الدستور الجديد (دروس تاريخية)


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4324 - 2014 / 1 / 2 - 08:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الدستور الجديد (دروس تاريخية)

حينما كتبت مبكرا بأنني أنحاز لنعم للدستور و شرحت أسبابي . انفجرت في وجهي اتهامات بلا عدد مثل "تذيل" العسكر عدم الأيمان بالثورة "منح الشرعية للنظام" الانجرار وراء العسكر الخ الخ . و رغم أنني من أول لحظة أوضحت أن "نعم" للدستور تعني أن تحسب لصالح العسكر و "لا" تحسب لصالح الإخوان و أن المقاطعة أو ما شابه تحسب أيضا لصالح الإخوان إلا أن هذا لم يشفع لي عند الكثيرين و بدلا من أن يقدموا خطة حقيقية للثورة انقلبوا لمهاجمة الأخرين و بقليل من المهارة

علي كل حال رأيت أن اقدم هنا درسين من التاريخ عن مواضيع مماثلة ربما تساعد الزملاء علي إعادة ترتيب أفكارهم و التركيز علي مصالح الناس و تناسي المشاعر الشخصية إزاء قضية هامة مثل تلك. و الدرسين درس نظري و درس عملي من لينين نفسه.و لا شك أن لينين ينظر له باعتباره من أعظم القادة الثوريين و من كبار رجال الدولة حتي بين أشد خصومه. فما هو موقف لينين من "الجمعية التأسيسية" و ما هي الجمعية التأسيسية و ما هو الدرس المستفاد ؟

الدرس الأول (الدرس النظري)

الجمعية التأسيسية هي مؤسسة منتخبة لوضع دستور جديد للبلاد (روسيا). و قد كانت دائما مطلبا للقوي الديمقراطية و الاشتراكية منذ ثورة 1905 و قد أقرها القيصر نفسه قبل الإطاحة به .و عقب ثورة فبراير في روسيا كانت هناك 3 جهات أساسية . أولا الحكومة المؤقتة برئاسة كيرنسكي و مجلس (سوفيت) بتروجراد و أخيرا الجمعية التأسيسية.و كانت حكومة كيرنسكي تماطل في عقد انتخابات الجمعية التأسيسية.و السلطة الحقيقية كانت بين يدي الحكومة كيرنسكي و سوفيتتات العمال و الجنود . و كان الشعار المعلن للبلاشفة هو كل السلطة للسوفيتات . لكن رغم ذلك ايد لينين انعقاد الجمعية التأسيسية ! بل وصل الأمر أن قال لينين

"لقد هاجمت الحكومة المؤقتة لعدم تعيين موعد مبكر أو أي موعد علي الإطلاق ، لانعقاد الجمعية التأسيسية، و الاقتصار علي الوعود فحسب. جادلت أنه بدون سوفييتات العمال والجنود النواب ليس مضمونا انعقاد الجمعية التأسيسية ونجاحها أمر مستحيل." (2)

فكيف يدعم لينين شعار "كل السلطة للسوفييتات" و هو الشعار الرئيسي للبلاشفة و في نفس الوقت يدعو لانعقاد الجمعية التأسيسية خاصة و أن السوفييتات ينظر أليها باعتبارها جهاز تنفيذي و تشريعي في نفس الوقت !.بل يصل لجعل السوفيتتات هي ضمان انعقاد الجمعية التأسيسية ؟
لينين إذا "يروج للأوهام" عن الجمعية . و "ينجر" إلي موقف البرجوازية و "يتذيل" القيصر و يمنح الشرعية للنظام! أو هل هذا صحيح ؟ . لينين كان يعلم أن البلاشفة يمكنهم أن يحوزوا الأغلبية في المدن . أما في الريف فالأمر مختلف . يسيطر علي الريف حزب "الاشتراكيين الثوريين" – حزب فلاحي – و في الريف هناك أقتناع كبير بالجمعية التأسيسية . و الثورة لا يمكنها النجاح دون ضمان مساندة الريف . و حتي بعد ثورة نوفمبر حينما عقدت انتخابات الجمعية التأسيسية-تحت سلطة البلاشفة- نال الاشتراكيين الثوريين 370 نائب و 17 و نصف مليون صوت أما البلاشفة أنفسهم فلم ينالوا إلا 175 نائب و أقل من 10 مليون صوت . لذا كان لينين يعتبر انعقاد الجمعية أمرا مهما و لم يتخلى أبدا عنها إلا بعد انتصار الثورة و أشتعال الحرب ضد السلطة الجديدة.
بل قال لينين "وكان مطلب انعقاد الجمعية التأسيسية جزء مشروع تماما من برنامج الاشتراكية الديموقراطية الثورية، لأنه في الجمهورية البرجوازية تمثل الجمعية التأسيسية أعلى شكل من أشكال الديمقراطية "(1) قال هذا بينما شعار كل السلطة للسوفيتات هو الشعار المعروف للبلاشفة . و السوفييتات هي المؤسسة التنفيذية و التشريعية في نفس الوقت للثورة.
الدرس هنا هو ما ننظر أليه ليس المشاعر الشخصية و الأشياء الثانوية و أنما المصالح الفعلية للقوي الثورة حتي لو كان الأمر يبدو مؤذيا لمشاعر البعض.أن علي الثورة أن تناور و أن تضمن ولاء أوسع القوي التي يمكنها أن تشارك في إنجاح الثورة و أن تتخلي عن النظرة المثالية الرومانسية البرجوازية الصغيرة.

الدرس الثاني (الدرس العملي)

(3) انقلبت حكومة كيرنسكي علي البلاشفة و سوفيتتات بتروجراد و اعتقلت تروتسكي نفسه و هو أكبر قائد بعد لينين و أضطر للينين للهرب إلي فنلندا . و قمعت الصحافة البلشفية. و هي نفس حكومة كيرنسكي التي طالما هاجمها لينين بعنف باعتبارها تمثل البرجوازية التي تريد استمرار الحرب و التفاهم مع القيصرية و سحق الثورة . و في شهر أغسطس هاجم الجنرال كورنيلوف العاصمة للإطاحة بحكومة كيرنسكي. فقامت القوات البلشفية -التي مازال قادتها هاربين و في السجون - بالدفاع عن العاصمة و عن حكومة كيرنسكي . بل طلب كيرنسكي من الحرس الأحمر المشاركة في الدفاع . و استجاب البلاشفة لم يقولوا أن هذا صراعا بين البرجوازية و القيصرية . و لم يقولوا أن هذا تذيل لكيرنسكي . و لم يقولوا “يسقط كل من خان” شعار البرجوازية الصغيرة في مصر الآن. نظروا للأمر من زاوية مصلحة الثورة في اللحظة المعنية . و أدي النجاح في سحق انتفاضة كورلينوف و استسلامه إلي ارتفاع اسهم السوفييتات و الإفراج عن تروتسكي الذي انتخب فورا رئيسا للسوفيتات و عودة لينين من المنفي. نظر البلاشفة لسحق محاولة كورنيلوف الانقلابية الرجعية كخطر يهدد الثورة في المحل الأول رغم أنه موجه ضد حكومة كيرنسكي . و بعدها بشهرين أطاح البلاشفة بحكومة كيرنسكي نفسها في ثورة نوفمبر .هل يمكن أن ننظر للإرهاب اليوم من نفس المنظور ؟ أم نساوي بين الكل بشكل تطهري و نقول "يسقط كل من خان" كما لو كان الأمر لا يعنينا ؟


1 - موضوعات عن الجمعية التاسيسية
http://www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/dec/11a.htm

2 - مهمات البروليتاريا في الثورة الحالية
http://www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/apr/04.htm

3 - تاريخ الجمعية التأسيسية
http://en.wikipedia.org/wiki/Russian_Constituent_Assembly