المسألة الزاعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة الجزء 3


امال الحسين
2013 / 4 / 1 - 18:40     

المسألة الراعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة ـ الجزء 3

تأسس النظام الرأسمالي التبعي بالمغرب على أنقاض قهر الفلاحين الصغار والفقراء بدون أرض عبر تأسيس بنية سياسية - اقتصادية ترتكز على الإستغلال الرأسمالي للثروات الطبيعية، فكانت الأرض باعتبارها وسيلة إنتاج بما تحمل فوقها وما باطنها من ثروات أداة لقهر فقراء المغرب الذين حولتهم الإمبريالية إلى قوة عمل مربحة للرأسمال المالي العالمي خاصة المرأة الفلاحة الكادحة. وكانت للسياسة الإستعمارية التي ارتكزت على تكريس العلاقات الإجتماعية ما قبل- رأسمالية عبر دعم سلطة الإقطاع/القواد والشيوخ الذين يملكون بسلطة سياسية تمكنهم من السيطرة الإقتصادية، دور هام في بلورة نظام رأسمالي تبعي يرتكز على سلطة المخزن كبنية سياسية – اقتصادية ذات جذور عميقة في تاريخ المغرب تقودها بورجوازية كومبرادورية، أراد لها الإستعمار القديم أن تكون هي المحور في العلاقات الرأسمالية التبعية التي تربط المغرب بأوربا وبالغرب عامة، هذه السياسة التي ارتكزت على التناقض بين أساس القوانين الجديدة لاستغلال الأرض ذات المرجعية الليبرالية في اتجاه رأسمالية الزراعة/البنية الإقتصادية الجديدة التي حول الأرض إلى عامل من عوامل الثراء، وبين أساس السلطة المخزنية ذات المرجعية الرجعية المرتكزة على الولاء للسلطان باعتبار عامة الشعب "رعايا" فوق أرض ليس له الحق في ملكيتها.

لقد شكل الإبقاء على المضمون السياسي - الإقتصادي لعلاقات الإنتاج التقليدية/شبيهة بالإقطاع أساس استمرار استغلال الإستعمار القديم للأرض عبر تركيز مضمون ازدواجية السلطة المخزن – الإقطاع، في اتجاه عصرية أجهزة السلطة المخزنية بالمدن بقيادة الكومبرادور مدعوم بمنظومة قوانين عصرية لبرالية تلمع وجه الدولة المخزنية/البنية الفوقية وتأسس للعلاقات الدبلوماسية بين الإستعمار القديم والجديد، في الوقت الذي يتم فيه الإبقاء على مضمون البنيات الإجتماعية التقليدية ما قبل- رأسمالية عبر علاقات الإنتاج الحقيقية المرتبطة بالواقع التي تربط دولة المخزن ب"الرعايا" عبر أجهزة ذات البنية التقليدية تحافظ على مكانة الإقطاع في البادية/الأعيان والقواد والشيوخ في عهد الإستعمار القديم. إن التركيز على الأرض باختلاف مستويات استغلالها الزراعية والرعوية والغابوية لم يتم فقط عبر علاقة الإستعمار القديم في استغلالها اقتصاديا بل تم تركيز مضمونها البنيوي التقليدي باعتبارها مصدر حياة السكان بالبوادي، من خلال إبقاء الأراضي الشاسعة ذات المنفعة لمن يستغلها دون السماح بامتلاكها من طرف السكان الأصليين، هذه الأراضي الشاسعة التي تركت كما هي عليها أراضي "بور" يعتمد الفلاح في استغلالها على التساقطات المطرية في ارتباط تام بما تجود به السماء، مما له تأثير كبير على استمرار علاقات إنتاج ذات جذور رجعية مثالية تشكل أساس الفكر التقليدي الرجعي الذي ينتظر الرحمة من السماء في الوقت الذي يزخر فيه باطن الأرض بثروة مائية هائلة يمكن استغلالها بطرق عصرية، في نفس الوقت الذي يسيطر فيه الإقطاع/القواد والشيوخ على منابع المياه بالجبال والواحات ويستعمل سلطته السياسية لامتلاك الأرض بواسطة القوانين الإستعمارية الحديثة، بينما وجه الإستعمار القديم اهتماما كبيرا للأراضي الخصبة التي مركزها في أيادي المعمرين القدامى والجدد في اتجاه تمركز الرأسمال في الزراعة الذي يشكل أساس المضاربات العقارية والريع العقاري في عهد الإستعمار القديم والجديد.

لقد شكل تحالف المخزن – الإقطاع في ظل الإستعمار القديم عماد بنية الدولة الرأسمالية التبعية وأساس قهر الفلاحين أصحاب الأرض الذين تم تجريدهم شيئا فشيئا من وسيلة إنتاج ضرورية في حياتهم، فكان الصراع حول السيطرة على الأرض عاملا أساسيا في الصراع الطبقي بالمغرب الذي أفرز بنيات فوقية متناقضة ما بين المسيطرين على السلطة السياسية – الإقتصادية وهم أقلية/الكومبرادور والملاكون العقاريون الكبار يتمتعون بالحق في الملكية وبين من يسعون إلى الحفاظ على مصالحهم يشكلون الأغلبية/الفلاحون الصغار والفقراء لا حق لهم في امتلاك الأرض. هذا الوضع الجديد الذي أصبحت عليه الأرض شكل أساس تمركز الرأسمال في الزراعة منذ فجر الإستعمار القديم، الذي هب الفلاحون لمقاومته من 1912 السنة الأولى لمعاهدة حماية دولة المخزن بالمغرب من طرف فرنسا وإسبانيا إلى 1934 سنة سقوط آخر قلاع مقاومة الفلاحين. وخلال مرحلة الإستعمار القديم نشأت طبقة الفلاحين بدون أرض بأعداد غفيرة في البوادي تعيش في ظل الولاء للعائلة والقبيلة التي تحسن إليها وتستغلها في عملية الإنتاج، في الوقت الذي أهملها الإستعمار القديم ووضعها بعيدا عن مشروعه الإستثماري، ولم يعمل على استيعابها ضمن مشروعه الإستعماري ولا يرى فيها إلا قوة عمل زائدة عن الحاجة توفر مزيدا من فائض القيمة فاستغلالها خارج عملية الإنتاج المنظمة ضمن قوانين شغل حديثة. وترك هذه الجماهير الغفير خارج عملية الإنتاج الرأسمالي عمق استمرار علاقات البنيات الإجتماعية ما قبل – رأسمالية التي ترتكز على الولاء للعائلة والقبيلة التي توفر لهم القوت اليومي للبقاء على قيد الحياة، مما يقدم خدمة مجانية لتحالف المخزن – الإقطاع في ظل الإستعمار القديم حتى لا تنشب ثورة اجتماعية من أجل الأرض الشيء الذي ساهم في تخلف الوعي الطبقي السياسي لدى طبقة الفلاحين الفقراء بدون أرض.

إن تهميش البادية ليس بأمر عفو بل هو عملية منظمة نتيجة سياسة استعمارية شكلت أساس تمركز الرأسمال في الزراعة، التي لا بد لها من اضطهاد جماهير الفلاحين وتحويلهم إلى فقراء كادحين يعيشون خارج عملية الإنتاج الرأسمالي، هذه السياسة الإستعمارية التي تسعى إلى تكريس عقلية الولاء والحط من الكرامة عبر تكريس مفهوم الإحسان من داخل العائلة والقبيلة التي يحتمي بها الفلاح الفقير الكادح، مما يحول دون قدرته على استيعاب الصراع الطبقي السياسي والتناقضات الطبقية التي تشكل جوهر الإستغلال في ظل النظام الرأسمالي في أبشع صوره التبعية.