الانتفاضة المدنية المتواصلة خطوة على طريق انقاذ الثورة


صلاح السروى
الحوار المتمدن - العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 02:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

كنت قد انتهيت فى مقال سابق بعنوان "السقوط الوشيك لتيار الاسلام السياسى" الى اعتبار أن الفشل الذى يمنى به حكم الاخوان بصورة يومية فى تحقيق الأهداف التى قامت من اجلها الثورة , بل والنكوص فى المجالات السياسية والاجتماعية - الاقتصادية (ناهيك عن الحريات الشخصية والموقف من الفن والفكر والتعليم والبحث العلمى .. الخ ) عن أوضاع ما قبل الثورة لهو قمين بجعل الثورة مستعرة ومستمرة حتى اسقاط هذا الحكم الفاشى وتحقيق الانتصار النهائى والشروع فى تحقيق مشروع التقدم والحرية والحداثة.
وفى هذا المقال سأواصل الحديث عن التطورات والمظاهر المستجدة التى تسفر عنها الممارسة السياسية للاخوان لنتأكد, ليس فقط من أن زوال هذا الحكم قد أضحى حتميا, بل أيضا من أنه قد اقترب حتى أصبح قاب قوسين أودنى. وذلك حسب التحليل التالى.
1- لقد تنامت وانتشرت المعارضة السياسية لهذا الحكم فى وقت قصير جدا حتى طالت قطاعات كانت تمثل حاضنتهم الرئيسية مثل الأرياف والأحياء الفقيرة فى المدن, وطالت بالتالى قطاعات اجتماعية واسعة, كانت تمثل المورد الثر للتجنيد والانتشار والتأثير, وذلك بتأثير من تفاقم الآزمة الاقتصادية ونقص المواد الرئيسية مثل المحروقات والأسمدة التى شعر بوطأتها فقراء الريف بوجه خاص, فضلا عن تآكل المصداقية السياسية وتراجع رأس المال الرمزى للجماعة الذى تركز فى القرى ومدن الأقاليم تحديدا, بعد التراجع عن كل الوعود وافتضاح سيل الأكاذيب التى تترى بالجملة فى أداء الجماعة السياسى. وهو ما يعنى أن الأساس الاجتماعى الذى تقوم عليه هذه السلطة آخذ فى التحلل ألا وهو تحالف البرجوازية المتدينة مع شباب وفقراء الريف. والدليل على ذلك انخراط أعداد هائلة من أبناء المدن الجامعية (وهم طلاب ريفيون فقراء كانوا دائما خاضعين لنفوذ الاخوان والجماعات المتأسلمة) فى الحراك السياسى المقاوم لحكم الاخوان, مما أدى الى تراجع فادح فى شعبية هذه الجماعة وحلفائها أسفر عن نفسه فى انتخابات الاتحادات الطلابية, التى شهدت لأول مرة منذ مايقرب من الثلاثين عاما هزائم ساحقة للاخوان, اللهم الا بعض جامعات الصعيد التى لم تصلها بعد أنباء السقوط الأخلاقى الواقع فعليا والسقوط السياسى الوشيك لهذه السلطة. أو ربما لم يشعر أبناؤها الذين ينتمون الى المناطق الأكثر فقرا منذ أيام النظام السابق بأن بؤسا اكثر مما يعانونه يمكن أن يحدث. وكذلك الأمر فى خروج المظاهرات من قرى وبلدات ريف الدلتا بعد أن كانت مقصورة على المدن الكبرى. مثل مظاهرات بلقاس وقويسنا وبسيون والعمار .. الخ.
2- كما أن معارضة الاخوان قد امتدت أفقيا لتطال قطاعات هى بطبيعتها لاتعمل بالسياسة وترى نفسها فوق صراعاتها الرخيصة, مثل رجال الهيئات القضائية الذين انخرطوا رغم طبيعتهم المحافظة فى موجة احتجاج أراها الأخطر والأكثر تأثيرا حتى الآن. لقد وجد القضاة أنفسهم, ربما لأول مرة فى التاريخ, وجها لوجه أمام محاولات تصفيتهم ليس بأشخاصهم (وهذا قائم حسب دعوة الشيخ عاصم عبد الماجد الى محاصرة منازل القضاة والمحاكم ودار القضاء العالى) بل تصفية المؤسسة القضائية بحد ذاتها.
فمع النكسات المتتالية والفشل المتتابع لهذه السلطة وانعدام قدرتها على خلق مشروعية ترتكز على تحقيق الانجازات وبناء شرعية الرضا والقبول العام أصبح اعتمادهم يتنامى بصورة رئيسية على الايهام بالشرعية عبر التعتيم والقمع ومحاولات الهيمنة على الفضاء القضائى والاعلامى. ومن ثم تنامت حساسيتهم للاحكام القضائية التى لاتتوافق مع مصالحهم وأهوائهم. بل ان الجهاز القضائى بحد ذاته قد أصبح يسبب لهم حساسية من نوع خاص جدا. ومن ثم كان عداؤهم الهستيرى للمحكمة الدستورية حتى وصل الأمر الى حد محاصرتها ومنع قضاتها من أداء عملهم, فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ القضاء المصرى وربما العالمى أيضا, لم يقو على اقترافها أشد حكام مصر استبدادا وعسفا. بل ان الكوميديا السوداء تتواصل الى ذروتها عندما يتم النص فى الدستور الجديد بمادة تؤدى الى تقليص عدد أعضاء هذه المحكمة الى أحد عشر عضوا وذلك ليتم الاطاحة بالعضو الثانى عشر من أعضاء المحكمة وهى المستشارة تهانى الجبالى. ولا أدرى كم البرم والضيق الذى يمكن أن يسببه وجود امرأة تشعل منصب القاضى فى هذه المحكمة رفيعة القدر, ولكن من الواضح ان الأمر عندهم يتعدى احساسهم بعداء هذه القاضية لمشروعهم السياسى , حسب زعمهم, ليأخذ بعدا نفسيا وأيديولوجيا أكثر منه مجرد مصلحة سياسية.
وتواصلت محاولات الهيمنة على الجهاز القضائى فتمت اقالة النائب العام عبدالمجيد محمود بطريقة غير قانونية وتعيين نائب عام جديد بذات الطريقة التى لم ترد فى أى عرف أو نص قانونى سابق, تحت ستار اعلان دستورى هو بدوره يمثل كارثة دستورية وقانونية غير مسبوقة.
ثم كانت ثالثة الأثافى عندما تم تقديم مشروع قانون السلطة القضائية الجديد والذى يقضى فى أحد بنوده بتقليل سن الاحالة الى المعاش ليصبح ستين عاما بعد أن كان سبعين. وهو ما يعنى الاطاحة بما يزيد عن ثلاثة آلاف من كبار شيوخ وقادة الجهاز القضائى, بدعوى تطهير القضاء. ولا أدرى علاقة التطهير بسن الاحالة الى المعاش. وهو ما يعد مذبحة للقضاة بكل معانى الكلمة. وهو ما جعل القاصى والدانى وليس القضاة فقط يشعرون أن القضية عند الاخوان تتمحور على التحديد فى الاجهاز المتعدد الجوانب والاتجاهات على أجهزة الدولة المصرية التى يمكنها أن تقف حجر عثرة فى وجه المشروع الاخوانى, ليس باعتباره مشروعا سياسيا تم قبوله واختياره من قبل الشعب, ولكن باعتباره مشروعا يتم فرضه بصورة قسرية وبغير الرضا والقبول الشعبى العام.
3- هانحن نصل الى نقطة بالغة الأهمية تتمثل فى رؤية الاخوان لمعنى الديمقراطية وموقفهم منها. فهم لم يؤمنوا يوما بالديمقراطية بل يرى بعضهم أنها تنتمى الى أفكار "الغرب الصليبى الكافر" على حد فهمهم, ولكن السبب الحقيقى فى رأيى ليس كذلك, بل ان الموقف الفكرى عندهم انما يتركز حول مقولة "السيادة للشعب", فهم يرفضون هذه السيادة بكل معانيها ويرون أن السيادة ينبغى أن تكون لله تبعا لمنهج الحاكمية الذى ورد عند أبى الأعلى المودودى وأكده واعتمد عليه سيد قطب فى كتابه معالم فى الطريق, ويتبع أفكاره معظم قادة الاخوان من الجيل الحالى. وهو ما عبر عنه بعض السلفيين فى الجمعية التأسيسة للدستور ولم يجرؤ الاخوان على اقراره نظرا لعدم جاهزية الشارع, الذى كانوا لايزالون مراهنين على امتلاكه, لقبول مثل هذه التصورات. لكن عبر عنه مرشدهم العام السابق عندما تحدث عن ضرورة "تربية الشعب" واعادة تأهيله دينيا. فالشعب عندهم يحتاج الى تربية واعادة تأهيل وليس الى الحرية السياسية والفكرية , ناهيك عن الحرية الشخصية.
4- ان الاخوان بذلك يكونون قد خرجوا عن أى معنى يمكن تصوره للديمقراطية التى لايمكن فهمها الا فى اطار حكم الشعب بصيغة معينة ودرجة معينة.. ومادام الأمر كذلك فان كل الأطر المحاسبية والقانونية والتشريعية والاعلامية يجب أن تكون تحت السيطرة للايهام بالشكل القانونى المؤسسى للدولة . ومن هنا كانت هجماتهم الشرسة وتربصهم الهستيرى الذى لا تحده حدود بالاعلام المستقل والقضاء الذى يجب أن يبقى مستقلا كذلك. لقد استغل الاخوان تفاهة الأحكام التى قضت بها المحاكم على رجال النظام السابق (وهو ليس ذنب القضاة على أى حال, فهم يقضون حسب الأدلة والدفوع المقدمة اليهم, بينما تكمن المشكلة فى أجهزة البحث والتحرى الموروثة من النظام السابق والتى ماكان منتظرا أن تقدم أدلة تدين رجالها وقادتها بأى حال) تماما مثلما استغلت أحكام البراءة على أعوان مبارك لتتم الاطاحة بالنائب العام من قبل, حسب الاعلان غير الدستورى سىء الذكر. فلقد استغلت السلطة الاخوانية ضعف هذه الأحكام هذه المرة لتتخذها ذريعة لوصم القضاة بجملتهم بأنهم موالون للنظام السابق ومن ثم وجب التطهير (حماية للثورة) حسب زعمهم, حيث يتم الزج باسم الثورة هنا على التحديد دون غيره من المناسبات, فلا عدالة اجتماعية ولا كرامة انسانية ولا استقلال وطنى ولا قصاص للشهداء مما نادت به الثورة يتم الانتباه اليه. وكما قلت آنفا فان الأمر كله مفضوح نظرا لانعدام وجود أية علاقة بين تقليل سن الاحالة الى المعاش والتطهير, اللهم الا اذا كان الولاء للنظام السابق مرتبطا بسن القاضى لا بانحيازه السياسى الذى لا يرتبط بالسن فيما أعلم.
5- وهنا تكون الحلقة قد أطبقت على الاخوان فكل مؤسسات وأجهزة الدولة ماعدا بعض أعضائها من المنافقين بالسليقة والمتذلفين بالخلقة ,وكل القطاعات الجماهيرية (من ريف وحضر) والمهنية (من محامين وصحافيين واساتذة جامعات .. الخ) تقريبا ..وكل الطوائف وأتباع المذاهب الدينية (من سلفيين ورجال الأزهر ومسيحيين وشيعة وصوفيون.. الخ), كل هؤلاء يرفضون دولة الاخوان .. مصر كلها ترفض حكم الاخوان , فهل سيستطيع الاخوان الانتصار على مصر؟؟
اننى قد لا أتصور أن الاخوان سيتركون السلطة غدا أو أن انقلابا عسكريا يلوح فى الأفق نظرا لاعتبارات سياسية داخلية وخارجية لاتحتمل مثل هذا الصنيع . وكذلك اعتبارات تعود الى طبيعة المجتمع المصرى وتجربته الخاصة مع الحكم العسكرى وطبيعة الجيش نفسه وعقيدته .. الى غير ذلك من اعتبارات. ولكننى أرى أن نهج الاخوان غير قادر ببنيته الهيكلية على احداث أى نوع متصور من الاستقرار أو الكفاية. فمشروعهم السياسى بطبيعته مشروع غير جماهيرى ومتناقض مع أولويات الجماهير. كما أنه لايتناسب فى درجة تحديه للوعى العام مع ما طرأ من تنامى هائل للوعى السياسى لدى جماهير وفئات الشعب المصرى, وكذلك ما طرأعلى التكوين النفسى والروحى لدى هذا الشعب. فلقد اكتشفت الجماهير قوتها واختبرت فاعليتها وقدرتها على التأثير الحاسم والباتر فى ثورة ملهمة بكل المعانى والمقاييس . وهو ما يجعل هذا المارد الجبار غير قابل لأن يعود الى القمقم, كما أن قوة على الأرض لم تعد قادرة على اعادته الى سيرته الأولى. كما أن التطورات التى طرأت على تكنولوجيا المعلومات والاتصال لم تعد تسمح بأى نوع من التدجين والوصاية على وعى هذه الجماهير .
من هنا نقول أن المشروع الاخوانى غير قابل للنجاح بأى مقياس .. لا بمقياس القبول العام فهو يخسر يوميا من شعبيته وجماهيريته, ولا بمقياس القسر والاكراه .. فلقد مضى ذلك الزمان الى غير رجعة .
6- بقى فقط لجوء الاخوان الى الخيار شمشون الذى يقوم على الاطاحة بكل المعا نى والقيم الديمقراطية ويستنفر قوى القمع والميليشيات ويمارس عملية استئصال وحشى لمعارضيه, فى تكرار بائس للنموذج الايرانى. وبوادر ذلك الافتراض واضحة للغاية ليس فقط فى ممارسات العنف المؤسسى (ان صح التعبير) الذى تمارسه عناصر الجماعة بدءا من ما حدث فى جمعة الحساب ومن بعدها أمام قصر الاتحادية والمقطم وصولا الى دار القضاء العالى قبل أيام ولكن أيضا فى التصريحات التى تظهر بين حين وآخر على لسان قادة الاخوان حول ضرورة تشكيل حرس ثورى (النموذج الايرانى الدموى) يتبع رئاسة الجمهورية .. وآخر تلك التصريحات ما جاء على لسان الشيخ صفوت حجازى قبل أيام. وهناك أيضا التصريحات التى تترى من أنصار الجماعة والمتحالفين معها, سواء من أقطاب الجماعة الاسلامية الذين يتلمظون لاستعادة ماضيهم الارهابى العنيف وبخاصة عاصم عبد الماجد وصفوت عبد الغنى, أو من قادة تيار حازمون وخصوصا تصريحات حازم أبو اسماعيل نفسه, التى تنضح استكبارا وغرورا بالكثرة ورضوخا لاغراءات القوة.
ان هذه التصريحات والممارسات التى تمت على الأرض(استعراض القوة العسكرى للجماعة الاسلامية فى أسيوط والاعتداء على الصحف وأقسام الشرطة من قبل جماعة حازمون) ليست بعيدة عن استراتيجية الاخوان باعتبارهم الفصيل القائد فى الساحة الاسلامية الآن وانما هى تصب مباشرة فى الاستراتيجية الاخوانية التى تعمل على تحويل الثورة المصرية المدنية الديمقراطية ذات الوجه الاجتماعى الى ثورة اسلامية خالصة لاعلاقة لها بالأهداف التى قامت من أجلها. وأخشى ما أخشاه أن يتصور قادة الجماعة أنهم بلجوئهم الى هذا الخيار يمكن أن ينجح مشروعهم. فذلك سيكون الخطأ التراجيدى الذى لاينفع بعده الندم. وهنا سيكونون قد دفعوا بالبلاد الى أتون معترك فادح التكلفة, ولكنه أيضا سيكون الخطأ التراجيدى القاتل الذى لاينفع بعده ندم. حيث سيكونون بذلك قد يكون كتبوا على جماعتهم حكما بالمحو الكامل من التاريخ, وستصبح الجماعة وتيار التأسلم السياسى كله أثرا بعد عين.
كل هذه السيناريوهات مطروحة وممكنة الحدوث حسب درجة تكييف قادة الاخوان وحلفاؤهم للموقف, وأيضا حسب درجة التصدى الشعبى وتصدى القوى السياسية لمخططاتهم غير الوطنية وبالطبع غير الديمقراطية. ولكن يقينى الثابت هو أن استمرار المقاومة المدنية والنضال السلمى والشعبى هو السبيل الى زعزعة هذه السلطة وعدم اعطائها الفرصة لتنفيذ مخططها الاجرامى
والنصر دائما للشعوب.