حكومة شرعية.. وإرهاب واغتيالات سياسية


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4169 - 2013 / 7 / 30 - 11:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

بشرت الثورة التونسية بتحويل الأقوال إلى أفعال، ومضامين الشعارات إلى قرارات نافذة، ودعت إلى جعل الفرد أعلى قيمة فهو الغاية لا الوسيلة.. وبشر آخرون «بثقافة جديدة » على حد قول راشد الغنوشى قائمة على سفك الدماء وبث الرعب وسوق الناس قسرا إلى أفق يزعمون أنه الأمثل: أفق الخلافة وتطبيق شرع الله.

وأبى ربان سفينة المسار الانتقالى إلا فرض تصوراتهم ومشروعهم على حساب مقتضيات الديمقراطية التشاركية، وتقديم مصالحهم الحزبية على مصلحة البلد، فكان الولاء للعشيرة والأتباع على حساب الكفاءة واحترام سيادة القانون وحب الوطن، وراجت ثقافة التباغض والكراهية والنفاق السياسى والاجتماعى والدينى بدل ثقافة المواطنة والعيش معا.

ارتفعت الأصوات منددة بمخاطر الانزياح عن المسار، مطالبة بتوفير الأمن واستقلال القضاء وضمان الحريات ومكافحة الإرهاب، والتصدى لظاهرة الإفلات من العقاب والتساهل مع المتطرفين ولكن «لا حياة لمن تنادى».فكانت النتيجة سحل لطفى نقض، واغتيال شكرى بلعيد ومحمد البراهمى.


قتل محمد البراهمى كان بمثابة «الشعرة التى قسمت ظهر البعير» انطلقت الحناجر مدوية تهتف عاليا :«يسقط حزب الإخوان» وتتالت المبادرات السياسية والقرارات: استقال عدد من نواب المعارضة من المجلس التأسيسى، ودعا اتحاد الشغل إلى حل الحكومة والمجلس التأسيسى والدخول فى الإضراب العام، وتكونت فى سيدى بوزيد موطن الشهيد، خلية لتسيير شئون الجهة، وأعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدنى عن تأسيس «جبهة للإنقاذ الوطنى» وانطلاق العصيان المدنى فى كامل أنحاء البلاد. وقد أدانت هذه الأطراف الترويكا، وعلى رأسها حركة «النهضة» محملة إياها مسئولية انتشار العنف والتحريض عليه والتخطيط للجريمة السياسية المنظمة.

وحملت الهيئة الوطنية للمحامين الحكومة المؤقتة مسئولية تردى الوضع الأمنى الذى ينبئ بحرب أهلية. ودعت الهيئة الحكومة المؤقتة إلى الإقرار بالفشل ووضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار والمبادرة بإعلان الاستقالة.

وفى السياق نفسه، دعت جمعية القضاة إلى «دعم دور القضاء المتخصص فى قضايا الإرهاب وتمكينه من سلطات حقيقية على الأبحاث لضمان نجاعتها وسرعتها وشفافيتها وحيادها عن كل تدخل أو تأثير سياسى يمكن أن يحرف الوقائع ويعطل كشف الحقيقة وتطبيق القانون على كل من يثبت تورطه».


أسئلة كثيرة تطرحها هذه الأزمة السياسية:

ــ لمَ تدان حركة النهضة وحدها دون الحزبين الممثلين للترويكا الحاكمة؟ أفكلما ألمت بالبلاد فاجعة وجهت أصابع الاتهام إلى حزب النهضة؟ ولئن تبرأت القيادات من هذا الاتهام محملة الأزلام والفلول مسئولية ما يحدث فإن تهديدات القيادى النهضوى الصحبى عتيق قبل أسبوع بسحل التونسيين تجعل شعارات من قبيل «يا غنوشى يا سفاح يا قاتل الأرواح» مفهومة.

ــ لِمَ لم يعد بإمكان قيادى حزب ذى مرجعية إسلامية «ويعرف ربى» أن يقصد بيت من اغتيل لتقديم واجب العزاء فيكون مصير هؤلاء أن يفردوا «إفراد البعير الأجرب»؟

ــ لم يتحول الرؤساء إلى شخصيات فاقدة للمصداقية لا حول لها ولا قوة عاجزة عن إدارة الأزمة وتحمل مسئولياتها، وغير قادرة على مواجهة الرأى العام؟

ــ لم حدثت القطيعة بين أغلب المواطنين، وأحزاب المعارضة والمجلس التأسيسى فباتوا يسألونه الرحيل؟

ــ لم اضطرت حركة تمرد وغيرها إلى النزول إلى الشارع منادية : العصيان العصيان حتى يسقط الإخوان؟

ــ كيف يمكننا الحديث عن انتخابات وإعمار للبلاد فى ظل انتشار ثقافة الموت انتحارا واغتيالا وجهادا؟



لأول مرة يحدث شبه إجماع بين الأحزاب المعارضة وتلتقى حول مجموعة من المطالب تلخص فى : استقالة الحكومة واستبدالها بحكومة إنقاذ وطنى، وحل المجلس التأسيسى.

ولكن أنى لمن تمسك بالحكم مرددا «ما كنت لأخلع ثوبا ألبسنيه الله» واحتكر المواقع باسم ديمقراطية اختزلت فى الاقتراع والصندوق أن يقبل بالمساءلة والمحاسبة ويتحلى بالشجاعة والمسئولية فيعترف بالأخطاء المرتكبة فى حق الشعب والوطن ويتخذ القرار الحكيم؟