ما عاد «الشعب» قطيعًا يساق قسرًا إلى «بيت الطاعة»


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4176 - 2013 / 8 / 6 - 11:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

هناك رغبة جامحة فى تنميط مجتمعات «الربيع العربى» بدءا من تونس وصولاً إلى بلدان الخليج يظهر ذلك فى «عبايات» سود، وعطر خليجى، وبخور، وقمصان، وسراويل أفغانية وباكستانية وممارسات دينية جديدة وأعلام سوداء مرفوعة، وكتب صفراء منشورة وجحافل من «المحترفين الجدد للدعوة» يحاكون الدعاة المشارقة فى تنصيب أنفسهم حكما: يحللون هذا الفعل أو يحرمونه، يصرخون عاليا وبلكنة خليجية فى وجوه من اعتبروهم قطعانا ضالة يجب إعادتها عنوة إلى حظيرة الإسلام الحق مستمتعين بسلطة ما كانوا يحلمون بها قبل مناخ وفرته ثورات لم يشاركوا فيها.

ولكن الركح صار اليوم يتسع لهم ولغيرهم. فنحن اليوم أمام دعاة متوافدين على تونس بثا للدعوة ترغيبا وترهيبا وتنفيرا وأمام فئة من الشيوخ الذين قرروا مقاطعة الصمت والدخول فى مواجهة مع محاولات مأسسة الجهل لاسيما بعد أن استحضروا مدى توظيف الدين لغايات سلطوية فى تجربة الإخوان فى مصر إذ برز ضمور المنظومة الأخلاقية وباتت الدعوة إلى تصفية الأرواح وسيلة لتحقيق مآرب شتى كتضليل الرأى العام، والظهور فى صورة الضحية، والتشفى من الخصوم وغيرها.


ولعل صورة الشيخ فريد الباجى معبرة عن هذه الفئة. فالرجل لم يتأخر عن الاضطلاع بمسئوليته التاريخية، وجدناه بعد انتشار الإرهاب يطالب بتدخل الأمن لتفتيش المساجد والتحقق من خلوها من السلاح، ورأيناه يؤبن الشهيد البراهمى تأبينا يعلى من شأن الحس الوطنى والفهم التنويرى للدين، واستمعنا إلى موقفه من الشأن السياسى الرافض لكل استهتار بالشعب التونسى. هذا الأنموذج يثبت أن الفكر الإصلاحى التونسى صامد أمام استنساخ تجارب دعوية وهابية المنشأ، وهو سد منيع أمام تسريب الرداءة والجهل.. كما أنه علامة على شجاعة شيوخ رفضوا «طلبنة» تونس و«أفغنتها» ووقفوا وقفة حازمة أمام محاولات التنميط.

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى النساء فبعد محاولات تعميم تحجيب الفتيات القاصرات وإقناع الشابات بفضائل البرقع والنقاب و«البيتوتة» (البقاء فى البيت) والزواج العرفى ونكاح الجهاد، وإفحام أخريات بضرورة خدمة الحزب ونصرة الإخوان والأنصار والتصدى للمساواة والحريات ومقاومة العلمانيات بشعارات تشوه نضالهن وتخدش فى أخلاقهن وتسعى إلى نسف ما يدافعن عنه من قبيل: «السيداو.. إذا عصيتم فاستتروا» فى محاولة لتوحيد الجهود مع الإسلاميات فى الأردن ومصر والمغرب وغيرها من البلدان تطل علينا نماذج نسائية جديدة كانت مغمورة،فجاءت الأحداث لتكشف عنها الستار ولتبين أن تونس تعج بالحرائر اللواتى يرفضن استراتيجية التنميط، ويأبين أن يكن أجسادا مشطوبة بلا لون أو رائحة.

ولعل أرملة الشهيد البراهمى «مباركة عواينية» وبناته علامات دالة على أصالة المرأة التونسية الأبية والشامخة والمقاومة، هؤلاء يستلهمن القوة من تجارب نسائية ماضية بدءا بعليسة والكاهنة وعائشة وأم سلمة، وفاطمة الزهراء وغزالة الحرورية، وصولا إلى منوبية الورتانى وبشيرة بن مراد.. فأم زياد ومى الجريبى وكلثوم كنو وروضة القرافى وراضية النصراوى وبسمة الخلفاوى.. وغيرهن من التونسيات الكادحات اللواتى يكابدن كل يوم من أجل البقاء.

هؤلاء اخترقن المحظور وخرجن لتوديع الجنازات وكسرن طوق الممنوع واختلطن بالرجال فى الساحات مطالبات بتصحيح مسار الثورة وخطبن على المنابر واقتحمن المقاهى وحفزن الرجال على التوجه إلى الساحات للتعبير عن موقفهم من الإرهاب والعبث بمصير العباد والبلاد. فأنى لوزير الشئون الدينية أن يندد بخروج النساء إلى المقابر فى محاولة لتنميط التونسيات؟

قديما صرح أربكان زعيم حزب الرفاة التركى: «إننا سنصل إلى السلطة بأى حال بإراقة الدماء أو من دون إراقتها «واليوم يصرح مرشد الإخوان بأن الإطاحة بحكم مرسى تضاهى حادثة هدم الكعبة، وفى السياق نفسه يؤكد الصحبى عتيق أن من ينقلبون عن الشرعية سيسحلون فى الشوارع التونسية.

ولكن فات هؤلاء أن شعبا تحرر من الأغلال وفك عقدة الخوف وأطلق العنان لطاقات دفينة فيه لا يمكن أن يتحول إلى قطيع يساق قسرا إلى «بيت الطاعة».