تداعيات العفو الملكي على مغتصب الأطفال


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4179 - 2013 / 8 / 9 - 04:05
المحور: حقوق الانسان     


كان أحرى بالسلطات المغربية أن تقاسم المواطنين شعور المهانة وتتفهم دوافع اﻻ-;-حتجاج ضد قرار العفو على مغتصب براءة الأطفال . فالاحتجاج لم يكن ضد شخص الملك ، بل ضد تمتيع مفترس براءة أطفالنا بالعفو لما فيه من إهانة للوطن وللشعب ولكرامة الضحايا وأسرهم . فأن يواجَه المواطنون بالعنف ضد قرار أعلن بلاغ الديوان الملكي فداحته ، هو جرم يُفقد البلاغ أهميته في تهدئة النفوس وطمأنة القلوب بجدوى الخطوات المعلَنة لإظهار حقيقة الأطراف المتورطة في الإساءة لعلاقة الشعب بالملك .
فباﻷ-;-مس برأت المحكمة الشيخ النهاري من تهمة التحريض على القتل لما أفتى بقتل من ﻻ-;- غيرة له على العرض ، واليوم تنهال العصا على الذين خرجوا للاحتجاج ضد العفو على الوحش الذي انتهك أعراض أطفالنا . أيا كانت الاعتبارات الصحية أو السياسية التي ابتدعها وزارة العدل لتبرير القرار ، فإن كرامة الوطن وأعراض المواطنين تظل فوق كل اعتبار ، بل تكون مرجع كل اعتبار ومنبعه . فالدولة التي لا تغار على أعراض مواطنيها لا تستحق منهم أي اعتبار أو تقدير . لأن كرامة المواطن هي أغلى ما يملك ، وهي عنوان إنسانيته ، مَن فقدَها فقد الشعور بالانتماء إلى الإنسانية التي تكرمها الديانات السماوية والقوانين البشرية . فلا أغلى ولا أعز على المغاربة من كرامتهم ، وقد عبروا عن هذا الاعتزاز بالكرامة والاستعداد التام للموت من أجلها في مثل شعبي يترجم عمق الوجدان المغربي الذي تتساوي فيه التضحية من أجل كرامة الفرد بالتضحية من أجل كرامة الوطن (الواحد يموت على أولادو أو على بلادو) . فالدولة التي لا تحترم مواطنيها في الداخل وتصون حقوقهم لن تستطيع الدفاع عن كرامتهم خارجها ، بل لن تستطيع فرض احترام كرامتهم على دول الاستقبال . لهذا لن تحترم سفارات الدول الأوربية طالبي التأشيرة من مواطنينا وهم على أرض وطنهم وفي حضنه ، فكيف ستكون عليه وضعيتهم وكرامتهم حين يطأون أرضا غير أرض وطنهم ؟ بل المعاملة التي يعامل بها مواطنونا في باب سبتة وغيرها من بوابات المستعمر الإسباني على أرضنا لهي أشد دناءة وحقارة من معاملة العبيد زمن العبودية المقيتة . لا نريد كمواطنين بسطاء غير استرجاع كرامتنا وصيانتها والمعاملة بالمثل . فرعاية الدولة لمواطنيها يجب أن تكون عابرة للحدود وللقارات . هذا حلم ، يفسده الاعتداء على المواطنين وهم يحتجون بكل سلمية ضد قرار العفو على مغتصب أطفالنا ، وتصادره الدولة حين تلغي من اعتبارها ومسئوليتها ما يسمى كرامة المواطن وكرامة الوطن . لن يرضى عنا الأسبان مهما فعلنا ، فهم من احتضن أعداء وحدتنا الترابية ولا زالوا يدعمونهم ﻹ-;-طالة أمد الصراع وأمد التخلف . إسبانيا لا تريد في جنوبها دولة قوية تنافسها على كل المستويات وتزعجها بمطالب استرجاع الثغور المستعمرة . ليس تحريضا مني على معاداة الإسبان ولا على محاربتهم ، فأعلم أن المغرب لا يملك من عناصر القوة ما يسمح له بالتفكير في قرار مماثل ، ولكن قصدي أن تحسن الدولة المغربية استثمار الظروف الاقتصادية التي تمر منها إسبانيا لصالح قضيتنا الوطنية ومصالح الوطن العليا . ليس استغلالا هذا ،بل الدولة مطالبة بمراعاة مصالح الوطن والمواطنين في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع بقية دول العالم .فلا جدال في أن الدولة التي تحتقر مواطنيها وتهينهم لن يمكنها مطالبة الدول المستقبِلة باحترام كرامتهم ؛ إذ كيف لمن يخرق الحقوق أن يطالب غيره باحترامها؟ من هنا فإن قرار العفو على مغتصب الأطفال لا يمس فقط بكرامتهم وهم يرون مغتصبهم حرا طليقا وقد سقطت عنه كل عقوبة أو متابعة ، بل يهز ثقتهم في قدرة الدولة على حمايتهم وضمان حقوقهم . والخطير في كل هذا ، أن يرى الضحايا وأسرهم عنف الدولة وسطوتها على المتحجين من أجل كرامة الأطفال والانتصار لهم ، بينما لا تبدي أية مقاومة أمام الضغط الدبلوماسي الإسباني . سيستبطن الأطفال في ﻻ-;-شعورهم أن الدولة جبانة وقد تتخلى عن حماية كرامتهم عند أدنى تدخل خارجي أو ضغط دبلوماسي أو مجاملة سياسية . ستربي الدولة في مواطنيها بسلوكها هذا الخنوع وتفقدهم الشعور بكرامتهم وبإنسانيتهم ، بل تفقدهم حتى الشعور بقيمتهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين. ومن يفقد الشعور بقيمته سيفقد بالضرورة الثقة بالنفس ثم القدرة على الفعل والإبداع بالتالي .لهذا ، فبلاغ الديوان الملكي لن يعيد الاعتبار للضحايا وأسرهم إلا إذا رافقته الإجراءات التالية :1 ـ فتح تحقيق نزيه تشارك فيه الهيئات الحقوقية وممثلين عن عائلات الأطفال .2ـ محاكمة المتورطين في الفضيحة وليس فقط عزلهم . 3 ـ متابعة المجرم الإسباني أمام المحاكم الإسبانية وإن تعذر فأمام المحكمة الدولية . 4 ـ رد الاعتبار للأطفال وتعويضهم عن المعاناة التي تسبب فيها الاغتصاب والعفو معا وجبر ضرر الأسر.5 ـ وقف استعمال العنف ضد المحتجين على قرار العفو ومحاسبة المسئولين عن تعنيف المحتجين . 6 ـ تشديد الإجراءات والمساطر المتعلقة بوضع لائحة الأشخاص المقترحين للاستفادة من العفو . 7 ـ الاعتذار للشعب المغربي كفضيلة تسمو بصاحبها ، وفي نفس الوقت تتماشى مع نص الدستور الذي ألغى تقديس الملك وعوضه بالاحترام الواجب لشخصه .