مواجهة الاسلاموفوبيا: نموذج بريطاني ناجح


خالد الحروب
الحوار المتمدن - العدد: 4251 - 2013 / 10 / 20 - 15:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

"الكراهية لا تواجه بمزيد من الكراهية", هذا ما يقوله محمد أنصار الناشط الاسلامي الآسيوي في بريطانيا والذي لمع اسمه في السنوات الاخيرة كأحد اهم الاصوات المسلمة المعتدلة, واكثرها تأثيرا في تصويب الصورة السلبية عن الاسلام والمسلمين في المملكة المتحدة والغرب. أنصار هو المعادل الموضوعي لكثير من الاسماء المسلمة المتطرفة التي استغلت حرية التعبير في الغرب ولم تعمل سوى على جلب مزيد من الكراهية والحقد على المسلمين ودينهم. وفي بريطانيا على وجه التحديد هناك قائمة طويلة تبدأ ولا تنتهي بتلك الاسماء, من ابو حمزة المصري, إلى ابو قتادة الاردني, إلى محمد بكري اللبناني, وليس انتهاءا ب أنجم شودري الباكستاني, مُضافا إلى هؤلاء جميعا "نضالات" حزب التحرير الاسلامي في سبيل إقامة خلافة إسلامية في لندن, وضد "الديموقراطية" البريطانية التي يعتبرها كفرا, وهي الديموقراطية التي تسمح له بالعمل السياسي والتعبير عن آرائه!
تزداد المفارقة والإثارة في قصة محمد أنصار عند مقارنة تأثير خطابه بتأثير خطابات الكراهية التي بثها أولئك بغباء وحماقة. في ابريل من العام الماضي ظهر محمد انصار في برنامج حواري على شاشة البي بي سي في مواجهة مع تومي روبنسون زعيم رابطة الدفاع الانكليزية, وهي جماعة عنصرية على اقصى اليمين وتعبر عن آراء فاشية ومتطرفة ضد المسلمين والمهاجرين وكل ما هو غير انكليزي, وتظهر بعض الاستطلاعات ان نسب التأييد لمواقفها في تزايد مستمر وسط الرأي العام البريطاني (في تناغم مع نسب تأييد متماثلة في بلدان اوربية اخرى للأحزاب اليمينية, مثل "الجبهة القومية" في فرنسا, و"من اجل الحرية" في هولندا, و"الفجر الذهبي" في اليونان). وتصاعد شعبية هذه الاحزاب ذات المواقف التي كانت على اقصى الهامش لها اسباب عديدة منها ما هو داخلي متعلق بالأزمات الاقتصادية وانتهازية السياسيين وشعبويتهم, ومنها ما هو خارجي وله علاقة بالتطرف والارهاب المعولم الذي ينفذ بإسم الاسلام. بكلمة اخرى يمكن اعتبار اسامة بن لادن وبقية عصابته اعضاء مؤسسين ليس للقاعدة فحسب بل ولكل الاحزاب الفاشية المتطرفة في الغرب وغيره والتي تعادي الاسلام والمسلمين.
في ذلك البرنامج الحواري الشهير بين محمد أنصار وتومي روبنسون لم يُستدرج أنصار لخطاب الكراهية, ولم يفقد اعصابه وينزع نحو الغضب والشتائم وبالتالي فقدان تأييد المشاهدين. تمكن بمنطقه وخطابه العقلاني والهادىء من بداية زعزعة قناعات روبنسون التي يعتبرها مسلمات يقوم عليها عدائه الشديد للمسلمين ومطالباته بتخليص بريطانيا منهم. بل واكثر من ذلك انتهى الحوار بدعوة عشاء قدمها أنصار لروبنسون كي يواصلا الحوار. والمثير في القصة ان روبنسون قبلها حيث التقى الإثنان تحت عيون الكاميرات وبعيدا عنها مرات عديدة. في هذه اللقاءات تعرف روبنسون على مسلمين آخرين واسلام آخر, وكتب على تويتر يقول لأنصار: "لو كان كل المسلمون مثلك لما كان هناك اي مشكلة". لم تنته القصة هنا, بل كانت نهايتها المفاجئة في تخلي روبنسون تماما عن رابطة الدفاع الانكليزية وتعديل آرائه. وسوف تبث البي بي سي برنامجا وثائقيا عن القصة كلها يوم الاثنين القادم 28 أكتوبر بعنوان "عندما التقى تومي مع مو".
محمد أنصار متحدث لبق ومنطقي ومطلع على الاصول الشرعية وينظر للآخرين نظرة هداية واستيعاب وليس نظرة عداء وكراهية. وهو مكروه كما هو متوقع من عتاة السلفيين والمتطرفين الذي يهاجمونه بسبب اعتداله و"مهادنته للكفار". خلفيته الحقوقية وارتكازه على الحقوق المدنية والتعددية الثقافية والحرية, وتمتعه بمنطق تصالحي تعددي, يُضعف منطق خصومه, سواء من الفاشيين الغربيين او الفاشيين المسلمين. مقابل محمد انصار هناك أنجم شودري زعيم ما كان يُسمى "مسلمون ضد الصليبيين" قبل ان يحظرها القانون بسبب اعمال الحرق وممارسات اخرى ضد مخالفيها الرأي. وكان انصار وشودري قد ظهرا في برنامج حواري منذ اكثر من سنتين ولم يستطع شودري الرد على آراء أنصار الاستيعابية المعتدلة, وكان ينحرف بسرعة إلى خطابات الاتهام والغضب والتشويه, من دون الاعتماد على المنطق.
أهمية نموذج محمد أنصار, رغم اقلانية صوته وسط بحر الصراخ المتطرف والخطابات التهديدية التي تصدر كل يوم من ابوات التطرف الاسلامي, انه يقدم الفعل والفاعلية والنشاط في مواجهة خطابات وممارسات التطرف والارهاب, ولا يتوقف عند الإدانات اللفظية الخجولة. فالصورة التي يجب الاقرار بها ومواجهتها عن الاسلام والمسلمين في الغرب سيئة وتربط الدين ومنتسبيه بالإرهاب بشكل آلي, وتساهم في تزايد وتائر الاسلاموفوبيا. وتعامل المسلمين والعرب مع هذه الحقيقة يأخذ المنحى السهل والهروبي عن طريق إتهام الاعلام الغربي والاحزاب والجماعات المتطرفة بتشويه تلك الصورة, وتبرئه الذات بشكل مباشر ام غير مباشر. واتهام الآخرين والقاء المسؤولية على الغير يُعفي من القيام بأي عمل ايجابي وفاعل, ويبرر الكسل والقعود. بيد ان التعامل الفاعل والمبادراتي لمواجهة الاسلاموفوبيا يتخطى التشاكي والتباكي المستمرين, والانخراط في جهد حقيقي يبدأ بمواجهة "العدو الداخلي", وهو الجماعات الاسلامية المتطرفة والارهابية, وتفنيد كل إدعاءاته بتمثيل الاسلام والمسلمين, وإعلاء الصوت بمعارضته. فالمشكلة هنا تكمن في ان صوت الارهاب ورغم انه يمثل اقلية الاقلية اعلى واكثر تأثيرا بسبب الضحايا التي يُسقطها والدم الذي يسيله, في المقابل فإن صوت العقل والمنطق والاعتدال ورغم انه يمثل الغالبية الكاسحة اقل وصولا وتأثيرا لأنه يعتمد على الحوار وليس الدم والقتل. لأجل هذا يتوجب على الغالبية ان تعلي من صوتها اكثر, وتستعيد تمثيلها لذاتها ودينها وترفض ان يظل ذلك محصورا بإدعاءات الاصوات المتطرفة.
قبل فترة وجيزة انتشرت صورة على الانترنت لمجموعة من النساء المنقبات في بريطانيا يحملن لافتات تندد بقرارات بعض المؤسسات التي تحظر النقاب. لكن تلك اللافتات حملت شعارات اخرى مثل "لا للحرية", "الاسلام سوف يحكم بريطانيا", وغير ذلك مما يثير الحنق ويستفز الرأي العام ضدهن ولا يثير اي تعاطف. ربما تكون الصورة كلها مفبركة وتشويهية, لكن تلك الشعارات وقريبا منها كثير رفع في التجمعات والاحتجاجات التي كانت تقوم بها الجماعات المتطرفة في لندن, وامام مقر الحكومة, وفي غيرها من المدن. تلك التجمعات و"المظاهرات" لا تجذب إلا عدد محدود لا يتجاوز العشرات في كل مرة. لكن في المقابل لا نرى مظاهرات تقوم بها الغالبية المسلمة ترفع شعارات تؤيد الحرية, وتندد بالمتطرفين, وترفض ان يتحدثوا بإسمها وبإسم الدين. والاعلام بطبيعته التي تركض وراء الإثارة وما يحدث في الشارع يغطي "الحدث" الذي تقوم به التجمعات المتطرفة ويصور شعاراتها المُستفزة, ولن يغطي "اللاحدث" الذي تقوم به الاغلبية الصامتة عبر القعود في بيوتها.