الأحزاب السياسية والمراكز الحقوقية بين خلط الأوراق وتحديد الأدوار


إلهامي الميرغني
الحوار المتمدن - العدد: 4243 - 2013 / 10 / 12 - 10:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     


منذ منتصف التسعينات دخلت التعددية الحزبية المقيدة في عهد مبارك أزمة جعلت الجماهير تنفض عن غالبية الأحزاب التي ينظم عملها القانون رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته.ليبقي الحزب الوطني وجماعة الأخوان المسلمين فقط يتصارعون في النقابات المهنية ومجلس الشعب.واختفت غالبية أحزاب اليسار السرية.
كما ظهر خلال نفس الفترة مجموعة من الجمعيات الأهلية والمراكز الحقوقية التي تعمل علي الحقوق المدنية والسياسية وكشف التجاوزات السياسية والتعذيب ورصد الانتهاكات في السجون وأقسام الشرطة والتقاضي لدعم الحقوق المدنية والسياسية، وهو ما دفع الحكومة إلي إصدار القانون 153 لسنة 1999 لتقييد الجمعيات الأهلية والذي سقط بعد عام من صدوره ليحل محله القانون رقم 84 لسنة 2002 والذي يجري تعديله حالياً.
واستطاعت الجمعيات والمراكز الحقوقية استيعاب العديد من كوادر اليسار والذين تحول العديد منهم من مناضلين إلي نشطاء،واتسعت الظاهرة بظهور جمعيات ومراكز حقوقية تهتم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
أما النقابات العمالية فقد كانت مصادرة بالقانون رقم 35 لسنة 1976 وتعديلاته ، وكانت النقابات العمالية خاضعة بالكامل لسيطرة الأجهزة الأمنية.وفي آخر دورة نقابية تم شطب أكثر من 27 ألف نقابي وحرمانهم من الترشيح للانتخابات العمالية. كما تمت مصادرة العمل بالنقابات المهنية نتيجة سيطرة قيادات جماعة الأخوان المسلمين علي العديد من النقابات المهنية وهو ما دفع نظام مبارك لإصدار القانون رقم 100 لسنة 1993 والذي جمد العمل بالنقابات المهنية حتى صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته قبل الثورة بأسابيع قليلة.
أما التعاونيات فهي أيضا مكبلة وخاضعة لسيطرة الدولة والأجهزة التنفيذية وتنظمها عدة تشريعات تعرقل انطلاق الحركة التعاونية وتحد من حركتها وتكبلها بالقيود.
عندما نجح إضراب موظفي الضرائب العقارية في تحقيق مطالبه بعد الإضراب والاعتصام لأكثر من 11 يوم أمام وزارة المالية ، ولدت أول نقابة عمالية مستقلة للضرائب العقارية.أعقبها تأسيس نقابة أصحاب المعاشات ونقابة المعلمين المستقلة ثم نقابة الفنيين الصحيين قبل انطلاق ثورة يناير بأيام.
كل هذه المنظمات تعتبر منظمات مجتمع مدني سواء الأحزاب السياسية أو الجمعيات الأهلية والمراكز الحقوقية أو النقابات أو التعاونيات.لكن البعض يقصر تعبير منظمات المجتمع المدني علي الجمعيات والمنظمات الحقوقية فقط وهو خطا شائع.
وإذا كان التقسيم الطبقي للمجتمع الرأسمالي هو البوصلة التي تحكم حركتنا وتحدد توجهاتنا فإن موقفنا من المجتمع المدني تتحدد وفق التوجهات الطبقية لهذه التنظيمات وانحيازها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
هذه كانت الأوضاع في مصر قبل 25 يناير 2011 . ولكن تغيرت الأوضاع كثيراً بعد الثورة بظهور الائتلافات الشبابية واللجان الشعبية والمبادرات الجماهيرية كأشكال للتنظيم الاجتماعي لشباب الثورة الذي جاء من منطلقات طبقية متعددة لا يحمل توجه أو رؤية اجتماعية واضحة وليست له خبرات سياسية سابقة ، ويري أن الأحزاب ـ أحزاب ما قبل 25 يناير – هي جزء من النظام السياسي لمبارك.
الأحزاب السياسية
شكلت القوي السياسية حوالي 24 حزب سياسي حتى عشية ثورة 25 يناير أبرزها الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يرأسه الرئيس مبارك وكان وريث حزب مصر العربي الاشتراكي والذي هو وريث الاتحاد الاشتراكي التنظيم السياسي لثورة 23 يوليو. ثم حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي الذي تأسس عند بناء منابر سياسية داخل الاتحاد الاشتراكي عام 1976 ثم تحول لحزب اليسار.
كما استطاع حزب الوفد انتزاع حكم قضائي بعودته للحياة السياسية عام 1978 ، وحزب العمل الاشتراكي 1978وكذلك الحزب العربي الديمقراطي الناصري عام 1992. كذلك كان لدينا عدد من الأحزاب الهشة مثل حزب الأمة ، حزب الجيل الديمقراطي، حزب شباب مصر.
وكان معظم هذه الأحزاب مرتكز علي التوجهات السياسية والبحث عن مشاركة في السلطة بينما كان حزبي التجمع والعربي الناصري يملكون نفوذ وسط الطبقة العاملة والفلاحين تآكل بدخولهم في شراكة مع السلطة الحاكمة وتحولهم إلي جزء من العملية السياسية ومحلل سياسي لاستبداد السلطة وهو ما تجلي في انتخابات المحليات الأخيرة ثم انتخابات برلمان 2010 المزورة.
وولد في قلب هذه التعددية المقيدة أحزاب ليبرالية حاولت إيجاد وضع سياسي متميز لها تمثل في حزبي الغد والجبهة الديمقراطية والتي جذبت قطاعات شبابية كانت تبحث عن مخرج وسط الحياة الحزبية المكبلة والمحرومة من ممارسة السياسة والعمل في الشارع دون التنسيق مع الأجهزة الأمنية والتي كانت تسمي أحزاب الجريدة والمقر والتي انفضت عنها عضويتها الفاعلة خاصة من العمال والفلاحين.
بعد 25 يناير وتفتح رئات الشعب المصري للحياة السياسية والمشاركة في صنع القرار وميلاد أشكال جديدة من التنظيمات الشبابية،ولد عدد كبير من الأحزاب حتى أصبح لدينا أكثر من 83 حزب سياسي عند قيام ثورة 30 يونيو.بل أن الأحزاب التي عجزت عن انتزاع مشروعية عملها بأحكام قضائية قبل الثورة نجحت في اكتساب الشرعية القانونية بعد يناير مثل حزبي الكرامة الناصري والوسط الإسلامي.
كما تميزت التعددية الحزبية بعد 25 يناير بظهور العديد من الأحزاب الإسلامية مثل الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الأخوان المسلمين،والنور السلفي الذراع السياسي لجماعة الدعوة السلفية،وحزب البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الإسلامية الجهادية وعدد من الأحزاب الإسلامية وبعض الأحزاب المسيحية مثل حزب الحياة وحزب الاتحاد المصري.
أصبح في مصر 83 حزب سياسي غالبيتها أحزاب ليبرالية تعتمد نفس توجهات النظام الاقتصادية والاجتماعية وتطرح تحسينات سياسية باستثناء بعض الأحزاب التي تطرح ملامح إصلاحات اجتماعية في إطار النظام الرأسمالي مثل حزبي الدستور والديمقراطي الاجتماعي.وعدد من الأحزاب الإسلامية الداعية لدولة قائمة علي سيطرة الدين علي الدولة والحياة.وعدد محدود من الأحزاب اليسارية أهمها حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أول حزب اشتراكي علني في مصر منذ العشرينات ، وحزب الكرامة الناصري.
كما أعلنت بعض الأحزاب عن وجودها وعجزت عن تجاوز شرط وجود 5000 توكيل لإعلان الحزب مثل الحزب الشيوعي المصري والحزب الاشتراكي المصري وحزب العمال والفلاحين. وفضلت منظمة الاشتراكيين الثوريين أن تعمل كمنظمة ، كما فكر تنظيم الديمقراطية الشعبية في تأسيس حزب سياسي ثم تراجع عن الفكرة.
بذلك نجد إننا أمام حزبين لليسار في مواجهة 81 حزب ليبرالي وإسلامي وتلك هي المعضلة الأولي.
أزمة الأحزاب السياسية الجديدة
ولد أكثر من 60 حزب سياسي بعد ثورة 25 يناير واستنزفت الطاقة الحزبية في تجميع التوكيلات والحصول علي الشرعية القانونية.وانضم الكثير من شباب الثورة للأحزاب ليس بناء علي رؤية أو برنامج سياسي بقدر ما اعتمدت علي كفاحية التواجد في اعتصامات الميادين والمواجهات مع المجلس العسكري.وفي حالات أخري لأن أحد الأصدقاء انتمي لهذا الحزب أو ذاك فتبعته باقي " الشلة ".
وقبل أن تبلور الأحزاب برامجها السياسية وترسخ قواعدها الحزبية وتبني مرتكزات جماهيرية حقيقية،أعلن عن معركة انتخابات مجلس الشعب وتشكلت تحالفات تغيرت وتبدلت،وقامت الأحزاب بضم عضويات قد تتعارض مع توجهات الحزب لكسب مقعد هنا ودائرة هناك. بعض الأحزاب الليبرالية ضمت عناصر من الحزب الوطني واستنزفت الأحزاب في معركة الانتخابات وهي لم تستكمل مقومات وجودها.
ثم جاءت معركة انتخابات الرئاسة لتمزق الأحزاب الغير مكتملة النمو ( المبتسرة ) وتقسمها بين عدد من مرشحي الرئاسة.وقد كان لليسار أربعة مرشحين للرئاسة بخلاف من صوت لأبو الفتوح أو لعمرو موسي بل وللفريق أحمد شفيق.
بدخول معارك البرلمان والرئاسة وتراجع اعتصامات الميادين حدث حراك شبابي كبير بين الأحزاب لازالت تدعياته مستمرة حتى الآن،خاصة بعد 30 يونيو والموقف من المصالحة مع الأخوان والموقف من احتمالات عودة الاستبداد السياسي ضمن ما يسمي بمعركة مواجهة الإرهاب.
وتتمثل أهم ملامح أزمة الأحزاب الجديدة فيما يلي:
1. عدم استكمال بلورة الرؤية والبرنامج السياسي وتحديد التوجه الأساسي وهل المستهدف إصلاحات من داخل النظام الرأسمالي أم وضع أسس بناء اقتصادي واجتماعي جديد.
2. التأخر في تثقيف الشباب وتوعيتهم وتعريفهم بدور الحزب السياسي ومهمته والفرق بينه وبين أشكال التنظيم الاجتماعي الأخرى.
3. العجز عن إيجاد آليات مناسبة لاستيعاب طاقات الشباب واحتوائهم ومشاركتهم في القيادة بما يساهم في وضع أسس بناء حزبي جديد يملك إمكانيات التوسع والاستمرارية.
4. أزمة مالية تواجه الأحزاب التي لا تضم رجال أعمال كبار أو لا تحصل علي تمويل لنشاطها.
5. غياب أدوات التواصل الجماهيري مثل القنوات الفضائية والصحف اليومية والمجلات.بل أن الأحزاب التي تتوفر لديها أموال مثل المصريين الأحرار والدستور والديمقراطي الاجتماعي لا توجد لديها أدوات تواصل جماهيري واعتمادها علي نجوم سياسيين ومقرات منتشرة وتمويل مفتوح.
6. غياب المنظمات الجماهيرية المحيطة بالحزب والقادرة علي استيعاب الجمهور علي اختلاف مستويات وعيه الطبقي.
7. غياب قيم العمل الحزبي وشيوع الاتجاهات لصيغ التنظيمات المفتوحة العابرة للأحزاب والتي لا توجد أي التزامات علي أعضائها.
8. حداثة التجربة الحزبية وضعف القواعد التنظيمية المنظمة للعمل وإيجاد حالة من السيولة السياسية والتنظيمية التي تضعف بل وتشل الآلية الحزبية.
هذه بعض ملامح الأزمة التي تعانيها الأحزاب السياسية بعد 30 يونيو خاصة وقد بدأ البعض منها الاستعدادات لخوض معركة الانتخابات البرلمانية القادمة،بل وطرح مرشحين لانتخابات الرئاسة القادمة قبل أن يصدر الدستور الجديد.
خلط الأوراق
يعد خلط الأوراق والأدوار بين الأحزاب السياسية وباقي منظمات المجتمع المدني خاصة كالجمعيات والمراكز الحقوقية والنقابات العمالية والمهنية أحد أهم المخاطر التي تهدد مستقبل التعددية السياسية في مصر بعد الثورة.
لأن الكثير من الجمعيات والمراكز الحقوقية تعمل علي مشاريع ممولة وبالتالي تحشد جماهير مدفوعة الأجر.بحيث أصبح الجمهور النشط يسأل عن بدل الحضور قبل المشاركة وتحول العمل السياسي التطوعي الذي كان يقود إلي مباحث امن الدولة والمعتقلات وضياع المستقبل والتضحيات الكبرى قبل الثورة.إلي بحث عن نشاط ممول ، حتى القادة تحول بعضهم من مناضلين إلي نشطاء.
وقد زاد من عمق الأزمة أن الثورة جعلت العديد من قادة الجمعيات والمراكز الحقوقية ينخرطون في الأحزاب الجديدة وأصبح البعض لا يفرق بين العمل الحزبي والعمل الحقوقي.بل بدلاً من استفادة الأحزاب من وجود قيادات العمل المدني بها، أصبح هناك خلط في أساليب العمل التي نقلت وسائل الحركة من المنظمات الأهلية إلي اللجان الحزبية رغم تغير الهدف والوسائل والأساليب.وضاعت قيم العمل الحزبي وسط الخلط بمفاهيم العمل الأهلي الحقوقي.
وبدلاً من أن تكون الجمعيات والمراكز الحقوقية داعمة للأحزاب ، أصبحت تنازعها نفس الأدوار بما انعكس بمزيد من الضعف علي الأحزاب السياسية وعضويتها الجديدة وهياكلها الضعيفة.
كما إن الجمعيات والمراكز الحقوقية تعمل علي قضايا جزئية وحقوق مجزأة بينما تعمل الأحزاب السياسية علي القضايا العامة الشاملة وتسعي للتغيير السياسي علي عكس المنظمات الحقوقية.أما علي مستوي الوسائل والأدوات فتعمل المنظمات الحقوقية من خلال آليات الرصد والتقارير والتقاضي ودعم قدرات التنظيمات الجماهيرية واستخدام الآليات الدولية.بينما تعمل الأحزاب السياسية علي حشد وتعبئة الجمهور وتحركه للدفاع عن حقوقه وتغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية وفرض رؤيته وتوجهاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
كما تستخدم بعض الأحزاب آليات الرصد والتقاضي والتي تخص المنظمات الحقوقية،بينما تستخدم المنظمات العمل مع المنظمات الجماهيرية كالنقابات واللجان الشعبية.وقد ساهمت بعض هذه المنظمات الحقوقية في إشاعة الخوف من العمل الحزبي والسياسي المحفوف بالمخاطر في مواجهة العمل الحقوقي المأمون العواقب.وهو ما ساهم مع عوامل أخري في الحديث عن دعم الأشكال العابرة للأحزاب والعابرة للطبقات،أو الشبكات وفق المفاهيم الحقوقية وليس التحالفات السياسية والضغط الشعبي والتغيرات الجذرية.
كذلك بدأت تظهر لدي بعض قطاعات الشباب من اللجان الشعبية والائتلافات الشبابية رغبة في تأسيس مراكز حقوقية وجمعيات أهلية،وتحويل العمل إلي مشاريع ممولة رافضة للسياسة ورافضة للأحزاب.
نفس الوضع ينطبق علي النقابات المستقلة والتي يري البعض أنها جزء من الأحزاب السياسية وبالتالي تفقد دورها المتميز في الدفاع عن الحقوق العمالية. لذلك يجب التفرقة ما بين مكاتب العمال خاصة في الأحزاب الاشتراكية والتي تضم أعضاء حزبيين وأصدقاء للحزب السياسي بكل توجهاته السياسية والاجتماعية. وبين النقابة العمالية التي يجب أن تعبر عن مصالح كل عمال المنشأة بغض النظر عن انتمائهم السياسي ولكن علي أساس علاقات العمل والاستغلال الاجتماعي المشترك التي يتعرضون لها. كما أن غالبية النقابات التي تأسست بعد 25 يناير هي نقابات خدمات وقطاع خاص غير منظم تفتقر لصاحب العمل المشترك ومكان العمل الواحد مما فاقم من أزمتها.

حركات الشباب
ظهر اتجاه بين بعض شباب اللجان الشعبية والائتلافات الشبابية أن الأحزاب السياسية تسطو علي جهود الشباب وتنسبه لنفسها.وللأسف فقد لعبت الفضائيات دور في صنع قيادات وهمية رأت نفسها أقوي واهم من الأحزاب.لكن الأخطر من كل ذلك هو تولد تيار معادي للسياسة ومعادي للأحزاب السياسية .
منذ أسابيع دعيت لحضور اجتماع مع بعض المبادرات الشبابية وفجعت من تأكيد قادة المبادرة أنهم غير سياسيين،ولا يتبعون أي حزب سياسي،وأنهم يعملون من اجل مصر ككل بدون لافتات حزبية.
وعندما ناقشتهم حول موقفهم من الحد الأدنى والأعلى للأجور،وقضية تحويل الدعم العيني إلي دعم نقدي،والموقف من النظام الضريبي وهل يريدون حكم محلي أم إدارة محلية وجمهورية رئاسية أم برلمانية،فوجئت أنهم لا يوجد لديهم موقف واضح ويطرحون أنفسهم باعتبارهم شباب الثورة الذي ضحي ومن حقه أن يحكم بعيداً عن الانتماءات الحزبية التي تفرق بين الناس.ويفاقم من هذا الانحراف الجيلي وجود بعض الكتاب ونجوم الفضائيات الذين يشنون هجوم متواصل علي الأحزاب السياسية ويتهمونها بالضعف وتمزيق الأمة.فيدفعون الشباب للهروب منها والتمرد عليها نحو أشكال فضفاضة عابرة للأيدلوجيات وبعيدة عن المواقف الحاسمة وهو ما يناسب الميول الشبابية التحررية.
أزمة الأحزاب وبناء رؤية جديدة
تعاني الأحزاب من الخلط الموجود في الأدوار بينها وبين الجمعيات والمراكز الحقوقية وغياب العمل التطوعي،وسيادة العمل المدفوع واجتماعات الفنادق الكبرى والسفر للخارج والداخل ونجوم الفضائيات.
وكذلك بينها وبين النقابات العمالية المستقلة ببنيانها الهش وفقدانها لطرح المطالب الاقتصادية العامة وخضوعها للمطالب الجزئية والفرعية واستغراقها في النضال المطلبي والقانوني وبما يفقدها تمايزها الطبقي وتأثيرها السياسي.
وكذلك مواجهة حركة العداء للسياسة والأحزاب السياسية كما حدث من بعض الشباب في تحركات ذكري مذبحة ماسبيرو منذ أيام ، ورفض رفع رموز حزبية أو أعلام حزبية.لذلك تواجه الأحزاب السياسية وفي القلب منها الأحزاب الاشتراكية تحديات كبري تؤثر علي مستقبلها خاصة وهي تعمل تحت قصف النيران وتخرج من معركة إلي معركة ومن اشتباك إلي آخر .
ففي ظل استحقاقات معركة الدستور الجديد ، تتشكل الجبهات لانتخابات مجلس الشعب القادم وبناء التحالفات الانتخابية ، وبدلاً من تعميق الرؤية الحزبية والبناء التنظيمي يطرح البعض مرشحين محتملين لانتخابات الرئاسة ليزيد الاختلاف والانقسام داخل الأحزاب .
وبدلاً من بناء منظمات وقيم حزبية وتدعيم دور الحزب السياسي في التغيير الجذري،يثير البعض نعرات جيليه تقسم الأحزاب وتدفع الشباب للتمرد علي الهياكل التنظيمية ودفعهم نحو العمل الحر الغير مقيد.
لذلك فإن واجب الأحزاب الاشتراكية التي تسعي لتغيير اجتماعي حقيقي أن تضع الرؤية والبرنامج السياسي كأساس لتوجهها وجذب عضويتها وبناء تنظيماتها، وتحديد موقفها من السلطة السياسية والتحالفات السياسية والانتخابية.كما أن استكمال البناء الحزبي ودعم اللجان المحلية ولجان المحافظات وبناء الديمقراطية التشاركية من أسفل يضع انتخابات البرلمان في مرتبة تالية أمام بناء التنظيمات القاعدية والمشاركة في الإدارة من المدرسة والوحدة الصحية والمجلس المحلي للقرية والحي،وبناء الأحزاب علي أساس يضفر بين السياسي والجماهيري والتنظيمي ، ويبني قيادات محلية قادرة علي المنافسة وانتزاع مقاعد البرلمان بل والمنافسة الحقيقية علي الانتخابات الرئاسية.
إن العمل السياسي الحزبي المنظم يفرض قواعد والتزامات ، ويعتمد علي العمل التراكمي الطويل النفس البعيد عن كاميرات الفضائيات وصفحات الصحف ويبني نفوذ سياسي وتنظيمي وجماهيري قادر علي المنافسة علي السلطة وطرح بديل متبلور وحشد الطبقات صاحبة المصلحة لفرضه.
ومن ثم يصبح واجب الحزب السياسي أن يضع خطة شاملة للتغير تستخدم المنظمات الحقوقية والنقابات والجمعيات الأهلية والتعاونيات واللجان الشعبية والائتلافات الشبابية والروابط كروافع داعمة لحركتها من اجل انتزاع السلطة السياسية وهو هدف الحزب السياسي المختلف مع كافة الأشكال التنظيمية الأخرى . فمن هنا نبدأ باتجاه التغيير الجذري.

إلهامي الميرغني
12/10/2013