لينين... في ذكري وفاته التسعين 2-3


محمد دوير
الحوار المتمدن - العدد: 4341 - 2014 / 1 / 21 - 13:56
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

3- وحدة الماركسيين الروس:
بعد انتهاء نفيه في سيبيريا عاد إلي بطرسبورج ليكون علي مقربة من الحركة العمالية ، ولكن تضيق الخناق عليه ومراقبته دفعه إلي الخروج من روسيا متجها لألمانيا في 16 يوليو 1900 ، وهناك بدأ في إصدار جريدة " ايسكرا " أي الشرارة والتي دعت منذ ولادتها إلي ضرورة توحيد كل الفصائل الماركسية حولها، وصارت في فترة وجيزة من صدور أول أعدادها في ديسمبر 1900 لسان حال الثوريين الروس، وقد انتقل مقرها أكثر من مرة حيث نقلت إلي لندن في 1902 والي جنيف في ربيع 1903.وجدير بالذكر أن فلاديمير بدأ في التوقيع باسم " لينين " أواخر 1901 نسبة إلي نهر لينا السيبيري.
كانت النقطة الفاصلة في تاريخ لينين والحركة الثورية الروسية هي كتاب " ما العمل ؟ " الذي أصدره في العام 1902 حيث انتقد فيه النزوع السلمي للأحزاب الاشتراكية الأوربية التي نشأت في أحضان الفكر الرأسمالي، مؤكدا علي أن الحزب البروليتاري ينبغي له أن يكون حزبا ثوريا، وأنه لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية، وأن مهمة الشيوعيين هي توعية الطبقة العاملة وألا تترك هذا الأمر للبرجوازيين. وأشار كذلك إلي أن كل حزب ثوري يجب أن يتضمن فئة المحترفين الثوريين وشبكات علنية تلتف حولها الجماهير. كان هذا الكتاب هو أول اختبار حقيقي لعلاقة لينين بالحزب والثورة والطبقة العاملة. وكان تمهيدا نظريا مهما لواحد من أهم مؤتمرات حزب العمال الاشتراكي – الديمقراطي " المؤتمر الثاني " والذي عقد في يوليو 1903 في بروكسيل ثم اكتمل في لندن بسبب المضايقات الأمنية في بلجيكا. كان البرنامج يتضمن إسقاط القيصرية وبناء جمهورية ديمقراطية ثم انجاز الثورة الاشتراكية بتحالف واسع بين العمال والفلاحين وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا .أما علي الجانب التنظيمي فقد عرضت فيه مشروع اللائحة الحزبية والتي تتضمن الموافقة علي برنامج الحزب والاشتراكات الحزبية وأن يكون العضو منظما في احدي الوحدات الحزبية والعمل من خلالها. وهنا ثار خلاف بين تيارين حول عدم أهمية أن ينضوي العضو في وحدة حزبية فالعضوية الفردية المستقلة والبعيدة عن الالتزام الجماعي كافية ، ولا يشترط أيضا الانتظام في تسديد اشتراكات العضوية إذ يكتفي بذكر دعم الحزب ماليا.وقد درات العديد من المناقشات حول البرنامج واللائحة وكانت معظم الاعتراضات حول مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا والعمل داخل وحدة حزبية ترك علي إثرها بعض الرفاق الحزبيين المؤتمر، مما سمح لتيار لينين الذي صار أغلبية أن يحصد الموافقة والتمثيل بأغلبية في اللجنة المركزية وقيادة تحرير ايسكرا. ومنذ تلك اللحظة تشكل تيارين داخل الحزب عرفوا فيما بعد باسم البلاشفة أي الأغلبية بقيادة لينين والمناشفة أي الأقلية.كان من نتائج هذا المؤتمر أن دعمت أكثر خطوات الحزب في الحياة السياسية الروسية والحركة الثورية العالمية، ونتج عنه احد أهم كتب لينين أيضا تعقيبا علي ما دار من مناقشات فيه هو كتاب" خطوة للأمام .. خطوتان للخلف " والذي صدر في مايو 1904حيث ركز فيه علي مفهوم المركزية الديمقراطية وضرورة خضوع الأقلية لرأي الأغلبية وكذا الالتزام الحزبي والانضباط وعلاقة هيئات الحزب بعضها ببعض.
4- انتفاضة 1905
كان لينين في الخارج يعد لعقد المؤتمر الثالث للحزب لحسم الموقف الثوري مع المناشفة، وكانت الحركة العمالية تتطور بالداخل بشكل ملفت للانتباه. وفي يوم 9 يناير 1905 توجه مجموعة من العمال بأسرهم لعرض مطالبهم علي القيصر في بطرسبورج فأطلق البوليس الرصاص عليهم وقتل منهم الكثير ، فثار عمال المدينة وتضامن معهم مدن آخري واشتعل الموقف الشعبي ضد حكم القيصر.في ظل هذا المناخ الملتهب انعقد المؤتمر الثالث للحزب في لندن وقد غاب عنه المناشفة الذين رأوا أن البلاشفة قد فرضوا سيطرتهم علي كل هيئات الحزب المختلفة بما فيها الجريدة، بل وأقاموا مؤتمرا موازيا له في جنيف.
وسرعان ما التهبت الحالة الثورية من جديد بعد عدة أشهر حيث شهدت روسيا حراكا عماليا جديدا في صيف 1905 وموجة احتجاج فلاحي في عدة مقاطعات وإضراب البحارة الروس في البارجة بوتمكين في أسطول البحر الأسود" هنا طرح لينين لأول مرة فكرة الانتفاضة المسلحة وطالب بضرورة تسليح العمال والطلاب "
وفي أكتوبر 1905 كانت القوي الثورية قد حققت تلاحما كبيرا فيما بينها حول وحدة الهدف وهو إسقاط القيصرية ، فحدث إضراب سياسي عام مما أدي إلي قيام السلطة بتقديم تنازلات هامة تتضمن السماح بالحريات العامة و الخاصة وحرية الاجتماع والدعاية والصحافة. ولكن موقف لينين كان واضحا أنه لا يمكن الوثوق في تلك التنازلات بل يجب الذهاب إلي انتفاضة مسلحة وإقامة مجالس سوفيتات وقيادة العمال لمصانعهم ومراقبتها.وكانت تلك هي اللحظة التي اعتقد لينين أنها تستوجب عودته إلي البلاد ليقود بنفسه العمل الثوري. وفي ديسمبر تطور الموقف بصورة خطيرة حيث دار صراع مسلح بين العمال والبوليس الروسي استمر لتسعة أيام متصلة.
انتهت الانتفاضة بالفشل، وان كان بها من الدروس ما ساعد الحركة الثورية الروسية علي الاستفادة منها في ثورة 1917 بعد ذلك.وقد كتب لينين العديد من المقالات والكتيبات في تقييم تلك الانتفاضة والدروس المستفادة منها ومن أهمها إعادة النظر في بعض القضايا مثل البرنامج الزراعي – الوحدة الحزبية – ضرورة التنظيم المسلح ، ينبغي ان تكون المعارك هجومية وليست دفاعية ، كسب تأييد الجيش وخاصة الجنود، تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين وخاصة الكاديت " حزب البرجوازية ".وقد طرحت كل هذه الأفكار علي المؤتمر العام الرابع الذي عقد في السويد ابريل 1906. وحضره كل المنظمات من كل المقاطعات وحقق فيه المناشفة أغلبية بسيطة، ثم عقد المؤتمر الخامس في لندن ابريل 1907 وتناول قضايا الموقف من الأحزاب البرجوازية بوصفها لا تقل خطورة عن النظام الحاكم. بعد انتهاء المؤتمر رفضت السلطات عودة لينين إلي بطرسبورج فرحل إلي فنلندا، لكنه لم يستقر بها بسبب المضايقات الأمنية أيضا حيث كانت وقتها تحت الحكم القيصري فرحل مرة أخري إلي جنيف في العام 1908 ولم يعد إلي الأراضي الروسية إلا مع ثورة 1917.
لكن يكن لينين وحده هو المطارد من قوات الأمن الروسي بل معظم قادة الحركة الثورية والحزب الاشتراكي الديمقراطي أيضا فحدثت موجة تنكيل كبيرة بهم من نفي وسجون واعتقالات وحل للمنظمات العمالية وبدأت تظهر نغمة جديدة وهي الدعوة الي التناغم والعمل مع البرجوازية لأنه من المستحيل قيام ثورة اشتراكية في روسيا، وبالتالي فلا مفر من اقامة حزب عمالي علني يعمل علي تحسين شروط العمل.علي الجانب الأخر كان لينين ينشغل بشيء آخر تماما ، كيف يمكن العودة من جديد إلي بث الروح الثورية في المجتمع الروسي وخاصة الطبقة العاملة؟ وكيف يمكن مواجهة الانتهازيين والتصفويين ومن يدعون الي حزب عمالي في ظل حكم قيصري أو من ينادون بالانسحاب من الدوما وترك الساحة للبرجوازيين ليعبروا عن مصالح العمال؟كيف يمكن مواجهة التحريفيين ؟ فكتب مقالين هامين " إلي الجادة ... ومرض اليسارية الطفولي " وعلي الجانب النظري قدم أحد أهم كتبه الفلسفية " المادية والمذهب النقدي التجريبي" في فبراير 1908. وحاول استعادة الهمة الثورية من جديد، وفي كل مرة لم يجد أمامه سوي الدعوة وحدة العمل الثوري من جديد.
5- عودة الروح الثورية :
كان لينين حريص علي وحدة الحزب والإعداد السياسي والثوري للكوادر وإصدار الجريدة باسم الحزب بصفة مستمرة للتواصل مع الجماهير وقيادة أي عمل ثوري يقوم به العال أو الفلاحين. وبعد فترة ركود وإحباط من 1907 إلي 1910 بدأت الحالة الثورية تدب من جديد في أوصال المجتمع الروسي فعادت الاضربات العمالية والاحتجاجات الفلاحية وتمرد الجنود وكان الحزب في القلب من كل هذه الأحداث.وانعقد في براغ مجلس عام الحزب وهو اعلي هيئة حزبية في 1912وقرر توحيد كافة فصائل الماركسية والاهتمام بإعادة انضباط العمل الحزبي ووضع مهمات عاجلة وتكليفات، تزامن مع ذلك صدور جريدة البرافدا من قبل عمال بطرسبورج، وخوض عمال الحزب انتخابات الدوما ونجح لهم 6 نواب كلهم عن دوائر عمالية في حين نجح للمناشفة 7 نواب.. وشكل البلاشفة كتلة برلمانية أعلنوا باسمها أنهم جزءا من جيش البروليتاريا العالمي وإنهم يدعون إلي قيام الجمهورية و8 ساعات عمل ومصادرة أراضي الإقطاعيين. كان من نتائج هذا العمل الثوري المنظم أن اشتعل الموقف الثوري الجماهيري واضرب الشعب الروسي بكافة طوائفه في مارس 1914 حتي وصل إلي واحد ونصف المليون روسي وكادت أن تحدث الثورة لولا قيام الحرب العالمية الأولي التي دخلتها روسيا حليفة لفرنسا وانجلترا ضد النمسا والمجر وألمانيا. وانقسمت حولها الآراء، إذ يري البلاشفة أنها حرب الاستعمارية بين البرجوازية العالمية ويري المناشفة وآخرين أنه يجب خوض تلك المعارك للدفاع عن الأوطان ..فانعقد مجلس عام الحزب في فبراير 1915 لحسم الموقف من الحرب ونقد تلك الرؤية الشوفينية المهيمنة علي الكثيرين من القيادات الحزبية والأحزاب الاشتراكية الأوربية التي اتخذت موقفا مؤيدا لجيوش بلادهما. في الحرب علي الحرب لعب لينين دورا عظيما وعبقريا فخطب في كل محفل ضدها وكتب قدر ما يستطيع ليكشف زيفها وأنها ليس حربا عادلة فالحروب العادلة هي بين البرجوازية والبروليتاريا.
استمرت الحركة الثورية الروسية علي هذا الحال من الجو الضبابي الذي فرضته الحرب وتأثر الحزب كثيرا بها وشغلت الكوادر الحزبية وقيادات الطبقة العاملة حيث انشغال المواطن الروسي بمتابعة الجبهة كأحد عوامل اختفاء الدور الثوري إلي حد ما ، في المقابل كان لينين يستشعر الخطر من استمرار تلك الحرب علي مستقبل الثورة الروسية وهنا كان ضروريا أن يخرج إلي النور كتاب " الامبريالية أعلي مراحل الرأسمالية ".
وفي الجزء الثالث والأخير .. نتناول ثورة 1917 وقيادة لينين لأول دولة اشتراكية في العالم.