الشعراء قصة: روبرت فالزر


خليل كلفت
الحوار المتمدن - العدد: 4120 - 2013 / 6 / 11 - 09:11
المحور: الادب والفن     

الشعراء
قصة: روبرت فالزر
Robert Walser
ترجمة: خليل كلفت (عن الإنجليزية)
على سؤال: كيف يقوم مؤلفو الإسكتشات، والقصص، والروايات بتدبير شئونهم فى الحياة، يمكن أو يجب إعطاء الإجابة التالية: إنهم متشردون ومفلسون.
وهنا يُسْأَل بجدية: ربما كانت توجد استثناءات؟، عندئذ تكون الإجابة: نعم، توجد استثناءات، فى الحقيقة توجد، بقدر ما يوجد، أو يبدو أنه يوجد، كُتّاب يعيشون فى قصور ريفية قديمة، حيث، إلى جانب مهامهم الحقيقية كمؤلفين، يقومون بأعمال تجارية كثيفة ومربحة فى الألبان، والماشية، والحشائش. وعندما يأتى المساء، فى ضوء المصابيح يلتزمون بأن يكتبوا على الورق إلهاماتهم، سواء بخط يدهم هم، أو أيضا يُمْلُون على زوجاتهم، أو على ناسخ على الآلة الكاتبة، بحيث يمكن إنتاج نُسَخ نظيفة لطيفة. وبهذه الطريقة تأتى إلى الوجود بالكامل فصول مثيرة، ببطء ولكنْ تتوسع من ناحية أخرى إلى مجلدات، مثل تلك التى قد تسيطر فى نهاية الأمر على السوق.
وإذا سُئل، من جديد: كيف وأين، أىْ، فى أىِّ نوع من المسكن، يعيش الكُتّاب فى الغالب الأعمّ؟، تكون هذه هى الإجابة بكل بساطة: إنها لحقيقة واقعة أنهم يفضِّلون أن يعيشوا، فى كثير من الأحيان، فى الأدوار العليا، فوق، بمشاهد حولهم من كل ناحية، لأنهم من هناك يتمتعون بالنظرة الأوسع والأكثر حرية على العالم. وهم يُحِبُّون أيضا، كما هو معروف جيدا، أن يكونوا مستقلين وغير مقيَّدين. ودعونا نأمل أن يدفعوا الإيجار، أحيانا، بانتظام بقدر الإمكان.
ومن التجربة يمكن أن أقول أن الشعراء، الغنائيِّن وكذلك الملحميِّين والمسرحيِّين، نادرا جدا ما يقومون بتدفئة حجراتهم الرياضية أو الفلسفية. "إذا كنتَ تعرِق طول الصيف، يمكن أن تتجمَّد قليلا على سبيل التغيير طول الشتاء"، يقولون، وهكذا فإنهم يتأقلمون، بطريقة فى غاية الموهبة، مع كلٍّ من الحرّ والبرد. وإذا حدث، فيما يجلسون ويكتبون، أنْ صارت أرجلهم، وأذرعتهم، وأيديهم متجمِّدة من البرد، فإنهم يحتاجون فقط إلى تدفئة أصابعهم عن طريق التنفُّس عليها قليلا، أو، يمكن لكىْ يستعيدوا المرونة المفقودة فى مفاصلهم، أن يقفوا ويحرِّكوا أجسامهم، فى هذا الاتجاه وذاك، وعندئذ يأتى كمٌّ كافٍ من الدفء إليهم، من تلقاء نفسه. والتمارين الرياضية فعالة تماما، والأهم، فى إنعاش الذهن، الذى يكون قد تمّ إنهاكه فيصير بالتالى راكدا. وبصورة عامة فإن الطاقة الإبداعية، والأفكار الجيدة، والموجات الدماغية، والعزم الشعرى المتَّقِد يمكن أن تكون بلا أدنى شك، وفى كل الأوقات، بديلا مثاليا تقريبا لتلميع الموقد.
نعم، وقد عرفتُ شاعرا، وهو مؤلف أشعار ساحرة للغاية، استأجر لفترة حمَّام سيدة، مما يُغْرِى الواحد بالسؤال، إذا كان للواحد أن يسأل، بالطبع، ما إذا كان ينسحب بدماثة وفورا عندما ترغب السيدة فى أن تأخذ حمّاما.
وعلى كل حال، من المؤكد أن هذا المؤلف أحس بعدم الراحة بصورة غير عادية فى الحمام، الذى زيَّنه بخلاعة ورومانتيكية بمعاطف قديمة، وأقمشة، وخِرَق، وبقايا سجاجيد، وفى حدود ما هو معروف، اعتقد بصرامة وعناد أنه يعيش بالأسلوب العربى. فانتازيا، ياه، يا للسماوات يا للفانتازيا من مخلوقة لطيفة، وجذابة، ومبهجة.
ونحن نعتقد أن الكُتّاب قادرون على تلميع الأحذية مثل، أو ربما أفضل من، السيناتورات الذين يُمْلُون، أو على الأقل يقومون بإعداد مسوَّدات، قوانين بلد من البلدان. والحقيقة أن سيناتورًا أفضى إلىَّ ذات مرة، أىْ فى لحظة طيبة، بأنه كان يقوم بتلميع، وصيانة، وتنظيف أحذيته هو، وكذلك أحذية قرينته المحبوبة، بانتظام وبأعظم السرور. وإذا لم يكن لدى السيناتورات القياديِّين أىّ تردُّد، ولا أدنى تردُّد، عندما يتعلق الأمر بتلميع الأحذية، فلا شك فى أن أىّ كاتب كُتُب، لها قيمة دائمة، يمكن أن يؤدِّى هذه المهمة، وهى مهمة نافعة، لأنها مفيدة للغاية لاعتدال الأعصاب.
فهل الكُتّاب، بعد هذا، قادرون إلى حدّ ما على إزالة بيوت العنكبوت؟ يمكن الرد على هذا السؤال، دون مزيد من الاستقصاء التفصيلىّ والمضيِّع للوقت، بإيجاب سارّ. يمكنهم إلغاء بيت عنكبوت بمهارة الخادمة الأكثر خبرة؛ وهم فى تشويه وتدمير آثار هندسية بارعة، بكل بساطة، برابرة مثاليون، يتمتعون بمهمة الهَدْم بالطريقة الأكثر فظاعة، لأن هذا يرفع معنوياتهم.
وكل شاعر حقيقى يحبّ التراب، لأنه إنما فى التراب، وفى النسيان الأكثر سحرا، كما نعلم جميعا، يحبّ أعظم الشعراء على وجه التحديد أن يرقدوا، والكلاسيكيون، يشبه مصيرهم مصير قنينات قديمة من النبيذ، لا يتمّ سحبها، بالتأكيد، إلا فى مناسبات ملائمة بصورة خاصة، من تحت التراب وهكذا يتمّ رفعها إلى مكان الصدارة.
1917