دبلوماسية فرق الموت


يونس الخشاب
الحوار المتمدن - العدد: 1188 - 2005 / 5 / 5 - 12:59
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق     

من بين الدروس التي تعلمتها امريكا من حربها في الفيتنام هو ان لا تخوض حرب عصابات تقليدية طويلة المدى لانها ستكون الخاسرة في النهاية ، محتفظة بعدوانيتها ، توجب عليها ان تعثر على اسلوب جديد يجمع ما بين تكتيك حرب العصابات وتكتيك الايادي الخفية فلجأت الى الى ما يسمى ب
"فرق الموت " او الخيار السلفادوري . ففضلاً عن تخصص بعض فرق المارينز بهذا التاكتيك اعتمدت الستراتيجية الامريكية على تجنيد عسكريين عراقيين محترفين لغرض اختراق صفوف المقاومة العراقية واغتيال رموزها الى جانب القيام باعمال العنف التي تهدف الى اثارة الفتن الطائفية والتي تصب في استراتيجية بقاء العراق كما تريده امريكا .الى جانب ذلك اعتمدت قوى الاحتلال على جيش من القتلة المحترفين لتنفيذ اعمال قذرة لا يجرؤ الجيش الامريكي القيام بها خوفاً من الفضائح امام الرأي العام العالمي .وينفذ هذا الجيش من القتلة المحترفين اعماله خارج سيطرة جيش الاحتلال وخارج سيطرة الحكومة العراقية ، لانها فرق مدنية تعمل لصالح شركات خاصة مثل شركة بلاك ووتر ولكنها تقوم بالاعمال الخطرة التي لا تريد القوات العسكرية القيام بها .
لقد اكتسبت هذه الفرق سمعة سيئة الصيت في السلفادور وغواتيمالا وهايتي ونيكاراغوا واقطار اخرى في امريكا اللاتينية على انها الفرق الاكثر وحشية ودموية في احترافها القتل ، حيث قامت بقتل واختطاف العديد من ناشطي حركات السلام وحركات الاحتجاج اللاعنفية.
أربعون ألفا من محترفي القتل والبلطجية وخبراء تفخيخ السيارات وصناعة المتفجرات يجوبون ويمشطون شوارع العراق ليس فقط بحثاُ عن رجال المقاومة ، بل يبحثون ايضاً عن اي قائد محتمل يستطيع ان يوحد فصائل الشعب العراقي من اجل تشكيل حكومة جبهة وطنية تطالب برحيل الاحتلال.
ان الالوف التي تظاهرت في ساحة الفردوس ببغداد مطالبة بجدول زمني لرحيل المحتل ربما لا تعلم ان امريكا تخطط للبقاء في العراق . وقوى الاحتلال تعتقد انها اجتازت مرحلة ذروة العنف الموجه ضد قواتها ، وانها باتت قريبة ربما من مرحلة جني ثمار مغامرتها في العراق على شكل تدفق النفط العراقي ليصب في خزاناتها .
ان الكثير من التقارير التي نشرتها مجلة Radical left تشير الى ان الكثير من الاغتيالات السياسية والعمليات العبثية والعشوائية التي تضرب حسينيات الشيعة ومساجدهم وكذلك مساجد السنة قد قام بها عملاء او وكلاء لفرق الموت هذه من اجل الحصول اما على تنازلات سياسية او لتوجيه العملية السياسية بالوجهة التي تبتغيها قوى الاحتلال ، بحيث تصبح الحكومة العراقية والمفترض انها تكون منتخبة انعكاسا لصورة الخطة التي رسمها بول بريمر لعراق المستقبل .
وهذه الحقيقة تساعدنا في تفسير لماذا تأخر اعلان نتائج الانتخابات العراقية وبقيت طي الكتمان الى ان تم وضع اللمسات الاخيرة عليها وجئ بعلاوي وزمرته من عملاء الغرب الى سدة الحكم . وربما لهذا السبب ايضا لن تحصل تلك الطبقات المسحوقة من الشعب العراقي الا على الحصرم ، فهذه الزمر قد سرقت ونهبت من اموال العراق في وقت قياسي اكثر مما كان صدام قد فعله طيلة فترة حكمه ، والعراقيون يعرفون ذلك جيداً وكل ما يستطيعون فعله هو الاحتجاج بمظاهرة سلمية تحت تهديد فرق الموت .
لقد نجحت قوى الاحتلال في تمزيق العراق الى ثلاثة اجزاء وقامت بتدمير اي امل بعراق موحد بواسطة السيارات المفخخة ودائرة العنف التي تتكرر كل يوم ، والتي هي حسب ادعاءات واشنطن، دون اي دليل ، اعمال عنف طائفية بين السنة والشيعة .
ان هذه الاعمال هي محاكاة ونسخ مكررة وتكاد تكون متطابقة لما حدث في امريكا اللاتينية. وقد حصل كل من " أليوت أبراهام " و " جون نغروبونتي " على لقب الاستاذية في تصميم عمل هذه الفرق . فقد بلغت درجة الكمال ، اما في العراق فانها ناجحة بامتياز ان خبرات و تقنيات " نغروبونتي " قد نجحت في تنصيب حكومة عراقية في اغتراب كامل عن شعبها ، اضطرت للاختباء تحت عباءة الاحتلال في المنطقة الخضراء ولا تجرؤ حتى على التواجد بين الجماهير التي تدعي انها تمثلها . تُرى هل هذا هو طراز الديمقراطية الامريكية التي وعدت قوى الاحتلال بمنحها للعراقيين قبل عامين ؟ ام ان هذه الاكاذيب التي يطلقها كتبة الاحتلال ومراسليهم؟
وسواء كانوا من الصحفيين المصاحبين للغزاة ام كانوا من كتبة الاحتلال ومرتزقتهم فان كلا الصنفين مدرجة اسماؤهم على قوائم الدفع الشهرية .
في ديمقراطية فرق الموت كل ما تبغيه امريكا هو واجهة لحكومة منتخبة صورياً وليس حقيقةًُ.
فلم يسبق لامريكا ان ساندت الديمقراطية و حقوق الانسان او سعت في تكوينها لحد الآن ، والا لما كان عليها تخريب الحكومات المنتخبة ديمقراطياً وارهابها ابتداءً من حكومة مصدق مرورا بالليندي وصولا الى اريستيد . ان الديمقراطية الوحيدة المقبولة امريكيا هي ديمقراطية فرق الموت . وبعد رحيل نغروبونتي سوف ياتينا زلماي خليل زادة لتسويق بضاعة اسمها دبلوماسية فرق الموت .
بقي ان نقول ان الشركات التي تزود الاحتلال بمحترفي القتل والمرتزقة تنظر الى المقاومة على انها تجارة ناجحة . فهم بحاجة الى مقاومة لترويج عملياتهم والاجور الخيالية التي يتقاضونها . وحتى لو لم تكن هناك مقاومة فان عليهم استفزاز الناس عليها عن طريق الاعتداء على اموالهم واعراضهم ، اذ كيف يتمكن هؤلاء من الحصول على الاموال من دافع الضريبة الامريكي ؟
وبينما ينهمك كتاتيب الاحتلال في توصيف العنف الاصولي ، وكأن العنف ينشأ من الفراغ ،يخرج لنا الصحفي الايطالي "ستيفانو كياريني "بمقالته الرائعة تحت عنوان " هل تحول المارينز ليصبحوا مجموعات من قاطعي الرؤوس؟" نشرتها الكادر على صفحتها يخبرنا فيها كيف قامت احدى فرق الموت هذه ، والتي تطلق على نفسها اسم مجموعة السبعة والعشرين ، بذبح اثنين من العمال الزراعيين العراقيين ، فارق احدهم الحياة واستطاع الثاني النجاة باعجوبة .
اقول لكتبة الاحتلال للشعب ذاكرة لا تخطئ ولا تنسى .

يونس الخشاب كاتب من العراق