لا تتركوا الميادين!


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4141 - 2013 / 7 / 2 - 15:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

1: بعد ثورة يناير 2011، تركت الجماهير الشعبية المصرية الميادين مرتين، عندما ظنت فى كلٍّ من المرتين أنها وضعتْ أهداف الثورة: "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية"، فى أيدٍ أمينة؛ فى أيدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى المرة الأولى عند تنحية الرئيس المخلوع السابق مبارك، وفى أيدى الرئيس المخلوع اللاحق محمد مرسى فى المرة الثانية عند انتخابه رئيسا للجمهورية. ونعرف ماذا فعلتْ بنا الأيدى الأمينة الأولى التى زعمت حماية الثورة، واغتصبت إدارة البلاد بالتحالف الاضطرارى المؤقت مع جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسى، وفرضت على مصر حكم هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة من إخوان مسلمين وسلفيِّين بانتخابات زيَّفتْ إرادة الشعب عن طريق تخييره بين كابوسين: مرسى و شفيق. كما نعرف ماذا فعلت بنا الأيدى الأمينة الأخرى عند انتخاب مرسى رئيسا للجمهورية الذى أوصل البلاد إلى حافة الحرب الأهلية وإنْ كانت لن تتجاوز حتى فى حالة حدوثها حربا أهلية خاطفة تطيح بحكم الإخوان المسلمين. وها نحن من جديد، وللمرة الثالثة، أمام أيدٍ أمينة جديدة فى شخص الجيش وقيادات القوى الحزبية "المدنية" وقيادات شباب الثورة؛ حيث تتحول قيادات هذه الأحزاب وقيادات هؤلاء الشباب إلى غطاء "مدنىّ" للسيطرة الفعلية على سلطة الدولة فى خدمة نفس الطبقة الرأسمالية التابعة، مروِّجةً دعاوى وأوهام وصول الثورة إلى سلطة الدولة. وفى المرة الأولى خدعت قيادة الجيش الجماهير التى أخلت الميادين على الفور من فرط ثقتها بقيادة الجيش، وفى المرة الثانية خدع الجيش والإخوان المسلمون والسلفيون الجماهير التى وقعت فى مصيدة انتخاب محمد مرسى رفضا لعودة نظام مبارك بشحمه ولحمه برئاسة شفيق؛ بدلا من مقاطعة الانتخابات باعتبار أنها تشكل إستراتيچية الثورة المضادة بكل قطاعاتها فى التصفية التدريجية للثورة الشعبية. وفى هذه المرة الثالثة يتمثل خطر إخلاء الميادين فى ترك مهمة تحقيق أهداف ثورة يناير فى الأيدى الأمينة للقيادة الجديدة للجيش وقيادات الثورة والمعارضة التى لا يمكن أن تستغنى قيادة الجيش عن توظيفها فى عملية قيادة وإدارة سلطة الدولة بوصفها سلطة الثورة الشعبية، والتى لن تتأخر عن الاستجابة لنداء قيادة الجيش؛ بإقناع نفسها بأن هذه الاستجابة نابعة من الحرص على مصلحة الوطن والشعب والثورة، عن سذاجة حينا وعن انتهازية متأصلة أحيانا.
2: ولا يعنى بقاء الجماهير فى الميادين أنه سيجعل هذه الجماهير قادرة على خلق حلّ ثورى جذرىّ ما دام ينقصها الوعى الثورى؛ فيما يسودها الوعى العفوى وبالأخص الوعى العفوى أو التلقائى أو الجنينى بأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية التى قادت إلى الثورة. وأقصى ما تستطيع هذه الجماهير الشعبية أن تحققه فى اللحظة الراهنة هو الدفاع العنيد عن أهداف الثورة فى ظل قيادة جديدة مستعدة لتجاهل تلك الأهداف أو "بَيْع" وعود الانفراج والرخاء والرفاهية بعد عام أو عامين من الصبر على الشدة وربْط الأحزمة على البطون. وبالطبع فإن حشود الجماهير الشعبية مدعوَّة إلى مقاومة إستراتيچية الثورة المضادة التى تتبلور سلطة دولتها الآن؛ هذه الإستراتيچية المتمثلة فى توظيف الانتخابات الپرلمانية والرئاسية ومسألة الدستور فى التصفية التدريجية للثورة الشعبية. ولا شك فى أن الثورة المضادة صارت الآن مسلحة بتجربة عامين ونصف حيث تستطيع قيادة جيش جدَّدت شبابها توظيف قيادات المعارضة وقيادات الثورة فى السلطة الجديدة فى تحقيق المهمة الأصلية المتمثلة فى التصفية التدريجية للثورة بصورة أكثر كفاءة وفاعلية بالمقارنة مع القيادة السابقة العجوز التى ظلت توظف، أثناء حكمها فى أعقاب الثورة، الإخوان المسلمين والسلفيِّين، واضطرت فى النهاية إلى تسليمهم السلطة. وهناك فرق كبير فى فاعلية خداع الطبقات الشعبية بين قيادة الجيش مع الإسلام السياسى وقيادة الجيش مع قيادات المعارضة والثورة.
3: والحقيقة أنه كان لا مناص، بحكم عدم الخبرة، من أن تقع حركة تمرُّد، رغم مجدها الحقيقى، فى خطأ الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة بصورة لا تتفق مع ضرورة تفادى إستراتيچية توظيف الانتخابات الپرلمانية والرئاسية والاستفتاءات ومسألة إعداد وإقرار دستور جديد فى التصفية التدريجية للثورة الشعبية، بل حتى بصورة لا تتفق مع المنطق الطبيعى المتوقع لمثل هذه الإستراتيچية المعادية للثورة وهو منطق الدستور أولا! ومن شأن بقاء حشود الجماهير الشعبية فى الميادين أن تقاوم هذه الحشود الشعبية هذا الشعار الذى جعلتْه حركة تمرُّد شعارها الأساسى، رغم بروز شعارات أخرى يمكن أن تتلاءم أكثر مع أوضاع انتقالية أفضل بوصفها "أهون الشرّيْن"؛ كالحديث عن قيادة جماعية، رغم أن هذه الشعارات سرعان ما تقع من جديد فى نفس الإستراتيجية الانتخابية المعادية للثورة بحذافيرها. كما أن من شأن بقاء حشود الجماهير الشعبية فى الميادين أن تكون هذه الحشود الشعبية ضمانة ضد أىّ مساومات أو صفقات أو ترتيبات مع العصابات المتطرفة الإرهابية المتمثلة فى جماعات وحركات وأحزاب الإسلام السياسى وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث ينبغى حلُّها جميعا جنبا إلى جنب مع حلّ مجلس الشورى الباطل، وحلّ مؤسسة الرئاسة الباطلة، وإلغاء الدستور الباطل. كما أن بقاء ويقظة حشود الجماهير الشعبية فى الميادين ضمانة لإحالة كل المسئولين الرسميِّين وغير الرسميِّين عن جرائم الحكم الإخوانى السلفى إلى المحاكمة العادلة.
4: ومن ناحية أخرى فإن شعار الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة تكريس غريب لمنصب رئيس الجمهورية ضمن جمهورية رئاسية بصورة تستبعد بلا مبرر ما تحتاج إليه مصر بالفعل والذى يتمثل فى جمهورية ديمقراطية پرلمانية؛ تكتسب طابعها الديمقراطى من الديمقراطية الشعبية من أسفل مهما كانت سلطة الدولة ديكتاتورية من أعلى، باعتبار أن حكم شكلٍ من أشكال الديكتاتورية الرأسمالية بمثابة قدرٍ لا فكاك منه فى ظل الرأسمالية المتقدمة والرأسمالية التابعة على السواء.
5: ولا شك فى الوقت الحالى فى أن المسار الفعلى لتطورات هذه الموجة الكبرى من موجات ثورة يناير يتجه إلى إسقاط وشيك لحكم مرسى والإخوان المسلمين، فيما يتجه الموقف الأمريكى والأوروپى والعالمى والإقليمى من الرئاسة الإخوانية إلى التغيير السريع. وقد بدأت مستويات من عنف جماعات الإسلام السياسى المتطرفة الإرهابية، وهناك تهديدات متواصلة واستعدادات واسعة للاتجاه إلى العنف واستباحة الدماء، وهناك إنذار من حركة تمرُّد بالتصعيد فى حالة عدم تنحِّى الرئيس المزيَّف مرسى قبل الخامسة من مساء اليوم الثلاثاء، وهناك إنذار قيادة الجيش الذى تنتهى مهلته غدا الأربعاء، وبصورة معبِّرة عن تردُّد مؤسسة الرئاسة تم تأجيل بيان لها لم تتسرب معلومات عن محتواه من مساء أمس الاثنين إلى مساء اليوم، وتتوالى الاستقالات من مجلس الشورى ومن الحكومة، كما "يدرس" مكتب الإرشاد تشكيل وحدات للدفاع عن مقار حزب الحرية والعدالة، وتُواصل حشود متزايدة العدد لقوى الإسلام السياسى الاعتصام عند رابعة العدوية وعند تمثال النهضة كما تتواصل تهديداتها بالعنف والدم والقتل والسحق، فيما بدأت اشتباكات أوقعت قتلى ومئات كبيرة من المصابين، وتتواتر أنباء عمليات نقل أسلحة تُحبطها الشرطة والقوات المسلحة واعتقال أولئك الذين يقومون بنقلها، وتعيش مصر فى كل محافظاتها حالة واحدة من أجواء حرب أهلية مهما كانت خاطفة فى حالة انفلات واتساع نطاق الاشتباكات الحالية.
2 يوليو 2011