المخرج من مأزق مصر


بهاءالدين نورى
الحوار المتمدن - العدد: 4148 - 2013 / 7 / 9 - 23:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

انتصرت الثورة المصرية في اسقاط النظام الدكتاتوري الرجعي الفاسد وازاحة ذلك الكابوس البغيض الذي كان جاثما على صدور المصريين منذ عهد طويل...ولكنها لم تنتصر لحد هذه اللحظة في اعادة ترتيب البيت الداخلي للشعب المصري بصورة منسجمة مع متطلبات الاوضاع المستجدة. فالنظام السابق قد أقصي ليتحول الصراع الجاري سابقا بين الشعب وبين ذلك النظام، الى صراع عنيف مرير بين اقسام أخرى من المجتمع المصري. وهذه كانت ظاهرة طبيعية يمكن أن تحدث بعد أي ثورة. لكن مالم يكن طبيعيا ولا حتميا هو أن تتعقد الصراعات والمشاكل الناجمة عنها الى هذه الدرجة العالية حيث اختلت الحياة العامة وعمت الأضكرابات والمظاهرات المتواصلة في شوارع العاصمة والاسكندرية وسائر المدن الكبيرة مقرونة بالصدامات اليومية والاصابات الكثيرة، والدموية المميتة في العديد من الحالات، طوال الفترة التي عقبت سقوط مبارك، وبالاخص في فترة مابعد انتخاب محمد مرسي رئيسا. جرى ويجري كل ذلك في وقت كان البلد في اشد حاجة الى الهدوء والاستقرار للبدء بحل المشاكل الكثيرة المستعصية التي خلفها النظام البائد وبالعمل على تخفيف البطالة وتوفير لقمة العيش للفقراء و مااكثرهم!
اذا كان نظام مبارك قد وحد المصريين في الكفاح من اجل الحرية والديمقراطية فان سقوطه جاء ليؤدي الى اكبر انقسام سياسي داخل المجتمع المصري عبر تاريخه، بين معسكرين سياسيين أحدهما يؤيد العلمانية السياسية والآخر يؤيد الاسلام السياسي. وقد كان الانقسام كبيرا بسبب التقارب العددي بين مناصري كلا الفريقين، كما اتضح ذلك من نتائج التصويت للمرشحين للرئاسة. وكان ذلك- أي ضخامة وتقارب مؤيدي الفريقين- السبب الرئيسي، الى جانب التخلف وعدم التعود على ممارسة الحياة الديمقراطية، لاستمرار واحتدام الصراع طوال الفترة اللتى اعقبت انتخاب مرسي وحتى يومنا هذا. فالعلمانيون، وهم مسنودون بغالبية أصوات الناخبين في القاهرة وبعض المدن الكبيرة التي تشكل حوالي ربع سكان مصر، رفضوا الاعتراف بالهزيمة وأصروا على أن يكون لهم مايريدون والتجأوا الى الشوارع للضغط على الطرف الآخر عن طريق المظاهرات السلمية، فيما عاند الطرف المقابل، الاسلامي مستندا الى أنه استلم السلطة عن طريق الأنتخابات. وكان من الطبيعي أن يتواجد متطرفون في صفوف كل من الطرفين، ويتواجدوا باعداء اكبر في الساحة السياسية خارج صفوفهما، وان يقوموا بما يشوه قدسية الطابع السلمي للتظاهرات ويلجأوا الى العنف بهذه الصورة أو تلك، مما نجم وينجم عنه الصدام وسقوط الجرحى والقتلى الكثيرين. ومع ذلك ينبغي تقدير مواقف القيادات في الطرفين على تمسكهما بسلمية المظاهرات وتجنب الصدام الدموي الشامل، الذي يمكن أن يتحول الى كارثة كبرى للشعب المصري.
يتراءى لي أنه كان من الصعب تجنب هذا النزاع السياسي بين الطرفين الرافضين للتنازل ازاء بعضهما. ولكنني اعتقد انه كان من الممكن ومن الصواب التوصل الى حل وسط يرضي الطرفين. وقد طرح الجانب العلماني المتمثل في قيادة جبهة الانقاذ، لونا من الحل الوسط عندما طالب بانتخابات رئاسية مبكرة. لوقبل اخوان المسلمين بهذا الحل، وهو أسلوب سلمي ديمقراطي معتمد على صناديق الأقتراع، لامكن حل المشكلة. لكن الاسلاميين، اخوانا و سلفيين، رفضوا هذا الحل واصروا على بقاء مرسي حتى انتهاء دورته القانونية رافضين الاعتراف بأن أوضاع البلد تعقدت الى درجة تتطلب التنازل المتبادل بهدف التوصل الى حل مقبول قبل ان يزداد الوضع المتأزم تعقيدا ويهدد باخطار اكبر.
وقد وقفت المؤسسة العسكرية، والحق يقال، موقف الحياد الحقيقي لوقت طويل و نصحت الطرفين بالتواصل الى حل سلمي عن طريق الحوار. لكن الحل لم يتحقق الى أن نفد صير الجنرالات المسؤولين في المؤسسة وتراءى لهم ألا مفر من اللجوء الى اسلوب الحل التقليدي العتيق في مثل هذه الحالات- القيام بانقلاب عسكري أبيض لازاحة الرئيس مرسي وفرض سلطات الجيش لفترة انتقالية. وقد احسنوا صنعا في عدم اقران الانقلاب بالهجوم البوليسي على هذا أو ذاك وبتاكيد موقفهم الحيادي بين الطرفين العلماني والاسلامي. غير أن السؤال الذي ينتصب أمامنا الآن، بعد أن تدخلت المؤسسة العسكرية واقالت الرئيس مرسي، هو ما اذا كان هذا الاجراء صحيحا و جديرا بالتأييد؟
أود التأكيد مسبقا على انني رجل علماني وثابت في صف العلمانيين ومعارض لتوجهات الاسلام السياسي واعتبر هذه التوجهات خاطئة وباطلة ولونا من ألوان المتاجرة بالدين ومحاولة لاستغلال المعتقدات لدى بسطاء الناس لاغراض حزبية ضيقة، لوصول الاسلاميين الى السلطة. الا انني لا أوافق على رأي قادة المعارضة السياسية العلمانية في ان تدخل المؤسسة العسكرية بالشكل الذي جرى كان ((شرعية شعبية)) مبررة. أنني اعتبر ماحدث انقلابا عسكريا أبيض وغير مبرر في اللحظة الراهنة، بالنسبة الى من يتمسكون بالقيم والتقاليد الديمقراطية الحديثة التي أفرزتها تطورات المجتمع البشري الحضارية. فالرئيس مرسي وصل الى منصب الرئاسة عبر صناديق الاقتراع. وكان يجب الاحتكام الى هذه الصناديق، وليس الى الانقلاب العسكري، لغرض اقصائه أو ابقائه رئيسا للدولة.
انني لازلت أعتقد ان الحل الصحيح للمشكلة اليوم هو : المبادرة الى تشكيل هيأة مصالحة وطنية تضم مرسي و قنديل و اثنين من المعارضة العلمانية و اثنين من ممثلي القضاء المصري و اثنين من الحكماء المحايدين وممثل للمؤسسة العسكرية
بغية الاتفاق على:
1- اعادة مرسي الى كرسيه كرئيس منتخب.
2- قبول الجميع باجراء انتخابات مبكرة ونزيهة في غضون أربعة أشهر، واعتراف الجميع بنتائجها ،مع تاكيد الحرص على بقاء الصراع في اطاره السلمي الديمقراطي.
ومن المهم الاسراع في التوصل الى المصالحة قبل ان يفسد المتطرفون من الطرفن كل شيئ بفرض صدامات دموية في الشارع.
ان اجراءا من هذا القبيل سيكون على جانب كبير من الاهمية ليس فقط بالنسبة الى مصر، بل بالنسبة الى جميع البلدان العربية التي تمر بمرحلة انتقالية نحو الديمقراطية. وحبذا لو شارك الآخرون في مناقشة هذا الموضوع.
كردستان العراق
7 تموز 2013