تونس أسقطت الطابق العلوي من منظومة الفساد والاستبداد


نايف حواتمة
الحوار المتمدن - العدد: 4060 - 2013 / 4 / 12 - 15:12
المحور: مقابلات و حوارات     

فيلسوف الثورة الفلسطينية، "نايف حواتمة" لـ "التونسية" (1): تونس أسقطت الطابق العلوي من منظومة الفساد والاستبداد
308382013
مصر تعيش مرحلة "أخونة الدولة جسرا لأخونة المجتمع"
في تونس هناك "تكتيك" وفي مصر هناك استراتيجية اخوانية
حاوره: محمد بوغلاب
إن كان أبو عمار - ياسر عرفات - هو «ختيار» الثورة الفلسطينية وجورج حبش حكيمها فإن نايف حواتمة هو فيلسوف الثورة ، بل إن كثيرين يعدّونه «لينين» اليسار العربي بلا منازع، فللرجل عشرات المؤلفات تدور جلها حول القضية الأم، قضية الشعب الفلسطيني...
ولد نايف حواتمة الحامل للجنسية الأردنية منتصف الثلاثينات، درس الطب بجامعة القاهرة وإنقطع عن تخصصه العلمي قبل أن يصبح طبيبا، ليدرس لاحقا الفلسفة وعلم النفس بالعاصمة اللبنانية بيروت وأكمل شهادة الدكتوراه في موسكو عاصمة اليسار العالمي في تلك الأيام بدكتوراه عن التحولات في الحركة القومية: من حركة وطنية عامة إلى حركة يسارية.
تأسست «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» سنة 1969 ويعدّ نايف حواتمة اليوم من آخر القادة التاريخيين للثورة الفلسطينية ويعيش متنقلا بين عدة عواصم عربية من مصر إلى عمان، وقد تردد قبل شهر أنه تعرض لبعض الجروح إثر إنفجار وقع قريبا من مكاتب الجبهة بدمشق وهو ما عده البعض من المحللين إستهدافا شخصيا للرجل.
في مقر «القطب الحداثي» غير بعيد عن جريدتنا، كان لقاؤنا بفيلسوف الثورة الفلسطينية نايف حواتمة الذي تحدث بآسترسال عجيب وكان من الصعب إيقاف سيل أفكاره لوضع سؤال فرعي هنا أو هناك...
عن فلسطين ومصر وسوريا كان حديثنا، وفي المقام الأول عن تونس بعد الثورة خاصة أن محدثنا كان واسع الإطلاع على المشهد السياسي في بلادنا وهو يتأهب لملاقاة رؤسائها الثلاثة في الساعات القادمة فضلا عن لقاء مرتقب مع «الشيخ» - كما وصفه هو ـ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة قائدة الترويكا الحاكمة...
زرت تونس قبل أشهر وتوجهت إلى داخلها(سيدي بوزيد) مهد الثورة، كيف وجدت تونس في هذه الزيارة الجديدة؟ هل تغيرت؟
-بالتأكيد، في المناخات الفكرية والسياسية، تونس تغيرت إلى حد ما ولكن هذه العملية طويلة لم تكتمل بعد وفي جميع الحالات تونس خطت خطوة إلى الأمام بإسقاط الطابق العلوي من منظومة الفساد والإستبداد في 14 جانفي وإنفتحت فضاءات جديدة امام الشعب التونسي بكل قواه الحية المتفاعلة من اجل بناء تونس جديدة تونس وطنية ديمقراطية تونس المواطنة والمساواة بين الرجل والمراة، إنفتحت آفاق جديدة بحكم إنتصار الثورة الشعبية على حكم الإستبداد نحو ما طرحته ساحات الثورة في شارع بورقيبة ومختلف مدن الثورة وأريافها في قفصة وسيدي بوزيد وتالة وغيرها. ولذلك حرصت في زيارة سابقة على أن أذهب إلى سيدي بوزيد وأن أترحم على قبر «سي محمد البوعزيزي» (كان لافتا أنه كلما ذكر إسم محمد البوعزيزي سبقته «سي» تقديرا لشهيد الثورة وشخصيا لم أسمع تونسيا واحدا تحدث عن البوعزيزي بهذا التقدير) كشكل من أشكال التأمل في ما جرى في هذه الشوارع والمناطق على يد الشبيبة التونسية التي بادرت بتحويل عالمها الثوري من عالم إفتراضي معلّق على شبكات التواصل الإجتماعي إلى عالم واقعي أفضى إلى الدعوة إلى إسقاط نظام حكم بن علي. إلتقيت بكثير من هؤلاء الشباب وعائلة سي محمد البوعزيزي لأستخلص درسا مهما هو أن الثورة التونسية هي ثورة كل الطبقات الوطنية صاحبة المصلحة في التغيير والتطوير وانها نقشت على صدر تونس وعلى صدر الشعوب العربية عنوانها الكبير «الشعب يريد» الشعب يريد الحرية والكرامة والخبز والديمقراطية والعدالة الإجتماعية.
في أيامكم، كان للثورة قائدها «الختيار» ياسر عرفات وحكيمها جورج حبش وفيلسوفها نايف حواتمة، أما الثورة في تونس كما في مصر واليمن فلا قيادات فكرية أو سياسية لها، هل تعدّ هذا نقطة ضعف في ثورات الربيع العربي أو نقطة قوة؟
-الثورة التونسية ثورة شعبية اصيلة إنطلقت على يد فعاليات شبابية من نخب أبناء الطبقة الوسطى والطبقات العاملة والطبقات الفقيرة ، صحيح انها قيادات غير حزبية وغير مسيّسة في جلها ولكن كان لديها حسها الإجتماعي العميق وطموحات شعبها للكرامة والمواطنة والعدالة الإجتماعية والديمقراطية السياسية والإقتصاديةوالإجتماعية ومراجعة التمشي الذي توخاه نظام بن علي مما جعل الإقتصاد التونسي إقتصادا تابعا في إطار الرأسمالية النيوليبراليةالمعولمة الوحشية مما أدى إلى تراجع في التنمية المستدامة الإنتاجية وتنمية الخدمات، وأيضا حسّ هذه القيادات الشابة الإجتماعي الذي عبرت عنه بالجمع بين الخبز والحرية والعدالة الإجتماعية وهذا كله من وحي الحالة الإجتماعية أي أن الثورة في تونس كانت تعبيرا عن إنفجارإجتماعي طبقي عريض شمل كل طبقات المجتمع ولكن أضيف أن هذه القيادات لا تجربة حزبية او تنظيمية هيكلية لها ولذا يمكن ان نقول إنها ثورة بلا قيادة سياسية موحدة.
هل أضرّ غياب القيادة السياسية بالثورة التونسية؟
-بالتأكيد، الثورة عندما تنشب وتنجح في إسقاط من تدعو إلى إسقاطه ورحيل من تدعو إلى رحيله فيفترض أن القيادات الثورية هي الوريث للسلطة السياسية القائمة.
التيارات الإسلامية في تونس ومصر هي التي حلّت محلّ الأنظمة البائدة، كيف يمكن فهم هذا الصعود الإسلامي بعد ثورات لم ترفع سوى شعارات الديمقراطية والدولة المدنية والحريات والكرامة والعدالة الإجتماعية بعيدا عن أي نفس ديني؟
-ليست الثورة هي من أفرز أنظمة حكم إسلام سياسي، الثورة كما سبق لي أن ذكرت عبارة عن بركان كبير وزلزال مجتمعي من قوى مدنية سلمية وبالتالي الأركان التي ثبتتها في الشوارع والميادين كلها مدنية وديمقراطية وتقدمية. لكن لأنه لم تكن لهذه الثورة قيادة سياسية موحدة ذات تجربة فإنها تعلمت في الميادين والساحات العامة ولذا لم تتمكن من الوصول إلى السلطة. الصراع نشب بعد رحيل الطابق العلوي للفساد والإستبداد بين الأحزاب التي كانت قائمة قبل الثورة ومن المحزن أن أقول إن القوى الديمقراطية وذات المضامين الإجتماعية التقدمية كانت مفتتة ومفككة ولم تأتلف في ما بينها بينما كان حزب الإسلام السياسي ممثلا في «النهضة» مهيكلا بقيادة موحدة وإستثمر الثورة كما إستثمر الحالة الصعبة التي يعيشها المواطن التونسي فقدم وعودا بأنه إن جاء إلى الحكم فسيغير هذا الواقع الصعب من فقر وبطالة. وأنا إطلعت على البرنامج الضخم الذي تقدمت به «النهضة» في إنتخابات 23 أكتوبر بينما الأحزاب ذات التكوينات الليبرالية واليسارية والديمقراطية لم تقدم برنامجا موحدا ولم تأتلف في جبهة سياسية موحدة ولذلك النتائج التي تمخضت، هي تعبير عن خارطة الأسر السياسية التي كانت قبل الثورة ولا تعبر مطلقا عن هؤلاء الشباب الذين نزلوا إلى الميادين والشوارع والساحات لأنهم ظلوا بنسبة كبيرة خارج التنظم السياسي والحزبي.
جددت قيادات «النهضة» في تونس كما قيادات الإخوان في مصر إلتزامها بالدولة المدنية وبمسار الإنتقال الديمقراطي فهل تثق في هذه التصريحات؟
-هذه مسألة تقرر على أرض كل بلد من بلدان الربيع العربي، لا يمكن أن نغفل أن هناك جامعا مشتركا بين الشعوب العربية عبرت عنه ثورة 14 جانفي في تونس و25 يناير في مصر وإنتفاضة الشعب اليمني وإنتفاضة الشعب السوري السلمية وحركات شعبية عديدة بأقطار المغرب العربي والأردن والبحرين...
(مقاطعا) لم تذكر ليبيا؟
-بالتأكيد ما حدث في ليبيا هي عملية وطنية وذات طبيعة ثورية لكن عمق الحكم الدكتاتوري لأسرة القذافي ومن حوله عطل قدرة هذه الإنتفاضة على امكانية الإنتصار. جانب آخر، العجز المرعب في الأنظمة العربية التي لم تقدم المساعدة والمساندة للإنتفاضة الناشئة في ليبيا. دعا سلاطين هذه الدول وحكامها إلى تفويض التدخل للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وحلف الناتو للتدخل العسكري المباشر في ليبيا تعبيرا عن عجز هذه الأنظمة وعن تقاطعها مع السياسة الأمريكية في المنطقة العربية ولذلك وقع ما وقع في ليبيا التي يدور بها الآن صراع بين القوى المدنية والديمقراطية من جهة والقوى المتخلفة تاريخيا وخاصة القوى ذات الطبائع السلفية المنغلقة على نفسها والتي تريد أن تعود بليبيا إلى العصور الوسطى.
أقول من جديد علينا أن نأخذ بخصوصية كل بلد عربي إلى جانب المشترك الذي سبق أن تحدثت عنه والذي تبلور في الساحات والشوارع إنطلاقا من ثورة الشعب التونسي، ولهذا فالشعارات التي نحتت في شوارعكم هي الشعارات الجامعة للثورات العربية «خبز حرية كرامة إجتماعية» وشباب كل بلد يصوغون الشعارات ذات المضامين الواحدة بأشكال تعبر عن خصوصية كل مجتمع.
علينا من جانب آخر أن نفحص خصوصية حركات الإسلام السياسي في كل بلد لأن حركة التطور الثقافي والإجتماعي والسياسي والطبقي في تونس تشكل حالة متقدمة مثلا على الحالة المصرية، في تونس أوسع طبقة متوسطة في العالم العربي ورغم أنّها بلد صغير فإنّ مجرى التطوّرات التي جرت فيها بدأت منذ سنة 1954 وخاصّة في العشرية الأولى من حكم بورقيبة التي كانت عشريّة حداثة وتحديث نقلت تونس إلى مفهوم المواطنة ووضعت صيغة ثقافيّة ذات طبائع تقدّميّة في البلاد لذلك كان اسم الحزب ليس فقط حزب القانون أي الدستوري بل كان الدستوري الإشتراكي ثمّ الإشتراكي التونسي ثمّ أسقطت الإشتراكيّة ليكون إسمه «التجمّع» وهذه التطوّرات أدّت إلى ظهور طبقة وسطى عريضة وحركة عماليّة نشيطة ومتطوّرة ونقابيّة وأحزاب ذات طبائع ديمقراطيّة تقدّميّة ويساريّة إضافة إلى حزب إسلامي سياسي ممثل في حركة «النّهضة». وبطبيعة الحال هذه المناخات أثّرت على الحزب الحاكم «النهضة» عبر تبنّيه شعارات ومواقف وعبر انفتاحه قياسا بالإسلام السياسي والقوى السلفيّة في مصر والدليل على ذلك عند مناقشة الفصل الأوّل من الدستور والمتعلّق بهويّة تونس استجابت الحركة لمطالب الشارع التونسي وتبنّت الفصل الأوّل من دستور 1959. كذلك الحال بالنسبة للمساواة بين الرجل والمرأة حيث انضبطت الحركة لذلك في انتخابات 23 أكتوبر 2011 بوجود 42 إمرأة من ضمن 89 عضوا كذلك تواصل تنازلها بعد الموجة الثوريّة الثانية التي عرفها الشارع التونسي حيث كانت في البداية متمسّكة بالإستحواذ على السلطة التنظيميّة في إطار «الترويكا» لكن أمام الضغط وجد الجبالي نفسه مضطرّا إلى التطوير من موقفه عبر دعوته إلى تشكيل حكومة كفاءات وعندما رفض مطلبه استقال ورغم ذلك قدمت «النهضة» حكومتها برئاسة علي العريّض وتنازلت عن وزارات السيادة وهذه العمليّة لا تجري بمصر على سبيل المثال فهناك تجد محمّد مرسي رئيسا والإخوان هم أصحاب القوّة النافذة راكبين مركب العناد لحرق المراحل بسرعة صاروخيّة للهيمنة على مفاصل الدولة وهو ما يسمّى في مصر باللغة الإجتماعيّة والسياسيّة «أخونة الدولة جسرا لأخونة المجتمع» وذلك دون تبنّي خطط مرحليّة تستجيب لموازين القوى التي تتشكّل في المجتمع.
هل الفرق بين «الإخوان» في مصر و«النهضة» في تونس هو فقط اختلاف تكتيكي يعني جماعة يؤمنون بحرق المراحل وآخرون أكثر ذكاء يؤمنون بسياسة المراحل؟
-الحقيقة لا أستطيع ان اعطي حكما صارخا في هذا لسبب أساسي ألا وهو انّ ميزان القوى على الأرض في تونس هو ميزان حراكي وليس ساكنا والنزول من «النهضة» لاستحقاق الطبقات الشعبيّة والعاملة والفقيرة والوسطى وقطاع الرأسماليّة التونسيّة وهي استحقاقات الثورة التونسيّة بموجب أركانها المتمثّلة في الخبز والكرامة والعدالة والديمقراطية وبالتالي هذا يعني لا لحرق المراحل نحو دكتاتوريّة مدنيّة أو دينيّة طائفيّة. لذلك أقول، توجد في تونس حركة تطوير رغم انّها بطيئة وهذا الإنفتاح النسبي المتفاوت على الإستحقاقات التي يجب ان تنزل عندها «النهضة» و«الترويكا» انت سميتها تكتيكا لكن التكتيكي يمكن أن يتحوّل إلى حالة إستراتيجيّة لكن ماهو موجود في مصر هو إستراتيجية إخوانيّة والإخوان هناك يريدون حرق المراحل دفعة واحدة لإحكام الهيمنة الكاملة وبناء نظام إخواني بدلا عن الهويّة المصريّة بعروبتها وإفريقيتها. فالهويّة اليوم هي أحد أشكال الصراع الدائر في الشارع المصري بكلّ مكوّناته اشتقاقا من الديمقراطيّة التعدّدية وتثبيتها تحت راية وسقف دستور ديمقراطي ينصّ على كلّ هذا ام أنّ الهويّة المصرية لا تقوم على المواطنة والمساواة بين الرجل والمرأة ولا تقوم على أركان الدولة المدنية الديمقراطية ودستور ديمقراطي جديد يستجيب لمتطلّبات التنمية المستدامة ولذا في مصر لم تتحرّك الامور بعد إسقاط النظام الإستبدادي الناجم عن زواج المتعة بين السلطة والمال بل نشهد أشكالا متعدّدة بالعودة إلى النظام القديم في المنهجيّة الإقتصادية والإجتماعيّة والعلاقات الإقتصادية في إطار الرأسمالية النيو ليبرالية المعولمة وشروط البنك الدولي ومنظّمة التجارة العالميّة نلاحظ عودة إلى الماضي وليس تقدّما باتجاه الثورة التي صنعها الملايين.
هل من الوارد الإلتقاء بأحد قيادات «النهضة»؟
-بالتأكيد نعم هناك موعد مع الشيخ راشد الغنّوشي وفي البرنامج كذلك ملاقاة الرؤساء الثلاثة فضلا عن وزير الخارجية لأنّ القضايا موضع بحث ساخن ولا تشمل فقط الحالة الفلسطينية بل تشمل كذلك الحالة في الثورات العربية أيّ إلى أين تتجه الأمور عامين بعد الثورة التونسية والمصرية وكذلك اليمنية فنحن لا نشهد تعاطيا مع القضيّة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بالمستوى النسبي ممّا تدعو إليه الثورات العربية الشعبيّة فهي تدعو إلى فلسطين حرّة مستقلّة وإلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلّة على حدود 4 جويلية 67 عاصمتها القدس العربيّة المحتلّة وتدعو إل حقّ اللاجئين في العودة وفق قرار الأمم المتحدة 194 وإلى إقرار منظّمة التحرير الفلسطينية الجبهة الوطنيّة العريضة للشعب الفلسطيني لأنّها الممثّل الشرعي والوحيد كذلك قرارات القمّة العربيّة التي انعقدت في الدوحة فهي لم تلحظ القرار الأممي الذي انتزعناه وهو اعتراف اممي لم نعد مجرّد سلطة للإرادة المدنيّة الذاتيّة المحتلّة.