعدد المستويات، لا يشكل التجزؤ الطائفي شكله الوحيد ولا الأبرز، شيء يشبه الإقطاع العسكري في مناطق متعددة في البلد، يهيمن فيها تشكيل عسكري، يستولي على مقرات عامة (مدارس، إدارات، مقرات أمنية وعسكرية، مقرات حزبية، مصارف ...)، ويمارس ما يقارب سلطة مطلقة في منطقة نفوذه. ليس الأمر كذلك في كل مكان. لكن في كل مكان يحصل فيه ذلك، هناك تناسب بين تقدم التجزؤ الإقطاعي المستجد وبين تراجع الإقطاعيات الجديدة عن المشاركة في مواجهة الإقطاعية الأسدية. الأكثر تجنبا للصراع مع النظام، "الدول الإسلامية في العراق والشام"، هي الأكثر تجسيدا لهذا الضرب من إقطاعة عسكرية دينية تطلق على نفسها اسم "دولة"، وتتصرف حيال الأوساط المحلية التي تسيطر فيها بنهج طغياني، لا تشغل طلبات السكان وتفضيلاتهم أدنى اعتبار فيه، ولا يكاد يحد منه حتى الآن غير وجود تشكيلات عسكرية أخرى يتواتر أن تدخل في صراع مفتوح معها (الرقة في الأسبوعين الأولين من شهر آب ضد "لواء أحفاد الرسول"، المرتبط بهيئة أركان "الجيش الحر"؛ وفي بلدة الدانا القريبة من الحدود التركية في محافظة إدلب في الأسبوع الأول من تموز، ضد "الجيش الحر" أيضا).
والواقع أن العدد الكبير من التشكيلات العسكرية التي نشأت أصلا في مواجهة النظام، ونالت دعما من أطراف خارجية متنوعة، دولتية ودون دولتية، واستولت على ممتلكات عامة، وأحيانا خاصة، يحمل في ذاته احتمالات التجزؤ المتقدم في غيبة ميل توحيدي معاكس. دور المعارضة السياسية كان أكثر من محدود في مجال التوحيد، كان سلبيا في الغالب بفعل رثاثة أدائها وتبعياتها الخارجية هي ذاتها.
الإسلامية السنية، في صيغ سلفية غالبا، وإخوانية بدرجة أقل، هي الإيديولوجية المشرعة لمجموعات مقاتلة متنوعة، لكنها مع ذلك لا توفر أساسا توحيديا حتى للبيئات السنية الخارجة عن سيطرة النظام، وهي من باب أولى أقل تأهيلا لتوفير أساس توحيدي للمجتمع السوري ككل.
ولقد تسنى لي ملاحظة بعض هذه البيئات عن كثب في مناطق من دمشق وحمص والرقة، وهي تبدو مقيمة في بؤس عميق، منعزلة عن الدولة إلا كقوة قاهرة خارجية، وعن العالم الواسع المتغير، وعن الثقافة، وتعيش حياة ريفية متدهورة، على هوامش الدولة والاقتصاد الوطنيين. ولعلها تركن بسهولة إلى تشكيلات إسلامية توفر لسكانها الأدنى دخلا وتعليما ضربا من وطن خيالي بديل، "الإسلام". الواقع أنه وطن يترك أكثرية السكان في هذه البيئات بالذات في العراء، ولا يوفر سكنا دافئا لغير حفنة من الوجهاء الجدد وتابعيهم. لم ألمس في أي مكان ابتهاجا خاصا بإشغال أصناف من الإسلاميين موقع الصدارة في مناطق خارج سلطة النظام، أو شعورا بوحدة الحال مع المسيطرين الجدد.
وغير المجموعات المقاتلة الإسلامية، لا تعرض تشكيلات "الجيش الحر"، وقد كانت متن المقاومة المسلحة منذ نشوئها، ما يكفي من تماسك ومناقبية للحد من انتشار المجموعات العسكرية الإسلامية، سواء منها المرتبطة بجهات خارجية متنوعة (الإخوان يحظون بدعم قطر، والسلفيون غير الجهاديين السعودية)، أو العدمية التي تربط بين "الخارج" السماوي و"الخارج" الاجتماعي، أعني توفر عمقا سماويا لأفراد من الأكثر انكشافا وهامشية وضياعا. الواقع أن قلة انضباط مجموعات "الجيش الحر"، وسوء سمعة بعضها، يوفر بيئة خصبة للمجموعات الإسلامية المتشددة التي لا تعتدي على أملاك خاصة، لكنها لا توفر أية أملاك عامة وتتعامل معها كغنائم مباحة. استولت "حركة أحرار الشام الإسلامية"، السلفية أيضا، على ما قد يعادل 10 مليارات ليرة سورية كانت مودعة في المصرف المركزي في الرقة بعد انتزاعها من سيطرة النظام في الأسبوع الأول من شهر آذار من هذا العام، وليس معلوما كيف جرى صرف المبلغ الهائل، والحركة لم تقدم أي كشف حساب بمصير هذا المال العام أمام أي كان.
وفي هذا ما يشير، وليس هناك ما يشير بعكسه حسب اطلاعي، إلى ضمور تام في البعد الأخلاقي والإنساني، والوطني، في سياسة وسلوك وتفكير المجموعات الإسلامية، وإلى انشغالها بمصالحها الخاصة. وبالتعطش إلى السلطة العامة.
ولدى هذه المجموعات مشروعها أو مشاريعها الخاصة، التي لا يكفل تقاربها الفكري تعاون قياداتها، والمتمحورة أولا وأساسا حول السلطة. ليس "الإسلام" الذي تستند إليه هذه التشكيلات الكثيرة المتشابهة غير ركيزة لسلطة مطلقة يُحرّم نقدها، وتضفي الشرعية على التفضيلات الذاتية لإسلاميين محدثين غالبا، تفضيلات محركها الجوهري هو المال والسلطة. وهي تستفيد بدهاء مبتذل، لكن فعال ومحروس بالقوة، من الصفة الإسلامية لإخفاء طابعها الجوهري كمشاريع سلطة مطلقة، ليس لها بعد تحرري من أي نوع. كل الثقافة هنا ترتد إلى نزعة الاكتفاء الإسلامي ونظرية المؤامرة. صورة العالم عند الإسلاميين على تنوعهم أشد قتامة وشرانية من صورته عند القوميين. إنه مكان شرير وفاسد وخطير وعدواني، وأميركا ومعها إسرائيل، تحركان كل شيء من وراء الستار، وليست النظم العربية غير دمى وبيادق شطرنج بيدهما. سمعت هذا الكلام التبسيطي من مجاهدين إسلاميين، يفترضون أنه البداهة عينها، وهو ما يثير التساؤل عن وجود مشكلة كبيرة في تمثل قطاعات واسعة منا للعالم، أي أيضا في فرص التعليم والثقافة والإلمام بالعالم المعاصر.
وليس لدينا، بالتأكيد، ما نتعلمه من عالم شرير هذه صفاته، بل ليس هناك غير نصب الحواجز في وجهه، إن لم يكن مهاجمته و"فتحه". وبينما كانت التهمة المعيارية لمعارضي النظام الأسدي هي العمالة لأعداء غير متعينين، أميركا وإسرائيل تفضيليا، فإنه عند التشكيلات السلفية الجهادية يبدو كل ناشط مستقل مشتبها بعمالته للناتو تحديدا، فيما يشكل توريدا لخبرة تنظيم القاعدة في أفغانستان والعراق.
وتشكل نزعة الاكتفاء الإسلامية ونظرية المؤامرة العالم الفكري للإسلاميين بدرجة تتناسب مع تشددهم. لا يعتبرون أن كل ما لديهم حق، بل أن كل ما هو حق لديهم. وهذا هو الباطل بعينه. وليس الأقل تشددا بينهم على مسافة تذكر عن هذا العالم، كما لا تواتي الأنبه والأوسع اطلاعا بينهم الشجاعة لقول شيء صريح ضد هذا التكوين الهاذي الذي يحمي فقره الفكري والقيمي وغثاثته الخارقة بعقيدة مبتذلة عن شرّانية العالم.
ونميل إلى الاعتقاد بأن التدهور الثقافي غير المنقوص الذي تعاني منه بيئات كثيرة في سورية من العوامل الكامنة وراء التجزؤ الاجتماعي من جهة، وصعود التشكيلات الجهادية من جهة ثانية. خلال عقود، نحو أربعة حتى اليوم، افتقر المجتمع السوري إلى الوجهة التاريخية أو "المشروع" الذي يوحد التطلع إليه أنظار الناس وتوقعاتهم، وغرق في حاضر بائس مؤبد تهيمن عليه نخب منحطة. كان حافظ الأسد هو وجهة سورية ومشروعها، ثم صار مشروعنا هو سلالته اليوم. وظاهر أنه ليس لهذا المشروع مضمون وطني أو إنساني عام.
"الإسلام" هو المشروع البديل عند قطاعات نشطة سياسيا من السنيين السوريين. يتعلق الأمر اليوم بإسلام أصولي، مفهوم فهما حرفيا، كسلسلة أوامر ونواه، كـ"شريعة"، ومنفصل أكثر من أي وقت مضى عن الثقافة كسيرورة تعلم واكتساب وابتكار، ويعيش حالة كفاف ثقافي محكم، وموسوس بالسلطة واشتهاء السطة وإرادة السلطة على الناس. إنه حافظ أسد آخر، غير مشخص(17).
في المجمل، يشكل ظهور إقطاعات عسكرية دينية نتاجا لتمزق البلد تحت وطأة العنف المهول الذي مورس بحق البيئات الثائرة، ولتعدد الجهات "الداعمة" للكفاح السوري، ولتدهور ثقافي وسياسي أقدم، ولتجزؤ محلي أقدم بدوره، كانت تغطيه المركزية الفوقية للنظام البعثي والأسدي، وأخيرا نشأ الإقطاع الجديد عن مطامح سلطوية غير مكبوحة من قبل أشخاص ومجموعات تربوا في ظل النظام الأسدي، وترعرعت مطامعهم بفضل حيازة السلاح وانتزاع أراض من النظام المعتدي، وخدمها تطاول الصراع.
كم يحتمل أن يبلغ عدد هذه الإقطاعيات؟ لا نعلم. لا تزال العملية في طور مبكر. ليس هناك بعد إقطاعية محددة تسيطر منفردة على منطقة بعينها من البلد، وتستأثر بحكمها. لكن نرى أن الأمور سائرة في هذا الاتجاه، ولا يبعد أن تتفجر صراعات في مناطق من البلد كي ينفرد التشكيل الأقوى بحكمها والسيطرة على مواردها. في مناطق من دير الزور تسيطر مجموعات مسلحة على آبار النفط، وتصفيه بطرق بدائية، أو تبيعه خاما، أو تشتري مصافي نفط صغيرة متطورة، وتجني الملايين من العملية(18). وتستولي "جبهة النصرة" على بعض آبار النفط في دير الزور(19). وليس هناك غير "الإسلام" لإضفاء الشرعية على هذا التفكيك المنظم للكيان الوطني والاستيلاء على الموارد العامة. صار يكفي "التكبير" على شيء ما حتى يعتبر غنيمة حلالا للمستولين عليه. وبقدر ما يتعلق الأمر بمجموعات تعاني من كفاف فكري وسياسي مفرط، فإن "الإسلام" هو الثقافة الجاهزة والسياسة الجاهزة، لحجب هذا الإدقاع، بل تحويله إلى غنى واكتفاء. من يتشكك ويتساءل عدو للإسلام، "كافر". التكفير سياج مجرب لحماية سلطة الإسلاميين، مثل التخوين عند البعثيين.
في التداول في بعض مناطق البلد قصص يختلط فيها الواقع بالخيال، تظهر المناخات العامة في هذه المناطق ومدى الكفاف الفكري والسياسي. منها مثلا أن يرى مكتوبا على الزجاج الخلفي لسيارة: كتيبة الزهير بن العوام! ومنها ما يبدو أقرب إلى طرفة عن كتيبة "سيدنا أُحد"، التي يبلغ من علم مؤسسيها أنه كان للرسول صديق عزيز اسمه أُحد، وأن الرسول سمى غزوة أحد تكريما له! ومنها أن يعرف "مجاهد" نفسه باسم كتيبته: "ابن اليتيمة" (اسمها كتيبة ابن تيمية). قد تكون هذه طرائف مخترعة أو مبالغا فيها، لكن ما تتضمنه من إشارة إلى فقر فكري وثقافي صحيح. في "الإسلام" المؤسس للإقطاعيات الجديدة القليل من المعرفة الإسلامية، ومن كل معرفة أخرى.
ليس هناك مشكلة لدى النظام الأسدي في التعايش مع إمارات إقطاعية عسكرية دينية، كان سبق الجميع في الكلام عليها، ويحتمل أن له ضلع في هندسة بعضها. هو في الأصل، وقبل الثورة، إقطاعية عسكرية خاصة، يحكمها أمير أسدي وراثي. وإن كان يفضل استعادة كامل الإمارة إلى حكمه، فلأنه يصعب عليه التفريط في ميراث، وليس لأية اعتبارات وطنية لم يلحظ أثر لها خلال عامين ونصف تقريبا. لا وطنية في الإقطاعيات العسكرية الطائفية.
ثم أن من شأن وجود إقطاعات عسكرية هنا وهناك، ومنها إقطاعات سلفية، وإقطاعة كردية (وضعت يدها على بعض آبار النفط في محافظة الحكسة أيضا)، أن يسبغ شرعية نسبية على إقطاعيته الخاصة، بل أن يقلل من شذوذها، ويجعلها انعكاسا لمجتمع مجزأ وإقطاعي التكوين والتفكير، على ما قد يفضل القول المثقفون العضويون للنظام. بل من شأنه أن يجعلها تبدو استمرارا للدولة السورية، وهو ما لا تستطيع زعمه الإقطاعيات الدينية، ولا تفكر فيه أصلا المقاطعة الكردية المحتملة. وإنما لذلك بالذات لا يستطيع الإقطاعي الأسدي التضحية بدمشق بخاصة لمكانتها التاريخية والرمزية الكبيرة، ولأن السيطرة عليها، وهي العاصمة، تحجب الوضع الإقطاعي وراء غلالة سورية عامة. من يسيطر على دمشق فرصته أكبر في أن يكون "الدولة"، حتى لو كان مثل حافظ الأسد وسلالته القاتلة.
ويبدو لنا بالفعل أن الأمور تتجه في سورية إلى ضرب من تعايش إقطاعيات، تشغل الإقطاعية الأسدية موقعا متفوقا عسكريا واقتصاديا بينها، وتحظى بدعم قوي من روسيا وإيران، ومحطة التقوية اللبنانية المعروفة لنفوذ الأخيرة، لكن لا تستطيع هذه استعادة كافة أملاكها بفعل توازنات داخلية وإقليمية ودولية. وهذا وضع مرشح لأن يستمر طويلا، ويذكر بغير محطة تاريخية من التجزؤ وتعدد الإمارات عرفتها سورية في تاريخها القديم وتاريخها الإسلامي.
وبدلا من طاغية واحد نحصل على عدد من الطغاة الصغار، ويسير البلد الذي لم ينجح في التخلص من الطغيان قدما على درب البربرية والانحلال. يقول جلبير أشقر: "كلما كان سقوط النظام السوري أسرع، كان الأمر أفضل. وكلما طال أمد بقائه، زاد خطر غرق البلد في الهمجية"(20).
والواقع أن مظاهر الانحلال الجارية، والإقطاعيات العسكرية الدينية أبرزها، مرتبطة بصورة وثيقة بصعوبة إسقاط النظام الأسدي، وليست مرشحة إلا للتوسع بقدر ما يتمادى الصراع السوري دون مخرج تقدمي وعادل. إن دينامية الإقطاع العسكري مرتبطة بالعوامل المحركة المشار إليها فوق، العنف ودخول الجهاديين والأجهزة السرية والمال السياسي، لكن المحرك الانفجاري المنشط لهذه الدينامية هو استمرار النظام كقوة عدوانية "إسرائيلية" في عالم "فلسطيني" مكشوف حولها. وليس هناك أي أمل في وقف هذه الدينامية دون تعطيل عمل المحرك. لن يعني سقوط النظام وقفا فوريا لعملية "الأقطعة"، لكن لا أمل في وقفها دون التخلص منه. ولعل من شأن ذلك أن يحرض ديناميات معاكسة لمصلحة شكل جديد من الوطنية السورية، يوقف زحف "اللاعقل" الذي يحرس فيه الدين التجزؤ والطغيان ونهب الموارد العامة، بما يؤهل الشروط لظهور "عقل" وطني جديد (مدركات مزامنة لأوضاعنا الجديدة، وأنسب لمعالجة المشكلات المستجدة).
لكن بقدر ما يظهر كم أن التخلص من هذا النظام عملية شاقة، فإن ظهور سورية جديدة على أنقاض "سورية الأسد" سيكون عملية أشق بعد.

سورية بين ما فوقها وما تحتها
هذا الوضع السوري المعقد أصعب من أي شيء واجهته سورية حتى في أيام الانتداب الفرنسي (1920- 1946). وهو في الواقع يثير تساؤلا عما إذا لم تكن المشكلة في تصور سورية كدولة موحدة لشعب سورية واحد. التدخل اللبناني العراقي الإيراني المنظم في الشؤون السورية إلى جانب النظام، والتدخل التركي والخليجي الأقل تنظيما، والتدخل الإسرائيلي الخفي في حماية النظام وضمان بقائه، والبعد الطائفي لهذه التدخلات كلها، بما فيها الغربية (تحت شعار "حماية الأقليات")، كل ذلك يثير تساؤلات عن معنى الكيان السوري وفرصه في البقاء. يتكلم البعض عن نهاية حدود سايكس بيكو، لمصلحة شيء غير واضح (21)، ربما إطار مشرقي أوسع(22). لكن تمكن الإشارة بقدر أكبر من الصدقية والوضوح إلى انقسام واقعي للبلد إلى كيانات أصغر، قد يتطاول عمرها وتتصلب، وليس تشكل لكيان أكبر.
وفي واقع الأمر سار الكلام على تجاوز دولنا القائمة دوما يدا بيد مع واقع التجزؤ الداخلي في كل منها. "الوحدة العربية" كانت الشعار الذي غطى، في سورية والعراق بخاصة، السياسات الطائفية في الداخل والتدخلات الفظة في الإقليم في آن. وفي كل الحالات كان إضعاف بلداننا لمصلحة "الأمة العربية" من فوقها يترجم عمليا لمصحلة خرقها من تحتها لمصلحة الطوائف والتحالفات الطائفية والتبعيات الخارجية. ولا يبدو أن صعود الإسلاميين المستندين إلى مفهوم الأمة الإسلامية يتعارض مع التجزؤ الإقطاعي وتنافس الإقطاعيات الناشئة. وهذه المرة لن تكون استثناء عن النسق العام. فالكلام على زوال حدود سايكس بيكو إنما يشرع لمشرق تابع، بهيمنة شيعية وسيادة إيرانية. أصحاب هذا الرأي لا يجدون بأسا في سياسة إيران وتطلعاتها للسيطرة في العالم العربي.
نصوت من جهتنا للكيان السوري، ضدا على التجاوز المزعوم لحدود سايكس بيكو، وضدا للتجزؤ الإقطاعي المتقدم. ولا نرى أصلا تعارضا بين بين ألأمرين، فيجري انتهاك الحدود الموروثة لمصلحة هيمنة إيرانية، بينما تعيش أجزاء واسعة من سورية أوضاعا إقطاعية متدهورة ولا مخرج منها.
مهما تكن علاته، ومهما يكن اليوم موضع نزاع وساحة حرب، فإن الكيان السوري يمكن أن يكون حلا لمشكلات عديدة.
أولها أن إعادة تأهيله أيسر من نشوء كيانات جديدة، طائفية وإثنية، تبدأ من الصفر، ويصعب أن تنال الشرعية الذاتية والدولية التي نالها الكيان السوري. وثانيها أن أية كيانات جديدة ستكون أطرا أضيق حتما للترقي السياسي والأخلاقي حتى من "سورية الأسد"، وبالتأكيد من سورية متحررة، وأنه مهما تكن صعوبات العيش معا لسوريين مختلفي المنابت يتقاتلون اليوم، فإنها أقل صعوبة وأيسر تدبرا، اقتصاديا ونفسيا، من تعايش كيانات سورية ولدت في الحرب والقتال، وستعيش حتما في الحرب والقتال؛ وثالثها أن الوطنية السورية القائمة على المواطنة هي المبدأ الإيجابي الذي يمكن الاستناد إليه لمقاومة التشكلات السلفية الجهادية ونزعات الإقطاع العسكري، بما فيها الإقطاعية الأسدية؛ ورابعها أن سورية موحدة أقل تعارضا مع أوضاع إقليمية قابلة للإصلاح من سورية مُكسّرة إلى عدة سوريات متنازعة. الإقطاعات السورية الصغيرة مشاريع رجعية في كل حال، تابعة في كل حال، وجالبة للسيطرات الخارجية حتما.
سورية مكسب تاريخي يمكن البناء عليه بحيث يكسب فيه السوريون كلهم. صحيح أنها كيان فتي، عمره أقل من 100 سنة، لكن له تاريخ منذ الآن، والصراع الهائل الذي شهده في الأشهر الثلاثين المنقضية يفترض أن يكون دافعا قويا للتأمل في شخصيته وتاريخه ومعناه، وتكوينه الجغرافي والاجتماعي. ما هي شخصية وما تاريخ وما معنى كيانات تابعة تنشأ من تكسير سورية؟ لا شيء غير الخوف والكراهية.
على أنه لا جدال في ضرورة إعادة بناء معنى سورية وهويتها ونظامها السياسي على أسس جديدة، مغايرة لما عرفته في الزمن البعثي والأسدي، ولما كانته قبل ذلك أيضا. يجري الكلام أحيانا على فدرالية، أو على لا مركزية سياسية، وأحيانا على نظام محاصّة طائفية. يمكن التحفظ على هذه الاقتراحات، لكن دلالتها السلبية على عدم صلاحية نموذج دولة مفرطة المركزية أقوى من دلالتها الذاتية الإيجابية.
وترتبط بالحاجة إلى مراجعة البناء السياسي لسورية حاجة أخرى إلى تصور مختلف للهوية. سورية كقطر عربي لا مطمح له غير أن ينحل في أمة عربية واحدة ليست مشروعا مستقبليا، لقد خسرت معركة البقاء سياسيا وأخلاقيا. وسورية الإسلامية التي تتطلع إليها أصناف الإسلاميين لا تبدو أكثر صلاحا. إن بروفاتها الراهنة مقترنة بالإقطاع العسكري، وبضيق فكري وسياسي واجتماعي خانق منذ الآن، ويمتنع أن تؤسس لأوضاع أكثر مساواة وحرية، أو أقل طائفية.
تبقى سورية السورية التي لا يمكن لمضمونها أن يبنى على غير حل مشكلة العيش معا لسوريين مختلفين، وضمان أوسع قدر من الحرية والعدالة للجميع. العروبة والإسلام جزءان من سورية، أساسيان، لكن سورية لا ترتد إليهما.
لا نعرف شيئا من ملامح الدرب الذي سيقودنا إلى سورية جديدة قابلة للحكم، وللحياة. لكن ليس هناك شيء تقدمي أو وطني أو إنساني في "سورية الأسد"، أو في سورية السلفية التي هي سوريات متعددة، أو في سورية كردية، هي منذ الآن مصدر توتر ونزاع وعنف في البلد المنكوب.

في أية اتجاهات يحتمل للوضع السوري أن يتطور اليوم؟
في واحد من أربع اتجاهات أو خمس في تقديري.
أن ينتصر النظام الأسدي في حربه، ويستعيد السيطرة على مناطق البلد كلها. هذا مستبعد فيما نرى، وسيؤول إن حصل إلى حكم الشبيحة في الداخل، أي أشكال متطرفة من الوحشية والنهب والقتل والاعتقال والتعذيب، وإلى سيطرة إيرانية شيعية عدوانية على البلد، وإلى مجتمع محطم اقتصاديا وسياسيا ونفسيا.
أن تنتصر الثورة وتقتلع النظام بالقوة. هذا يؤول بنا إلى وضع "الثورة المطلقة" التي لا تبقي من النظام القديم شيئا وتمسحه عن آخره(23). لكن مفارقة الثورة المطلقة أنه يرجح لها، حين تبدأ بالبناء، لا تجد غير خبرات واستعدادات تكونت في ظل النظام السابق، فتعيد بناءه ذاته، وإن على أسس فكرية مختلفة، وعلى يد نخب جديدة. نحصل على نظام إسلامي بدل نظام بعثي، وبعد "الرفاق" نحصل على "الإخوة". ونرى اليوم في مناطق خارجة على سيطرة النظام حلول عبارات دينية مأثورة من القرآن أو أحايث نبوية محل العبارات الرثة لبشار الأسد وأبيه وصورهما. والغرض واحد في الحالين: إبلاغ من يهمهم الأمر، عموم السكان، من هو صاحب السلطة ومن يكون السيد. ليس هناك مضمون وراء هذه الممارسة يتعدى ذلك.
وليس مضمونا، بعدُ، أن يؤدي إسقاط النظام بالقوة، اليوم، إلى زوال الإقطاعيات العسكرية المتكاثرة. لقد ارتبطت بها مصالح مادية ومعنوية وسياسية لم تعد مواجهة النظام تشغل موقعا متقدما في سجل اهتماماتها. لذلك ربما سيسوؤها أن تنتهي الثورة ويسقط النظام، لأنه سيكون وقت المساءلة عن مبرر وجودها، وعما جنت وفعلت. والأرجح فيما نرى أن يقتضي الأمر بعد التخلص من الإقطاعية الأسدية صراعا جديدا ضد الإقطاعيات الجديدة، وأولها الإقطاعية العدوانية لـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، لكن أيضا كل الإقطاعيات الأخرى، الأقل تماسكا وعدوانية. سيكون حظا طيبا أن تتاح لسورية دكتاتورية وطنية معادية للإقطاع تلم شعثها وتحافظ على كيان البلد.
الاحتمال الثالث أن تجري تسوية سياسية يتغير بموجبها النظام تغيرا أساسيا، وتطوى صفحة "سورية الأسد" سلما. قد يكون هذا هو الخيار الأسلم اليوم، لكن ليس هناك أدنى مؤشرات فعلية عليه. لا يستطيع النظام التنازل عن شيء بسبب تكوينه وبنية مصالحه المتطرفة، فإما أن يبقى كما هو وإلا ينهار كليا. هذا هو الأصل في أنه لم يفتح ولو نافذة صغيرة للسياسة طوال 30 شهرا. وهو اليوم مستمر في حربه، وحلفاؤه لا يشعرون بأدنى قدر من الحرج من المجاهرة بالوقوف إلى جانبه بالمال والسلاح والرجال.
إلى ذلك، يبدو أنه يصعب كثيرا اليوم أن تحظى أية تسوية سياسية بالإجماع من طرف طيف الثورة الضعيف الكثافة أصلا. وهذا ليس بفعل التطور السياسي والفكري والانفعالي غير المتكافئ للثورة في بيئاتها المتعددة فقط، ولا لأن جرائم النظام لم يعد يكفر عنها غير استئصاله الجذري فقط، وإنما أيضا لأن بعض الإقطاعيات وأمرائها سيزايدون على أي ترتيب سياسي محتمل، مهما يكن أقرب إلى الإنصاف، لحماية إقطاعياتهم ولارتباط مصالحهم بتطاول الصراع وتعقده لا بانتهائه.
الاحتمال الرابع تمادي الأوضاع الحالية، حرب مطلقة بلا ضوابط من طرف النظام، ودعم إقليمي ودولي محدود لتشكيلات من المقاومة المسلحة بما يكفي لأن لا يستعيد النظام المناطق الخارجة عن سيطرته، لكن بما لا يكفي لإسقاطه. يوم 25 آب الماضي نشرت نيويورك تايمز الأمركية مقالة لإدوراد لتواك من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" يفيد عنوانها أن أميركا تخسر في سورية أيا يكن الفائز، النظام وحلفاؤه أو المعارضة التي يغلب الإسلاميون في صفوفها. والرجل يقول بكلبية تامة إن استعصاء متماديا في سورية هو الحصيلة الوحيدة التي لا تلحق الضرر بالمصالح الأميركية(24). الاستخلاص السياسي من ذلك هو وجوب خسارة الطرفين معا. وعدا أن الحصيلة الفعلية للسياسة الأميركية حيال سورية طوال 30 شهرا تنضبط بهذا التقدير، فإن له سوابق أشهرها الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن العشرين، وقد صاغها في حينه هنري كيسنجر(25).
يتوافق تمادى الصراع مع انحلال البلد إلى إقطاعيات واستمرار النزيف المادي والبشري، وأوضاع إنسانية ميؤوس منها يدفع ثمنها الأفقر بين السوريين، وأوضاع نفسية ومعنوية بائسة، يشيع فيها التشاؤم والانتحاب والقنوط، مما لم تعرض النخب السورية (والعربية) يوما أدنى حد من الترفع عنه.
أليس هناك، أخيرا، احتمال خامس، بتدخل عسكري دولي، غربي؟ حتى أيام قليلة مضت كان يبدو هذا أمرا مستبعدا. لكنه يلوح اليوم احتمالا قويا بعد المذبحة الكيماوية الأخيرة في الغوطة 21/8. غير أننا نرجح أن يأخذ هذا التدخل المحتمل شكل ضربات من النوع الإسرائيلي لمواقع بعينها، الغرض منها معاقبة النظام وتأديبه وليس إسقاطه، وإنقاذ ماء الوجه الذي أهدره استخدام النظام التكرر للسلاح الكيماوي، ورفع الحرج عن النفس أمام السوريين والحلفاء العرب. لكن هذا لن يؤثر على مسار الصراع تأثيرا حاسما. بل وقد يعطي النظام انتصارا معنويا، لكونه خرج من مواجهة دولية سالما، وقادرا على الضرب والإيذاء. أما احتمال تدخل واسع بغرض إسقاط النظام فيبدو معدوما. وهذا لأنه يستتبع من الغرب تدخلا مضاعفا، إن جاز التعبير، تضاف فيه التشكيلات الجهادية، القاعدة وأشباهها، إلى النظام في سجل الاستهدافات. المعضلة التي يواجهها الغرب، والأميركيون بخاصة، هي أنه إذا تدخلوا قليلا، فلن يكون لتدخلهم تأثير كبير، وسيكون بمثابة هزيمة، أما إذا تدخلوا أكثر (إسقاط النظام) فسيتعين عليهم أن يتدخلوا كثيرا جدا (مواجهة الجهاديين)، والتورط من ثم في عمليات عسكرية وسياسية واقتصادية مكلفة ومعقدة، وغير مضمونة النتيجة.

أين الثورة السورية؟
هل إذن انتهت الثورة السورية إلى تمزق البلد وانهيار الدولة وظهور إقطاعيات عسكرية وجماعات جهادية؟ هذا هو الاتجاه العام اليوم، ومنذ نحو عام. لو تمكنت الثورة من إسقاط النظام في وقت أبكر، في حزيران 2012، بعد 15 شهرا من انطلاقها، وقت بلغت بؤر التظاهر في البلد ذروتها، فوق 700 مظاهرة أسبوعيا، لكانت فرص سورية في النجاة من أسوأ ما نراه اليوم أكبر بكثير. في النصف الثاني من زمن الثورة، انفصل هدفها السلبي، إسقاط النظام، عن هدفها الإيجابي، سورية الجديدة الديمقراطية، وذلك تحت ضغط الصراع وعنفه؛ وبات إسقاط النظام مطلبا حيويا، تنبع شرعيته من وجوب الدفاع عن الحياة ضد القاتل العمومي، وليس من أية تطلعات تتجاوز ذلك، تطلعات صارت تبدو شيئا فشيئا كمالية، ولم تعد تتوافق مع الاستعدادات النفسية للمجتمع المعنّف، المستميت في صراعه، أو مع الأشكال الفكرية والعسكرية والسياسية التي اضطرت الثورة للانتظام وفقا لها كي تدوم.
هناك، بلا ريب، طيف واسع من الناشطين السياسيين والحقوقيين والمقاتلين يمثلون استمرارا للثورة وتطلعاتها الإيجابية، طيف واسع من النساء الرجال، لكنه مشتت وضائع الصوت اليوم. وحده سقوط النظم سيضع هذا الطيف الذي لا مركز لها ولا كيان جامع في وضع أفضل لاستعادة زمام المبادرة، ولو جزئيا، لمصلحة رؤية أكثر تحررية واستيعابية لسورية(26).
في المجمل، تبدو سورية اليوم مسرحا لعملية إعادة تشكل عنيفة وواسعة، تطال الدولة (كيانا ومؤسسة حكم) والمجتمع والسكان والدين. سورية اليوم بلد لا شكل له، ليس دولة وطنية ولا هو دولة سطانية تقليدية، وتقاوم النظام فها مئات التشكيلات العسكة على نحو لم يسبق رؤيته في ثورة اجتماعية أو في حرب وطنية، وتظهر فيه كائنات دينية متشددة غريبة، ويمارس فيه عنف هائل، ويشكل عمليا ملعبا للغيلان. الغول كائن مهول ولا شكل له. نتكلم على عملية إعادة تشكل كبرى لأنه يبدو أن بلدنا منغمس في عملية تحول عنيفة للأشكال، تمر بفقدان الشكل وبهذه الكائنات المشوهة الغريبة.
لا نعلم شيئا عما يمكن أن تتمخض عنه هذه العملية، ولن نحاول التنبؤ بما سيأتي.
نلتزم الحدود التي رسمها زهير بن ابي سلمى يوما:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله/ ولكني عن علم ما في غد عمِ.
**********
(1) تراجع لكاتب هذه السطور: في الجذور الاجتماعية والثقافية للفاشية السورية، مجلمة كلمن البيروتية، العدد 7، صيف 2012. المادة متاحة هنا: http://www.kalamon.org/articles-details-152#axzz2dYfgzfDw
(2) الجيل الأول هو جيل التأسيس، وهم من مواليد العقد الثاني من القرن العشرين عموما (ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، أكرم الحوراني...)؛ والجيل الثاني جيل السلطة، وهم من مواليد ثلاثينات القرن العشرين عموما (حافظ الأسد، عبد الحليم خدام، مصطفى طلاس، رفعت الأسد، علي دوبا، محمد مخلوف...)؛ أما الجيل الثالث فهو جيل أبناء الأخيرين، وهم من مواليد ستينات القرن العشرين وسبعيناته (بشار الأسد، رامي مخلوف، وأبناء خدام وطلاس قبل "انشقاقهم" عن النظام...). في هذا الشأن، ينظر كتابي: السير على قدم واحدة، سورية المُقالة، الفصل المعنون: في أن الليبرالية الاقتصادية نهج الجيل البعثي الثالث؛ دار الآداب، بيروت، 2012.
(3) تقرير هيومن رايتس ووتش: الهجوم على طوابير الخبز، وقد أحصت المنظمة 10 هجمات، ويبدو أنه سقط أزيد من 100 ضحية بسببها. التقرير متاح هنا: http://www.hrw.org/ar/news/2012/08/30
(4) 1466 حسب المكتب الطبي الثوري الموحد في الغوطة الشرقية، أما مجموع المصابين فيقارب 10 آلاف، 67% منهم نساء وأطفال. انظر تقرير مصورا صادرا عن المكتب على الرابط: http://www.youtube.com/watch?v=faxCgsiPHmc
(5) من شهادة مباشرة لصديق شاب لا يمكن ذكر اسمه قضى شهورا في عنابر المطار عام 2012. ينظر كذلك هذا التحقيق عن سجن المطار هنا:
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=703673&issueno=12401#.UiCRxdIwprc
(6) ينظر تقرير مركز توثيق الانتهاكات: شهادات حول جحيم معتقلات الفرقة الرابعة، متاح هنا: http://www.vdc-sy.info/index.php/ar/reports/4thdivision
(7) حسب تقرير هيومن رايتس ووتش المعنون: بأي طريقة، مسؤولية الأفراد والقادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سورية، صدر في الشهر الأخير من عام 2012. متاح على الرابط: http://www.hrw.org/ar/reports/2011/12/15-0، يتحدث التقرير عن وجود 2500 معتقلا في السجن.
(8) تنظر تقارير هيومن رايتس ووتش: أقبية التعذيب، على الرابط: http://www.hrw.org/ar/reports/2012/07/03-1،، والتقرير: سوريا، احتجاز ناشطات وتعرضهن لاتهاكات على الرابط http://www.hrw.org/ar/news/2013/06/24، تنظر أيضا مقالة دارا عبدالله المريعة: أنا حي في السجن، على الرابط: http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=576241؛ وكذلك تقارير مركز توثيق الانتهاكات: شهادة المعتقل أحمد أبو علي، المعروف باسم أبو تمام، حول فرع المخابرات الجوية – في محافظة درعا؛ متاح على الرابط التالي: http://www.vdc-sy.info/index.php/ar/reports/daraaairforce، وتقرير عن فرع الخطيب - أمن الدولة، وشهادة المعتقل: ياسر عبد الصمد حسين كرمي؛ متاح هنا: http://www.vdc-sy.info/index.php/ar/reports/khatibbranch. و تقرير حول أهوال فرع المنطقة - الفرع 227، على الرابط: http://www.vdc-sy.info/index.php/ar/reports/militarybranch227.
(9) رقم الشهداء تحت التعذيب موثق بالاسم. نظر المعلومات المفصلة على الرابط: http://www.vdc-sy.info/index.php/ar/martyrs/1/c29ydGJ5PWEua2lsbGVkX2RhdGV8c29ydGRpcj1ERVNDfGFwcHJvdmVkPXZpc2libGV8ZXh0cmFkaXNwbGF5PTB8Y29kTXVsdGk9Niw3LDksMTB8
(10) انظر نص Lauren Wolfe المعنون: Syria has a massive rape crisis، متاح هنا: http://www.womenundersiegeproject.org/blog/entry/syria-has-a-massive-rape-crisis
وكذلك تقرير هيومن رايتس ووتش: اعتداءات جنسية في المعتقلات السورية، هنا:
http://www.hrw.org/ar/news/2012/06/15-1
(11) تحدثت تقارير في شهر أيار من هذا العام عن أكثر من 270 ألف معاق. ينظر الرابط: http://www.aljazeera.net/news/pages/75a1131d-0341-4c6d-b1d7-aff2c9dd424d
(12) تراجع في هذا الشأن مقالتي: صورة، علمان، وراية: مقاربة اجتماعية رمزية لتفاعل وصراع أربع سوريات؛ متاحة على الرابط http://therepublicgs.net/2013/07/15/%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9%D8%8C-%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%8C-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%A9/
(13) من أجل الأنا المطلق، تنظر مقالتي: من الأبوات إلى الأنوات، جيلان من الثقافة والسياسة، متاحة هنا: http://almustaqbal.com/storiesv4.aspx?storyid=522645
(14) حول قصة سماحة ومخطط التفجيرات الذي كان يفترض أن يقوم به، تراجع جريدة "الحياة": http://alhayat.com/Details/425424
(15) تنظر مقالة نائلة منصور: اسمي كفرنبل، ولا أحتاج إلى دورات في "تقييم الحاجات"، في موقع مجموعة الجمهورية: http://therepublicgs.net/2013/05/22/%D8%A7%D8%B3%D9%85%D9%8A-%D9%83%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%A8%D9%84%D8%8C-%D9%88%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%AD%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D8%AF%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%82%D9%8A%D9%8A%D9%85/
(16) كتابه: نقد العقل السياسي، ترجمة عفيف دمشقية، الطبعة الأولى، دار الآداب، بيروت، 1986.
(17) في مناطق من الغوطة الشرقية، دوما بخاصة، جرى تحوير عبارات من نوع: الأسد أو لا أحد، إلى الأسلام أو لا أحد، وجنود الأسد مروا من هنا، إلى جنود الأسلام مروا من هنا، والأسد للأبد، إلى الأسلام للأبد. ومن هذا التحوير الكسول الذي أبقى همزة الألف فوقها، وأطال سنة الدال لتصبح لاما، ثم أضاف حرفا ألف وميم، والذي يحافظ على بنية التفكير والرمزية الأسدية، اشتققت مصطلح الأسلامية، الذي يجمع بين الأسدية والإسلام، أو يُحِل الإسلاميين محل الأسد في السلطة دون أي تغيير آخر. تنظر مقالتي: صورة، علمان، وراية... المحال إليها في هامش سابق.
(18) انظر معلومات مفيدة على هذا الرابط: http://www.alarabiya.net/ar/aswaq/oil-and-gas/2013/04/02/-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%B5%D8%AF-%D8%AA%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%8A%D8%AF%D9%88%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-.html
(19) انظر مادة مترجمة عن الغارديان البريطانية، على الرابط: http://www.alarabiya.net/ar/aswaq/oil-and-gas/2013/04/02/-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%B5%D8%AF-%D8%AA%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%8A%D8%AF%D9%88%D9%8A%D8%A7-%20%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-.html
(20) كتابه الشعب يريد، بحث جذري في الانتفاضة العربية، ترجمة: عمر الشافعي، الطبعة الأولى، دار الساقي، بيروت، 2013، ص 233.
(21) مثلا نعوم تشومسكي: سايكس بيكو تنهار... على الرابط: http://www.al-akhbar.com/node/185107
(22) مثلا علاء المولى: مجلس التعاون المشرقي، ضروري وممكن، متاح هنا: https://al-akhbar.com/node/186210. وكذلك ناهض حتر: مجلس التعاون المشرقي، http://www.rasseen.com/art.php?id=36504b73135ab0b8070bb2e3f50be050a36f0bf1
(23) تنظر مقالتي: الثورة السورية ووضع الثورة المطلقة، على الرابط: http://alhayat.com/Details/460137
(24) مقالة لتواك على هذا الرابط: http://www.nytimes.com/2013/08/25/opinion/sunday/in-syria-america-loses-if-either-side-wins.html?smid=fb-share&_r=1&
(25) على ما استذكر دانيال بايبس قبل حين: أسباب دعم الأسد وبقائه في السلطة رغم المجازر. متاحة هنا: http://www.amad.ps/arabic/?Action=Details&ID=120094
(26) من أهم الشبكات الناشطة المرتبطة بالثورة والمتكونة معها لجان التنسيق المحلية، التي تقوم بأنشطة احتجاجية وإغاثية وتوثيقية، وسياسية أيضا. وهناك العديد من الناشطات والناشطين المستقلين الذين يعملون في شروط قاسية داخل البلد. ومن العسكريين أحيل إلى سلسلة بورتريهات لمقاتلين، أنجزتها في شهر أيار وحزيران الماضيين في الغوطة الشرقية، بصورة خاصة أبو خالد الغزلاني http://therepublicgs.net/2013/05/15/%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84/، وأبو قصي http://therepublicgs.net/2013/06/02/%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D9%82%D8%B5%D9%8A-%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84/ وأبو نجم القدموسي http://therepublicgs.net/2013/06/17/%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D9%86%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%8A/.