الذرة .. كمعيار للتقدم العلمي


محمد دوير
الحوار المتمدن - العدد: 4321 - 2013 / 12 / 30 - 20:13
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر     

نظر الفلاسفة القدماء الي الذرة علي أنها تشكل الكون ومادة غير قابلة للانقسام وسماتها الخلود والبساطة والثبات. وتطور هذا الفهم لها لدي الفلاسفة والعلماء ودخلت عالم الشعور والأحاسيس والتذوق والشم واللون والحرارة، حيث يعزي لاختلاف الأشياء عن بعضها البعض. الي ذلك الحين كانت تصورات العلماء والفلاسفة للذرة ليست سوي تصورات افتراضية لا تخضع للبحث العلمي الدقيق، ولم تخضع أبحاث الذرة في القرون الثلاثة الأولي للثورة العلمية، التي انطلقت مع كوبرنيقوس وجاليليو؛ للبحث العلمي الدقيق. وهنا سوف نتناول بعض مظاهر هذا التطور
جاء التحول الهام عن النظرية الكلاسيكية في المادة مع نهاية القرن التاسع عشر، حينما توصل العلماء الي أن الذرة ليست هي أصغر العناصر الموجودة في الكون أو التي تشكل المادة، وذلك عندما تمت سلسلة اكتشافات علمية في هذا المجال أدت في النهاية الي ضحد كثير من أفكار التصور الكلاسيكي الحتمي، وحقيقة الأمر أنه لم يكن تكذيباً شاملاً بقدر ما كان تطوراً علميا، وعنصر التكذيب هنا كان موجها للعقيدة التي ترسخت حينذاك بأن هذا النموذج الكلاسيكي سيستمر طويلاً بدون انتقادات تذكر، ولكن الذي حدث أن انقلب هذا النظام رأساً علي عقب، بفضل رغبة العلماء التي لا تتوقف في اكتشاف ما هو مجهول في الكون.
ويمكن اعتبار أنه مع دالتون Dalton ( 1766-1844 ) بدأت التصورات العلمية عن الذرة تتخذ طريقها نحو البحث العلمي بافتراض مفاده ( إذا سلمنا بان لكل عنصر بسيط، كالهيدروجين مثلاً، ذرة نوعية خاصة به، لزم أن يكون لكل ذرة نوعية وزن خاص بها، لأن الأجسام " وهي تتركب من الذرات " تختلف عن الوزن، ولزم كذلك أن يتم اتحاد الذرات كيماويا حسب علاقات محددة مضبوطة، وبالتالي يصبح من الممكن استخلاص الأوزان الذرية بمقارنة العناصر البسيطة بعضها مع بعض مما يفسح المجال للبرهنة علي فرضية الذرة ) وهي فرضية أتاحت الفرصة للعلماء بعد ذلك لتناول الذرة من جميع جوانبها سواء فيما يتعلق بالوزن الذري(-;-) أو ببنية الذرة وتكوينها الداخلي(-;--;-) ،مما فتح آفاق العلم نحو تصورات جديدة ومختلفة عن التصورات العلم- فلسفية Scientific-philosophy.
كانت الخطوة الثانية، بعد دالتون - علي يد ماندلييف Mendeleiv ( 1834-1907) عندما قدم تصوره عن تصنيف العناصر الكيماوية، إذ لاحظ ( أن بعض خصائص العناصر البسيطة تظهر دورياً كخصائص لكتلتها الذرية. لقد رتب مختلف العناصر المعروفة يومئذ حسب كتلتها " وزنها " الذرية ترتيباً تصاعدياً فلاحظ ظاهرة غريبة، وهي ابتداءً من العنصر التاسع تظهر عناصر تشبه من أوجه كثيرة العناصر الثمانية الأولي، الشيء الذي كشف عن سبع دورات تنتظم مختلف العناصر المعروفة يومذاك ) الأمر الذي جعله يضع تصوراته تلك في جدول بترتيب من 1 الي 238 ، أي من ذرة الهيدروجين الي ذرة اليورانيوم. شكل هذان التصوران لدي دالتون وماندلييف الأسس النظرية لبداية التطور العلمي في مجال الذرة
بينما تكمن النقلة النوعية الثالثة التي وضعت التصورات العلمية السابقة في مجال الحركة الذرية من خلال تصورات أفوجادرو Avogadro ( 1776 – 1856 ) الذي وضع قانونه التالي: ( أن الأحجام المتساوية من الغازات المختلفة تشمل دوماً – علي نفس العدد من الجزئيات – وهذا يعني أن الخصائص الكيماوية للجزئيات الغازية لا أهمية لها هنا إطلاقاً ) وقد أكد علي هذا القانون حينما وضعه جان بيران Jean Perrin " 1870- 1942" في صيغة رياضية ( فكشف بشكل دقيق عن ان 4,22 لتراً من أي غاز ، كيفما كان ، إذا أُخذ في ضغط 67 سم ودرجة حرارة صفر ، يشتمل علي عدد مضبوط من الجزئيات هو العدد في 6 جزيئي ) . وهو ما يسمي بعدد افوجادرو الذي يسمح بقياس كتلة أي جزئي، فأثبت أمرين الأول أن الحرارة ناتجة عن حركة الجزئيات وهي منفصلة وحركتها عشوائية. والثاني أن الجزيئي قابل للانقسام الي ذرات. وهنا تمكن العلماء من تفكيك المادة وتحليل عناصرها وفهم خواصها وتفاعلاتها وأوزانها، يبقي أن نتناول تحولات أخري في مجال فيزيائي آخر.