من حافة الحرب على سوريا...إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل!


عصام مخول
الحوار المتمدن - العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 00:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الدبلوماسية الروسية تلوي آلة الحرب الامريكية:
من حافة الحرب على سوريا...إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل!


يبدو أن الحكومة الاسرائيلية، والتي كانت ولا تزال الاكثر حماسا في التهويش لجر الولايات المتحدة لتنفيذ عدوانها على سوريا، والتي لم تحاول إخفاء رغبتها الجامحة لتوسيع الحرب لتشمل ايران وحزب الله، حتى لو امتدت لتصبح انفجارا عالميا، هي الاكثر إحباطا وخيبة من تراجع قرع طبول الحرب.

إن القوى السياسية والتنظيمات السلامية المعنية، والشخصيات الناشطة في المجال مدعوة للانضمام الى جهود اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي بادر اليه معهد إميل توما في ديسمبر القادم في من أجل الدفع نحو منطقة خالية من الاسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط.



قد يشكل نجاح الدبلوماسية الروسية في نزع فتيل الحرب على سوريا نقطة انعطاف، ونموذجا في التعامل مع ملفات ملتهبة أخرى في المنطقة. فقد برزت الدبلوماسية الروسية في الاسابيع الاخيرة مرة أخرى وهي تتصرف بمنطق الكبار، ومسؤولية الدولة العظمى، فتحول دون اندلاع لهيب الحرب من جهة والتورط فيها. وتنتزع من قلب الازمة المحدقة، والأجواء الموتورة المحيقة بها، ما يمكن ان يتحول الى فرصة تاريخية، ليس لفك فتيل الحرب فقط، بل لبداية واقع جديد في العلاقات الدولية، ونموذج يمكن اعتماده لحل مسألة أسلحة الدمار الشامل في منطقة قابلة للاشتعال حول هذه المسألة تحديدا.
وعلى الرغم من التفاوت في الظروف وفي طبيعة النظام، فإن نجاح الدبلوماسية الروسية اليوم بنزع فتيل الحرب الامبريالية على سوريا، يعيد الى الاذهان أداء الاتحاد السوفييتي السياسي، إبان أزمة الصواريخ في كوبا في أكتوبر عام 1962، حيث نجحت الدبلوماسية السوفييتية في حينه في منع الحرب بعد ان راوح العالم على شفا هاوية حرب نووية عالمية، لقد كان ذلك ممكنا في حينه، بعد أن وافق الاتحاد السوفييتي على سحب صواريخه النووية التي نصبها في كوبا، ردا على تهديدات الولايات المتحدة بغزو كوبا والقضاء على ثورة فيدل كاسترو. وكانت النتيجة أن الدبلوماسية السوفييتية حفظت السلم العالمي، ومنعت نشوب حرب عالمية نووية من جهة، وهي في الوقت نفسه، شكلت ضمانة لتثبيت كوبا وثورتها الاشتراكية وصمودها، جزيرة للحرية، وشوكة في حلق الامبريالية الامريكية، وخميرا للحركة الثورية في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية حتى اليوم. وضمنت الدبلوماسية السوفيتية قيام أمريكا بسحب صواريخها النووية التي سبق ونشرتها في الاراضي التركية على حدود الاتحاد السوفييتي من الجهة الاخرى.
وسيسجل التاريخ للدبلوماسية الروسية نجاحها هذا الاسبوع في ترويض العدوانية الامريكية وإرباكها، في وقت كانت كل الدلائل تشير، الى أن آلة الحرب الامريكية ماضية نحو حرب عدوانية خطيرة محققة على سوريا. وكان مبرر الحرب الزائف، هو اتهام الجيش السوري باستعمال السلاح الكيماوي ضد المدنيين في غوطة دمشق نهاية الشهر الماضي من دون توفير أي دليل على ذلك، وفي أشبه ما يكون بمنطق "عنزة ولو طارت"..
لكن جوهر هذا العدوان وما كان يبتغيه، هو تغيير توازن القوى في الحرب الدائرة في سوريا وعليها، لصالح قوى الارهاب العالمية التي ترعاها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، من تركيا وإسرائيل وحتى السعودية وقطر. إن الهدف الحقيقي وغير المعلن للحرب العدوانية التي كادت الولايات المتحدة تشعل فتيلها، هو القيام بتدخل عسكري امبريالي سافر ومباشر، يقصم ظهر الجيش السوري ويشل قدرته على المضي في إنزال الهزائم بقوى الارهاب العميلة لأمريكا وعكاكيزها في المنطقة. ولم يكن من قبيل الصدف أن تعلن وكالة المخابرات الامريكية (السي.آي. إيه) رسميا، قرارها تكثيف تزويد الارهابيين في سوريا بالأسلحة الامريكية المتطورة ردا على تراجع العدوان وبديلا عنه. لقد قامت دول الناتو وأنظمة العمالة لأمريكا في المنطقة باستجلاب عشرات ألوف المقاتلين الارهابيين، المنتمين الى القاعدة وجبهة النصرة وكل انواع الجهاديين وقامت بتسليحهم وتمويلهم، وزجهم على الساحة السورية، لتنفيذ مشروع تدمير سوريا وتفكيكها إثنيا ودينيا ومذهبيا، وإخراجها خارج حساب القوى الفاعلة في المنطقة.
إن رعب الادارة الامريكية وحلفائها من تطور الصراع في سوريا، ليس نابعا من مصير أعوانهم من قوى الارهاب فحسب، ولا من استعمال السلاح الكيماوي، وإنما بالأساس من تداعيات انتصار النظام السوري وحلفائه الاقليميين والعالميين في المعركة الدائرة في سوريا وعليها، وانعكاس ذلك على مشاريع الهيمنة الامبريالية والإسرائيلية في المنطقة، وعلى زعزعة مواقع أنظمة العدوان والتبعية والرجعيات العربية والإسلامية الموالية للولايات المتحدة في المنطقة، واهتزاز وزن هذه الانظمة في المعادلات الاقليمية، وانعكاس هزيمة مشروعهم على مجمل النظام العالمي الذي تستميت الولايات المتحدة من أجل أن يبقى نظام القطب الواحد.





*في العدوان على العراق تكرس نظام القطب الواحد
فهل تهاوى في العدوان على سوريا!*



لقد سبق وأشرت منذ آذار 2011 الى حقيقة أنه إذا كان النظام العالمي الجديد، نظام القطب الواحد قد ولد وتكرّس في حرب العراق، تحت بساطير جيش الغزو الأمريكي للعراق، فإن من المفارقات أن نظام القطب الواحد مرشح للانهيار على صخرة صمود سوريا وتماسكها دولة وجيشا وشعبا، في وجه الهجمة الارهابية لتحطيم هذا البلد وتفكيكه. واذا كان الدعم الذي قدمته روسيا لسوريا ماديا وعسكريا وسياسيا، ورفضها تمرير المخططات الامريكية، قد دفع بروسيا الى مكان مرموق على الساحة الدولية، فان الاداء الروسي في الازمة الاخيرة، ونجاحها في منع العدوان على سوريا، قد كرّس حضور روسيا نهائيا دولة عظمى في نظام عالمي متعدد الأقطاب. واذا كان صحيحا أن المساعدة الروسية كانت عاملا في الصمود السوري، فإن الصمود السوري كان عاملا مساعدا ومحفزا في بروز دور روسيا والصين، وشرطا ضروريا في زعزعة أسس نظام القطب الواحد ونضوج بوادر نظام عالمي متعدد الاقطاب.
إن تراجع الادارة الامريكية عن عدوانها، وارتباك خطواتها، واضطرارها الى التعامل بجدية مع المبادرة الروسية، أسهم في فضح مواقف ومواقع القوى العالمية والإقليمية والمحلية الفاعلة من الازمة السورية، وأسهم في فضح المصالح التي غذت الازمة وحركت الحرب الارهابية في سوريا وعليها، وخصوصا دور اسرائيل التي تدعي أنها تنأى بنفسها عن الصراع الدائر في سوريا.



*ما الذي يجعل إسرائيل "تبلع ريقها"؟*



ولم يكن من قبيل الصدف أن يشير موقع "تيك دبكا"، الاسرائيلي، والمتنفذ لدى الدوائر الامنية والمخابراتية الاسرائيلية والغربية (1292013)، إلى أن:
"الهدف الذي وضعه رئيس الحكومة نتنياهو بتفكيك محور إيران – سوريا – حزب الله أو إضعافه على الاقل، قد حقق نتيجة معكوسة تماما. فبعد الغاء الهجوم الامريكي على سوريا لم يحدث غير ازدياد هذا المحور قوة وتماسكا. فالآن وقد زال خطر الهجوم الامريكي عنه، فإن الرئيس السوري سينطلق الى المرحلة التالية في هجومه، وهو احتلال مدينة حلب وتطهيرها من المتمردين"... وتضيف مصادر الموقع: "لقد حاول نتنياهو ووزير الامن يعالون، في الاشهر الاخيرة إقناع الامريكان أن يمنعوا سقوط حلب في يد الاسد بأي ثمن، بحجة أن انتصارا كهذا، يقود إلى انتصار الاسد نهائيا، ومعه إيران وروسيا وحزب الله في الحرب بمجملها " ويضيف المصدر:" والآن وقد فتح الطريق أمام الأسد لتحرير حلب، بينما السلاح الكيماوي لا يزال بين يديه، واضح أن إسرائيل قد خسرت هذه المعركة أيضا ".
ويبدو أن الحكومة الاسرائيلية، والتي كانت ولا تزال الاكثر حماسا في التهويش لجر الولايات المتحدة لتنفيذ عدوانها على سوريا، والتي لم تحاول إخفاء رغبتها الجامحة لتوسيع الحرب لتشمل ايران وحزب الله، حتى لو امتدت لتصبح انفجارا عالميا، هي الاكثر إحباطا وخيبة من تراجع قرع طبول الحرب. إن اسرائيل التي تمحورت سياستها في السنوات الاخيرة الماضية، حول الخطر النووي الايراني، رأت فرصتها التي لا تعوض، في اعتبار التعامل مع السلاح الكيماوي السوري من خلال شن الحرب على سوريا، هو النموذج الذي تصر على مطالبة الولايات المتحدة بإتباعه في الحالة الايرانية أيضا. لقد ربطت اسرائيل بين التعامل مع الكيماوي السوري وبين التعامل مع المشروع النووي الايراني. وسال لعابها وهي تلمح الى أنه إذا كان الرد على الكيماوي السوري يتم بتوجيه ضربة عسكرية أمريكية الى سوريا وتدمير الترسانة الكيماوية السورية، فإن الرد على المنشآت النووية الإيرانية يجب أن يكون بالضرورة، توجيه ضربة عسكرية أمريكية وإسرائيلية الى إيران، وهو حلم حكام اسرائيل الرطب منذ سنوات. إن التعنيف العصبي الذي وجهه نتنياهو أمس للإدارة الامريكية، ردا على تراجع العدوان الامريكي، وإشارته الغاضبة إلى أن:" ما جرى تجاه سوريا (من تراجع العدوان – ع.م)، قد تم التقاطه جيدا في إيران "، وأن "إسرائيل مصممة على الدفاع عن نفسها وعن مصالحها، وقادرة على ذلك اعتمادا على قوتها وحدها ".. هو التعبير الفظ عن خيبة أمل الحكومة الاسرائيلية من نجاح المبادرة الروسية ومنع الحرب على سوريا وتفويت الفرصة لتحييد سوريا وتهميشها نهائيا.




*الحل: منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل..*



لقد قلبت المبادرة الروسية المعادلات في المنطقة، ولم تعد سوريا هي الموضوعة أمام الامتحان، وإنما الولايات المتحدة ومصداقيتها، وحليفتها إسرائيل، في كل ما يتعلق بمسألة أسلحة الدمار الشامل. إن إصرار الولايات المتحدة على تبرير عدوانها من خلال فرية استخدام النظام للاسلحة الكيماوية، في محاولتها شيطنة النظام السوري، جعلها غير قادرة على تجاوز المبادرة الروسية التي ترافقت مع الموافقة السورية على وضع ترسانتها الكيماوية تحت المراقبة الدولية، واستعدادها للتخلص منها. فقد طرحت هذه المبادرة نموذجا فعالا للتعامل مع ملف اسلحة الدمار الشامل ككل، في منطقة الشرق الاوسط وفي العالم.
لقد اضطرت الولايات المتحدة الى لحس اهدافها الحقيقية غير المعلنة لعدوانها الذي اعدت له. واضطرت الى التمحور حول ملف الاسلحة الكيماوية. ونجحت روسيا بسحب الحرب من فكي الادارة الامريكية وحكام اسرائيل، ونجحت سوريا بارتقائها الى مستوى المسؤولية في محاصرة العدوانية الامريكية المتذرعة زورا باستعمال الجيش السوري الاسلحة الكيماوية. وبالمقابل بات واضحا أنه مقابل قبول سوريا بالتخلص من ترسانتها الكيماوية فانها ستحصل من روسيا على اسلحة تقليدية نوعية متطورة، تزيد من قدرات سوريا الدفاعية وتعوضها عن قيامها بالتخلي عن السلاح الكيماوي. ولن يكون مفاجئا، لو تكشف أن روسيا التزمت بتوفير غطاء روسي غير تقليدي فيما لو تعرضت سوريا لتهديد باسلحة الدمار الشامل.. كما أن لمشروع تفكيك أسلحة الدمار الشامل الكيماوية في الحالة السورية، مستحقات على أسلحة الدمار الشامل الاخرى في المنطقة. فالمبادرة الروسية مبادرة جريئة ومتماسكة، والقبول السوري بها جريء وحكيم.. لكن شرط نجاحها يكمن في تعميمها.. وفرضها نموذجا. ولن يكون بالامكان تجاهل الاسس التي وضعتها هذه المبادرة في أية معالجة مستقبلية لأسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط، بما في ذلك، وفي طليعة ذلك في اسرائيل ذاتها.
صحيح أن الرئيس أوباما يربط بين تقدم الاتصالات مع موسكو بشأن السلاح الكيماوي السوري، وبين الاتصالات بشأن السلاح النووي الايراني. وهو يرى ذلك كمنظومة الاواني المستطرقة. بحيث يقود التقدم في الجانب الكيماوي الى تقدم شبيه ومواز في الجانب النووي. وبحيث يكون مستقبل السلاح الكيماوي السوري، مماثل لمستقبل اليورانيوم المخصب والقنبلة النووية الايرانية. لكن هذا الربط لا يمكن ان يتوقف عند هذا الحد. فمنظومة الاواني المستطرقة تكون فعالة فقط إذا تصرفت الولايات المتحدة بمنطق القانون الدولي ومسؤولية الدولة العظمى أسوة بروسيا، واعتبرت أن خيار وضع أسلحة الدمار الشامل تحت المراقبة الدولية في الطريق الى التخلص منها هو حل صحيح وممكن، ولكنه صحيح بشرط واحد، إذا كان يشمل جميع الدول التي تمتلك ترسانة الاسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الاخرى، بما فيها اسرائيل. وعلى هذا يجب ان تدور المعركة الشعبية والدبلوماسية القادمة. هذا هو الاتجاه الذي يفترض السير فيه. إن أحدا في المنطقة لن يقبل بالتسليم باحتكار اسرائيل للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الاخرى. فهل ستنجح الولايات المتحدة في الامتحان عندما تطرح المبادرة من أجل خلق منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط، وعندما تطالب اسرائيل بوضع ترسانتها النووية والكيماوية و البيولوجية تحت الرقابة الدولية للتخلص منها؟
لقد سبق وبادر معهد إميل توما منذ أشهر طويلة الى استقطاب شخصيات وتنظيمات سلامية بارزة، على مستوى العالم وعلى مستوى اسرائيل، لتنظيم مؤتمر دولي في ديسمبر القادم في اسرائيل ذاتها، من أجل الدفع نحو منطقة خالية من الاسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط. لقد كانت هذه المبادرة هامة دائما، ولكنها باتت أكثر أهمية وإلحاحا إزاء الازمة الاخيرة والفرصة التي انتجتها المبادرة الروسية للخروج منها. إن القوى السياسية والتنظيمات السلامية المعنية، والشخصيات الناشطة في المجال مدعوة للانضمام الى جهود اللجنة التحضيرية للمؤتمر. إن منظومة الاواني المستطرقة في مسألة أسلحة الدمار الشامل في المنطقة، لا تتسع لطموح إسرائيل، ولا غيرها في احتكار اسلحة الدمار الشامل، وقد دقت ساعة العمل..