سوق السياسة كسوق الرياضة


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4287 - 2013 / 11 / 26 - 19:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا وزر علينا إن خسرنا مقابلة رياضية كان من المتوقّع أن تُنقذنا من مشاعر الإحباط وانسداد الأفق، وأن تفتح أمامنا باب الأمل: الأمل فى غد «كُروي» مزدهر، ذلك أنّنا سعينا، والربّ مع عبده إن سعى، إلى سدّ الفجوات فى تركيبة فريق رياضيّ يفتقر أعضاؤه لمؤهلات بدنيّة وروح وطنيّة... تُغريهم المكاسب المادية فيبحثون عن مصالحهم الشخصيّة على حساب خدمة الوطن.

وما دام الأمر كذلك فقد عمل المسئولون على شراء لاعبين جدد قادمين من وراء البحار يُعزّزون الفريق ويبشّرون بتحقيق نصر قد يكون مُبينا، ولا ضير فى ذلك «فبيزنس» الرياضة قد انتعش. ومن أجل كسب الجولة والترشّح لكأس العالم وتحقيق الفرجة «الكروية» تهون الأموال وتُمنح الجنسية التونسية للاعبين أجانب بإمكانهم إسداء خدمة للبلاد فى ساعة ضيق لاسيما وأنّ «حمار / الحوار الوطنيّ» قد توقّف ونحتاج إلى دفعه إلى الأمام.


وبين كرة القدم والسياسة وشائج قديمة. ففى عهد بن عليّ كانت الملاعب فضاء للتنفيس والتفريج عن الكرب بالصراخ والشتم واللعن تارة وبالعراك طورا. وكان الغضب الشعبى من السياسة التى ينتهجها النظام يظهر فى لبوس «انتفاضة» الجماهير واستيائها من فرجة «كروية» لم تتحقق. وفى ذلك العهد تحوّلت حصص «الأحد الرياضيّ» بدورها إلى مساحات للتحرر من القهر والرقابة المشدّدة. فكان الحوار فى ظاهره نقاشا لسياسة تدبير اللعب وباطنه انتقادا لسياسة الدولة.

ولئن كان المال عاملا من عوامل إفساد الساسة فإنّه لم يتحوّل فى العهد السابق والحقّ يقال، إلى «بيزنس».... وما كان يدور بخلد التونسيين أنّ «نواب الشعب» الذين تم اختيارهم بعد ثورة «مجيدة» ليكتبوا دستورا وليخدموا المصلحة الوطنية فى فترة تاريخية عصيبة، سينخرط عدد منهم فى «المركاتو السياسى» باعوا ذممهم مقابل خدمات تباع لصاحب هذا الحزب أو ذاك بل إنّ بعضهم أغرته اللعبة فصار جوّالا ينتقل من حزب إلى آخر.


فى «المركاتو» الرياضى يقوم الوسطاء بمدح محاسن اللاعبين وتعداد فضائلهم ووصف أجسامهم عضوا عضوا... ينوهون بمؤهلاتهم البدنية وخبرتهم العالية ليتوصلوا بعد المفاوضات الطويلة والمنافسة الشديدة، إلى بيع اللاعبين بأعلى سعر متحكمين بذلك فى إدارة مسيرتهم الرياضية حسب قانون العرض والطلب.

ولكن فى الزمن الردىء، يدخل عدد من نواب الشعب سوق النخاسة بلا مؤهلات أو خبرة أو حنكة سياسية، يمضون على وثائق تُدينهم، يتورطون فى عمليات فساد... ويضطرون لبيع ذممهم لأنهم لا يملكون غيرها، فقد زجّ بهم فى المجلس التأسيسى بلا معرفة أو حنكة أو قدرة على الفهم وبناء الموقف واتخاذ القرار، فكانت السياحة الحزبية بمقابل مادى خير نشاط يمارس داخل المجلس التأسيسى: مجلس ادعى النواب فيه أنّهم أصحاب عصمة وشرعية وأخلاق عليا. فها نحن اليوم نقف على خبايا وأسرار وما خفى كان أعظم.

سيحكى التاريخ قصة شعب آثر التعويل على نوابه المختارين ليكتبوا له أرقى دستور تتفاخر به الأمم وتنسج على منواله بقية الدول...فى فترة زمنية قياسية ودون تكلفة ترهق خزينة الدولة ولكنّهم خذلوه، وأرهقوه وأنهكوه بنقاشات يندى لها الجبين وأثقلوا كاهله بتكاليف خيالية.

رحم الله بيرم التونسى حين انتقد مجلسا شبيها فقال:

قد أوقعَ القلبَ فى الأشجانِ والكَمَدِ:::: هوى حبيبٍ يُسَمّى المجلس البلدي

إذا الرغيفُ أتى، فالنصف ُ آكُلُهُ:::: والنصفُ أتركُه للمجلس البلدي

وإنْ جلستُ فجَيْبِـى لستُ أتركُهُ:::: خوفَ اللصوصِ وخوفَ المجلسِ البلدي

وما كسوتُ عيالى فى الشتاءِ ولا:::: فى الصيفِ إلاَّ كسوتُ المجلسَ البلدي


يا بائعَ الفجلِ بالمِلِّيـمِ واحدة:::: كم للعيالِ وكم للمجلسِ البلدى