فات المعاد


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4253 - 2013 / 10 / 22 - 11:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

اكتشف التونسيون خلال هذه السنة، ما تقوم عليه ثقافة الإرهاب من ركائز، واطلعوا على المصطلحات المتداولة فى هذا المجال كالمخطط الإرهابى، ويد الإرهاب، والعمليات الإرهابية، وتفكيك الشبكات الإرهابية، والتمشيط والقصف والهجوم والعثور على متفجرات بحوزة إرهابيين وغيرها من العبارات التى تستعملها مختلف وسائل الإعلام وتلهج بها ألسنة الناس فى المقاهى وفى الشوارع وفى أماكن العمل. وهكذا باتت الأحداث الإرهابية تحتل حيزا مهما من الحياة اليومية للتونسيين وشيئا فشيئا أضحى خبر سقوط القتلى «حدثا عاديا» فى نظر الحكام الجدد ومن الأهم وبارك مسعاهم ومبرر مثلما وضحه لنا رئيس الحكومة «العريض» أن الأمور نسبية ويجدر بالإعلاميين عدم التهويل وخلق «فزاعة» فى البلاد فحالنا أفضل بكثير من التجربة المصرية والتجربة الليبية، والحكومة تبذل قصارى جهدها لتطويق ظاهرة الإرهاب ولله عاقبة المصير.

غير أن هذه التبريرات ما عادت تقنع التونسيين وتبدد مشاعر الخوف لديهم، خاصة وهى تتزامن مع تعثر الحوار الوطنى، وعسر توصل الخصوم السياسيين إلى بناء الوفاق الوطنى، وتضارب المواقف والتصريحات، وفقدان الثقة فى العمل السياسى، وصعوبة تحقق مطلب استقلال القضاء. يضاف إلى ذلك التشكيك فى توصل الأجهزة المختصة إلى معرفة مرتكبى الاغتيالات السياسية لاسيما بعد انقسام المؤسسة الأمنية إلى فئة تدافع عن أمن جمهورى مستقل، وفئة تدين بالولاء لحزب النهضة وتعمل كل ما فى وسعها من أجل «التعتيم».

وبالنظر إلى حدث اغتيال عونين أمنيين أثناء محاصرتهما لمجموعة إرهابية فى الشمال التونسى نتبين الآتى:

●-;- لم تعد تونس منطقة عبور كما كان المحللون يزعمون بل أضحت أرض جهاد ترفع فيها الأسلحة بوجه التونسيين ولعل المنتمين إلى الجهاز الأمنى والجهاز العسكرى من أكثر الناس استهدافا باعتبار أنهم جنود «الطاغوت».

●-;- لا شك أن انطلاق العمليات الإرهابية بنسق سريع سيؤثر فى أداء الحكومة وفى بلورة موقف من إدارة المسار الانتقالى والعملية الانتخابية المتوقعة خاصة وأن الحكام الجدد لم يعلنوا عن استراتيجية لمعالجة الوضع الأمنى، وأنى لمن يفتقر إلى رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية أن يصوغ برنامجا والحال أنه يعين أتباعه وفق مبدأ الولاء والانتماء إلى الجماعة العضوية، وأداء الطقوس الدينية، ولا يؤمن بمعايير الكفاءة والخبرة والاختصاص وغيرها؟

●-;- ما حدث أثناء تشييع جنازة الشهيدين من رفع شعار «ارحل» بوجه الرئاسات الثلاث علامة دالة على خروج المؤسسة الأمنية من حيادها المعروف، وتبرم الأعوان من سوء معالجة الملف الأمنى، والاستهانة بأرواح حماة الوطن، والتمييز بين السياسيين الذين اغتيلوا والأمنيين الذين ذبحوا وتم التمثيل بجثثهم.

●-;- اكتفى الفاعلون السياسيون بالتنديد، ومدح الجنود البواسل ورجال الأمن المتفانين فى خدمة الوطن، وإعلان الحداد، والتأبين ووضع أكاليل الزهور.. طقوس رسمية ملها التونسيون، وخاصة رجال الأمن لأنهم باتوا يعتقدون بأنهم أضحوا كبش فداء فى تصفية حسابات وثأر قديم بين أنصار هذا التيار الأيديولوجى وذاك. وليس يخفى أن الاتهامات الموجهة إلى قيادات من حزب النهضة بتورطها فى العمليات الإرهابية تجعل المسألة أكثر تعقيدا لاسيما وأن خطاب رئيس الحكومة بعد حادثة «ارحل» تضمن الترهيب والوعد والوعيد والحزم واتخاذ التدابير اللازمة لمعاقبة الأمنيين الذين تجرأوا على رفع هذا الشعار، وإعلان العصيان. وليس يخفى أن تصدع العلاقة بين القيادات النهضاوية والنقابة الأمنية سيجعل معالجة ملف الأمن عسيرة، وهى معالجة لا تتصل بالشأن الداخلى فقط بل بالوضع الإقليمى إذ إن ليبيا باتت المزود الرسمى للإرهابيين فضلا على تدخل أطراف أخرى فى تنفيذ الأعمال الإرهابية كمالى والجزائر.

●-;- من الواضح أن حالة الجفاء وثقافة كره المنتمين إلى المؤسسة الأمنية فى طريقها إلى التحول بعد أن قدمت هذه المؤسسة شهداء، وأثبتت وطنيتها وحرصها على تغيير الدور الذى اضطلعت به تحت نظام بن على، فقد عملت فئة من الأمنيين على اختراق المحظور فكشفت عن مواطن التقصير، وسربت الوثائق، وفضحت التواطؤ.. وهو أمر يخبر أن قيم المواطنة فى طريقها إلى التجسيد.

بين الإرهاب والترهيب والرهاب صلة وثيقة فهل يدرك أصحاب السلطة أن الهروب لا يجدى وأن المسئولية التاريخية والسياسية تفرض عليهم أن يكونوا جديين فى التعامل مع المصلحة الوطنية؟