درس عظيم من يوم النزول العظيم


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 4139 - 2013 / 6 / 30 - 17:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نزل عشرات الآلاف من الكادحين إلى شوارع مصر و ميادينها و وقع ملايين الأشخاص على حملة تمرد ، و ذلك في موجة ثورية جديدة للإطاحة بحكم المرشد ، وجرت مواجهات في مناطق مختلفة أسفرت عن سقوط ضحايا و جرحى و اعتقال المئات و يأتي ذلك كاحتجاج على أوضاع سياسية و اقتصادية و اجتماعية تفاقم فيها الفقر و البطالة و غلاء الأسعار و التضييق على الحريات العامة و تورط فيها حكم الرجعية الدينية في بيع مصر للامبريالية و النفخ في نار الانقسام الطائفي و المذهبي بين الأقباط و المسلمين و السنة و الشيعة وصولا إلى تفشى ظواهر مثل ذبح المختلفين طائفيا و سحلهم في الشوارع و الساحات وسط صيحات الله أكبر ، وكل ذلك لتحويل كفاح الكادحين من المجال السياسي و الاجتماعي إلى مجال التقاتل على الهوية الطائفية و المذهبية حتى يستمر حكم الإخوان لمصر على مدى عشرات السنين القادمة .
و قد تعدى تأثير الرجعية الدينية حدود مصر ليشمل الأمة العربية قاطبة من خلال تشجيع الاصطفاف الطائفي وتغذية الصراعات المذهبية في انسجام مع خطة الفوضى والتفتيت التي تنفذها الامبريالية ، و هو ما تتجلى أثاره المدمرة خاصة في سوريا التي افتخر محمد مرسى بقطع العلاقات معها بينما لا يزال يحتفظ مثله مثل حسنى مبارك بعلاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني .
و اليوم فإن الرجعية الدينية المصرية في وضع ارتباك فالكادحون يملأون الشوارع و الميادين لا للاقتتال لأسباب عقائدية كما أرادت لهم أن يفعلوا و إنما لأسباب سياسية و اجتماعية فهم يريدون حرية الوطن و حكم أنفسهم بأنفسهم و الحصول على نصيبهم من الثروة كاملا .
إن الامبرياليين الأمريكيين هم السادة الحقيقيون للرجعية الدينية لذلك يدعمون بكل قوة حتى الآن حكم الإخوان لكنهم يدعمون أيضا أيضا البرادعى و عمر موسى و حزب الوفد الخ ..... أي اليمين الليبرالي المصري و لكن بدرجة أقل ، و هم يتركون الصراع بين الطرفين يتسع أكثر فأكثر و في الوقت المناسب يتدخلون لاختيار من يرونه الأقدر على خداع الشعب و إسداء الخدمات و توفير الاستقرار المناسب لمصالحهم على المدى الاستراتيجي .
و يراهن بعضهم على الجيش للقيام بانقلاب و حسم الصراع لصالح الكادحين متناسين أن الجيش المصري يتلقى أوامره من واشنطن التي لا تريد فتح الباب عاجلا أمام الانقلابات العسكرية ، التي إذا ما بدأت فمن الصعب التكهن بنهايتها فصغار الضباط والجنود الثوريين يمكنهم التفكير في الانقلاب على قادتهم هم أيضا فتعود ظاهرة الانقلابات التي عرفتها الأقطار العربية فيما مضى إلى الساحة السياسية مجددا ، و هي التي وجدت الامبريالية مصاعب في ضبطها و السيطرة عليها .
و فضلا عن هذا هناك " الشرعية الانتخابية " التي يريد الامبرياليون تغليف الأنظمة العربية بها حفاظا على الأسطورة التي روجوها عن " الربيع العربي " ، علما أن هؤلاء استعملوا سابقا مجلس الأمن و الجمعية العامة للأمم المتحدة للتدخل عسكريا في عدد من البلدان جرت فيها انقلابات على " الشرعية الانتخابية " ، مما سوف يوقعهم في مأزق لو دعموا انقلابا عسكريا في مصر الآن على الأقل .
ليوم 30 جوان 2013 أهميته في مصر ليس فقط من جهة الانتصارات أو الهزائم التي ستترتب عنه و إنما أيضا من جهة ما حصل إلى حد الآن مثل القدرة على حشد الجماهير في معارك مباشرة وتنظيمها مسبقا لأجل القيام بذلك و تقليص تأثير العفوية فالتعبئة تمت منذ مدة و جرى الاصطفاف على أساس مهمات معلومة ، و هذا كله يعد كسبا للمنتفضين و من شأنه الدفع بسيرورة الانتفاضات العربية قدما ، تلك الانتفاضات التي يخطئ من يتصور أنها قد أدركت نهايتها وهو ما بيناه في مناسبات سابقة .
ستنعكس أحداث " يوم النزول العظيم " في مصر علي بقية الأقطار سلبا أو إيجابا ، و ما يمكن قوله بخصوصها قبل بوحها بنتائجها أن الأمر يتعلق فيها رئيسيا بصراع بين اليمينين الليبرالي و الديني ، يستعمل فيه الشعب كقوة للضغط و المخاتلة للفوز بالسلطة السياسية أو كحد أدنى تقاسمها مع الطرف المقابل ، وهو ما يعنى أن الشعب يقاوم ولكن آخرين يغنمون ثمار كفاحه و هذا هو الدرس العظيم من يوم النزول العظيم غير أنه درس تكرر منذ 17 ديسمبر وحتى الآن دون استيعاب بذكر من قبل المعنيين الرئيسيين به ، وتفسر هذه المفارقة بضعف البديل الشعبي الثوري المستقل عن الامبريالية و هو ما يصح على بقية الأقطار، و هذا الضعف يمثل المشكلة الرئيسية للانتفاضات العربية التي يمثل حلها العتبة المفضية إلى حل بقية المشكلات ، بما يمكن جموع الكادحين من شق طريقها لا إلى التمرد فقط وإنما إلى الثورة أيضا .