لماذا أنا اشتراكي ؟


محمد دوير
2017 / 3 / 24 - 12:03     

تكاثرت من حولي – كسحابات الشتاء – تساؤلات الشباب حول الاشتراكية، مفهومها ومعناها ومبناها ومصيرها ومسارها ومسالكها ومستقبلها وأسسها وقواعدها وتعاليمها.. وإزاء هذه التساؤلات كنت أجيب وأحاور وأناقش بعضهم بقدر ما تستطيع معلوماتي وتسعفني أفكاري ، وغالبا ما تأتي الإجابات متنوعة بحسب طبيعة الحوار والمتحاورين وتساؤلاتهم ومداخلاتهم ..ثم اكتشفت أن كل هذه الإجابات ربما تصلح لأن تجتمع في سطور متراصة فتنتج شيئا جديدا جديرا بأن يقدم في صورة نسقية متكاملة قد يستفيد منها بعض من أصدقائي أو ممن يعتبرونني قادرا علي الإجابة علي كهذا سؤال " لماذا أنا اشتراكي " وسوف أطرح هنا 10 أسباب علي الأقل ذات مستويات فكرية متنوعة ومتدرجة دفعتني إلي أن أكون اشتراكيا ، وأن أواصل إيماني بها كمسار تاريخي للبشرية ، ثم الدعوة والتبشير لها كمنقذ للإنسان من الاستغلال بكافة صورة الناعمة والغليظة ، الهادئة والبشعة .. وتلك هي إجابتي ..
1- نعم أنا اشتراكي لأنني أؤمن أنها نزوع فطري لدي الإنسان ، منذ بداية الحياة علي وجه الأرض، وهو يبحث عن الطعام ويحصل عليه بالصيد أو الرعي أو الزراعة أو الصناعة ، كان دائما مهموما بتوزيع ما حصل عليه بطريقة مناسبة قدر الإمكان وحينما بدأ يظهر تقسيم العمل مع المجتمع العبودي ، بدأت موازين التوزيع تختل لصالح طبقة علي حساب أخري، وهذا الخلل هو اعتداء علي فطرة الإنسان القائمة علي اشتراكية التوزيع وبدأت تختفي المساواة منذ ذلك التاريخ حتي اليوم ، فالاشتراكية هي دعوة إنسانية خالصة تريد أن تخلص الإنسان من هذا الاستغلال وتعود به إلي حال فطرته الأولي التي هي طلب العدل والمساواة .
2- لأن رأسمالية القرن العشرين أفرزت الفاشية والنازية والصهيونية والفوضوية والعدمية واللا أدرية والعبثية والتفكيكية والعولمة والفراغ الثقافي ... وقتلت مئات الملايين بالجوع والحروب والفقر والمرض.. حيث انزلقت الرأسمالية تحت دعوي التطوير والتقدم إلي تدمير موارد الطبيعة والصراع علي تلك الموارد أدي إلي إشعال فتيل الحروب المحلية والعالمية وبالتالي إلي سباق رهيب في التسلح وصل إلي حد امتلاك أسلحة للدمار الشامل تهدد البشرية بالفناء ، ولذلك فإن الاشتراكية هي القادرة علي منع أسباب الحروب حينما توجه طموح البشر نحو احترام وتقدير موارد الطبيعة وتلغي فكرة الحروب القائمة علي تحقيق المصالح الخاصة ومن ثم انتفاء الحاجة إلي سلاح دمار وتجريم كل مسعى إلي تدمير الطبيعة والحفاظ عليها .ولذلك فإن سعي الرأسمالية المتسارع نحو دمار الأرض يجعلنا نسارع نحن أيضا لأن نكون اشتراكيين، فكل إنسان يصبح اشتراكيا هو في الحقيقة يمنح كوكب الأرض فرصة أفضل لأن يبقي صالحا للاستخدام الآدمي.
3- لأن القيم الأخلاقية الاشتراكية وضعت نسقا قيميا متماسكا ومترابطا انطلاقا من القيم الأساسية للإنسان في هذا الوجود فردتها إلي أصولها النظرية الأولي بعيدا عن أي أثر إيديولوجي لاحق. ولذلك فإنني اعتقد أن اشتراكيتي تكتمل بثلاث.. وتنقص بثلاث تكتمل بثلاث ( فهمي للفكرة - ونضالي من أجل الناس - وإخلاصي لرفاقي ) وتنقص بثلاث ( انتهازية مقيتة - خيانة قضية العدالة - التعالي علي الرفاق )
4- لأن الاشتراكية قدمت للعالم نظاما سياسيا مغايرا تماما عن ذلك النظام السياسي الرأسمالي الذي يمارس ديمقراطية الأغنياء فوضعت السلطة في يد صناع الحياة عمالا وفلاحين أو شغيلة بشكل عام. وكذلك قدمت نموذجا جديدا لمفهوم الحرية الإنسانية فالحرية في الفكر الاشتراكي ليست مجرد انتفاء الإكراه في العمل والاعتقاد والتفكير، بل هي انتفاء لكل سلطة للإنسان علي الإنسان وقدرته علي السيطرة علي الطبيعة ومسار الحياة الاجتماعية. فإذا فصلنا الحرية السياسية عن الحقوق الاقتصادية، فإننا بذلك ندعو إلي حرية مزيفه يملك فيها الإنسان حق العويل والصراخ ولا يملك فيها حق التحرر من الفقر والظلم .وهو ما يعني أن الحرية الغربية تتوقف عند كف يد السلطة عن حقوق الأفراد " حرية سلبية " ولكن الحرية الاشتراكية فهي حق الكادحين في ثمرة إنتاجهم " حرية ايجابية "
5- نحن نؤمن بالاشتراكية لأننا ينبغي علينا ذلك حتى نكون أشخاصا طبيعيين أسوياء، نتصرف بشكل عقلاني كرد فعل تجاه مخاطر تحيق بالإنسان والطبيعة جراء ممارسات نشهدها في كل لحظة من حياتنا وفي كل مكان نحل فيه أو نشاهده عبر وسائط الميديا. والعقلانية هنا تعني قدرة الإنسان علي إنتاج قيما بديلة باستمرار تحل محل القيم الأخري القديمة بحيث يتمكن الجديد من تجاوز كل سلبيات التاريخ وقوانينه التي ترسخ للعبودية أو للرق أو لاستلاب حقوق الضعفاء والمهمشين أو استنزاف موارد الطبيعة لصالح فئات تزداد غنا وترفا علي حساب كل شيء تقريبا . وتلك هي اللحظة التاريخية – اللحظة هنا قد تمتد لعشرات السنين – التي يصبح فيها الإيمان بالاشتراكية كحل بديل ومنهج أكثر تقدما ورؤية أعمق عقلانية لكل ما هو موجود علي كوكبنا وفي القلب منه ذلك النظام الرأسمالي الاستعماري الذي أنهك قوي الإنسان وموارد الكون.
6- لأن النجاح الجزئي للاشتراكية في القرن العشرين ، جعل نصف العالم يؤمن بها ، والنصف الآخر يحاربها بأقذر أساليب الحرب..ورغم ذلك فإن هذا النجاح أبطل حجة أن النظام الرأسمالي يتوافق مع الطبيعة البشرية كما قال هيجل ، أي أنها كسرت فكرة أن الرأسمالية هو اختيار الله لطريقة حياة البشر علي الأرض ...اشتراكيتي .. تؤمن بأن الله ترك للناس طرق حياتهم ومسالك دروبهم .. وإن كان لله أن يختار لنا طريقة حياة، فإنه سيختار حتما اشتراكية العدل والمساواة.
7- ورغم فشل التجربة السوفييتية ، إلا أنه لا يزال مطروحا علي العقل العالمي بوصفها – أي الاشتراكية – لم تزل بديلا منطقيا وعلميا وعمليا للرأسمالية التي يزداد توحشها وطغيانها وهيمنتها وتجريفها للعقول ولم تبدو علي الساحة حتي اليوم رؤية شاملة أو مذهب كلي قادر علي نقض التجربة الرأسمالية وطرح بديل حقيقي لها. الاشتراكية لم تسقط النظام الرأسمالي .. نعم ،ليس لأن الرأسمالية نظام صالح، ولكنها لم تسقطها " لعدم كفاية الأدلة ".. والقادم سيحمل أدلة جديدة معه.
8- لأنني أدركت من أين يأتي الفقر..إما لندرة الموارد أو لسوء التوزيع.. بالنسبة لندرة الموارد فقد حلها العلم والتخطيط .. أما سوء التوزيع فقد رفضت الرأسمالية عدالة توزيع عالمية تحفظ كرامة البشر وحقوقهم في حياة عادلة. فما يقرب من 3 مليار إنسان علي ظهر كوكبنا، يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم وحوالي 1125 ملياردير في العالم .. ثروتهم تطعم 40% من سكان الأرض لمدة عام .وانعكاسا علي فأبي كان فقيراً .. ويعلمنا في من أجر يومه .. ويطعمنا من أجر يومه .. ويعالجنا من أجر يومه..وحين كبرنا لم نجد عملا أو طعاما أو علاجاً.... ولكنهم في الغرف الدافئة كانوا يلعقون أحذية النساء.. ويحتسون نبيذهم من عرق الفقراء .
9- لأن الجانب الفلسفي في الاشتراكية لم يتأسس علي نقد الدين، ولم يقم صرحه الكبير علي مناقشة قضايا الأديان ومسلماتها ، وإنما اهتمت الفلسفة الاشتراكية بدراسة بنية تغير المجتمعات، إنها علم تغيير المجتمع من حالة الاستغلال إلي حالة العدل والمساواة، يقول ماركس " لم يفعل الفلاسفة سوي تأويل العالم بطرق مختلفة ، والشيء المهم الآن هو تغييره ".
10- لأنني قرأت وفهمت جيدا أن الأعمدة السبعة للاشتراكية هي: أ- العدالة الاجتماعية
ب- التنوير الفكري والثقافي
جـ - العقلانية والتفكير العلمي
د- المساواة وعدم التمييز بين البشر لأي سبب
هـ - الحرية الحقيقية التي تؤمن بإنسانية الإنسان
و- مناهضة كل أشكال تدمير الطبيعة وتهديد حياة الكوكب
م - البحث عن السلام الدائم بين كل شعوب الأرض ومناهضة العنف والتعذيب والحروب
إنني أؤمن بهذا الفكر العظيم، وأدعو كل من علي وجه الأرض إلي الإيمان به كثورة إنسانية علي طريق الحق والخير والجمال لأنه أرقي إنتاج للعقل البشري ..كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والموسيقي. فمن خلالها نعرف كيف ينشأ الظلم ، وعن طريقها نتعلم كيف نحرر الإنسان منه.
2013