بعد عشر سنوات من حرب الدمار والفساد في العراق، لن ينقذ المرأة والمجتمع سوى ثورة ثقافية وسياسية شاملة


ينار محمد
الحوار المتمدن - العدد: 4027 - 2013 / 3 / 10 - 22:30
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     

يتزامن يوم المرأة العالمي خلال مارس الحالي مع الذكرى العاشرة لفاجعة اعتداء البرجوازية الامريكية على ملايين من السكان الآمنين في العراق، وفرض واحدة من اكبر الكوارث الانسانية الحديثة على البشرية، تحت مسمّى تحرير العراق وتحرير نساء ورجال العراق. وحريّ بالذكر بان الحرب انطلقت بعد فبركة اكبر كذبة على العالم اجمع بوجود اسلحة دمار شامل في العراق، وهي اكذوبة يجب ان لا تقل عقوبتهاعن حكم مؤبد لمطلقي الحرب كونهم مجرمي حرب ومتسبّبين بابادة جماعية للجماهير في العراق خلال عشرة سنوات من الاحتلال، وابادة جماعية اخرى بسبب تلويث وتسمم البيئة وكذلك معاناة العراقيين في ظل اوضاع سياسية شاذة قد تستمر لعقد آخر.

شهدت المرأة في العراق كل الجرائم المتوقعة في حالات الحروب، وأولها فقدان 10% من اناث العراق للزوج او للأب المعيل، مما ترك جيشا مليونياً لا يقل عن ثلاثة ملايين امرأة وفتاة بدون معيل ومعظمهن دون مصدر للمعيشة. وجعلهن ذلك شريحة مسلوبة القدرة على العيش بكرامة وكفاف، ولذا اصبحت ثلاثة ملايين من ارامل ويتيمات حرب العراق المعدمات عرضة للاستغلال، من قبل شريحة الوحوش البشرية التي اتخمت داخل المنطقة الخضراء باموال طائلة، وعاثت فساداً باموال 99% من الشعب وبمصائره وبكرامة جيش من النساء اللواتي اصبحن ضحية الاتجار والاستغلال الجنسي او الرضى بكونهن زوجة ثانية او ثالثة او زوجة متعة.

اما المرأة التي كانت محظوظة بأوضاع اجتماعية تحميها او عمل تسترزق منه، فهي لا تتمتع سوى بحقوق مواطن من الدرجة الثانية في ظل قوانين تسمح بقتل النساء غسلا للعار، وضربهن من قبل زوج مستاء، وتعطي للذكر حظ انثيين، وتأخذ بشهادة امرأتين مقابل رجل واحد. والأنكى من ذلك، ان السنوات العشرة للاحتلال سمحت بل وشجعّت الاسلام السياسي بان ينشر سمومه في المجتمع ويقوم بغسل الادمغة من خلال عشرات من الفضائيات التابعة له بان يكرّس جنون كراهية المرأة ودونيتها وفرض اسلوب معيشة تكون فيه المرأة هي الخادمة والمولّدة والمربية دون ان تكون لها حقوق المواطن الكامل، بل وتظل متهمة باستمرار لكون نظرات التشدد الديني تعتبر المرأة مصدرا لما يسمونه بالرذيلة والفحشاء، مما يجب السيطرة عليه وكأنه حيوان وحشي يجب ان يدجّن ويرضى بحياة العبيد في السجون، بل ويطلبون من المرأة الدفاع عن سجنها هذا واعتباره شرفاً وامتيازاً امام المجتمعات الأخرى.

يمر المجتمع في الاشهر الاخيرة بحالة من الاعتراضات بالضد من الممارسات القمعية الطائفية لحكم الاسلام السياسي الشيعي؛ وقد وصلت الأوضاع الى مكان لا تستطيع معه حكومة الاحتلال ان تديم بسيطرتها على اجزاء كبيرة من العراق. وبالرغم من محاولة الارهابيين من الطرفين تهديدهم للمجتمع بحرب طائفية جديدة، بيد ان هذه محاولات لا تثني الجماهير عن الدفع بمطالبها بعيش لائق في ظل سياسات ترفض التمييز والقمع الطائفي. ومن المشرّف ان تكون مسألة اعتقالات النساء الشرارة الاولى لهذه الاعتراضات.

وكما ينتفض المجتمع ضد القمع الطائفي، تنتفض المرأة يوميا بالضد من قمعها والتقليل من شأنها ولو كانت الانتفاضات فردية او داخل تجمعات صغيرة. اذ انتهى الزمن الذي ترضى فيه المرأة بان تُعامَل بأقل من مواطن او انسان كامل الاهلية. ويتجلى الرفض النسوي والانتفاضة باشكل متعددة، كأن تهرب شابة من زواج قسري، او ترفض زوجة عنفا "قانونيا" داخل بيت الزوجية، او تصّر طالبة او موظفة على ان ترتدي ما يليق بتطلعاتها العصرية وعلى العكس من رغبة السيدة المسؤولة عن قمع المرأة في ما يسمى بوزارة المرأة التابعة لحكومة الاسلام السياسي. كل هذه الأمثلة ليست نزقاً لنساء منحرفات كما يدّعي الذكوريّون، وانما هي مجاميع من صور لانتفاضة المرأة بالضد من معاملة دونية لن ترضى بها نساء زمن الثورات، بل يبدأن ببناء اول مقاومة نسوية جدية وثورة ثقافية وسياسية تجاه المساواة. ونظل في منظمة حرية المرأة نعمل على تنظيم قواعد الاعتراض النسوي هذا لكي يتعملق ويرفض ممارسات وسياسات وتشريعات الاستغلال والدونية والتحقير للمرأة. ومن هنا ندعو نساء العراق لكي تنضمّ لنضالاتنا في تغيير الفكر السائد والانخراط في ثورة اجتماعية فكرية وسياسية من اجل المساواة و بدعم من المساواتيين والاشتراكيين والعلمانيين التحرريين.

سوف تشهد السنوات القادمة تعملقا لجيش من النساء الرافضات للتسلط الذكوري العشائري والديني والسياسي، ويصبح العراق نموذجا اولا لنضال نسوي ثوري كما كان نموذجاً لمعاناة مجتمع من احتلال المقيت وحكومة احتلال فاسدة.

عاش الثامن من مارس رمزاً لنضالاتنا من أجل الحرية والمساواة