انتفاضة الثلاثين من يونيو خطوة جبارة أخرى في مسار الثورة


فاتح شيخ
الحوار المتمدن - العدد: 4145 - 2013 / 7 / 6 - 08:41
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

فاتح الشيخ و شةمال علي*

دخل مصر بثورة 25 من يناير 2011 عهداً ثورياً مازالت فصولها المبهرة تتوالى. ما زالت شوارعها مثلما كانت خلال سنتين و نصف مسرحا للملاحم البطولية لجماهيرها المعدمة والمحرومة. فالطبقة الحاكمة التي تلقت ضربة موجعة بسقوط مبارك ما برحت تسعى للملمة صفوفها، دون أن تستقر لها الأوضاع ودون أن تمهلها الطاقات الثورية المتفجرة للعمال والكادحين والشباب من إعادة ترتيب بيتها وتثبيت سلطتها من جديد.
وها نحن نرى كيف إن الانتفاضة الثورية العظيمة والعارمة في الثلاثين من يونيو أدخلت الاوضاع في مرحلة ثورية جديدة، و قلبت كل المعادلات لتبدأ صدامات طبقية جادة وحادة وجديدة سواء بين الطبقات الاساسية في المجتمع المصري، اي الطبقه البورجوازية بکل اجنحتها وحرکاتها السياسية والاجتماعية من جهة، والطبقة العاملة، المرشحة لتظهر کطليعة ثورية لکل جبهة المضطهدين، من جهة أخرى، أو بين اجنحة الطبقه الحاکمة وحرکاتها السياسية والاجتماعية لأجل إعادة توزيع الأسهم في السلطة السياسية وحاصل استغلال الطبقه العاملة وکادحي المجتمع، بينهم.
سعت الطبقة الرأسمالية الحاكمة منذ الأيام الأولى لسقوط مبارك إلى عقد تحالف بين الاجنحة المختلفة للثورة المضادة، و خصوصاً مخلفات النظام الذي لم يذهب سوى رأسه والإسلام السياسي ممثلاً بالأخوان المسلمين، لمحاولة اجهاض و اخماد الثورة، إعادة بناء الدولة وقدراتها القمعية التى اصابتها ضربات الثورة وإعادة الاستقرار إلى النظام الرأسمالي. وقد استمرت تلك المحاولات وتواصلت حتى فتحت الأبواب أمام تسلم الأخوان المسلمين للسلطة. فتسلط الأخوان بعد الأنتخابات الرئاسية 2012، كانت أحدى الوصفات التي تبنتها قوى الثورة المضادة لأجل إنهاء الثورة أو تفريغها من محتواها الطبقي والتحرري.
مثل كل الثورات الأخرى، جعلت الثورة المصرية السلطة السياسية بحد ذاتها الساحة الرئيسية للصراع الطبقي. إن أولوية كل الطبقات والقوى الأجتماعية بعد كل الثورات ليست هي المصالح الأقتصادية المباشرة و الملموسة، بل المصالح السياسية الاستراتيجية ومآل ومصير السلطة السياسية. فالطبقة الرأسمالية الحاكمة لا تبحث بعد فقدانها لأنسجامها السياسي والايدولوجي مع خسرانها للنظام القديم، عن من يستطيع إدارة الأقتصاد إدارة ناجحة ومربحة، بل عن قوة سياسية تكون قادرة على كبح جماح القوى الثورية وإخماد براكين التمرد الأجتماعي. هذه ما جُلبَ الإسلام السياسي لأجلها وهذه بالضبط ما أثبتت الوقائع فشل هذا التيار الذريع في تنفيذها.
كان الإسلاميين وللعشرات من السنين، سلاحاً رجعياً بتاراً للطبقة الرأسمالية الحاكمة، تهدد بها القوى التحررية تارة، وتبرر بها سياساتها القمعية البوليسية في إرهاب المجتمع وقواها الساعية للتغيير تارة أخرى، وكان يُنظر إليها على الدوام كقوة أحتياطية فى اقصى اليمين، يمكن اللجوء إلى مخزونها الرجعي، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في حالات الطواريء وعندما تفقد كل الوسائل الأخرى مفعولها. لكن شهوراً قليلة من حكم هذه القوة الظلامية أظهرت للجميع و مقدمتهم الطبقة الرأسمالية، بأن الإسلام السياسي لم يعد الحصان الرابح الذي يمكن المراهنة على شدة بأسه وقوته الرجعية والاستبدادية.
فإنتفاضة الثلاثين من حزيران (يونيو) الذي حدد موعدها حملة تمرد قبل شهرين، لم تأت نتيجة لمبادرة جادة من شباب ثوريين فقط، بل جاءت كوثبة جديدة للحراك الثورى التي إنطلقت على خلفية أستمرار الأحتجاجات العمالية والجماهيرية التي تصاعدت في ظل حكم الأخوان بصورة غير مسبوقة، وذلك بأعتراف الجميع ومن ضمنهم محمد مرسي نفسه. كان ذلك كفيلاً بإقناع الطبقة الرأسمالية بأن النظام الأخواني ليس بقادر على قمع الأحتجاجات وتهيئة الأوضاع السياسية المناسبة للشروع المجدد في الإستغلال البشع للطبقة العاملة.
إن فشل الأخوان لم يكن أقتصادياً وإدارياً فحسب، كما يحاول بعض أجنحة البورجوازيه المنافسة لهم تفسيرها، بل هو فشل سياسي عن لعب دور لطالما وعد به، دور رأس الحربة للثورة المضادة، دور حركة رجعية من شانها أخماد الثورة و افساح المجال للبورجوازية لاستئناف استغلال الطبقة العاملة. فلو نجح الأخوان، أو أظهروا أي بوادر للنجاح، في قمع العمال والكادحين والشباب الثوري وأجبروهم على الرضوخ والتنازل عن مطالبهم وتطلعاتهم، لما تردد فلول النظام السابق والجيش وحتى جبهة الإنقاذ، عن قبول الحكم الإسلامي والإصطفاف في الصلوات خلف الإمام الأخواني. لكن الأخوان فشل في ذلك. هذه هزيمة استراتيجية لتيار الإسلام السياسي على مستوى المنطقة كلها وستكون لها تداعيات ونتائج سياسية وأيديولوجية عميقة على المستوي العالمي ايضا. سقط هذا التيار، ليس أمام الحركة التحررية الثورية فقط، بل في نظر الطبقة الرأسمالية التي راهنت على قدراته في رسم الأطر السياسية والأيديولوجية الجديدة لإدامة نظام العبودية المأجورة في المنطقة.
لاشك بأن الطبقة الرأسمالية ستعيش بعد سقوط مرسي ونظام الأخوان في مصر اياماً حالكة. فهي محاصرة بأحتجاج مجتمعي وموجات هادرة من الاحتجاجات العمالية والجماهيرية والشباب الثوري من الأسفل وبالصراعات بين أجنحة الثورة المضادة من فوق. إن الأزمة الطاحنة التي تغرق فيها الرأسمالية العالمية، أحتراق البدائل القمعية للبرجوازية أمام إصرار وتجذر الحراك الثوري و تراكم التجارب وتطور وعي العمال والكادحين في مصر وتهاوي جدار الخوف، كلها عوامل تجعل العملية الثورية مستمرة وليس من السهل على البرجوازية إنهاءها في المدى المنظور.
من الواضح إن هذه الأوضاع توفر فرصة أمام التدخل السياسي المؤثر للطبقة العاملة، بل حتى القيام بالثورة العمالية وبناء سلطة عمالية ثورية تحت راية الأشتراكية في مصر. ما يجعل الخطوات بهذا الأتجاه تتعثر هو ضعف الأستعداد السياسي والتنظيمي للطبقة العاملة وطليعتها الثورية. فمن الضروري أن نسأل ما الذي يمنع عشرين مليون متظاهر محتج أن ينزل إلى الشوارع لأجل تحقيق شعارات الثورة في الخبز والحرية والعدالة الأجتماعية، من أن تستولي على السلطة السياسية فور اندلاع هذه الانتفاضة الثورية الهائلة وأن تمضي إلى تشكيل مؤسساتها السياسية والجماهيرية لممارسة السلطة في المحلات ومن أن تحكم نفسها بنفسها، أو أن تخلق حالة من أزدواجية السلطة في أول خطوة على الأقل؟ لماذا لا تستطيع حركة جماهيرية وحشد قل نظيره وقد أسقط النظام بصورة فعلية وأعلن ذلك للعالم، في أن تبادر إلى تثبيت إنتصارها وتنفذها بيدها الجبارة؟ لماذا كان لزاماً عليها أن تقبل بتدخل الجيش كأداة تنفيذ؟ فقد نجحت مجموعة صغيرة من الشباب في حركة تمرد من حشد الملايين لأجل تحقيق مطلب عزل محمد مرسي، وقد أعلنوا في الميادين سقوط نظامه، لكنهم ظلوا يهددون بأستمرار المظاهرات والأعتصامات، في الميادين وأمام القصور الرئاسية، دون التفكير باقتحام مراكز الحكم وإعلان حكومة الثورة. حتى جاءت قيادة الجيش، التي لم تتوانى عن أرتكاب أبشع الجرائم بحق الثوار قبل بضعة شهور، في محاولة لتجميل صورته و أن يظهر بمظهر المخلص الوفي للجماهير!!
يقال و يكتب الكثير في مديح الشباب الثوري الذي يضحي بنفسه لأجل التغيير، يبادر إلى تنظيم الحركات الأحتجاجية المليونية و لكنه "يترفع" عن المحاولة للوصول إلى السلطة، بل يؤثر الأحزاب السياسية ورجالات السياسة على نفسه و يترك السلطة لقمة سائغة لهم. لكن تلك هي النقيصة الحقيقية في ثورة مصر، التي لن تتطور، إلا إذا شخصت بنفسها نقاط ضعفها وأسباب تباطؤها وانتقدت نفسها بلا هوادة. هنالك في مصر، طبقة عاملة مناضلة و ذات تقاليد كفاحية رصينة. لكنها، هي وقياداتها الأشتراكية أسيرة للنظرة المتواضعة لنفسها. كأن التأريخ قد كتب على جبين هذه الطبقة أن تتصارع لأجل حقوقها الإنسانية البدائية و تبقى إلى الأبد اسيرة سعي سيزيفي متواصل لتحسين شروط إستعبادها، وكأن السلطة السياسية هي من الفواكه المحرمة عليها، أو هي من ضمن الحقوق البديهية للطبقة الرأسمالية المستغِلة. إن زهد الشباب الثوري فيما يتعلق بالسلطة وإيثارهم للأحزاب البرجوازية على أنفسهم في موضوع الحاكمية، ما هو إلا تجسيد لتلك الروح المتواضعة التي تعامل بها طليعة الطبقة العاملة، وهي طليعة جميع المستغَلين والمضطهدين في الظروف الحالية، نفسها.
لن تدخر البرجوازية جهداً في سبيل إعادة عقارب الساعة إلى الوارء، وإعادة إنتاج الأستبداد السافر. فلا ملاذ لسلطة هذه الطبقة ولا حل لأزمتها الطاحنة، إلا في فرض المزيد من الفقر المطلق على الملايين من العمال والكادحين في مصر، ويبقى القمع والأستبداد السافر، ضرورة ملحة لإنجاز هذه المهمة. ستصطدم رغبة الطبقة الحاكمة هذه بالإرادة الصلبة لجماهير مصر المستيقضة، ستطول المعركة، لكن النهاية ستأتي ذات يوم وستكون واحدة من أثنتين في نهاية الصراع، إما إنتصار البروليتاريا الثورية وإسقاط سلطة الطبقة البرجوازية برمتها، أو هزيمة الثورة و تصفية الثوار. لا بديل عن السعي لأجل تنظيم وحشد القوى حول ستراتيج بروليتاري ثوري لأجل بناء سلطة عمالية، و لا حظ من النجاح لهذا البديل دون تبني تصور سياسي واضح حول إمكانية وضرورة تحول الثورة إلى سلطة فوق الجميع.
يستوجب النضال لاجل طرح و بناء البديل البرولتاري حيال التطورات القادمة في المرحلة الثورية الجديدة، أي ما بعد الثلاثين من يونيو، من منظار الشيوعية البروليتارية. ينبغي، لأجل أنتصار الثورة، التحرك على كلا الصعيدين الجماهيري-المحلي والسياسي-الحزبي. يجب التحرك نحو تنظيم القيادات الميدانية وتشكيل نواة أجهزة سلطة الجماهير في المحلات والمعامل، وتنظيم الصفوف على الصعيد الشامل في حزب عمالي ثوري ببرنامج واضح لأستمرار الثورة و التصدي للمحاولات الدموية لکافة اجنحة الثورة المضادة لاجهاض ثورة الثلاثين من يونيو، و بهدف إنجاز الثورة العمالية و بناء سلطة عمالية ثورية تأخذ على عاتقها دحر مقاومة الثورة المضادة و تحقيق التحول الأشتراكي في المجتمع.
ينبغي على القيادات العمالية والجماهيرية والشبابية توحيد صفها حول برنامج عملي لأستمرار الثورة، تتمثل في تشكيل حكومة ثورية مؤقتة تمثل الثورة، قواه الفاعلة و أهدافها المعلنة و تستند على الإدارة المباشرة و الحرة للجماهير المنظمة في اللجان الشعبية في المحلات وأماكن العمل. حكومة تتألف من ممثلي كل القوى السياسية المساهمة في الثورة من 25 يناير 2011 حتى 30 يونيو 2013، ومن قيادات المنظمات والحركات العمالية و الجماهيرية المعروفين والذين يقر لهم الجميع بالدور الريادي في الثورة منذ بدايتها وحتى الآن. حكومة تضع وتنفذ، في فترة محددة من الزمن لا تتجاوز السنة، خطوات ومهام فورية ينبغي تحقيقها دون ابطاء مما يوفر الفرصة المناسبة للجماهير لأختيار النظام السياسي المقبل بحرية، من أهم تلك الخطوات:
- إلغاء الدستور الأخواني نهائياً و جميع القوانين المقيدة للحريات التي صدرت أثناء حكم الأخوان
- مواجهة مؤامرات الثورة المضادة، سواء الإسلاميين و تحركاتهم الإرهابية أو فلول النظام المباركي وسعيهم إلى العودة إلى مراكزهم القديمة
- حل كل الأجهزة القمعية والتطهير الكامل لكل الأجهزة الأمنية من فلول مبارك.
- الاطلاق الفوري لسراح السجناء السياسيين وناشطي الثورة على وجه الخصوص.
- إعادة محاكمة رموز نظام مبارك، ومحاكمة المسئولين في النظام الأخواني عل كل الجرائم و في مقدمتها قتل المتظاهرين.
- فصل الدين عن الدولة، إبعاد الدولة عن الهويات الدينية لقطع السبل على محاولات تقسيم المجتمع وفق الهويات الدينية و الطائفية.
- إقرار المساواة التامة بين المراة والرجل وإلغاء كل القوانين التي تستند على أساس التمييز الجنسي ضد النساء.
- إقرار و تحقيق الحرية الغير مشروطة للتنظيم والاضراب والتجمع، إقرار الحرية السياسية بدون قيد وشرط،
- تعيين الحد الادنى والاقصى للأجور بحيث يتناسب الحد الادنى مع حياة مرفهة ولائقة. و لا تزيد الحد الأقصى عن عشرة أضعاف الحد الأدنى.
- إعادة فورية لملكية جميع الشركات المخصخصة إلى القطاع العام، إلغاء جميع الأتفاقيات الأقتصادية المجحفة بين مصر والشركات والدول.
- إقرار ضمان البطالة لكل المعطلين عن العمل، و المطالبين بالعمل.

رفاقنا المناضلين في مصر
مصر مهمة بل عظيمة الأهمية لنضالنا، وذلك لإحتضانها لطبقة عاملة غفيرة العدد، عريقة التأريخ، وعظيمة القدرات الظاهرة منها والكامنة. مستقبل مصر وثورتها هي مستقبل منطقتنا وثورتنا العمالية في كل بقعة منها. أهتمامنا بما يجري في مصر، سعينا المتواصل لكي نكون على أقصر مسافة من ما يجري فيها، مبعثها إننا أصحاب مستقبل فيها. في عالمنا المتصاغر على الدوام، تتهاوى الحدود أمام التحولات، الثورة في هذا العالم لم تعد ظاهرة محلية حتى في بدايتها. بإعتبارنا شيوعيون عماليون ثوريون، نعتبر الثورة في هذا البلد، التي لن تنتصر إلا إذا عبر مضمونها الطبقي عن نفسها و أصبحت ثورة عمالية من لحم و دم، ثورتنا. إنتكاستها إنتكاستنا وإنتصارها هي إنتصار لنا و لجميع المتطلعين إلى عالم أفضل.

النصر لعمال و كادحي مصر
عاشت ثورة مصر
عاشت الثورة العمالية

*فاتح شيخ وشةمال علي
أعضاء في مركز الشيوعية البروليتارية في العالم العربي
05-07-2013