ماذا تنتظر الطبقة العاملة المغربية من الحكومة نصف ملتحية؟


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 4064 - 2013 / 4 / 16 - 20:12
المحور: الادارة و الاقتصاد     

أجرت الصحافية بجريدة المنعطف السيدة بشرى عطوشي حوارا مع عبد السلام أديب حول القرار الأخير لحكومة عبد الاله بنكيران والقاضي بتجميد 15 مليار درهم من الاستثمارات، فجاء الحوار كما يلي:


*الأستاذ الكريم توقع الكثير أن تكون الحكومة قد أعلنت عن قرار تجميد جزء من الاستثمارات العمومية تحت ضغط من اللجنة التابعة لصندوق النقد الدولي التي حلت بالمغرب مباشرة بعد الإعلان عن نسبة العجز الكبيرة في الميزانية، بالنسبة لكم ما هي قراءتكم في الموضوع؟

** أفهم من سؤالكم أنكم تعتقدون أن الحكومة قد تعرضت لضغوطات صندوق النقد الدولي من أجل تجميد جزء من الاستثمارات العمومية، لكنني لا أتفق مع هذا الفهم، ذلك لان الحكومة شريكة لصندوق النقد الدولي على الأقل منذ شهر يوليوز 2012 حينما حصلت على خط ائتماني قدره 6,2 مليار دولار تستعمله وقت الشدة، ومعلوم ان المغرب والاردن حصلا على مثل هذه التسهيلات مقابل اعلان عن نوايا. إذن فما تفعله الحكومة متفق عليه مع صندوق النقد الدولي وليس نتيجة ضغط من هذا الاخير.
في اعتقادي ان قرار تجميد جزء من الاستثمارات العمومية عبارة عن فرقعة سياسية تخفي وراءها الكثير من المناورات والمفاجآت، أقول هذا لكون الحكومة منذ بداية الألفية الثالثة على الأقل تلغي سنويا ما بين 8 و10 مليار درهم من الاستثمارات العمومية أو تنقلها الى ميزانية السنة اللاحقة، ويتم هذا الالغاء أو النقل في صمت. حاليا هناك قرار رسمي معلن لإلغاء 15 مليار درهم، مما أحدث ضجة اعلامية وسياسية كبرى، وقد واكب هذا الاعلان تصريح ادريس لشكر الكاتب العام للاتحاد الاشتراكي بان الحكومة تعتزم خصم 5 في المائة من أجور الموظفين والزيادة في اسعار الماء والكهرباء وزيادة ثلاث دراهم في المحروقات. فما هي القراءة الصحيحة لهذه الفرقعات الاعلامية والسياسية؟

هناك بالفعل أزمة عميقة في الاقتصاد الرأسمالي ببلادنا، والتي تعمقت حلقتها الاخيرة منذ سنة 2008، وقد شاهدنا انعكاسات هذه الازمة على عدة قطاعات كالنسيج والجلد والسياحة وصناعة السيارات والاشغال العمومية والصناعة التقليدية ... وأثر كل ذلك على عجز الميزان التجاري المتفاقم وعجز ميزان الاداءات ونقص النقد الأجنبي. كما شاهدنا التدابير الحكومية منذ سنة 2009 وما بعدها القاضية بمنح اعفاءات ضريبية للباطرونا واعفاءات من اداء واجب التضامن الوطني وامكانية تسريح 5 في المائة من الشغيلة وانتقاص الحد الأدنى للأجور، كما تحملت الميزانية العامة بشكل متواصل لجزء كبير من أعباء مواجهة الازمة سواء بإضافة نفقات جديدة أو من خلال تراجع المداخيل العمومية، وبطبيعة الحال اذا اضفنا الى كل ذلك ارتفاع فاتورة النفط وتحملات صندوق الموازنة فإن التوازنات المالية ستعاني من العجز والذي بلغ سنة 2012 حوالي 7 في المائة.

إذن فالأزمة الحالية هي وليدة عناصر صيرورة طويلة بعضها داخلي نتيجة تعمق التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج مما يعمق من ضعف السوق الداخلي ومن تزايد البطالة وضعف نسبة النمو وضعف خلق مناصب الشغل فبينما يلج سوق الشغل كل سنة حوالي 300 ألف شخص باحث عن عمل لم توفر الحكومة خلال الخمس سنوات اخيرة سوى اقل من 100 ألف منصب شغل وعناصر أخرى مرتبطة بأزمة النظام الامبريالي العالمي والتي لها تأثير مباشر على الاقتصاد المحلي نظرا لأن أزيد من 70 في المائة من الاقتصاد المغربي موجه نحو الخارج، مما يعني ان 70 في المائة من الاقتصاد المغربي مصاب بالشلل منذ خمس سنوات بسبب انعكاس الازمة العالمية.

الحلول التي تستهدفها الحكومة نصف ملتحية من خلال فرقعاتها السياسية منذ تنصيبها في 25 نونبر 2011 ، هي نفس الحلول التي تستهدفها الباطرونا والبرجوازية التبعية المحلية والبرجوازية المهيمنة على الصعيد العالمي بدون شريك. وقد بدأت هذه الحلول تتجلى مع انعقاد أول مؤتمرات مجموعة العشرين عقب انفجار آخر حلقات الازمة الاقتصادية العالمية سنة 2008، فدول مجموعة العشرين والتي تضم ثلثي ساكنة الكرة الارضية والتي تتحكم فيها عمليا مجموعة الدول الصناعية الامبريالية الثمانية الكبرى، اعتمدت أسلوبا لتدبير الأزمة يتمثل في تحميل الميزانيات العامة وبالتالي تحميل المكلف بدفع الضرائب تكاليف الأزمة وتبعاتها. ومنذ ذلك الحين أصبحت الميزانيات العامة تضخ في خزائن الشركات والابناك الملايير من الدولارات. لكن بدلا من أن تتحسن احوال الاقتصاد الرأسمالي، حدث العكس تماما مما اسقط أسلوب تدبير الأزمة بدوره في أزمة مديونية الدولة والتي أوصلتها الى حافة الإفلاس، اليونان نموذجا.

إذن فحكوماتنا في اطار بحثها عن حلول للازمة المحلية المزمنة والتي عمقتها الازمة العالمية تلجأ الى المؤسسات المالية الدولية وخبرائها، وبالتالي فإن الحلول التي تختارها لا تخرج عما هو معتمد على الصعيد العالمي. فنفس الحلول المعتمدة في الدول الاوروبية المتأزمة كاليونان والبرتغال وايطاليا واسبانيا ... ستعتمد في قالب مغربي، وخير وسيلة لتحقيق تلك الحلول هو خلق نوع من الارتباك والقلق في النفوس واطلاق العديد من الفرقعات السياسية والتهويل من حجم الازمة وانعكاساتها مما يجعل المواطن البسيط المتلقي يطمئن الى ان اجراءات الحكومة رغم قساوتها فستحميه من "غول ميتافيزيقي" اسمه "الأزمة".

ونتذكر جيدا شهر يونيو من سنة 2012 حينما زيد في اسعار المحروقات والتي بررها حينذاك نجيب بوليف بانها في مصلحة الفقراء كما بررها عبد الاله بنكيران بانها افضل من اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، تم توالت بعد ذلك الفرقعات السياسية من قبيل الغاء صندوق المقاصة والزيادة في سن التقاعد وتقليص راتب التقاعد. وكلها أساليب لتهييء الرأي العام لما هو أسوأ.

قرار تجميد 15 مليار درهم من ميزانيات استثمار مختلف الوزارات واكبه تصريح لمسؤول البنك العالمي في شمال افريقيا، حول عمق الازمة بالمغرب وضرورة مواجهتها بلجوء الحكومة الى اصلاح صندوق المقاصة وانظمة التقاعد وتقليص عدد العاملين بالقطاع العمومي ... وقد قدم مسؤول البنك الدولي هذا التصريح امام وزير الاقتصاد والمالية والوزير المنتدب المكلف بالميزانية. وفي أغلب الضن ان قرارات كبرى لا شعبية قد تتخذ بعد مرور "احتفالات" فاتح مايو.

* يؤكد البرلمانيون أن القرار لم يحترم القاعدة الديمقراطية على اعتبار انه لم يناقش داخل البرلمان لإعطائه المشروعية ما تعليقكم؟

** قد نتحدث عن أخطر من ذلك وهو أن مثل هذا الاجراء كان يجب ان يتم بواسطة قانون مالي تعديلي وليس من خلال قرار حكومي فقط لكننا تعودنا بأن البرلمان البرجوازي يقدم عادة في مثل هذه الحالة مسرحيات هزلية بئيسة تجعل المواطن المغلوب على أمره يعتقد أن هناك من يدافع عن مصالحه داخل هذا البرلمان البرجوازي، لذلك يرتكن الى الوهم، وحينما يتم اتخاذ الاجراءات اللا شعبية يعتقد بأنها أفضل من الاجراءات التي قد تتخذ خارج تلك المسرحية الهزلية التي تلعبها الاغلبية والمعارضة. كما يلعب الوازع الديني اليوم تخديرا موضعيا اضافيا "للمواطنين المؤمنين" معتقدين ان "ذئاب السياسة" داخل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية المتدين أكثر من الأحزاب الأخرى يتخذون اجراءات مؤلمة لكنها مفيدة لانقاد المغاربة من "الأزمة" التي تسببت فيها الحكومات "الكافرة" السابقة، في حين ان تلك الاجراءات لن تفيد في الواقع سوى رأس المال المحلي والامبريالي على حساب الطبقة العاملة المقهورة.

* كما تتبعتم التخفيض من ميزانية الاستثمار وكما يرى الفرقاء الاجتماعيون فالتخفيض هم عددا من القطاعات الاجتماعية ما هو تأثير ذلك على الوضع الحالي.؟

** كما أشرت سابقا أن المقصود من الفرقعة الاعلامية لتجميد 15 مليار درهم من الاستثمارات في الميزانية العامة كفيلة بخلق الرعب المنشود من أجل تحمل اجراءات أخرى لا شعبية. فالجميع يعلم أن الدينامية الاقتصادية الرأسمالية الداخلية تقودها قاطرة الاستثمارات العمومية، لأن هناك المئات ان لم نقل الآلاف من المقاولات الصغرى والمتوسطة وحتى الكبيرة التي تقتات من هذه الاستثمارات عن طرق اقتصاد المناولة، مما يعني ان تجميد 15 مليار درهم سينعكس سلبا على هذه المقاولات ويصيبها بالجمود والكساد، مما سيدفع الى تسريحات فردية وجماعية تزيد من حجم الجيش الاحتياطي من العاطلين عن العمل.

*خلق القرار أيضا، بغض النظر عن المعارضة، ارتجاجا داخل صفوف الأغلبية بالحكومة، ما تعليقكم ؟

** ان المسرحية التي تجري أمام عيوننا داخل البرلمان وتدفعنا الى الاعتقاد بأن هناك لعبة ديموقراطية بورجوازية سليمة تحدث، بل وأن مثل هذه القرارات اللا شعبية قد تحدث حتى داخل الأغلبية الحكومية ارتجاجات، تؤشر على سلامة اللعبة السياسية في بلادنا. لكن الواقع هو ان السياسي تابع أعمى للاقتصادي، بمعنى أن المتحكم الفعلي في اللعبة السياسية ليست هي الاحزاب السياسية والمركزيات النقابية الخاضعة لهيمنة بيروقراطية جامدة من خلال نمط فكر برجوازي صغير اناني وانتهازي، بل المتحكم في اللعبة السياسية هي البرجوازية المحلية والدولية والتي تضع استراتيجيات وتاكتيكات لتمرير مخططاتها اللاشعبية، أما رأي الأغلبية والمعارضة ومزاجهما فلا أهمية لهما أمام المصالح الاقتصادية الرأسمالية والتي يجب حمايتها على حساب مصالح الطبقة العاملة.