الطبقة العاملة بيت الميثاق الاجتماعي الجديد والحوار الحكومي


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4152 - 2013 / 7 / 13 - 07:20
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

أجرت الصحفية بجريدة المنعطف السيدة بشرى عطوشي مع عبد السلام أديب حوارا حول الواقع الاجتماعي الحالي للطبقة الشغيلة والأجراء، وهو واقع يعرف الكل أنه متأزم وهش، نظرا، في نظر الصحيفة، لغياب حوار جاد وفعال بين التركيبة الثلاثية من نقابات وحكومة وباطرونا وهو ما يدعو اليوم للعودة لإثارة ما تنهجه الحكومة الآن من غض للطرف عن مطالب الأجراء والموظفين. إذن فحول هذه الاشكالية جاء الحوار كما يلي:


• ما هو في نظركم أسباب توقف عجلة الحوار الاجتماعي؟

** قد تختلف التقييمات حول اسباب توقف عجلة الحوار الاجتماعي، فالتقييم البسيط المباشر السطحي لأسباب هذا التوقف ينطلق من أن تجاهل الحكومة المتواصل لمطالب المركزيات النقابية، ومنها على الخصوص تجاهلها لتطبيق بنود اتفاق 26 أبريل 2011 وأيضا تماطلها في تحديد جدول أعمال لمضمون الحوارات الاجتماعية قبل انطلاقها وحيث تؤكد المركزيات النقابية بشكل واضح في بياناتها عن احتجاجها على هذا التماطل.

نعم فإن أغلب التصريحات النقابية وبياناتها وأغلب المقالات الصحفية تنسب أسباب توقف عجلة الحوار الاجتماعي على هذا التجاهل والتماطل. لكن الأمر في اعتقادي هو أعمق من ذلك، حيث يمكننا أن نتحدث هنا عن مسرحية رديئة الاخراج أصبحت مألوفة لدى الطبقة الكادحة لكونها موجهة لالهاء هذه الاخيرة وصرف نظرها عن الأزمة الاقتصادية البرجوازية وعن اساليب نقل هذه الازمة على كاهلها، فالطبقة العاملة أصبحت متأكدة تماما من أن المركزيات النقابية والحكومة ونقابة الباطرونا هي ثلاثة وجوه لعملة واحدة بل يمكن أن نضيف الى هذه الأطراف الثلاثة وجه رابع هي الأحزاب السياسية سواء كانت يمينية أو يسارية أو اسلاموية، والتي تشكل أوجها مختلفة لنفس العملة.

ليس في هذا الرأي الذي يمكنك ان تسمعيه في أوساط الطبقة العاملة أية مبالغة، فالسواد الأعظم من الطبقة العاملة ألف منذ 56 سنة نفس المسرحية الرديئة الاخراج والتي تبدع هذه الاطراف الأربعة في تقديمها، ففي اطار مراحل الاستثمار التي قطعها الرأسمال المحلي مواكبا بالرأسمال الاجنبي تحدث نتيجة عنف الاستغلال والنهب الازمات الدورية والسكتات القلبية والانتفاضات الشعبية وموجات متواصلة من الكساد مما يدفع البرجوازية الاحتكارية المهيمنة ودولتها البيروقراطية متبوعة بجوقة الاحزاب والمركزيات النقابية، الى بلورة سياسات محبوكة الاخراج بدعم من المؤسسات الامبريالية الدولية ذات المصلحة في ذلك الى نقل تكاليف الأزمة على كاهل الكادحين.

فإذن لإنجاح الاحتواء الاجتماعي وتمرير المخططات التقشفية والقرارات اللاشعبية، يتم تشخيص المسرحية الرديئة الاخراج المشار اليها والتي تقوم فيها الاحزاب والنقابات والباطرونا والحكومة بتشخيص أدوار الأغلبية والمعارضة وفتح قنوات الحوار أو اغلاقها حسب متطلبات السياسات المعتمدة والأهداف المرسومة للرأسمال المسيطر.

منذ خمس سنوات أي منذ سنة 2008 هناك مرحلة أزمة مالية واقتصادية رأسمالية جديدة، ضربت بلادنا كما ضربت مختلف بلدان العالم، كما انه في ظل هذه الازمة هناك محاولات دعم المرحلة الجديدة من الاستثمار الرأسمالي في بلادنا والعمل على تمويلها من خلال استقطاع فوائض مالية هائلة من عرق جبين الكادحين وقوتهم اليومي عبر اللجوء الى الاساليب الحديثة لنمط الاستغلال العالمي الجديد المعتمد على ما يسمى بالإنتاج المخفف Lean production والذي تتلخص استراتيجيته على هدفين متناقضين، يتمثل الأول في زيادة انتاجية العمال من خلال تكتيف عملهم واستغلال ابداعاتهم، ويتمثل الثاني في تقليص أجور العمال والاحتفاظ بأقل عدد ممكن من العمال لتحقيق الانتاجية المرتفعة. لذلك نشاهد في نفس الوقت ارتفاع كبير في الانتاجية وفي الارباح الرأسمالية من جهة وبطالة واسعة وافقار شديد لليد العاملة. وإذا كانت الرأسمالية ببلادنا تلجأ في صراعها الطبقي الى هذه الاستراتيجية فانها تضعف في المقابل امكانية السوق الداخلي استيعاب الانتاج الزائد وهو ما يعني ايضا تراجع مداخيل الدولة من الرسوم والضرائب حيث تقلصت الى 60 في المائة من عائدات الميزانية العامة. فلتعويض هذه الخسارة في موارد الميزانية العامة تستهدف الحكومة ضرب المرافق العمومية عبر الخوصصة وضرب صندوق المقاصة وأيضا انظمة التقاعد، وكل ذلك بهدف تقليص مصاريف الميزانية العامة وتعويض تراجع المداخيل الضريبية.

ان نمط الانتاج المعتمد في بلادنا في ظل مرحلة الاستثمار الحالية تطلب إذن تقليص عدد العمال وزيادة انتاجيتهم وتقليص أجورهم، وتجاهل حتى تكاليف الانتاج المرتبطة بشروط سلامة العمل أنظري حوادت روزامور بالدار البيضاء ومركب المنال بالقنيطرة والذي راح ضحيتهما العشرات من النساء العاملات والعمال. كما تتبعنا قرارات خلية الازمة المشكلة في فبراير 2009 والتي ضمت الحكومة والباطرونا والنقابات والتي قررت تمكين الباطرونا من تسريح العمال في حدود 5 في المائة، وتقليص الحد الأدنى للأجور الى غاية 1200 درهم، كما توصلت الباطرونا بأشكال من الدعم المالي من الميزانية العامة اما عن طريق الاعفاء من متأخرات الضرائب أو من المساهمات الاجتماعية أو عن طريق مساعدات مباشرة.

منذ خمس سنوات والتسريحات الجماعية والفردية جارية كما أنه منذ ذلك الحين تمارس الحكومة قمعها الوحشي للاضرابات العمالية وحيث يتطور الامر الى اجراء اعتقالات تعسفية واستصدار احكام جائرة، فماذا كان موقف الاحزاب السياسية والمركزيات النقابية أمام كل ما حدث؟ لا شيء، فحتى اتفاق 26 أبريل المشؤوم والذي تمت مواكبته بدعاية هائلة خاصة من طرف المركزيات النقابية لم يطبق منذ 2011.

ان توقيع كل من الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل مع رئيسة الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب (الباطرونا) في شهر يناير 2013 على ما يسمى بالميثاق الاجتماعي الجديد والذي لم تنشر محتوياته لحد اليوم، يدخل في باب التناغم الحاصل بين أطراف اللعبة ويؤكد على عدم توفر الطبقة العاملة بعد على أداتها السياسية المعبرة عن مصالحها في مواجهة ذئاب البرجوازية الصغرى داخل الاحزاب والمركزيات النقابية والتي تتاجر بمصالحها.

هنا نصل الى جولة الحوار الاجتماعي التي كان من المفروض ان تنعقد خلال شهر أبريل 2013، فالتساؤل المطروح هو كيف أن الحوار لم يحدث رغم التوافق المبدئي على الميثاق الاجتماعي بين الباطرونا والنقابات؟ ولماذا ظلت المركزيات النقابية منقسمة حول الموقف من الحوار؟ ثم هل معارضة بعض المركزيات النقابية واستنكارها لعدم انعقاد الحوار الاجتماعي قادرة على الدعوة الى الاضراب العام والذي قد يشكل احدى وسائل اجبار الحكومة والباطرونا على التفاوض وليس مجرد الحوار؟
الجواب سهل، فالمركزيات النقابية البيروقراطية متواطئة حتى النخاع، ودورها هو المزيد من تشويه الوعي الطبقي وتخديره وبث الاعتقاد لديه بحسن نية هذه المركزيات النقابية.

• كيف تتصورون مأسسة الحوار الاجتماعي ؟
** لنفترض أن المغرب لا يعرف أزمة مالية واقتصادية وأن هناك نمو اقتصادي سنوي قوي يستدعي التوسع في تشغيل اليد العاملة لمواجهة تزايد الانتاجية وأن هناك دعم للطلب الداخلي من خلال رفع الرواتب والاجور من أجل تصريف المنتجات والزيادة في الميل للاستهلاك. في مثل هذه الحالة قد نتصور حدوث فعلي لمأسسة الحوار الاجتماعي وبالتالي نكون متأكدين من قدرة هذه المأسسة على تلبية المطالب الاجتماعية للطبقة العاملة وتحسين شروط العمل.

لكن هذه الصورة المثالية السابقة غير موجودة ولا يمكن حدوثها تبعا لمختلف التحليلات الموضوعية، بل العكس هو الصحيح أي صيرورة من الأزمات والسكتات القلبية المواكبة لصيرورة مراحل الاستثمار الاستغلالية من أجل شروط أفضل للتراكم الرأسمالي على حساب الكادحين، ففي ظل هذه الوضعية المستمرة منذ أكثر من ثلاثين سنة تلجأ الدولة والتحالف الطبقي الحاكم الى احكام الهيمنة على القيادات السياسية والنقابية وتوظيف هذه الاطارات بمختلف توجهاتها اليمينية واليسارية والاسلاموية في مسرحية احتواء المشهد السياسي والنقابي وبالتالي احتواء غضب الطبقة العاملة وتخديرها من أجل أن تتقبل الاجراءات اللاشعبية واللاديموقراطية والتي لا تخدم سوى شروط التراكم الرأسمالي محليا ودوليا.

في ظل هذه الأوضاع لا أرى سوى ضرورة تطوير الطبقة العاملة لأدوات دفاعها الذاتية المستقلة السياسية ونقابية والانخراط في صراع طبقي بدون خوف من أجل انتزاع حقوقها وتحسين شروط معيشتها.

فالاستقرار الاجتماعي الذي تبحث عنه الباطرونا والحكومة من خلال ما تسميه بالحوار الاجتماعي هو في الواقع هو سعي لاستقرار الاستغلال الطبقي واستقرار الظلم الطبقي للملايين من الكادحين ومعالجة ازمة البرجوازية المهيمنة على كاهلهم.


• قامت بعض النقابات بتوقيع "ميثاق اجتماعي" مع الباطرونا، هل في نظركم سيخفف هذا السلم الاجتماعي المنتظر؟
** الميثاق الاجتماعي الموقع بين زعيمة الباطرونا وبعض المركزيات النقابية (الاتحاد المغربي للشغل، التحاد العام للشغالين بالمغرب، الاتحاد الوطني للشغل) والذي لم ينشر محتواه لحد اليوم يفضح تواطؤ البيروقراطيات النقابية مع الباطرونا والحكومة حول شروط الاستغلال الجديدة والتي تتوخى المنافسة على حساب أجور الطبقة العاملة وشروط الأمن أثناء العمل، ويستهدف الميثاق من بين ما يستهدفه ضرب الحق في الاضراب وتقييد الحقوق والحريات النقابية.

قيادات المركزيات النقابية أصبحت اليوم إذن أكثر بيروقراطية من أي وقت مضى وتتحالف بطرق ملتوية مع الباطرونا ضدا على مصالح الطبقة العاملة وحيث لم تعد العنتريات والشعبوية والعبارات الرنانة لهذه البيروقراطية بقادرة على خداع الطبقة العاملة.


• هل يمكن أن يتحول هذا الميثاق الاجتماعي إلى بديل عن الحوار الاجتماعي؟
** الباطرونا والحكومة تعمل كل ما في وسعها من أجل تكبيل يد الطبقة العاملة وتخديرها وتجميد صراعها الطبقي وتشتيت نضالاتها واخضاعها للاستغلال صاغرة، لذلك فإن ما ينتظر الطبقة العاملة من استغلال واضطهاد من اجل التراكم الرأسمالي في ظل التناقضات التي تتعمق بسبب تعمق الازمة الاقتصادية والمالية، سوف لن يتوقف سواء من خلال الميثاق الاجتماعي أو ما يسمى بالحوار الجتماعي.


• ما هي تفاصيل دفتركم المطلبي الذي يمكن طرحه في حال عودة الحوار الاجتماعي إلى سكته الصحيحة ؟
** هناك مطالب كثيرة يجب أن تناضل من أجلها الطبقة العاملة في ظل كافة الاطارات المناضلة بما فيها قواعد كافة المركزيات النقابية بما فيها النقابات الصفراء بدءا بالحقوق والحريات النقابية والتي نشهد يوميا مدى انتهاكها ومرورا عبر تحسين شروط العمل وتمتيع العمال بكافة الحقوق الشغلية وتعميم الاتفاقيات الجماعية ووصولا الى تحسين الأجور وربطها بالسلم المتحرك للاجور.

لقد تبث من خلال تجارب الحوار الاجتماعي السابقة انها مجرد مسرحيات فارغة لا تحقق شيئا للعمال، لذلك على هؤلاء التمرد والدخول في صراع طبقي حقيقي من أجل انتزاع مطالبهم وذلك من أجل أن تنصاع الباطرونا المهيمنة سياسيا واقتصاديا بدون شريك وزنا لقوة الطبقة العاملة فتعمل على تلبية مطالبها.


• ما هو تعليقكم على ما يروج بالساحة السياسية هل سيكون له تأثير على السلم الاجتماعي ؟
** ما يروج في الساحة السياسية خاصة قرار حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة وردود الفعل على ذلك يدخل هو الآخر في مجال المسرحية السخيفة رديئة الاخراج والتي تعمل البرجوازية المهيمنة على اتقانها من اجل الهاء الطبقة العاملة عن مؤامرة تمرير العديد من القرارات اللاشعبية اللاديموقراطية والتي تستهدف زيادة الاستغلال ورفع الاسعار وتقليص المكتسبات الاجتماعية وفي مقدمتها أنظمة التقاعد والمزيد من تفكيك الخدمات الاجتماعية.