هل يفيد أوربا تشددها القانوني لمواجهة التشدد الديني ؟


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4223 - 2013 / 9 / 22 - 20:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

بقدر ما تستهوي أوربا ، بقوانينها التي تحمي الحريات الفردية ، الجالية المسلمة بالاستقرار فيها ، بقدر ما يسيء الإسلاميون المتشددون إلى بلدان الإقامة بممارساتهم الشاذة التي تضعهم في صدام مع القوانين ومع العرف العام . مناسبة هذا الحديث صدور حكم عن أعلى محكمة مختصة بالنزاعات العامة والإدارية في ألمانيا يوم 11 سبتمبر 2013 يلزم الفتيات المسلمات بالانضمام إلي البنين في حصص تعليم السباحة بالمدارس بحيث لا يمكن استثناء الطالبات المسلمات من حصص السباحة شريطة أن يسمح لهن بارتداء "البوركيني". ويشير هذا الحكم إلى أن التزام الدولة بمقتضى الدستور بتوفير التعليم للأطفال يمكن أن تكون له الأسبقية على العادات والممارسات المرتبطة بالمعتقدات الدينية للأشخاص. وتعود جذور هذه القضية إلى دعوى قضائية أقامتها فتاة مسلمة من أصول مغربية تتلقى تعليمها في مدرسة بولاية هسه في غرب ألمانيا. وحاول والداها لسنوات استثناءها من دروس السباحة مع البنين ولم يكن سنها يتجاوز 11 عاما . وهذه القضية تضع الحكومات الغربية والجالية الإسلامية أمام إشكاليات قانونية وثقافية ودينية . ذلك أن المسئولية المباشرة تتحملها الحكومات الأوربية ومعها نظيراتها العربية . بخصوص المسئولية الأوربية فإنها ذات بعدين : بُعد تشريعي/قانوني وبعد سياسي . فأما الأول يتجلى في الضمانات القانونية التي تسمح لشيوخ التطرف بنشر عقائدهم الضالة والمحرضة على الكراهية بكل حرية ودون أدنى متابعات قضائية بحجة ضمان حرية التعبير . ففي بلجيكا مثلا سمحت القوانين هناك بتأسيس جمعية دينية متشددة تحت اسم "الشريعة من أجل بلجيكا"، كما سمحت لرئيس الجمعية فؤاد بلقاسم، أن يعلن في ندوة صحفية (يونيو 2012) عن دعوته إلى الكراهية ضد الشعب البلجيكي بقوله "ليس لدينا ذرة احترام واحدة تجاهكم أيها الكفار... ديننا وطريقتنا في الحياة أسمى من دينكم وطريقتكم".ولا شك أن تكاثر الجمعيات المتشددة وفقه التطرف الذي يبثه الدعاة في كل مكان بأوربا ، سيكون لهما تأثير مباشر على سلوك ومعتقدات فئات واسعة من الجالية المسلمة ، وضمنها أسر التلميذات التي تمنعهن من مزاولة حصص التربية البدنية أو دراسة بعض المواد المقررة في المناهج الدراسية . أما البعد السياسي فيشمل البرامج الحكومية التي لا تجعل من أولياتها إدماج الجالية المسلمة في النسيج الاجتماعي والثقافي بما يحافظ على الخصوصية الدينية ولا يصادم قيم المجتمعات المستقبِلة . بل إن البرامج الانتخابية تساير النزعات اليمينية ذات الميول الإقصائية ؛ الأمر الذي يدفع الجاليات إلى مزيد من الانغلاق والتطرف بسبب تزايد مشاعر الكراهية والخوف من فقدان الهوية . وهذا ما تعبر عنه الجاليات المسلمة بمزيد من التشبث بما تعتبره قيما وتعاليم دينية ، كما هو الشأن بارتداء النقاب . طبعا لا يمكن للحكومات الغربية أن تستسلم لهذا المد المتشدد في فهم الدين والساعي إلى فرض أعراف البداوة على المجتمعات الأوربية التي لا تمثل تلك الأعراف جزءا من ثقافتها أو تراثها ؛خصوصا وأن أحزاب اليمين تزداد قوة وانتشارا . لهذا تلجأ الحكومات الأوربية إلى تشديد قوانينها تدريجا تبعا للأوضاع التي تترتب عن السلوكات المتشددة للجالية المسلمة ؛ ومنها مثلا ارتداء النقاب في الأماكن العمومية ، أو إذاعة الأذان عبر مكبرات الصوت من أعلى المآذن .ومن تلك القوانين التي اضطرت الحكومات الأوربية لوضعها : 1 ـ مصادق البرلمان السويسري (2011) على قانون يحظر لباس البرقع أو أي غطاء للوجه في بعض الأماكن العمومية بما فيها وسائل المواصلات العامة.
2 ـ حظر البرقع والنقاب في هولندا(2011) بحجة أن "الألبسة التي تغطي الوجه تخالف في جوهرها طبيعة العرف العام الذي يجب أن نلتقي به مع الآخرين على قدم المساواة".
3 ـ إقرار المجلس الدستوري الفرنسي قانون منع ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة، معتبرا القانون المحال إليه "متوافقا مع الدستور".
4 ـ حظر البرقع والنقاب في بلجيكا وألمانيا في الأماكن العمومية والمؤسسات التعليمية .
5 ـ حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا من خلال تعديل المادة 72 من الدستور السويسري التي تحكم العلاقات بين الدولة والديانات.
أما مسئولية الحكومات العربية ، وخاصة الحكومة المغربية ، فتتجلى في الضعف البيّن إن لم لكن الإهمال التام على مستوى التأطير الديني للجالية ؛ الأمر الذي يتركها عرضة للاستقطابات المذهبية وضحية للعقائد الضالة والمتشددة .ولعل تورط أعداد مهمة من هؤلاء في مخططات إرهابية ضد المغرب أو بلدان أخرى دليل على غياب هذه الإستراتيجية . ذلك أن الحكومة المغربية لا تتوفر على إستراتيجية واضحة للتأطير الديني لمغاربة العالم . وكان على وزارة الأوقاف المغربية أن تحسن استثمار موقف الأزهر من ارتداء النقاب الذي اعتبر ارتداءه ليس فرضا إسلاميا و "لا سند في القرآن أو السنة للنقاب" ، لتحصن أفراد الجالية من الفتاوى المتطرفة التي تصادمها مع قوانين دول الاستقبال .