من المؤسف أن تعقد أنظمة ما بعد الثورة صفقات مع الأمريكان


نايف حواتمة
الحوار المتمدن - العدد: 4059 - 2013 / 4 / 11 - 16:28
المحور: مقابلات و حوارات     

تونس (الشروق)
لا يزال يعيش في دمشق رغم المخاطر والمصاعب...ولا يزال نائف حواتمة يقبض على الجمر الفلسطيني والعربي والإنساني... يدلي بدلوه خطبا وتصريحات، لكن الرجل لا يزال على عهده بالكتابة...
عديدة كتبه التي يتناول فيها الشأن الفلسطيني والعربي...كما عهدناه دوما، يجعل من التفاصيل اليومية لحياة الشعوب الثائرة ضد الاستعمار والاستبداد، برنامجا وطنيا تقدميّا ينهض بالانسان، ويتبع سياسة جذرية، للقطع مع منظومات الاستبداد والفساد والعمالة للإمبريالية...
عندما يتحدث نايف حواتمة عن الثورة التونسية والمشهد في مصر واليمن وليبيا، تحسب أن الرجل يوزع إقامته بالتساوي مع هذه الأقطار العربية وسوريا التي يعيش فيها كأمين عام لفصيل وطني ثوري فلسطيني وأحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية...بكثير من الواقعية وكثير من الثورية والتقدمية، ولكن بقليل من البراغماتية التي يعرف من خلالها إلى أين يتجه، تحدث «أبو النوف» في هذا الحوار الشامل الذي خصّ به «الشروق» مشكورا.
كيف تقيم الوضع العربي اليوم من تونس إلى فلسطين مرورا بسوريا ؟ ولنبدأ من تونس ومصر على أساس علاقاتك المتميزة بهذين القطرين؟
-الانتفاضات والثورات والحراكات الشعبية نتاج الأزمات العربية الطاحنة والعميقة على امتداد الأربعين سنة الأخيرة حيث تربعت أنظمة الاستبداد والفساد الكموبرادورية والرأسمالية المتوحشة وتنكرت لاستحقاقات الشعوب في الخبز والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.
وعليه، كان الرّد انتفاضات وثورات حددت أركان مهماتها بمهمات كل ثورة وطنية ديمقراطية تجمع بين الحرية والعيش بكرامة والعدالة الاجتماعية وهذا يستدعي الربط بين هذه الأركان والتنمية الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والسياسية المستدامة.
لذلك أقول فورا ان كل هذه العمليات الثورية جرت في تونس وفي مصر وفي اليمن وفي ليبيا وفي سوريا، هي تعبير للشعوب لكسر الانسداد في فضاء أفق حلّ هذه القضايا الوطنية والديمقراطية الحداثية.
وهو ما أسميّه بالاستقلال الداخلي الثاني في حياة الشعوب العربية نعلم جيدا ان الانسداد في الأفق لأربعين عاما خلت، تمتد جذوره في الحياة العربية والحياة الاسلامية، ويمكن أن نقول إنها تمتد إلى مطلع القرن التاسع الميلادي حيث نهضت قمة الأفكار والاتجاهات الاجتماعية والسياسية زمن الخليفة المأمون الذي حكم من 813 إلى 833 ميلاديا.
هذا النهوض الكبير جوبه من الأرستوقراطية الحاكمة وقاعدتها الاجتماعية التي تستغل طاقات كل الشعوب وتمتص دماءها لصالح حياة مترفة فاسدة وتحكم القبضة الفولاذية على أهل الرأي لصالح قانون تقديم النقل السالف القديم على العقل، منذ تلك اللحظة نشبت حرب أهلية أطاحت بالمأمون قتلا وامتدّ الاستبداد حتى الأنظمة ما بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية، التي تركت شعوبنا في حرمان كامل من حضور العقل وسيادة دكتاتورية وإمبراطورية أهل النقل تحت قاعدة «السمع والطاعة» فالشعوب كانت رعايا وليست بشرا لها حقوق على السلطان أن ينزل عند إستحقاقات الشعوب.
الانتفاضات والثورات دفعت نحو هذه الاستحقاقات بدأت على يد حركات شبابية بنت عالما افتراضيا عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد أن يئست من أنظمة الحكم ومن الحياة الحزبية المتآكلة والمفككة التي لم تنتج حلولا بديلة على أنظمة الاستبداد والفساد فقد دعت بدءا من تونس وجاءت الشرارة من محمد بوعزيزي لتشعل تونس من أقصاها إلى أقصاها لأن تونس تمكنت بشعبها أن تبني منذ مطلع الإستقلال وخاصة في العشرية الأولى للاستقلال شخصية تونسية وثقافة اجتماعية متقدمة وتقدمية بدءا من مدونة الأحوال الشخصية وتأميم أملاك الأوقاف وتحويلها إلى العمل في دورة الاقتصاد ضمن عمل الدولة وهذا ما فتح آفاقا جديدة من أجل حلول جديدة ومن أجل الاستقلال الثاني وأقصد الخبز والحرية والتنمية والعدالة الاجتماعية.
عطل نظام الحكم بعد العشرية الأولى من الاستقلال هذه العملية وتطوراتها وأقفل على حكم دكتاتوري استبدادي لكن هذه التطورات ومجانية التعليم بنت طبقة وسطى عريضة أوسع مما هي في مصر أو في أي بلد عربي آخر.
لذا جاءت الشرارة والنهوض الكبير من تونس على يد حركات شبابية لم تمتلك برنامجا تفصيليا متماسكا للتنمية والعدالة الاجتماعية والحرية ولذا بدت بدون قيادة ذات خبرة سياسية وتنظيمية وانتصرت بقوة انحياز كل طبقات الشعب الوسطى والعامة والفقيرة فانفتح أفق جديد عن طريق ما أسميه الموجة الثانية في الثورة وهذا ما أدى إلى رحيل حكومتي محمد الغنوشي لتحديد مسار ومصير الثورة لتشكل بجانب ثورة قوة الإلهام ثورة المثل، ولكن تعثرت هذه العملية والثورة لم تكتمل بعد الحكومة الثالثة في ظل الموجة الثورية الثانية نزلت عند استحقاقات مجلس وطني تأسيسي جديد للانتخاب بدلا عن البرلمان وهذا صحيح وأمامنا التجربة المصرية التي اجتاحتها أزمة عميقة منذ رحيل مبارك إلى اليوم عندما قدمت الانتخابات الرئاسية قبل مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا ديقراطياً وقانوناً انتخابياً جديداً، يضع شراكة بين الذين نزلوا بالملايين، أي الكتلة التاريخية الجديدة صاحبة المصالح في جديد التاريخ ، في حياة كل بلد من البلدان العربية وهذا يشترط قانون انتحابات يقوم على التمثيل النسبي الكامل لتأمين شراكة وطنية لكل الإتجاهات والتيارات والقوى الطبقية التي تشكل كتلة التغيير للكتلة الثورية كانت هذه استحقاقات إلى جانب تحوير مدونة الأحوال الشخصية لحقوق المرأة وضمانها حتى لا تصادر حقوق المرأة ولا تدعوها إلى العودة إلى الماضي البعيد والمضطهد ويصادر المساواة في المواطنة.
أمس(الأول) ونحن في الطائرة قرأت فتوى لأحد العناصر السلفية تدعو المرأة التونسية «بجهاد النكاح» أي تقديم جسد المرأة تحت عنوان الإفراج الجنسي للمجاهدين في سوريا!
لا أدري ماذا فعلت القوى السياسية والحكومة ردّا على هذا، هذه مؤشرات تؤكد من جديد ضرورة النزول عند إستحقاقات الشعب لتصحيح مسار ومصير الثورة بدءا بإعادة النظر بالمنهج الاقتصادي والاجتماعي بما يضمن فعلا النزول عن دماء الشهداء مرة أخرى عند أركان الخبز والحرية والتنمية بعيدا عن هيمنة وأجندة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي التي تريد لكل بلد في البلدان العربية أن يكون خاضعا ويكون تابعا للسياسة «النيوليبرالية» يحددها المركز السياسي عالي التطور.
لكن يحدث أن بلدان الثورات العربية أنتج الصندوق الانتخابي فيها حكاما واصلوا منوال التنمية المرتبط بقرارات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ؟ أليس في الأمر مفارقة؟
من المؤسف أن هذا الأمر لم يبدأ ببحثه في أي بلد عربي عرف حراكا شعبيا... في مصر تعثرت الثورة وأخذت منظمات الشباب في عالمها الافتراضي من الثورة الشعبية التونسية «الشعب يريد اسقاط الاستبداد والفساد». و«الشعب يريد الخبز (العيش في مصر) الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، والمساواة في المواطنة.
لكن غياب قيادة سياسية منظمة في هذه الموجة الفورية الأولى لم يفتح على هذا الطريق ولم ينزل الحكم الذي ورث مبارك عند هذه الاستحقاقات والوصاية الأمريكية تم عقد صفقات أبعدت الثورة عن أهدافها.
إعلان دستوري كرّس كل عناصر الاستبداد القديم، رفض انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور ديمقراطي جديد يضمن هذه الأركان، وهي أركان الدولة المدنية الديمقراطية لكل مواطنيها على قدم المساواة رجالا ونساء اثنيات وأديانا متعددة في مصر وعنوان العدالة والمساواة في المواطنة.
تم رفض الدستور أولا، وتم تقدير التسريع بالانتخابات البرلمانية لتعكس ميزان القوى الناجمة عن تحالف المجلس العسكري مع كل من يتحالف معه، وتلت بوصاية أمريكية ومحاولة انتاج نظام آخر، بعيدا عن ثورة 25 جانفي المصرية، نظام يشبه - بوضوح - نظام الباكستان، وليس شبيها بنظام تركيا الذي قال ما قال دون أن يدقق في ما يجري.
واجهة مدنية يتخفى خلفها العسكر بمقدار ما تستجيب للمصالح الأمريكية واتفاقات السادات مع إسرائيل (كامب دايفد) تحت عنوان الالتزام باتفاقات مصر مع اسرائيل بينما لم تكن هذه الاتفاقات بين مصر الشعب وإسرائيل.
وبمقدر ما تواصل النزول عند شروط البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، باستمرار المنهج الاقتصادي والاجتماعي القديم، الذي لم ينتج تنمية ولا عدالة اجتماعية بل أنتج اقتصادا تابعا للمركز الرأسمالي العالمي وافقارا للأغلبية الساحقة من الشعب لصالح تحالف السلطة والمال تحت مظلة التبعية للنيوليبرالية الكونية.
وهذا ما يجري ترجمته على الأرض، بينما هذه القوى المتحالفة التي قفزت إلى الحكم كانت تدين سياسة قروض البنك العالمي وشروطه وبأنها قروض «ربا» قائمة على الربا مدانة ومرفوضة (يقصد القوى الاسلامية) والآن هي مقبولة تحت عناوين المصالح المتبادلة و«المرابحة» (تعبير إخواني للربح).
لذا تشهد مصر الآن الموجة الثورية الثانية انطلاقا من الذكرى الثانية لقيام الثورة. فهي تتخد أشكالا حادة وعنيفة، تقودها أيضا حركات شبابية تعلمت من أخطاء الموجة الأولى وبنت تنظيماتها الخاصة أوليا، وتدعو إلى تصحيح مسار 25 يناير (جانفي) وترجمة مهمّات هذه الثورة بالعيش (الخبز) ودستور جديدة وبدولة مدنية ديمقراطية لا عسكرية ولا دينية، وبالتعبير المصري الآخر الدقيق الذي ترفعه الموجة الثورية الثانية وكل القوى التي تستجيب لاستحقاقات شعب 25 يناير (جانفي) (لا لأخونة الدولة لا لأسلمة المجتمع).
هذه التعابير المصرية تعكس عمق الصراع والأزمة الدائرة من أجل بناء أجندة الثورة الجامعة بين تصحيح النهج الاقتصادي والاجتماعي الموروث وإطلاق الحريات والتعددية دون المحرمات التي تستهدف تحويل المجتمع من شعب إلى رعايا تنحني للحكم والحاكم وليس لإرادة الشعب.
ولكن ليبيا انتهجت مسارا آخر يبدو أشد تعقيدا أليس كذلك؟
-في ليبيا شيء معلوم للجميع عبّر عن حماقة حكم القذافي واستبداده وعن عجز الدول العربية عن نجدة شعب ليبيا ودعوة الدول العربية إلى التدخل العسكري في ليبيا فكان ما كان. والآن ليبيا أمام مرحلة تعاني فيها من أزمتها الداخلية وتدخلات من دول عربية وأجنبية بعيدا عن مهمات بناء مجتمع جديد حديث له علاقة بعالم الشعوب.
اليمن أخذ قاعدة نابعة عن موازين القوى المتواجدة بالشارع، ولذلك تم الوصول إلى حلول انتقالية برحيل زعيم الاستبداد والفساد وطواقم حوله ومجيء رئيس جديد انتقالي لمدة سنتين، والآن يجري حوار وطني شامل لحل مشكلات شديدة التعقيد في اليمن، وهي البطالة والفقر، وكثيرة المشكلات حيث تهتز تجربة الوحدة بين الشمال والجنوب تحت راية عادة تصحيح العلاقة بين الشمال والجنوب كتجربة الدولة المركزية التي وصلت إلى طريق مسدود.
وهذا ما يعلنه الحراك الجنوبي، فمنهم من ينادي بإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطي على قاعدة الاتحادية ومنهم من يدعو إلى فك الوحدة المركزية لصالح عودة الدولة اليمنية الجنوبية وإعادة النظر بكل المنهجية الاقتصادية والاجتماعية.
نأمل من كل ميزان القوى الذي أدى إلى وزارة ائتلافية أن تدفع نحو نجاح الحوار الوطني لتحديد المسار الموحد والمصير الديمقراطي بدلا من مجتمع تتصارع فيه القوى الحديثة في المدن وعلى الجانب الآخر قوى قبلية وعسكرية تعطّل المسار، فقد تم رفع نفس شعارات ثورة تونس ومصر في اليمن.
في سوريا تنقلب الموازين والمواقف.. فقد وقع الالتفاف على حركة مدنية سلمية بأجندة وطنية داخلية، لكن ما راعنا إلا وحولت القوى الاقليمية والدولية، والتي لا نراها يمكن أن تدعم حرية الشعب السوري، تلتف على حراك الجماهير؟
شهدت سوريا ما شهدته تونس ومصر واليمن حراكات شعبية بدأت على يد النخب المثقفة والجامعية من أبناء الطبقة الوسطى والفقيرة دعت الى الحرية والديمقراطية وإلى تصحيح السياسة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وشكلت منذ البداية ثورة تونس قوة الإلهام ثم أعطت ثورة (25 يناير) قوة الدفع لهذه الحراكات وتحوّلت الى انتفاضات شعبية واسعة طرحت نفس الأهداف التي طرحت في تونس ومصر.
كان يمكن انجاز حلول سياسية على امتداد الأشهر العشرة الأولى حيث كل التحرّكات سلمية ولم تبدأ محاولات عسكرة الانتفاضة.
من المحزن أن الأمور لم تأخذ هذا المجرى وانتقلت الحالة الى عسكرة الانتفاضة والصراع المسلّح.
ضحايا وبؤرة موت وحشية بلا أفق كان من الممكن للمبادرات المتعددة وخاصة الدعوات التي قدّمت معادلة جديدة وكنت شخصيا قد دعوت الى هذه المعادلة منذ الأسابيع الأولى: وقف كل أشكال الحل العسكري والأمني والانتقال الى الحوار الوطني الشامل.
بين كل مكوّنات المجتمع اي النظام والمعارضات للوصول الى حلول توافقية انتقالية دون احتكار ودون إقصاء ودون شروط مسبقة.
لكن الآن نلاحظ انقلابا في المواقف الدولية انعكس على القوى التي تتعامل معها بالساحة السورية؟
-الآن، هناك مساحة تتسع من اليقين بدأت تتشكل في الأسابيع الأخيرة رغم ارتفاع منسوب التدمير والقتل: مساحة يقين تقول ان الحلول العسكرية والعنيفة لن تؤدي الى حل. لن يتمكن أي من الجانبين من حسم الصراع لصالحه.
وعليه هذه المساحة عند كل من الطرفين بدأت تبحث عن حلول سياسية. وفي ذات الوقت كان اليقين لدى الولايات المتحدة وروسيا بحكم علاقة كل منهما مع أحد الطرفين سيتمكن من حسم الأمور بالقوة المسلحة.
الآن يوجد جديد بدأ يتشكل لدى الروس والأمريكان للبحث عن تفاهمات مشتركة لبيان جنيف الشهير وفي هذا تسليم أن الحلول العسكرية لن تؤدي الى حل بل الى العنف والحرب والدمار والموت.
لذا تسمعون تصريحات أمريكية جديدة (كيري) بدعوة المعارضة الى المفاوضات والحوار مع النظام السوري دون الشرط المسبق الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة بتنحي بشار الأسد. وروسيا تدعو الى الحوار ايضا دون إقصاء لهذا الطرف او ذاك.
هذا ما آلت إليه «قرارات» القمة العربية، فكيف تراها ممكنة الآن؟
-هذا صحيح. قرارات الدوحة نزلت عند هذه التطوّرات الجديدة التي ذكرنا، في مواقف القوى السورية المتصارعة. دون ان يعني هذا ان بعض هذه القوى لازالت تدعو ان بإمكانها حسم عسكري وتدعو الى تسليح نوعي سواء بيد المعارضات او النظام لكن هذا لا يعبّر عن المناخ الذي ذكرنا ولا عن التفاهمات التي وصلت اليها المباحثات الأمريكية الروسية.
قرارات القمة الأخيرة هي نزول عند كل هذا وخاصة التفاهمات الجارية خطوة بعد خطوة بين واشنطن وموسكو كما ان طلبات أخرى كثيرة روسية بدأ الاعلان الأمريكي عن الاستجابة لها، منها مثلا ما أعلنه وزير الدفاع الأمريكي «لن يتم حل الجيش السوري ولن يتم حلّ حزب البعث» وكأن الدنيا أدوات بأيدي الأمريكان. وأضاف وزير الدفاع لن تكرر واشنطن أخطاءها في العراق بحل الجيش والحزب هناك. فقد عكست فوضى الغزو الأمريكي للعراق دمار العراق والحرب الأهلية التي لم تتوقف عشر سنوات.
والفوضى الخلاّقة التي دعت لها واشنطن في العراق اتضح انها فوضى عبثية لا علاقة لها بالخلق ولا بالأمن... فالدماء العراقية تسيل انهارا منذ 10 سنوات بعد الغزو الأمريكي.
لذا مرة أخرى نحن في المشرق العربي توجد إسرائيل بأطماعها التوسعية في الاراضي الفلسطينية والعربية وتهويد القدس بتراكم لا يتوقف، وهذا يستدعي صيانة عناصر القوة لردع الاحتلال الاسرائيلي وزحف الاستعمار الاستيطاني والتهويد بدلا من تفكيك وتدمير الجيوش العربية.
الجيش العراقي تم شطبه من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي والجيش الليبي والآن تجري محاولات لتدمير وإضعاف الجيوش التي تحيط بالأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة.
لنتذكّر التاريخ جيدا فعندما تقدّمت قوات محمد علي الى بلدان المشرق زمن الامبراطورية العثمانية اندفعت الدول الاستعمارية الغربية بجانب السلطان العثماني لإرغام جيش محمد علي ليس فقط للرحيل عن بلدان المشرق العربي بل ايضا فرضت عليه تفكيك الجيش المصري فانحصر بـ 15 ألف جندي بينما كان جيشه يصل الى 176 ألف جندي إضافة الى ألفين وضعوا في اسطنبول رهائن لدى السلطان من أبناء جيش مصر. لذلك وقع حلّ هذا الجيش وتحويله الى جيش قامع لأبناء الداخل عصر الخديوي توفيق.
ويتكرر هذا عند تقييم الدول العربية ومكّن المشروع الصهيوني من إقامة دولة إسرائيل. وعليه تتوسّع أكثر فأكثر فلم تتوقف لحظة واحدة عن التوسع ونهب الأرض. وتتواصل الأزمات دون تصحيح الثورات واستمرار الصراعات المسلحة في عديد البلدان العربية وصراع المحاور الإقليمية العربية وفي الشرق الأوسط فإن كل هذا هدايا للعدو الإسرائيلي.
الحالة الفلسطينية هل تحتاج إلى مصالحة أم مصارحة أم إلى إعادة نظر جذرية من حيث التنظيم والتحرّك؟
-نحن الآن في السنة السابعة للانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وكما قلت إن اجتماع اللجنة القيادية العليا لـ13 فصيلا فلسطينيا واللجنة التنفيذية لـ«م.ت» اللتين اجتمعتا في القاهرة 9 و10 فيفري الماضي: 7 سنوات من الصوملة كفى علينا أن ننتقل إلى المعادلة التي تضع نهاية للانقسام والصوملة بتنفيذ اتفاق 4 ماي 2011 في القاهرة وكذلك اتفاق الدوحة في 6 فيفري 2012 بين عباس ومشعل برعاية أمير قطر أن ننتقل إلى التنفيذ وهذا يستدعي خطوتين متزامنتين إعلان حكومة فلسطينية واحدة بديلا عن حكومة السلطة في رام الله وحكومة حماس في غزة، وبالتزامن والتوازي دعوة الشعب الفلسطيني إلى انتخابات تشريعية ورئاسية للسلطة وللمجلس الوطني (م.ت.ف) بقانون انتخابي واحد للشعب الواحد يقوم على التمثيل النسبي الكامل، لأننا كما ندعو إلى وحدة الكتلة التاريخية في صف الانتفاضات الشعبية العربية علينا أن ندعو إلى إعادة توحيد الكتلة التاريخية التي وحدناها على امتداد 30 عاما من جوان 1967 إلى اتفاقات أوسلو 1993 بل إلى 2006 عندما جرت انتخابات بقانون انقسامي لا ديمقراطيا يقوم على 50٪ تمثيل نسبي و50٪ الأخرى بصوت الأغلبية على مستوى المحافظة لأننا شعب صغير تحت الاحتلال والاستعمار الاستيطاني يحتاج إلى كل الطبقات والتيارات والفصائل والشخصيات والأحزاب والنقابات التي لها مصلحة في دحر الاحتلال وإنجاز حقوق شعبنا في التحرر الوطني وبناء دولة فلسطين المستقلة في هذه المرحلة على حدود 4 جوان 67 عاصمتها القدس المحتلة (الآن) وعودة اللاجئين وفق قرار 194.
لقد أنجزنا في مسار الثورة إعادة بناء الشخصية الوطنية الفلسطينية أنجزنا فلسطنة والتعريب القومي الصحيح وتدويل القضية الفلسطينية عام 1974 والآن أنجزنا في الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين فأصبحنا دولة تحت الاحتلال لها حدود 4 جوان عاصمتها القدس وحق العودة واستمرار (م.ت.ف) عضو بالأمم المتحدة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للكل الفلسطيني في الوطن والشتات.
الآن اسرائيل تعلن عن عطاءات بناء 12 ألف وحدة سكنية جديدة وعن بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في المنطقة (E1) المقصود شرق القدس، لشطر شمال الضفة عن جنوبها بالكامل وعزل القدس العربية عن محيطها الفلسطيني وهذا كله مشروع تدمير حق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وبالدولة الوطنية الديمقراطية دولة المساواة بين الرجل والمرأة .
الانقسام يترك الطريق مفتوحا للعدو الإسرائيل كذلك الانقسامات والمحاور المتصارعة العربية ـ العربية مما يهدد مصير الحقوق الوطنية الفلسطينية ولا يسمح بوقف تهويد القدس والاستيلاء أكثر فأكثر على أراضي الضفة وإغراقها بالمستعمرين اليهود.
ماذا عن القمة العربية بـ«الدوحة» وقضية فلسطين ومقترح القمة المصغرة؟
-الآن القمة العربية في الدوحة دعت إلى تشكيل قمة مصغرة عربية بشأن المصالحة الفلسطينية إذا كانت هكذا فهذا يجب أن يبدأ بوقف تدخل بلدان هذه القمة المصغرة بكل الأشكال المالية والتامة بالشؤون الداخلية الفلسطينية كما نحن ننأى بالتدخل الفلسطيني في الشؤون الداخلية العربية.
ويستدعي وقف كل أشكال الصراع بين المحاور الإقليمية العربية التي تدخلت ولا تزال في شؤوننا الداخلية.
أمّا استقرار هذه السياسات الخاطئة التي تعمق الشرخ في فلسطين بين قواها السياسية فهذا يقود إلى توسيع وتعميق التدخلات ولذا لن يكون مرحبا بهكذا أعمال للقمة المصغرة.