لينين ..في ذكري وفاته التسعين.. 1-3


محمد دوير
الحوار المتمدن - العدد: 4339 - 2014 / 1 / 19 - 21:50
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

تحتاج الحركة الثورية المصرية والعربية في تلك اللحظة التاريخية التي تمر بها الشعوب العربية إلي استلهام الدرس الثوري اللينيني. واعتبرها فرصة مناسبة في الذكري التسعين لهذا الزعيم الثوري لعرض سيرته الذاتية التي توحدت ،الي حد بعيد ، مع أول ثورة اشتراكية كبري في التاريخ وأعظم ثورات القرن العشرين.
1- البطاقة الشخصية
فلاديمير هو الابن الثالث من بين ستة أخوة هم آنا – الكسندر – أولجا – ديمتري – ماريا. ولد لأبوين روسيين، فالأب هو إيليا نيقولافيتش أوليانوف وهو حفيد لأحد الأقنان وعمل مدرسا في سيمبريسك التي تتبع حاكمية قازان ، ثم مفتشا عاما وتوفي في 1886 .والأم وهي ماريا الكسندروفنا ابنة طبيب ولدت في 1835 وتوفيت في 1916. وكان لينين الطفل يتسم بالذكاء والولع والحركة المستمرة والنشاط والحيوية ،ويكني بـ "فولوديا " هو اسم الدلع كما نقول. تعلم القراءة في سن خمس سنوات في المدرسة الأولية ، ثم انتظم في صفوف المدرسة الثانوية في سن تسع سنوات بمدرسة سيمبريسك الثانوية.وفي أغسطس 1887 " 17 سنة " التحق بكلية الحقوق بجامعة قازان ، ولكنه فصل منها بعد أربعة شهور فقط بسبب نشاطه الثوري في ديسمبر 1887.ولكنه عاود الانتساب لجامعة بطرسبورج في ودرس منهج أربع سنوات في عام ونصف واستطاع الحصول علي ليسانس الحقوق في 1891 وأصبح بإمكانه ممارسة مهنة المحاماة في محكمة سمارا عام 1892.
2- التكوين الفكري والثوري
بدأ فلاديمير اهتمامه المبكر بالأدب الروسي فقرأ لبوشكين الأديب الروسي العظيم وغوغول وشيدرين وتولستوي ، واهتم بأفكار وكتابات الديمقراطيين الثوريين حينئذ والتي كانت مطروحة أمامه لنظرا لطبيعة الأسرة ذات المستوي الاجتماعي فوق المتوسط مثل كتابات بيلنيسكي وهرتزن وتشرنيشيفسكي وبيساريف.وكان تأثر أخيه الأكبر الكسندر قويا عليه حيث كان ثوريا ملهما له في كل شيء، ولكن مشكلته الأهم في نظر لينين بعد ذلك أنه كان يؤمن بأن الاغتيالات الفردية التي تصيب الأسرة الحاكمة قادرة علي إسقاط الحكم القيصري في روسيا. وهذا ما دفع الكسندر إلي المشاركة في محاولة اغتيال فاشلة لقيصر روسيا الكسندر الثالث في مارس 1887 ، وقد نتج عن ذلك إعدامه في مايو من نفس العام وهو ما ترك أثرا بالغ السوء والخطورة علي لينين الذي اعتبر أن هذه الطريقة لن تفلح إطلاقا في إنهاء أي حكم مستبد أو كهنوتي. ومن هنا تأكد لديه أن العمل الثوري المنظم الذي يستند إلي دعم جماهيري وشعبي هو الخلاص الوحيد والصحيح . كان أبوه قد توفي أيضا قبيل إعدام الكسندر الأخ بعام واحد.. هنا لم يكن أمام الزعيم الثوري إلا أن يبدأ مسيرة النضال التي انتهت بتدشين أكير ثورة شعبية عرفها القرن العشرين ،وسطر منذ تلك اللحظة من صفحات المجد ما سيعلو دائما علي كل نضال في تاريخ البشرية.
بدأت مسيرة لينين بسلسلة نشاطات في إطار المحيط الجغرافي الذي يحيا فيه في قازان وسرعان ما اكتشف البوليس خطورته فتم نفيه إلي قرية كوكوشكينو بحاكمية قازان لمدة عام استغلها جيدا في تأسيس نفسه فكريا والاطلاع علي قدر كبير من الكتب وحصد الكثير من المعرفة. وما إن عاد من المنفي حتي انضم إلي جماعة ثورية سرية في قازان ، وبدأ في دراسة الفكر الماركسي بقدر كبير من الاحترافية فتعلم منه عن من يدافع وكيف؟ وما هي القوي الاجتماعية الثورية في المجتمع؟، في تلك الأونة بدأ في التعرف علي جماعة " تحرير العمل " وهم مجموعة من المثقفين الماركسيين الروس المنفيين خارج روسيا وكان علي رأسهم بليخانوف أعظم من شرح وفهم الماركسية بعد ماركس وانجلز في رأي لينين..
وكان انتقاله من قازان إلي سمارا مع الأسرة فرصة مناسبة أيضا لتنامي خبرته الشخصية عن الوضع الاجتماعي الروسي ، فشد انتباهه الحالة التي يعيشها الفلاح الروسي في ظل الإقطاع . وفي سمارا التي مكث بها أربع سنوات والنصف من مايو 1889 استطاع أن يتقن الألمانية ويترجم البيان الشيوعي وأن ينشغل أكثر ببعض القضايا الفكرية مثل الرد علي الشعبيين وهم منظمة روسية تعمل تحت اسم" إرادة الشعب " وتري أن روسيا بلد فلاحي يسكنها أغلبية من أقنان الأراضي ولا توجد طبقة عاملة قوية أو تشكل قدر معقول من القوة العاملة في روسيا.ولذلك فإن اقصر الطرق لإسقاط القيصرية في روسيا هو الاغتيالات المستمرة .ونتيجة أفعالهم تلك كان كثيرا ما يقبض عليهم قبل تنفيذها ويودعون في السجون أو يعدمون وهذا كان احد أسباب انتشار أفكارهم بوصفهم المناضلين الحقيقيين في وجه السلطة.
كانت سمارا هي نقطة الانطلاق الحقيقية في حياة لينين، ففيها شكل حلقة ماركسية لدراسة أفكار آباء الماركسية، وشرع في تنظيم صفوف القوي الثورية ،وتعرف علي مشكلات فلاحين روسيا عن قرب وكتب " تطورات اقتصادية جديدة في حياة الفلاحين "هنا نستطيع أن نقول أنه قد تجمعت لدي الفكرة والعمل الثوري والرغبة في تأسيس شيء ما.. ويبدو أن سمارا أصبحت اضيق من أن تستوعب قدرات هذا الثوري الذي يحمل لبلده وللحركة العمالية الثورية الكثير.
ففي أغسطس 1893 انتقل من سمارا إلي بطرسبورج قلب الحركة العمالية الروسية ليكون علي مقربة مباشرة من الحركة العمالية والمصانع والعمال. وعلي الفور أدرك حاجة الطبقة العاملة الروسية إلي حزب ثوري حقيقي يدافع عن مصالح الوطن ويقدمها بوصفها قوة الإنتاج التي تسحق حياة أكثر كرامة وإنسانية ، ولكن منظمة " إرادة الشعب " بما كانت تطرحه من أفكار كانت تمثل عائقا فكريا أمامه. كان لينين يتخذ موقفا معارضا لتلك الرؤية، مثلما اتخذ أيضا نفس الموقف في تعليقه علي إعدام أخيه الكسندر.وانتقدهم بشده في أول واحد أهم كتبه " من هم أصدقاء الشعب ؟ " الذي صدر في صيف 1894 وكان سبب شهرته في الأوساط الثقافية والنضالية الروسية. جدير بالذكر هنا انه تحت معول الضربات الأمنية المستمرة لحركة أو منظمة " إرادة الشعب " تحولت بعد ذلك إلي جماعة إصلاحية ليبرالية .ثم كتاب " كيف يحاربون الاشتراكيين الديمقراطيين ؟ "وفيه كشف أن تلك الرؤية إنما تخدم الرأسمالية أجل خدمه وتحرف النضال الثوري الحقيقي، ومن ثم لم يكن النقد وحده كافيا إذ قدم لأول مرة رؤية ثورية علي الطبقة العاملة في روسيا تضمنت تحالفا بين العمال والفلاحين لإسقاط القيصرية والإقطاع، ولن يتم ذلك بدون حركة ثورية ماركسية موحدة.
لم تكن جماعة " إرادة الشعب " هي التي تحرف النضال الثوري فقط بل هناك أيضا " الماركسيين الشرعيين"، وهم جماعة من المثقفين المسموح لهم بالنشر في إصدارات حكومية بموافقة السلطات هدفهم تكييف الفكر الماركسي مع مصالح البرجوازية. ولكن موقف لينين منهم كان أقل حدة علي اعتبار أنهم يخدمون قضية الطبقة العاملة دون أن يدرون بمهاجمتهم المستمرة لجماعة " إرادة الشعب " وهذا ما جعله يعتقد في إمكانية التحالف معهم من اجل هذا الهدف.
وفي خضم بحث لينين عن بناء هذا البديل الثوري عن طريق عقد الصلات المباشرة مع عمال بطرسبورج ومحاولة تأسيس ذلك الحزب المنشود ؛ اكتشف لينين ضرورة وأهمية السفر إلي الخارج لملاقاة الماركسيين الروس هناك وجماعة تحرير العمل ، وسافر بالفعل بتفويض من ماركسي بطرسبورج في ربيع 1895 لمقابلة تلك المجموعة في سويسرا وباريس ولندن وقد حاول لقاء انجلز في تلك الزيارة لكن مرض الأخير الشديد حال دون ذلك.
عاد لينين محملا بقدر كبير من التفاؤل في ضرورة الشروع فورا في بناء الحزب ، لكن هذا الأمر لن يتم دون توحيد كل القوي الماركسية الثورية في بطرسبورج ، وهذا ما تحقق بالفعل وتشكلت منظمة سياسية موحدة تحت اسم " اتحاد النضال لتحرير الطبقة العاملة " وكان نواة الحزب الماركسي بعد ذلك ،وكان هذا الاتحاد يصدر جريدة "رابوتشييه ديلو أي القضية العمالية" . كان لهذا الاتحاد الفضل في قيادة إضراب 30 ألف من عمال النسيج ببطرسبورج " مما رفع كثيرا من أسهمه بوصفه زعيما ثوريا وقائدا عماليا بامتياز. ولكن سرعان ما اعتقلته الحكومة وسجن في بطرسبورج لمدة 14 شهرا من ديسمبر 1896.. في السجن وضع مشروع برنامج للحزب وكتب أحد اخطر وأهم كتبه " تطور الرأسمالية في روسيا ". وخرج من السجن في 13 فبراير، ثم نفي مرة أخري إلي سيبيريا لمدة ثلاث سنوات. وهناك وضع مسودة برنامج الحزب وكتب 30 مقالا وبحثا منهم " مهام الحركة الاشتراكية الروسية في 1899" وتزوج من رفيقه عمره ناديجادا كروبسكايا في العام 1898. ومن بين أهم المعارك الأخري التي انشغل بها لينين أيضا كانت ضد " الاقتصاديين " الذين يرون أن مهمة النضال العمالي تكمن فقط في تحسين شروط العمل أما النضال السياسي فهو من مهام البرجوازية الروسية. وكان لينين يري أن مثل هذه الأفكار هي الأخطر علي مستقبل الحركة الثورية العمالية ومستقبل روسيا. الأمر الذي استدعي الرد عليهم ببيان احتجاج أصدره 17 ماركسيا من الداخل والخارج.وكان لهذا البيان اثر ايجابي علي ثوار الطبقة العاملة بعد ذلك.
وفي غياب لينين في منفاه بسيبيريا انعقد المؤتمر الأول لـ " حزب العمال الاشتراكي – الديمقراطي الروسي " في مارس 1898 في مينسك ، وأعلن فيه عن تأسيس حزب الطبقة العاملة الروسية. ومهما كان من عيوب في هذا المؤتمر الأول مثل أنه لم يضع برنامجا ولم ينتخب لجنة مركزية ؛ إلا أنه يبقي أنه وحد الحركة الماركسية الروسية الثورية في إطار تنظيمي واحد ، وجمع شتات كل الحركات والمجهودات المبعثرة، هنا تأسس الحبو وامتلك التصور النظري والعملي واشتهر ليني بوصفه رمزا من رموز النضال الثوري الروسي.
وسنواصل في الجزء الثاني مسيرة لينين والحركة الثورية الروسية والحزب البلشفي.....