أضرار جانبية* Collateral Damage


عصام شكري
الحوار المتمدن - العدد: 4301 - 2013 / 12 / 10 - 07:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حين سأل الاعلامي المتهم الارهابي من تنظيم دولة العراق الاسلامية ببدلته البرتقالية، بصوت متهدج مفتعلا انسانية مزيفة: ” انتم تقاتلون الامريكان ولكن ما ذنب الابرياء في الاسواق؟“. رد الارهابي ”المثقف“ بلا ادنى تردد: ” ليس قصدنا هؤلاء. انهم مجرد اضرار جانبية“. جواب هذا الاسلامي بسيط لدرجة ازعجت الاعلامي، فقد اختصر له بصدق كامل العقيدة القتالية لجيش البرجوازية المعاصرة؛ مبدأ ”االاضرار الجانبية“ مقبول مادامت ”نيتك صافية“.

ذكرني جوابه بكارثة الاحتلال الامريكي للعراق العام 2003 حين تم قصف بغداد بالقنابل والصواريخ. كان هدف ”قوات التحالف“ دك مراكز الجيش والاتصالات ومقرات البعث والمطار والمخابرات. ولكن كم طفل وامرأة وشاب “برئ“ قتلوا وهشمت جماجمهم؟ الاف ؟ لا بأس؛ مجرد اضرار جانبية. وهكذا، من اين يتعلم التلميذ ؟ من استاذه بالطبع.

ان فكرة الاضرار الجانبية هذه تتوضح اليوم سياسيا بشكل اقل تراجيدية واكثر فكاهة. فالجمهورية الاسلامية التي وقعت اتفاقا مع ”الشيطان الاكبر“ لكي تزيح عن صدرها الازمة الاقتصادية تعتبر ان خسارتها لماء وجهها مجرد ”اضرار جانبية“ قياسا الى هدفها الاساسي وهو ابعاد شبح ”ألمؤامرة الدولية“ للمستكبرين ضدها.

ويراهن بعض اليسار على ان افول الاسلام السياسي الشيعي سيقوي من عضد التنظيمات الاسلامية الارهابية السنية كالقاعدة ودولة العراق الاسلامية وداعش والنصرة وكتائب اهل السنة وغيرها. ولكن لننظر للمسألة جيدا. الاجواء اليوم مسممة بالحقد الديني والطائفي وخاصة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وليبيا وتونس ومصر. ولكن من المسؤول عن هذه الاوضاع ؟ من المسؤول عن زرع الحقد الديني في قلوب الشباب ؟ من الذي يقوي افكار خرافية محورها الجنة والنار ويعتبر ان الشهادة ستؤدي بالشهيد الى الجنة؟ من؟ انها الطبقة السائدة؛ الطبقة البرجوازية المعاصرة. الطبقة البرجوازية هي المسؤولة. حكومة المالكي في العراق وحكومة تونس وحكومة اليمن وحكومة ليبيا وحكومة مصر (التي لم تحذف عبارة الاسلام مصدر التشريع رغم ادعاءاتها الجوفاء) وحكومة ”العلويين“ الطائفية المستقوية بالجمهورية الاسلامية في سوريا، والحكومة اللبنانية المتعفنة بالطائفية (الرئاسات الثلاثة القائمة على الطائفية استلهمتها امريكا العلمانية لحكم العراق)، الطبقة البرجوازية بيدها الاعلام وتمول الصحافة والفضائيات وتطبع ملايين الكتب وتدفع رواتب رجال الدين المجانين نافثي السموم والحقد المذهبي.

ولو رجعنا الى فكرة الاضرار الجانبية فان التحول الى الدولة العلمانية لا يستهدف الدين بعينه بل يستهدف استرجاع حرية الانسان وارادته. وبمعنى الاضرار الجانبية فان افول دور الدين التخريبي والقاتل في الدول العلمانية هي ”اضرار جانبية“ لهدف ترسيخ وتوسيع النزعة الانسانية وحقوق الافراد بدلا من ترسيخ نزعة القدرية واللا ارادية ودفع ملايين الشباب الى الموت بداعي الشهادة للوصول الى العوالم الخرافية. اي ان يتمكن البشر من تقرير حياتهم بانفسهم بدلا من رهن حياتهم الى كائن يقوم رجال دين مدفوعي الاجور (من الطبقة البرجوازية) بانتاجه واعادة انتاجه صباحا ومساءا وخلق الرعب في افئدة ملايين الشباب وتوهيمهم بالافكار السخيفة حول الخلاص النهائي والجنة الابدية.

ان تراجع نفوذ الاسلام السياسي الشيعي المخيم على المنطقة لن يقوي عضد تنظيمات الفكر ”التكفيري“ كما يدعي بعض الاعتذاريين للاسلام بل سيقوي تدخل الجماهير في حياتها ومصيرها نحو مجتمع اكثر انسانية؛ بمعنى مجتمع مبني على تحرير ارادة الانسان واحترام ذاته وكرامته وحرمة جسده ومساواته مع الاخرين بغض النظر عن فكرهم ومعتقداتهم واديانهم.

ان سيادة هذه الافكار والتصورات الانسانية رهن بتقدم الفكر المادي الالحادي وتحدي الفكر الخرافي بكل اشكاله وعلى رأسه الفكر الديني والقومي. في مجتمع كهذا لن تستطيع التنظيمات الاسلامية التكفيرية وغير التكفيرية ان تجند مجندين لها؛ سيضمحل هذا الفكر اللا انساني القائم على قتل الاطفال والنساء والشيوخ في الشوارع واعتبارهم ”اضرار جانبية“ من اجل تحقيق ”شرع الله“.

* افتتاحية العدد 176 من نحو الاشتراكية