النقابات، أدوات لتقسيم الطبقة العاملة وتكسير نضالاتها


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4298 - 2013 / 12 / 7 - 18:28
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

تؤكد الاحداث النقابية يوما عن يوم انسلاخها الكامل عن خدمة مصالح الطبقة العاملة المباشرة، المادية منها والمعنوية، وانسياقها في المقابل نحو خدمة الاجندة السياسية والاقتصادية للباطرونا. ورغم تعقد ادوات خدمة البيروقراطية النقابية للخط السياسي للتحالف الطبقي الحاكم، الا أن محطات المؤتمرات النقابية (انظر ظروف انعقاد المؤتمر العاشر للاتحاد المغربي للشغل وما تلاه، ومحطة المؤتمر الخامس الاخير للكنفدرالية الديموقراطية للشغل) أو الاتفاقات المفضوحة المشبوهة التي تبرمها المركزيات النقابية مع الباطرونا بين الحين والآخر (انظر الى الاتفاقات المبرمة منذ بداية هذه السنة بين مختلف زعماء المركزيات النقابية ورئيسة الباطرونا) ومع الحكومة وكيفية يتم الالتفاف على بعض القرارات اللاشعبية واللاديموقراطية (انظر الى كيفية تمرير مشروع القانون المالي لسنة 2014 بسرعة داخل البرلمان رغم طابعه الكارثي على الطبقة العاملة) لجعلها تصاغ بشكل مقبول شكلا من طرف الطبقة العاملة مع انها تحمل الكوارث مضمونا لهذه الطبقة، تؤكد كلها على التوافق الطبقي ضدا على مصالح الطبقة العاملة.

وفي سابقة من فريدة من نوعها أقدم يوم الاثنين 02 دجنبر 2013 بالرباط مجموعة من الأساتذة حاملي الاجازة ودبلوم الماستر المحتجون على عدم ترقيتهم إلى السلم العاشر بناء على شهاداتهم، على إحراق بطائقهم النقابية التي كانوا في وقت سابق قد انخرطوا بها في النقابات الاكثر تمثيلية، احتجاجا منهم على ما أسموه " خيانة لهم " بعد توقيع النقابات الخمس على محضر اتفاق مع الوزارة تؤكد على مباركتها اجتياز الأساتذة للامتحان من أجل الترقية دون اعتبار لشهاداتهم، وذلك يوم الخميس 14 نونبر 2013 وهو ما اعتبروه حيفا وانتكاسة نقابية قبل أن يتهموا النقابات بقضاء مآربها الشخصية فقط. أنظر الرابط التالي:
http://www.rifdia.com/news2787.html

وتأتي هاته الخطوة التصعيدية من قبل تنسيقية الأساتذة المجازين وحاملي الماستر الراغبين في ترقيتهم بناء على الشواهد المحصل عليها، في إطار دخولهم في إضراب لمدة أسبوع كامل تتخلله مجموعة من الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، حيث التحق بالعاصمة الرباط أكثر من 5 آلاف أستاذ وأستاذة من مختلف مناطق المغرب ينتمون للتنسيقية الوطنية للأساتذة المجازين المقصيِّين من مرسوم الترقية بالشهادات، وكذا تنسيقية حاملي الماستر لوزارة التربية الوطنية وذلك تنديدا بما أسموه تصلّب الحكومة في الاستجابة لمطلب ترقيتهم بالشهادة دون قيد أو شرط.
ورغم تعرض المسيرة النضالية للأساتذة والاستاذات يوم الاثنين 2 دجنبر للقمع والتنكيل بهم واعتقال حوالي 17 استاذا وأستاذة واحدة، واصل باقي الاساتذة اعتصامهم واحتجاجاتهم بمدينة الرباط يوميا رغم تعرضهم في كل شكالهم احتجاجية للتنكيل بهم واعتقالهم. وبدلا من ان تلتحق المركزيات النقابية بنضالات الاساتذة، اعترافا منها بخطئها في حقهم، أصدرت نقابتين من بينها وهي الفدرالية الديموقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بيانا مشتركا يدعوان فيه الاساتذة والاستاذات المعتصمين والمحتجين بالعاصمة بتوقيف اعتصامهم وترك النقابات تتولى الحوار مع الحكومة. وهو ما اعتبره المعنيون بالأمر أيضا التفافا على قضيتهم واخماد لنضالاتهم فقط ربحا للوقت في افق تمييع مطالبهم. أنظر الرابط:

http://www.profpress.ma/2013/12/blog-post_3665.html#axzz2mm8CFkp0


من خلال المثال السابق يتأكد انحياز النقابات المكشوف ان لم يكن المتواطئ الى جانب الحكومة، كما يؤكد مرة أخرى على أن أغلب الخطوات النضالية للطبقة العاملة تتم بشكل أو بآخر خارج موافقة المركزيات النقابية وان دور هذه الاخيرة يستهدف في الغالب تكسير أي زخم نضالي عمالي.

وبالعودة الى تاريخ تطور العمل النقابي ببلادنا يظهر أن نشاط ومهام الحركة النقابية المغربية منذ بداياتها الأولى في عقد الخمسينات والى غاية التشويه الكامل لهذا النشاط وهذه المهام في يومنا هذا خاصة مع ما آل اليه الوضع داخل المركزيتين النقابيتين الرئيسيتين والتي من المفروض كونهما تختزنان طاقات نضالية هائلة وهما كل من الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديموقراطية للشغل، على ارتكازه على عنصرين ملازمين متصارعين رافقا هذا النشاط وهذه المهام، مما أدى صراعهما العنيف الى افراز الواقع النقابي الرديء القائم حاليا.
- فبالنسبة للعنصر الأول، شكلت النقابات فعلا مدرسة ضرورية للنضال العمالي، يتلقى داخلها العامل الدروس الاولية في التنظيم والوعي الطبقي الجنيني وحيث يحدث تكتل العمال داخل قطاعاتهم لمواجهة عجرفة الباطرونا واستغلالها واضطهادها المسترسل لكرامتها من جهة وتكتل العمال بمختلف قطاعاتهم العمالية على اختلاف طبيعتها ومضمون انتاجها بما في ذلك القطاع العمومي والوظيفة العمومية وذلك من أجل مواجهة جماعية للسياسات الحكومية المنحازة بشكل منهجي ومطلق لفائدة الباطرونا وعلى حساب مصالح الشغيلة المغربية من جهة أخرى. وقد قامت هذه المدرسة النضالية وصيرورة الوعي الطبقي والنضالات العمالية داخلها على كاهل الطليعة العمالية الواعية داخل المركزيات النقابية.

- لكن الوجه المشرق الذي شكلته الطليعة العمالية داخل النقابات كإطارات لتربية الطبقة العاملة على النضال وعلى الرفع من وعيها بذاتها ولذاتها كطبقة مستقلة من الشغيلة المغربية، كان يتعرض باستمرار لهجوم بيروقراطي انتهازي صارخ.

فالطبقة العاملة تتعرض في نفس الوقت لنفس الاضطهاد والاستغلال في مختلف القطاعات ووحدات الانتاج والذي تمارسه عليها الطبقة البرجوازية والمافيات البيروقراطية النقابية المنغرسة وسط العمال وبدعم مطلق من طرف الحكومات المنبثقة بشكل طبيعي عن البرجوازية المهيمنة.

وقد حال هذا الاعتداء المنهجي المتواصل دون نمو وتطور العمل النقابي المكافح، مما أدى الى بزوغ وجه آخر من النشاط والعمل النقابيين يمكن وصفه بالمظلم، رافق العمل النقابي منذ تأسيس الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955، والاتحاد العام للشغالين سنة 1961 والكنفدرالية الديموقراطية للشغل سنة 1979 وبعد ذلك العشرات من المركزيات النقابية التابعة لمختلف الكائنات السياسية البرجوازية.

فقد نمت كائنات نقابية بيروقراطية تقتات على العمل النقابي منغرسة فعلا وسط الشغيلة المغربية لكنها تعمل بجد ونشاط على خدمة مصالح الباطرونا والحكومات المتعاقبة، وحيث يتمثل دورها الاساسي في ضبط نضالات الشغيلة من اجل احتوائها وقولبة مطالبها لكي تتماثل مع مصالح الباطرونا وأهداف السياسات الحكومية المعادية لمصالح الطبقة العاملة.

ان صراع ووحدة هذين العنصرين المتلازمين من خلال صيرورة طويلة نسبيا للعمل النقابي في بلادنا وحيث كان العنصر الثاني المتمثل في البيروقراطية النقابية هو المنتصر في الغالب نظرا لارتباطه المستتر والعلني بالأحزاب السياسية الانتهازية وبأجهزة الدولة العلنية وغير العلنية قد أديا الى نتائج سلبية متعددة نذكر من بينها:

- تشويه الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة، فبدلا من تعميق وتطوير التصور البروليتاري العقلاني الطبيعي حول العالم، يتناقض ويختلف جذريا مع التصورات الميتافيزيقية والغيبية التي تسعى البرجوازية الى فرضها على الطبقة العاملة، والتي تفضح جذور بنية استغلالها واضطهادها الطبقي للعمال وتأبيد خضوعها وخنوعها للاستغلال وخدمة التراكم الرأسمالي على حساب فقرها واغترابها عن ذاتها فكريا واقتصاديا واجتماعيا؛

- تكسير الاحترام والحب الطبيعي للعامل لنفسه لذاته وقدرته على الاستقلال بمواقفه، وذلك من أجل أن يستبطن العامل احتقاره واستهجانه لنفسه وتعلقه الوثني بقضايا غيبية مصطنعة تصنع سعادته وشقاءه ويتحول بالتالي إلى أداة طيعة بيد الباطرونا تستغلها وتسخرها كيفما تشاء لخدمة شروط تراكمها الرأسمالي وسعادتها. انها نفس السياسات والممارسات التي تتم داخل الثكنات العسكرية حيث يتم اللجوء داخلها إلى تكسير ذاتية الجندي ونفسيته وتحطيم احترامه لنفسه الى درجة افتقاده لعنصر الثقة في ذاته وتعلقه فقط بالأوامر العليا الصادرة اليه حتى وان كانت غير منطقية، وبالتالي يتم توظيفه كالروبوت في القتل والتدمير والقيام بأعمال تأباها النفس البشرية السوية. ونلاحظ كيف يرتكب الجنود في الغالب فظاعات لا يمكن للإنسان السوي القيام بها، ونفس الشيء ينطبق على كافة قوات القمع التي تصنع صنعا داخل الثكنات، وحيث يحرم على الجنود ان يعبروا عن ذات معقلانية مستقلة (انظر في هذا الاطار قضية الكابتن أديب والجلطي)؛


- تجنيد الطبقة العاملة حتى في القضايا التي تتناقض تماما مع مصالحها، كالقبول بالاقتطاعات من الاجور، والقبول بتخفيض أجورها حتى دون الحد الادنى للأجور، وزيادة في ساعات العمل لتتجاوز 15 ساعة، والقبول بانعدام شروط العمل وسلامته (انظر قضية محرقة لوزامور التي ذهب ضحيتها 66 عاملة نتيجة اغلاق المعمل بالمفتاح من طرف الباطرون)، والقبول بالتسريحات الجماعية وبالتعويضات الهزيلة عن الطرد التعسفي، ... الخ. بل يتم تجنيد الطبقة العاملة من اجل القبول ببعض القضايا السياسية أو العسكرية المرفوضة منطقيا، وبانتخاب مناديب العمال معادين لمصالحها ...

- شخصنة العمل النقابي في شخص الزعيم النقابي التاريخي كالمحجوب بن الصديق، وموخاريق، ونوبير أموي، وحميد شباط، ومحمد يتيم ... بدلا من اعتبار العمل النقابي قضية عمالية جماعية تستهدف انتزاع الحقوق والحريات من خلال قرارات يتخدونها جماعيا وبشكل ديموقراطي. فشخصنة العمل النقابي يعطل كل مبادرة نضالية ميدانية للعمال من اجل انتزاع حقوقهم، وحيث يصبح اتخاذ القرار النضالي متوقف على ارادة ونزوات شفتي الزعيم النقابي وحيث تكون المبادرات النضالية التي تنطق بها شفتي الزعيم مجرد مناورات شكلية الغرض منها خداع الطبقة العاملة لضمان خنوعها لإرادة البيروقراطية النقابية، بينما يتم التوافق من وراء ظهر العمال مع الباطرونا ومع الحكومة على كيفية تمرير مصالحها الطبقية دون حدوث ردود فعل عمالية قوية، وذلك ما تتحينه الحكومة والاحزاب السياسية والنقابات حاليا من أجل معالجة أزمة رأس المال ببلادنا؛


- السماح بإجرام البيروقراطية النقابية في حق القوى العمالية المناضلة الثورية داخل كافة المركزيات النقابية خوفا من اسقاطها من طرف العمال هي أولا وخوفا من استنهاض الفكر التحرري وسط الطبقة العاملة والذي يجعل من هذه الاخيرة قوة قادرة على فرض حقوقها وحرياتها والوقوف في وجه استغلالها واضطهادها.

ولا زالت الجرائم المرتكبة داخل الاتحاد المغربي للشغل شاهدة منذ عقود على ذلك ومن ابرز ضحاياها الشهيد عمر بنجلون. ولا تتورع البيروقراطية النقابية عن قتل العمل النقابي برمته داخل قطاعات نقابية واسعة إذا ظهر لها أن الحركة العمالية بدأت تتقوى داخلها من اجل ايقاف المد النضالي، وذلك ما قامت به ولا زالت تقوم به المافيا النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل في حق قطاعات نقابية كبرى كالاتحاد النقابي للموظفين وجامعة عمال وموظفي الجماعات المحلية وجامعة قطاع التعليم والعديد من القطاعات النقابية الاخرى والاتحادات الجهوية وفي مقدمتها الاتحاد الجهوي لنقابات الرباط سلا تمارة، وحيث يتم استبدال القطاعات النقابية المناضلة بأخرى بيروقراطية فاسدة نفس الشيء يحدث داخل الكنفدرالية الديموقراطية للشغل حيث يتم وضع مختلف المفاتيح النقابية في يد المافيات النقابية البيروقراطية؛


- اغتناء المافيا النقابية البيروقراطية على حساب الطبقة العاملة، فأية مركزية نقابية لا تكشف عن حقيقة حساباتها المالية، بل تعاقب كل من يقترب من ذلك. كما تتلقى المافيات النقابية مقابل خدماتها للباطرونا وللحكومة وللأحزاب البرجوازية بمختلف توجهاتها بدائل مالية تظهر بسرعة على نمط معيشتها. اضافة الى استثمار اموال النقابات في مشاريع مشبوهة قد تمارس نفس استغلال الباطرونا للعمال وتدر عليها الكثير من الارباح ويجعل منها ارستقراطيات نقابية فعلية. ثم هناك الفساد الكبير الذي يشكل طبيعة قارة في سلوك المافيات النقابية البيروقراطية، انظر تقارير التفتيشية العامة للمالية وتقارير المجلس الاعلى للحسابات وتقارير المنظمات الحقوقية حول شكل هذا الفساد وطبيعته والذي يفضح جرائم المافيات النقابية البيروقراطية ويجعلها تضل بعيدة عن كل محاسبة نظرا لكونها تشكل دودة زائدة طفيلية لكنها ضرورية للنظام البرجوازي القائم.
مواجهة تردي الوضع النقابي القائم حاليا صعب جدا نظرا لتشردم الطبقة العاملة وتحكم البرجوازية في نمط تفكيرها وتشكيل تصورها للعالم على اسس ميتافيزيقية غيبية بعيدة كل البعد عن الواقع. ونظرا أيضا لعدم إدراك الطليعة العمالية المناضلة لأهمية الصراع الفكري والايديولوجي أولا لتحرير الطبقة العاملة من الأوهام التي تبتها البرجوازية والبرجوازية الصغرى في نفوسها. ونظرا أيضا لابتعاد القوى الاشتراكية الشابة الفاعلة داخل الجامعات أو خارجها عن الانغراس وسط الطبقة العاملة والعمل الى جانبها من خلق حركة جماعية من الوعي الطبقي وتخليص العمال من الهيمنة الايديولوجية والاستقلال بنمط تفكيرهم وتفعيلهم من أجل تحررهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

مواجهة التردي ينطلق من الجهود الممكن بدلها من طرف طليعة الطبقة العاملة نفسها وبرؤية كفاحية سياسية وتنظيمية تخترق مختلف النقابات بدون استثناء وتعمل بشكل ديناميكي من خلال الوعي الطبقي وتحويل نمط التفكير العمالي من الاستيلاب البرجوازي الصغير الى مقاومة هذا الاستيلاب وفضح انتهازية الاحزاب وأدواتها البيروقراطية المعادية لمصالح الطبقة العاملة ومن اجل ادراك أفقها الاستراتيجي المتطلع للتحرر واقامة المجتمع الاشتراكي الخالي من الطبقات ومن الاغتراب ومن الاستغلال...

استرجاع الحركة العمالية لثقتها بنفسها كطبقة مستغلة ومضطهدة من طرف الطبقة البرجوازية المهيمنة، أصبح يشكل هدفا استراتيجيا لكل عمل نقابي جدي لكونه سيقوي وعي الكادحين بذواتهم ويمكنهم من تنظيم انفسهم ذاتيا بشكل ديموقراطي مقاومة مستغليهم في استقلال تام عن وصاية اي بيروقراطية نقابية كيفما كان نوعها. ومن شأن مثل هذه الدينامية أن تجعل القواعد العمالية تتحكم في القيادات البيروقراطية فتطرد منها كافة الوصوليين والانتهازيين والمعادين لمصالح الطبقة العاملة.

ليس من السهل تفعيل هذه الخلاصات، لأنها تتطلب توفر شروط ضرورية أولية تتمثل في القيادة السياسية البروليتارية لهذا الصراع المرير الذي يتطلب خوضه بالضرورة لإسقاط البيروقراطية النقابية وفضحها وفضح القوى السياسية الانتهازية المتغلغلة وسط الطبقة العاملة. إذن فهو صراع سياسي بامتياز طويل النفس، يتطلب وعيا تنظيميا عميقا بالواقع الملموس.