إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فليتمرّد


امال قرامي
الحوار المتمدن - العدد: 4162 - 2013 / 7 / 23 - 11:52
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

انطلقت حملة «تمرّد تونس»، وهى حركة حسب تصريحات قيادييها، شبابية مدنية تعمل على تصحيح المسار الثورى عبر الاحتجاج السلمى وذلك من أجل حلّ المجلس التأسيسى وكلّ السلط المنبثقة عنه. ومع انطلاق هذه الحملة تواترت سلسلة من ردود أفعال السياسيين تراوحت بين المؤازرة، ومحاولات الاحتواء والتوظيف، والتقليل من شأن هذه الحركة التى يتزعّمها شباب «طائش» تستهويه المحاكاة ويتأثّر بما يجرى فى مصر، والتحذير الشديد اللهجة من الخروج إلى الشوارع فضلا على توعّد رئاسة الجمهورية بتتبّع من يدعو إلى التمرّد قضائيا.

ولئن وضّحت حركة تمرّد أنّها لا تلتقى مع حركة تمرّد المصرية فى عدّة نقاط لعلّ أهمّها رفض تشريك أحزاب المعارضة والتعامل مع الجيش فإنّ توجّس الحكّام الجدد من آثار هذه الحركة كبير، ومخاوفهم تزداد يوما بعد آخر. وليس أدلّ على ذلك من تنظيم حزب النهضة يوم السبت 13 يونيو 2013 وقفة احتجاجية «لمساندة الشرعية» فى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة للمطالبة بعودة مرسى إلى الحكم وقد برز رفيق بوشلاكة (صهر الغنوشى ووزير الخارجية السابق) وبعض القياديين فى لبوس الدعاة الذى لا يتوانون عن شتم وثلب وتهديد المتآمرين على الشرعيّة بل إنّ رئيس كتلة حزب النهضة بالمجلس التأسيسيّ الصحبى عتيق ذهب إلى أنّ من يستبيح الشرعيّة أو يتطاول عليها سيداس بالأقدام ويسحل ويستباح دمه فى شوارع تونس.

وبقطع النظر عن صدور خطاب يحرّض على العنف فى «شهر الرحمة والمغفرة» ومن قبل من «يعرفون الله» ولهم مرجعيّة إسلاميّة ينهلون منها قائمة على مبادئ مستوحاة من القرآن: وجادلهم بالتى هى أحسن» (النحل: 125) التراحم، المودة، نخال القيادىّ، وهو فى «غمرة انتشائه بالخطابة» قد تناساها، فإنّ المسئوليّة السياسيّة والأخلاقيّة لنائب فى المجلس تفرض عليه أن ينأى بنفسه عن مثل هذه المواقف الانفعاليّة المعيدة إلى الأذهان سلوك الجاهلى حين كان ينصر أخاه ظالما أو مظلوما، والبعيدة كلّ البعد عن شروط العمل السياسى، ومقتضيات المسار الانتقالى وما انجرّ عن المناخ الاستقطابى السائد من نتائج تهدّد الوحدة الوطنيّة.

من قلب العاصمة تعالت هتافات بعض مئات من أتباع النهضة: الشعب يريد مرسى من جديد ، يسقط يسقط حكم العسكر، ارحل يا سيسى، والواقع أنّها هتافات تفضح مخاوف من سوّلت لهم أنفسهم الاستئثار بالسلطة بعد أن ذاقوا حلاوتها واستطابوا نعيم امتيازاتها، وتعبّر فى الوقت نفسه عن تمسّك بحلم يتقاسمه الإخوان: إقامة الخلافة.

وبعيدا عن حالة الهلع التى انتابت الحكّام الجدد وفضحت سلوكهم، وعن رسائل التهديد ومحاولات لجم الأفواه، عبرّت شرائح من المجتمع التونسى عن تبنيّها لحركات الاحتجاج «خنقتونا» أو «تمرّد» أو.. يكفى أن ينتبه المرء إلى تزايد أعداد الممضين على الحملة والرسائل التى يتناقلها المواطنون /ت على صفحات الفيس بوك والقصائد التى كتبت والتى يعبّر فيها أصحابها عن انضمامهم إلى حركة تمرّد. فضلا على إصرار بعضهم على تتبّع الصحبى عتيق ورفع الحصانة عنه إذ لا مصداقية للنائب ولحركته وحلفائها عندما يتحدثون عن التوافق ونبذ العنف والعيش معا؟


وبالرغم من أنّ حكومة الترويكا قد «وضعت خطة استباقية ذات أبعاد سياسية وأمنية وقضائية» حتى لا يتكرّر السناريو المصرى فى تونس، وتحاول تكثيف الاتصالات بقادة الأحزاب السياسية الموالية من أجل «تجريم أى دعوة للتمرد» فإنّ عودة الحديث عن مقاضاة من يدعو إلى إسقاط الحكومة تذكّر بممارسات النظام السابق وتكشف النقاب عن عجز فى إدارة مرحلة الانتقال الديمقراطى تلك التى تفترض قدرة على محاورة أصحاب المطالب، لاسيما إن كانوا شبّان الثورة دون اللجوء إلى منطق المحاكمات.

ولئن ردّد قياديو النهضة ومن والاهم أنّ التجربة التونسية تتميّز بسيادة منطق الحوار المفضى إلى حصول التوافقات فإنّ السعى إلى وأد حركة تمرّد يثبت تهافت هذا الخطاب وهشاشة أصحابه واستعلائهم أو عجزهم عن الإصغاء إلى أصوات جديدة قد تفتقر إلى التجربة والدهاء السياسى، ولكنّها تمتلك الإرادة: إرادة تغيير الواقع المتردّى.