سادة وعمال قصة: روبرت فالزر


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4127 - 2013 / 6 / 18 - 04:59
المحور: الادب والفن     

سادة وعمال
قصة: روبرت فالزر
Robert Walser
ترجمة: خليل كلفت (عن الإنجليزية)
لا توجد عندى أشياء كثيرة أقولها فى موضوع السادة والعمال. وتصطدم هذه المشكلة بعمق بالأوضاع الراهنة التى يبدو أنها حافلة بمخلوقات هم عمال لكنهم لا يحترمون أحيانا هذه الحقيقة المحدَّدة. ألا يحدث أن نحلم بأعيننا مفتوحة، ونرى دون بصر، ونحسّ دون إحساس، ونصغى دون أن نسمع، ألا يحدث كثيرا أيضا أننا، ونحن نواصل السير، نظلّ واقفين؟ يا له من تعاقُب لأسئلة هادئة، صلبة، جديرة بالاحترام!
اِقْتَرِبُوا، أيها البارونات الحقيقيون، فأنا سوف أحدِّد سمات الأنماط الحقيقية للسادة! السادة، فى نظرى، قلة نادرة لا تُقَدَّر بثمن، والسيد، فى رأيى، شخصٌ تمسُّه من حين لآخر الحاجة الغريبة إلى أن ينسَى أنه سيد. وفى حين يتميز العمال بالطريقة التى يحبُّون بها أن يتخيلوا أنفسهم سادة، يزدريهم السادة أحيانا، حاسدين بصورة مفهومة مباهج العمال وعبثهم؛ فالواقع أنه يبدو لى كحقيقة ثابتة أن السادة أشخاص متوحِّدون، بقدر ما هم على صواب دوما ويتوقون بالتالى إلى أن يعرفوا ما هو طعم ورائحة أن يكون المرء على خطأ، وهو الأمر الذى لا يمكنهم أن يعرفوه. والسادة يمكنهم أن يسلكوا السلوك الذى يشاءون؛ وليس هذا حال العمال، الذين لا يكفُّون بالتالى مطلقا عن أن يتوقوا إلى القيادة التى يفتقرون إليها، ورغم أنه يمكن القول على العكس من ذلك أن السادة غالبا ما يسأمون إدارتهم، فإنهم يخدمون ويُطيعون أكثر مما يُصدْرون الأوامر، وهو النشاط الذى يرون حياتهم تُمْتَصُّ فيه بشكل بالغ الرتابة.
"كم أود أن أتلقى ذات يوم توبيخا جيدا حقا!" – إنها رغبة يمكن أن تخطر بسهولة، فى نظرى، ببال هذا السيد أو ذاك، فى حين لا يعرف العمال شيئا عن مثل هذه الرغبات، التى لا تتحقق مطلقا. ليست الثروة وحدها ما يصنع سيدا؛ وكذلك، من جهة أخرى، ليس بالعامل حاجة إلى أن يكون بائسا مسكينا تدوسه الأقدام. والسيد، حسب اقتناعى، هو ما هو فى الواقع لأنه هو الذى يردّ على المطالب، تماما كما أن العامل هو ما يعتقد أنه يكونه لأن المطالب إنما تنطلق من شفتيه. العامل ينتظر؛ والسيد يجعل الناس ينتظرون. غير أن الانتظار يمكن أن يكون أحيانا باعثا على السرور مثل، أو حتى أكثر من، جَعْل الناس ينتظرون، الأمر الذى يتطلب القوة. ويمكن أن ينعم الشخص المنتظِر بالترف الحلو المتمثل فى كونه غير مسئول بحال من الأحوال؛ ويمكنه أثناء انتظاره أن يفكِّر فى زوجته، وأطفاله، وعشيقته، وهلمجرا؛ ويمكن بالطبع أن يفعل هذا أيضا الشخصُ الذى يجعل الناس ينتظرون، إنْ كان من شأنه أن يمنحه أىّ بهجة. غير أنه يمكن أن يحدث أن يرفض الشخص الذى يصعب وصفه والذى ينتظر، رفضا مطلقا أن يطرده من ذهنه وهذا عبء بطبيعة الحال.
"لعلَّ هذا التابع من أتباعى يبتسم الآن لنفسه بصفاء رائع"، هكذا يفكِّر؛ ويمكنه أن يلفظ نَفَسَهُ الأخير بكل سرور بغضب يليق بسيِّد، الأمر الذى يُخْرِجُهُ من وقاره تقريبا؛ أما واقع أن مثل هذا النوع غير المفهوم من الغضب ينبغى أن يكون ممكنا على الإطلاق فإنه يخصّ أخطار وضع السيد. وكثيرا ما يكون على السيد أن يكون شيئا أشبه بالسوپرمان، غير أنه يظل مع هذا مجرد إنسان، مجرد شخص، وهو يصيح قائلا: "اللعنة!"، خائفا من نفسه،إنْ جاز القول. "ألم يَبْقَ مُنتظرا لوقت طويل بما فيه الكفاية، هذا الرجل، إنه يعذِّبنى بصبره؟" ثم يضغط على زِرّ الجرس؛ أىْ يضرب الزِّرّ ضربة عنيفة، ويدرك فى الحال سُخْف انفجاره. وهو يوبِّخ متحمِّسا قادما بوحشية ميلودرامية ينبغى فهمه، ويمكنه أن يلتهم، مثل نَمِرٍ، الخروف الذى يترقب طابعه كسيد ورباطة جأشه، وبدلا من أن يُسْقِطه بصورة مدمرة فى عدمٍ واهن يلخبط أوراقا يبدو أنها تعطيه مظهر محترف، فى حالة ذهول، وكأن تلك الأوراق خُطاة فقراء، ولا فكرة عند العامل عما أصاب السيد الذى يغضبه أن يكون لديه إحساس، الذى يغدو مهانا بأن يكون قادرا من وقت لآخر على أن يكون بغيضا، الذى يكون مُحَطَّمًا تقريبا من الناحية العاطفية لكىْ يُنظر إليه على أنه مُحَطِّم، مع أنه ليس كذلك، ولا يريد أن يكون، ولا يستطيع أن يكون.
"دَعْنِى أساعدك!" إنهم فى أغلب الأحيان لُطفاء بطريقة لا توصف، الأشخاص الذين يكتبون مثل هذه التقلبات فى الكلام، ويمكن أن يسيطر مزاج رديء بصورة لا تُصَدَّق على شخص لديه مناسبة ليكتب: "أفترض بسهولة أنه جرى التعامل على الفور مع كذا وكذا".
والطاعة والأمر يمتزجان؛ وتحكم الخصال الحميدة السادة وكذلك العمال. وأنا أقدِّم هذا المقال بروح عمالية وأنظر إلى مَنْ يتبعه على أنه سيد أودّ التعارف معه راضيا بفرصة ما لكسب ما أعطيه له.
وتتطفل فكرتى إلى حد ما، بالطبع، وكأنها اقتربت للغاية من الحياة، التى ربما كانت قد صارت حساسة للغاية. ما الذى جعل الحياة هكذا؟ وهل ستستمر فى البقاء على حالها، أم تتغير؟ لماذا أسأل هذا السؤال؟ لماذا تأتينى أسئلة كثيرة إلى هذا الحد، بسلاسة، واحدا بعد الآخر؟ وأنا أعرف، على سبيل المثال، أننى أستطيع أن أعيش بدون أسئلة. وقد عشتُ بدونها وقتا طويلا، ولم أعرف شيئا منها. وعشتُ منفتح العقل، دون أن تغزونى أسئلة. وهى تنظر إلىَّ الآن وكأنه يوجد التزام بينى وبينها. وأنا، مثل كثير من الناس، صرتُ حساسا. والزمن حساس، مثل شخص يتوسل طالبا المساعدة، شخص حائر. والأسئلة تترجَّى وهى حساسة وغير حساسة. وتزداد الأسئلة صلابة. وربما كان الشخص غير الملتزم هو الأكثر حساسية. وتجعلنى الالتزامات، على سبيل المثال، قاسيا. وأولئك الذين يتسوَّلهم المتسوِّلون يتسوَّلون المتسوِّلين، الذين لا يفهمون هذا. وتُحملق فيهم الأسئلة بقلق، وهى ليست قلقة، وأولئك الذين يعتنون بها يهتمون بزيادة الأسئلة التى تنظر إلى أجوبتها على أنها غير حساسة. والشخص الذى لا يَدَعُها تُربك اتِّزانه للحظة يكون حساسا على مرأًى منها. وعندما تظهر له مُجابًا عليها، يجيب عليها. فلماذا لا يثق بها أشخاص كثيرون إلى هذا الحدّ.
1928