مستقبل الثورة وتضارب مواقف اليسار (1/2)


محمد حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4259 - 2013 / 10 / 29 - 09:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مستقبل الثورة وتضارب مواقف اليسار (1/2)
إذا كان اختلاف مواقف اليسار من الأحداث واقعا ثابتا لكل الأوقات تقريبا، مثل تباين المواقف داخل أى تيار آخر على الساحة سواء التيار الإسلامى أو الليبرالى أو القومى، فإن اللحظة الراهنة تتميز باختلافات وتناقضات استثنائية فى اتساعها بين صفوف اليسار. وتشمل تلك الاختلافات الحادة الموقف من 30 يونيو ومشاركة الجيش فيها، والموقف من جبهة الإنقاذ، والموقف من الإخوان المسلمين وغيرها. وتصل الاختلافات إلى حدود ما بين احترام مشاركة الجيش فى الموجة الثورية فى 30 يونيو إلى اتهام لفصائل اليسار المتبنية لهذا الموقف بالعمالة للجيش والسلطة ولعق أحذيتهم! ويتميز الخلاف هذه المرة بميزة هامة هى تحوله إلى مناظرات مكتوبة بدرجة جيدة من التبلور، مما يمكن من المناظرة الراقية بين تلك الآراء المختلفة.
لهذا سنتناول هنا المواقف المختلفة فى تلك المجالات، والتى تبلورت من خلال البيان التأسيسى لجبهة طريق الثورة "ثوار"، ومن خلال كتابات الزميل المجتهد رامى صبرى وبالذات كتابته الأخيرة المعنونة: " عن الانتهازية السياسية والانحراف اليميني لقيادتنا الحزبية" يعنى قيادة حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، رغم أن الورقة موجهة لكل المهتمين وغير مقتصرة على أعضاء الحزب، وكذلك كتابة الأستاذ عبد الغفار شكر حول هذا الموضوع فى جريدة الأهرام. وبالطبع فنحن عندما نتناول اختلاف وتناقض التقديرات داخل اليسار فإننا نتحدث عن تناقضات يفترض أن تدور داخل المعسكر الواحد مع الاهتمام الشديد بجذب الرفاق إلى التقدير السياسى الذى نعتقد بصحته على أساس الإقناع والاقتناع، انطلاقا بالطبع من انتماء الكاتب إلى الحزب الاشتراكى المصرى، وكذلك إلى التحالف الديمقراطى الثورى مما يعنى –ليس فقط اقتناعه بأفكارهم، ولكن أيضا المساهمة فى صنعها والمسئولية السياسية عنها. وبالطبع يجب أن يرد أساس الاختلاف فى الاستراتيجية والتكتيك إلى التحليل الدقيق للتناقض الرئيسى الذى نواجهة، وكذلك إلى ميزان القوى الطبقى الراهن وقراءته التفصيلية، وهو ما سنحاول عمله فى هذا المقال.
ونبدأ بجبهة طريق الثورة (ثوار) التى أعلنت عن تأسيسها فى 24 سبتمبر 2013 وضمت أسماء مؤسسيها قيادات بارزة من مختلف التيارات السياسية اليسارية أبرزهم الاشتراكيين الثوريين وعدد من قادة اليسار فى مجالات المثقفين والعمال وغيرهم. والجبهة تطرح فى برنامجها التأسيسى رؤية مبسطة تقوم على المقابلة بين أهداف الثورة التى تبلورت بوضوح، مع عدم تحققها رغم مرور أكثر من عامين على 25 يناير 2011 ورغم خروج الشعب مرتين فى يناير 2011 ويونيو 2013.
والأهداف الاستراتيجية لثورة يناير التى لم تتحقق بعد فى تلك المدة فى رأيهم هى:
• "قطع الطريق على نشوء نظام حكم استبدادي بطريق إعادة تصميم وبناء مؤسسات الدولة على أساس ديمقراطي، وتعميق ديمقراطية الصناديق لتصبح ديمقراطية تشاركية فعلية، تتيح للمواطنين المشاركة في صنع القرارات، وإنفاذ الرقابة الشعبية على مؤسسات الدولة. في القلب من هذا إصلاح القضاء، وإعادة هيكلة جهاز الشرطة، وتوسيع مجال الحكم المحلي وتطهير أجهزته، وإطلاق حرية التنظيم، وإزالة القيود عن الإعلام.
• تحقيق المساواة الكاملة بين الأفراد بالقضاء على كل أشكال الاضطهاد و التمييز، والتصدّي للتحريض الطائفي والعنف ضد النساء، وتدارك التهميش الواقع على قطاعات من الشعب على أسس عرقية أو جغرافية أو دينية أو ثقافية أو طبقية.
• تأسيس مسار واضح للعدالة الانتقالية، يشمل محاسبة كل المتورطين في جرائم ضد الشعب، وإصلاح الأجهزة الأمنية ومرفق العدالة لمنع عودة الممارسات القمعية.
• تبنّي سياسة خارجية قوامها مصالح الجماهير، تضمن الاستقلال الوطني و كسر قيود التبعية السياسية و الاقتصادية، ومدّ جسور الدعم والتضامن إلى كل حركات التغيير الثوري الساعية إلى الديمقراطية والحريّة. فنحن نرى الثورة المصرية في مقدمة موجة ثورية عالمية، تسعى إلى إنتاج عالم أكثر عدالة وحرية لكل الشعوب." كل هذا حسب بيانهم التأسيسى.
هل نختلف بشكل عام ودون تدقيق مع الاستراتيجية التى تطرحها تلك القوى؟ فلنقل مؤقتا لا خلاف، رغم التدقيق الواجب بالطبع عند التعرض للتفاصيل. هل نختلف أيضا حول أن تلك الأهداف لم تتحقق؟ بالطبع لا. إذن فما الحل الذى يطرحونه بناء على تلك المقدمات؟ إنه يتلخص فى عمل ثلاث وثائق تكون أساسا لثلاث حملات:
• "وثيقة حقوق المصريين المدنية والسياسية والثقافية
• وثيقة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى الدستور
• حملة لا تقترضوا باسمنا من أجل مراجعة الديون الخارجية ووقف الاقتراض"
هل هناك خطأ فى تلك الأهداف فى ذاتها التى تطرحها تلك القوى كتكتيك؟ بالطبع لا يوجد خطأ فيها ولكن هناك خطأ خطير فى تلك العملية: فاستنتاج التكتيك الملموس من الاستراتيجية وحدها يمكن أن يقود إلى نتائج خطيرة، بل إلى الجحيم كما سنرى. إن أساس التكتيك بالطبع ينبنى على دراسة ميزان القوى الملموسة فى الواقع، بينما نحن هنا لا نذكر على الإطلاق تحليل اللحظة الراهنة ولا ميزان القوى الخاص بها. لماذا؟
فلنتأمل أولا مغزى احتفاء الزملاء بثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 مع عدم وجود آية إشارة إلى الفارق الحاسم بين الثورتين. لقد كانت ثورة يناير ثورة شعبية كلاسيكية ضد جهاز الدولة المباركى وقوى قمعه، الشرطة والجيش فى حالة تصديه للثورة. وانهار جهاز الشرطة كما هو معروف، وأمسك الجيش بالعصا من المنتصف، بل وشارك بشكل غير مباشر فى موقعة الجمل بتنحى الدبابات لدخول الأحصنة والجمال للميدان وفتح محطات مترو التحرير المغلقة من أول الاعتصام لدخول بلطجية الوطنى إلى داخل الاعتصام. ولكنه تراجع سريعا إلى تكتيك التضحية بمبارك ومحاولة الحفاظ على نظامه أو على كل ما يمكن الحفاظ عليه من أركانه. ولكن ثورة يونيو (ولن أقف هنا أمام هل هى ثورة مستقلة أم حلقة ثانية، ففى رأيى أنها عملية واحدة مستمرة لم تنقطع منذ يناير 2011 وحتى الآن) كان بها سمة شديدة الغرابة والأصالة تجعلها فريدة من نوعها تاريخيا: إذ كان فيها الشعب والجيش والبوليس وجهاز الدولة بمعظمه "يدا واحدة" ضد الإخوان!
ألا يقتضى ذلك ممن يحتفون بثورة يونيو أن يقفوا لحظة، ليس فقط لكى يفسروا هذه الظاهرة، ولكن لتحليل انعكاسها على التكتيك؟ موقف الإخوان منسجم: فعداؤهم للجيش والانقلاب العسكرى متسق مع عدم اعتبارهم 30 يونيو ثورة أو حلقة ثورية، وإلا اعترفوا بكونهم قوة معادية للثورة. ولكن ماذا عن موقف رفاقنا فى جبهة ثوار الذين يعتبرون 30 يونيو ثورة؟
فى الحقيقة إن الموقف المبدئى المتسق مع اعتبار كل من 25 يناير و30 يونيو "ثورة" هو اعتبار كل من الإخوان المسلمين والنظام القديم (بجيشه وبوليسه وجهاز دولته البيروقراطى) طرفين للثورة المضادة. ولكن هذا "الحل" للمشكلة لا يلبث أن يثير مشكلة أخرى أشد: لماذا حدث هذا الصدام العنيف فى 30 يونيو –فى جزء منه- بين طرفين للثورة المضادة (أى النظام القديم وقوته الرئيسية الممثلة فى الجيش، والإخوان المسلمين)؟ قبل أن ننتقل للإجابة على هذا السؤال نؤكد ثانية على أن مثل هذا التتبع لتطور التناقضات التفصيلية الملموسة هو طريق رسم استراتيجية وتكتيك مبدأيين، بينما القفز بخفة من تعميمات استراتيجية، مهما كانت صحيحة فى مجملها، إلى تكتيك لهو عملية تحمل مخاطر الطريق إلى الجحيم مهما كان مفروشا بالنوايا الحسنة!
والنقطة الأولى التى يجب إيضاحها هى أن الإخوان المسلمين قوة سياسية تنتمى إلى الطبقات المالكة الكبيرة، ليس فقط بحكم انتماء قيادات كبيرة لهم إلى كبار المستثمرين فحسب، ولكن أساسا إلى برنامجهم الاقتصادى والسياسى، والذى يرى باختصار فى النظام الاقتصادى لنظام مبارك نظاما أمثل لولا ما يشوبه من محسوبية، وإلى إعلان ولائهم لأكثر اتجاهات الإمبريالية عدوانية، بالذات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، حيث لم تنقطع روابطه الوثيقة بهم منذ سنوات طويلة وحتى الآن. ولا يغير من هذا الواقع وجود جمهور كبير مضلل من أتباعهم فهذا شأن جميع الأحزاب الاستبدادية ذات الجماهيرية وعلى رأسها الحزب النازى.
والنقطة الثانية أن العام الأول للثورة وحتى آخر فبراير عام 2012 ساده التحالف بين أنصار النظام القديم وفى القلب منهم المجلس العسكرى، وبين الإخوان المسلمين. وكان جوهر الصفقة التى عقدوها والتزم كلا الطرفان بها طوال هذا العام هى أن المجلس العسكرى قد ترك لهم حرية العمل السياسى فى الشارع وبناء حزبهم وجماعتهم العلنيتين والشرعيتين، ومكنهم من تسيد المجالس التشريعية فى الشعب والشورى، فى مقابل التأييد السياسى للمجلس العسكرى فى مواجهة قوى الثورة وترك السلطة التنفيذية، المحورية دائما فى كل نظام استبدادى، تركها بالكامل للمجلس العسكرى. لم يبدأ الصراع بينهما سوى بعد أن قرر الإخوان المسلمون منذ أواخر فبراير 2012، تحت تأثير القوة التى حازوها بتسيد المجالس التشريعية رغم محدودية شأنها فى النظام الاستبدادى، وتحت تأثير تأييد الأمريكان لهم، بعد أن قرروا أن ينفذوا إلى السلطة التنفيذية من خلال مطالبتهم ببعض الوزارات أولا، ثم برئاسة الوزارة باعتبارهم حزب الأغلبية، حتى صدامهم النهائى على منصب رئاسة الجمهورية، المنصب المركزى فى الجمهورية الاستبدادية المصرية منذ نشأتها.
ومعروف طبعا تدخل الأمريكان بعنف من أجل إعلان فوز محمد مرسى فى الانتخابات الرئاسية، وتأييد حكم الإخوان بعدها، وهو مازال واضحا حتى الآن رغم المماينة مع العسكر الذين أثبتوا سيطرتهم الفعلية على السلطة فى المعركة مع الإخوان والتيارات الدينية ولم يبق سوى القليل في تلك المعركة. ولكن السؤال هو لماذا تدخل الأمريكان -والأوروبيون الغربيون وراءهم- من أجل تأييد الإخوان كل هذا التأييد؟
من المعروف طبعا الالتقاء بين الغرب والإخوان على تأييد الاقتصاد الحر، كما أنه من المعروف أيضا حجم التطمينات التى أعطاها الإخوان للأمريكان بخصوص التزامهم باتفاقيات السلام مع إسرائيل. ومن المعروف كذلك أن الولايات المتحدة قد صرحت منذ عام 2003 على لسان وزيرة خارجيتها وقتها كوندوليزا رايس أن نظام مبارك ضعيف، وأن التيارات الإسلامية هى أحد البدائل المحتملة، كما كان تقديرها بعد الثورة هو كفاءة هذا البديل فى استيعاب سخط الشارع بحكم أنهم قوة لها جماهيرية وثقل فى الشارع. إلا أن ما اتضح مؤخرا هو أن هذا ليس كل شيئ.
لقد كان أخطر اتفاقات الإخوان مع الأمريكان هو الموافقة على مخطط التفتيت الإقليمى لمصر والدول العربية فى إطار الموافقة على مشروع الشرق الأوسط الجديد. لقد ظهر هذا فى تنازل مرسى عن حلايب وشلاتين أثناء زيارته للسودان وفى الاستعداد لحل القضية الفلسطينية على أساس إعطاء حماس فى غزة مساحة 720 كيلومترا مربعا باتجاه العريش لعمل ميناء دولى لغزة، وإعطاء 40% من سيناء لتوطين الفلسطينيين (أنظر مقالى على الحوار المتمدن المعنون "هل هناك خطر جدى لتفتيت الدول العربية")، وهو ما رفضه نظام مبارك من قبل. وقد اتضح مؤخرا أن الاتفاق على ذلك يعود إلى عام 2008، أيام بوش الابن، والتزم به الجمهوريون والديمقراطيون كلاهما، فالإخوان فصيل ليس له انتماء وطنى، ولا يؤمن بخرافة الدولة والوطن والعلم وغيرهما من (أصنام جاهلية العصر الحديث)، ويحلم فقط بالخلافة الإسلامية. وتأكيدا على ذلك أيضا نص المادة 150 من مشروع دستور الإخوان لعام 2012 التى تنص على حق رئيس الجمهورية فى تعديل الحدود بعد التشاور مع مجلس الشعب. صحيح أن تلك المادة قد حذفت تحت تأثير الهجوم الصارخ للمعارضة عليها، إلا أن وضع مثل تلك المادة فى الدستور يكشف بشكل ساطع عن نية الإخوان، بالإضافة إلى سلوكهم الفعلى مع السودان وإسرائيل بالطبع.
وأثبت عام من سلطة الإخوان ولاءهم لتلك العهود، فقد أشرفوا على إقرار الاتفاق على التهدئة بين حماس وإسرائيل وأمنوها من إطلاق الصواريخ من كل الفصائل وليس من حماس وحدها، كما دفعوا الخصخصة إلى مدى جديد من خلال قوانين الصكوك ومحاولات مشروع قانون إقليم قناة السويس. كما أيدوا المشروع الأمريكى فى سوريا، وتغاضت أمريكا عن أنشطتهم حتى فى ديار حلفائها فى الإمارات مثلا، وهو ما أسفر عن اقتناع حكام السعودية والإمارات بأن سلطتهم باتت مستهدفة من المخطط الأمريكى لتفتيت دولهم ودفعهم إلى مساعدة الثورة المصرية فى العهد الجديد بمساعدات طائلة فى تناقض واضح مع مواقف أصدقائهم الأمريكيين!
وإذا كان تقديرنا لسلوك الطبقة الحاكمة أنها انتقلت منذ عقود طويلة إلى صف خيانة الوطنية المصرية وسلمت للاستعمار فإن هذا لا ينفى وجود تناقضات مثلما حدث عندما رفضت، برئاسة مبارك، تقديم تنازل ليست مجبرة عليه بالضرورة مثل التفريط فى التراب القومى بالموافقة على خطط التوطين فى سيناء، بينما يوافق الإخوان عليه.
وكانت نتيجة عام من حكم الإخوان أن اكتسب الإخوان عدوان كبيران: الأول هو تناقض مع الشعب ضد الاستبداد والظلم الاجتماعى، وهو التناقض الذى تفاقم أيام مرسى عن أسوأ أيام مبارك. والثانى تناقض مع جهاز الدولة القديم، وهو لم يكن بسبب موافقة الإخوان على التنازلات فى مجال الأرض فقط، ولكن بسبب محاولات الإخوان لأخونة جهاز الدولة وعدائهم ومعاركهم السافرة مع كل أجهزة الدولة وفى القلب منها القضاء والإعلام، غير الوزارات والشرطة والجيش بطبيعة الحال.
كان هذا هو ما قاد إلى الوضع الملتبس لثورة 30 يونيو: فالثورة شعبية لا شك فيها نتيجة لفساد حكم مرسى واستبداده و"مباركيته" مما قاد إلى مشاركة أبناء الشعب فى سبعة آلاف احتجاج ضده خلال تلك السنة، كما قاد الشعب إلى الخروج بعشرات الملايين والتوقيع لتمرد والتظاهر ضد حكم مرسى والإخوان. ولكن كانت هناك تناقضات أيضا بين أجهزة الدولة جميعها من جيش وشرطة وقضاء وبيروقراطية وبين الإخوان. فى مثل تلك الأحوال لا يوجد تحالف صريح بين هذين الطرفين لأن قسمهما الأول، الشعب، خاض معركة الثورة فى يناير 11 ضد القسم الثانى. ولكن ما حدث فعلا هو أنه عمليا كان هناك تكتيك السير منفردين والضرب معا ضد الإخوان، وهو ما يعد تحالفا موضوعيا بحكم اتفاق الأهداف ضد الإخوان، حيث يعتبرون هم الحلقة الأبرز فى تلك اللحظة التى لا تكتفى بتكثيف الاستبداد والاستغلال المباركى ولكنها أيضا تخون الوطنية المصرية وتفرط فى الأرض باسم حلم الخلافة وتتآمر مع أعتى أعداء الوطن فى أمريكا وأوروبا. لقد أثبت سلوك الإخوان قبل وبعد 30 يونيو وحتى الآن، بما لا يدع مجالا للشك، أن الإخوان يمثلون اختراقا للأمن القومى المصرى ذى أبعاد عميقة، وأنه لم يكن الأمريكان ليجرؤون على تنفيذ تلك المخططات بقوة ما لم يكون معهم حليف محلى قوى مثل الإخوان المسلمين.
وتنشأ الضرورة الموضوعية لتحالف الأمر الواقع بين حركة الشعب وبين الجيش من ميزان القوى الملموس. لقد قرر الشعب قرارا لا رجعة فيه بمواجهة حكم الإخوان رغم علمه بميليشياتهم وجهازهم السرى المدرب على العنف والمسلح جيدا. بل وفى المواجهات خلال الشهور الأخيرة من حكم مرسى أعلن العديد من القوى الشبابية أن الوضع الراهن يفرض حمل السلاح ردا على تسلح الإخوان ومجازر الاتحادية والمقطم. ولكن تطور تنظيم وتسليح الجماهير من أجل إسقاط حكم الإخوان كان لابد وأن يقتضى فترة طويلة من النمو قبل أن يصبح قادرا وحده على إسقاط حكم الإخوان. لهذا كان مبررا الإحساس الشعبى بضرورة وقيمة مشاركة الجيش والبوليس فى التصدى للإخوان، وهى عملية لابد وأن يكون لها انعكاساتها المتعددة على تكتيكات اللحظة الراهنة كما سنرى.
إن تجاهل التحليل الملموس لهذا الظرف المعقد هو ما يجعل رفاقنا فى جبهة ثوار يخطئون بتحديد عدوهم الأساسى فى الجيش، وبالتالى تخفيف وطأة العداء للإخوان، وعدم تثمين المغزى الثورى للانتصار عليهم. هل هذا هو موقف الرفاق فعلا أم أننا نفترى عليهم؟ إنهم يصرحون بعد 30 يونيو: "عدنا إلى نقطة البداية". يعنون عودة العسكر للحكم، ويغيب عنهم مغزى الانتصار الثورى على الفصيل الرجعى المستبد المستغل الخائن المتمثل فى الإخوان المسلمين، رغم أن هذا لا يعنى بالطبع انتصار الثورة فى تحقيق كل أهدافها. كما إنهم يصرحون "وقوى الثورة تدرك حتمية التجمع في جبهة لانتزاع مطالب الثورة، وإحداث كل الضغوط السلمية الممكنة للحيلولة دون اختطافها مرة أخرى، خاصة وأن المواجهات التي دارت بين السلطة الانتقالية وأنصار الرئيس المعزول أفسحت المجال مرة أخرى لعودة القمع والانتهاكات وممارسات دامية واسعة النطاق". ويصفون هدف جبهتهم بأنها " جبهة تسعى لاستعادة الثورة و التصدي للثورة المضادة؛ بمقاومة قمع السلطة العسكرية وسلطوية وعنف وطائفية الإخوان" وفى هذا توضيح لمركز الثقل فى موقفهم، وهم يتصدون لبعض سلوكيات الإخوان (السطوية والعنف والطائفية)، ولكنهم يتصدون للجيش أساسا.
ليست هذه قراءتنا وحدنا لسلوك تلك الفصائل . قل لى من صديقك أقل لك من أنت: لقد رحب تحالف دعم الشرعية، جبهة الإخوان وحلفائهم، بموقف جبهة طريق الثورة، وأعلنوا "أنها تصب في خانة مقاومة وكسر الانقلاب العسكري الذي يسعى بقوة لعودة الدولة البوليسية القمعية". ولهذا فإن "تحالف دعم الشرعية يفتح أبوابه لمن يريد المشاركة في العمل على كسر الانقلاب، سواء من الحركات الثورية أو الشباب، مشيرا إلى سعيهم لفتح قنوات اتصال مع الجميع لتحقيق هذا الهدف" على حد قول علاء أبو النصر الأمين العام لحزب البناء والتنمية والعضو بتحالف دعم الشرعية.
محمد حسن خليل 29 أكتوبر 2013 الحزب الاشتراكى المصرى