هل ستتغير الممارسة السياسية وتدبير الشأن العام بعد خطاب الملك ؟


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4249 - 2013 / 10 / 18 - 15:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

في خطاب لم يألفه النواب البرلمانيون وعموم الطبقة السياسية ، حرص الملك ، في افتتاح الدورة التشريعية الثانية في عهد حكومة بنكيران ، على مواجهة البرلمانيين والأحزاب بحقيقة أدائهم السياسي والتشريعي وطريقة تدبيرهم للشأن العام المحلي والوطني . انقلبت الآية وصار النظام ينتقد الأحزاب بعد أن كانت تنتقده بسبب الأمراض السياسية التي تنخر المجال الحزبي ،وأبرزها : التعامل مع الانتداب البرلماني "كريع سياسي" وليس كمسئولية وطنية تقتضي تقديم الحلول الناجعة للمشاكل التي يعانيها المواطنون . فالتمثيلية البرلمانية ليست امتيازا ، بقدر ما هي أمانة وطنية ومسئولية سياسية تطوق أعناق النواب . مسئولية لم تستحضرها غالبية الأحزاب في كل مراحل العمل السياسي والحزبي ، بدءا من انتخاب هياكل الحزب وانتهاء بوضع لوائح الترشيحات للمجالس المنتخبة . ورغم التعديل الدستوري الذي جاء ليرقى بالعمل السياسي والحزبي ، ظلت الأحزاب سجينة "المقاربة التحكمية" ، الأمر الذي أقصى النخب والكفاءات المحلية من الانخراط الفعلي في العمل السياسي ومن المشاركة المباشرة في إدارة الشأن العام على المستوى الوطني أو المحلي . وهذا العقم السياسي هو الذي شدد الخطاب الملكي في انتقاده والتنبيه إلى خطورته متعددة الأبعاد :
1 ـ الصراعات السياسوية التي تطبع الحياة السياسية بغض النظر عن اختلاف المرجعيات ، مما يعوق كل "ممارسة سياسية سليمة، تقوم على النجاعة والتناسق، والاستقرار المؤسسي" . وبسبب هذه الصراعات تتحول المجلس المنتخبة إلى "حلبة للصراعات" .
2 ـ تعطيل مصالح المواطنين بسبب تلك الصراعات الذاتية والحزبية التي من المفروض أن ترقى ب"الانتداب الجماعي المحلي أو الجهوي .. لكونه يرتبط بالمعيش اليومي للمواطنين" ويسمح للمواطنين بالاختيار بين البرامج ومحاسبة التجارب .
3ـ إضاعة فرص التنمية المحلية والجهوية بحكم أن الأحزاب لم تتخلص من ممارساتها القديمة وظلت تعيد إنتاجها داخل البرلمان وفي المجالس المحلية ، بحيث لم تفتح المجال للكفاءات الجديدة والخبرات المحلية التي يقر لها الدستور بدورها في خلق فرص التنمية المحلية . وجاء الخطاب الملكي يشرّح هذه الوضعية التي نتجت عنها اختلالات كبيرة كانت الدار البيضاء نموذجا لها رغم وفرة المداخيل . ( وأمام ما تشهده العديد من المدن الكبرى والمتوسطة، والمراكز القروية، من اختلالات، فإننا نتوجه للأحزاب السياسية، لضرورة العمل على إفراز كفاءات ونخب جهوية جديدة، مؤهلة لتدبير الشأن العام المحلي، خاصة في ظل ما يخوله الدستور للجماعات الترابية من اختصاصات واسعة، وما تفتحه الجهوية المتقدمة من آفاق، وما تحمله من تحديات).
4 ـ تهميش الكفاءات والنخب المحلية بسبب "المقاربة التحكمية" التي تلغي البعد المؤسسي للأحزاب مقابل تكريس علاقات الطاعة والولاء للقيادة الحزبية. وهذا يعطل البناء الديمقراطي الشامل الذي يسمح بـ "إفراز كفاءات ونخب جهوية جديدة، مؤهلة لتدبير الشأن العام المحلي، خاصة في ظل ما يخوله الدستور للجماعات الترابية من اختصاصات واسعة، وما تفتحه الجهوية المتقدمة من آفاق،وما تحمله من تحديات".
5 ـ الارتزاق السياسي الذي حول التمثيل النيابي "بما هو تمثيل للأمة، ومهمة وطنية كبرى" إلى ريع سياسي يؤجج الصراعات الداخلية والبينية ويحجز فرص التنمية .
ولا شك أن الصراعات السياسوية بين مكونات الأغلبية ، وبينها وبين المعارضة ، أضاعت على البرلمان فرصا هامة ، في مقدمتها وضع القوانين التنظيمية . ومن أجل تدارك التأخر والرفع من جودة الأداء البرلماني ، حدد الملك في خطابه طبيعة الولاية التشريعية لحكومة بنكيران كـ"ولاية تأسيسية تخرج المغرب من مرحلة الانتقال الديمقراطي الذي تحول إلى " مرحلة انتظار" طال أمدها ، إلى مرحلة البناء الديمقراطي التي تتطلب اعتماد منهجية التوافق والتشارك والحوار البناء .
6 ـ تزايد المخاطر التي تتهدد الوحدة الترابية ؛ فالاختلالات لم تقتصر على المجال النيابي ، بل شملت طريقة تعامل الفاعلين السياسيين والحقوقيين مع القضية الوطنية والتي جعلتهم يعتبرون الدفاع عنها مسئولية الملك وحده . والمقاربة الجديدة التي يتوجب التعامل وفقها مع قضيتنا الوطنية تقتضي جعلها قضية الجميع ، من جهة ، ومن أخرى وضعها في السياق الإقليمي والدولي بسبب ارتباط الانفصال بالإرهاب والتهريب في منطقة الساحل والصحراء ، الأمر الذي بات يتهدد الأمن الدولي ويفرض التعجيل بتفكيك مخيمات البوليساريو التي غدت مأوى ومشتلا للعناصر الإرهابية . ولن يتم هذا إلا بالضغط الدولي على الجزائر للانخراط في مفاوضات جادة على قاعدة المقترح المغربي .