عصبىّ قصة: روبرت فالزر


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4129 - 2013 / 6 / 20 - 06:13
المحور: الادب والفن     

أنا مُتْعَبٌ قليلا، منهَكٌ، مَدُوسٌ بالأقدام، مُصابٌ مملوء بالثقوب. مزَّقَنى قصف الهاون إلى مِزَقٍ صغيرة. أنا مُفَتَّتٌ قليلا، وآخذٌ فى التحلُّل، نعم، نعم. وأنا أغرق وأجِفُّ قليلا. وأنا مسلوق قليلا ومحروق، نعم، نعم. هذا هو ما تفعله بك. تلك هى الحياة. لستُ مُسِنًّا، على الإطلاق، بالتأكيد لستُ فى الثمانين، بحال من الأحوال، لكننى لم أعُدْ أيضا فى السادسة عشرة. ومن المؤكد تماما أننى مُسِنٌّ بعض الشيء ومستنزَف. هذا هو ما تفعله بك. إننى أتحلل قليلا، وأتفتَّت، ويتمّ تقشيرى إلى حدٍّ ما. تلك هى الحياة. هل صرتُ مُسِنًّا إلى حدٍّ ما؟ إيه! ربما؟ لكن هذا لا يجعلنى فى الثمانين، ولكنْ ليس بعيدا. وأنا صارم جدا، يمكن أن أجزم بهذا. ولم أَعُدْ صغيرا، لكننى لستُ مُسِنًّا، لا بالتأكيد. وأنا أشيخ، أتلاشى قليلا، لكن هذا لا يهُمّ؛ ولستُ بعدُ مُسِنًّا تماما، مع أن من المحتمل أننى عصبىٌّ قليلا ومُسِنٌّ. ومن الطبيعى أن يتفتَّت المرء قليلا بمرور الوقت، لكن هذا لا يهُمّ. وأنا لستُ عصبيا جدا، بالتأكيد، عندى فقط قليل من الضغائن. وأحيانا أكون غريب الأطوار قليلا وشاكيًا، لكن هذا لا يعنى أننى ضائعٌ تماما، فيما آمل. وأنا لا أشير إلى أننى آمل أن أكون ضائعا، لأننى أكرِّر، أنا بصورة استثنائية صلب وجاف. وأنا أتحمَّل وأصبر. وأنا بوضوح لا أخاف. لكننى عصبىٌّ أنا، قليلا، عصبىٌّ أنا بلا شك، من المحتمل جدا أننى عصبىٌّ، من الممكن أننى عصبىٌّ قليلا. لا، لا آمل هذا، لا يأمل المرء مثل هذه الأشياء، لكننى أخشى هذا، نعم، أخشى هذا. الخوف هنا أكثر ملاءمة من الأمل، ما من شك فى هذا. لكننى بالتأكيد لستُ مُبْتَلًى بالخوف، أما أننى قد أكون عصبيا، بالتأكيد تماما لا. عندى ضغائن، لكننى لستُ خائفا من الضغائن. إنها لا تُلْقِى فى روعى أىّ خوف على الإطلاق. "أنتَ عصبىّ"، قد يقول لى شخص ما، ويمكن أن أردّ بدم بارد، "سيدى العزيز، أعرف هذا جيدا جدا، أعرف أننى مُتْعَب قليلا وعصبىّ". وأبتسم، بنبل وبرود، فيما أقول هذا، الأمر الذى ربما ضايق الشخص الآخر قليلا. وشخصٌ يمتنع عن أن يتضايق ليس مفقودا بعدُ. وإذا لم أتضايق بشأن أعصابى، فلا شك إذن فى أننى ما أزال أتمتع بأعصاب جيدة، هذا واضح كضوء النهار، ومُنَوِّر. ويتبادر إلى ذهنى أن عندى ضغائن، أننى عصبىّ قليلا، غير أنه يتبادر إلى ذهنى بنفس القدر أننى بارد الدم، الأمر الذى يجعلنى مسرورا بصورة غير مألوفة، وأننى مبتهج الروح، رغم أننى أشيخ قليلا، وأتفتَّتُ وأتلاشى، وهذا طبيعى تماما وهذا شيء أفهمه بالتالى جيدا جدا. "أنتَ عصبىّ"، قد يقترب منى شخص ما ويقول. "نعم، أنا عصبىّ بصورة غير مألوفة"، سيكون ردِّى، وبالتأكيد سأضحك على الكذبة الكبيرة. "نحن كلنا عصبيون قليلا"، ربما قلتُ، وأضحك على الحقيقة الكبيرة. وإذا كان شخصٌ ما يزال يمكن أن يضحك، فإنه ليس بعدُ عصبيا بالكامل؛ وإذا كان يمكن أن يقبل شخصٌ حقيقةً، فإنه ليس بعدُ عصبيا بالكامل؛ وأىّ شخص يمكن أن يظلّ هادئا عندما يسمع عن محنة ما فإنه ليس بعدُ عصبيا بالكامل. أو إذا اقترب منى شخص ما وقال: "أوه، أنتَ عصبىٌّ تماما"، عندئذ سأردّ بكل بساطة بكلمات لطيفة مهذَّبة: "أوه، أنا عصبىّ تماما، أعرف ذلك". وسيتم إغلاق الموضوع. ضغائن، ضغائن، يجب أن تكون عند المرء، ويجب أن يملك المرء شجاعة أن يعيش بها. هذه ألطف طريقة فى الحياة. ولا أحد سيكون خائفا من قدْر قليل من الغرائب. فالخوف أحمق تماما. "أنتَ عصبىٌّ جدا!"
"نعم، تعالَ بالتأكيد وقلْ لى هذا بهدوء! أشكرك!"
هذا، أو شيء ما كهذا، هو ما سأقوله، بالقليل اللطيف والمهذَّب من متعتى. ليكنْ الإنسان مهذَّبا، ودافئا، وعطوفا، وإذا قال له شخص ما أنه عصبىّ بالكامل، فإنه يظل لا حاجة به مطلقا إلى تصديق هذا.
1916