حواتمة في حوار مع صحيفة -الوفاق- الإيرانية


نايف حواتمة
الحوار المتمدن - العدد: 4007 - 2013 / 2 / 18 - 18:08
المحور: مقابلات و حوارات     

حاوره: مختار برتو
مسؤول الصفحات العربية والشرق الاوسط

س1: هل كان لحركة الصحوة الإسلامية أي تأثير على القضية الفلسطينية ؟
إذا قصدتم بالسؤال الصحوة الإسلامية الممثلة بالثورة الإسلامية في إيران؛ بقيادة آية الله الخميني، فإننا نشير نعم، وذلك لأسباب عديدة معروفة، وذات تأثير كبير في الأهداف الاستقلالية ربطاً بأهداف الديمقراطية الاجتماعية التي تتطلع لها الشعوب، لأننا نرى الخلاصات الثقافية التي قامت على اجتهاد متواصل يرتبط بالواقع المتعين، كما أننا نؤمن بالحوار المجتمعي، باعتباره أحد أدوات التكامل في عصر حق الاتفاق وحق الاختلاف، فضلاً عن إيماننا بموضوعة الاجتهاد و"التدين بالعلم" أي الاجتهاد في الدين بما يناسب الارتباط بالعلوم وحصيلتها، وفي نهاية المطاف الارتباط بالواقع.
إن هذا ما ينجز بالنتيجة "الإجماع المتداخل" باستناده إلى "العقل العام"؛ بانطباق المعرفة على الواقع الموضوعي، أليست هذه هي صيرورة البشرية في انتصار الحقيقة وسيادة العلم في مواجهة ما هو باطل، وعلى مستوى الشعوب؛ فإن الفهم القرآني يشدد على أواصر التعارف والتعايش والتواصل والتبادل بين الناس على الرغم من اختلافهم، فَـ "التعارف" هو أحد عوامل توحيد البشرية والتقريب بينها، فالتعارف هو من المعرفة، وهو حق يقوم بين مختلفين لا بين متماثلين، وإذا كان هذا بين المختلفين فكيف يمكن أن يكون بين المذاهب الإسلامية ذاتها (!) مَنْ يغذي هذه الاختلافات(!) ويقوم بالإقصاء والتكفير ويحجب المعرفة، ويمنع مراجعة التصورات والأحكام المرحلية، ويعتبرها "ضلالاً" خارج التسلسل التاريخي، ودون الاطلاع على تجارب الحركات التجديدية في الفكر الإسلامي.
من جانب الوجه الآخر، يلاحظ اليوم تراجع المفاهيم الحضارية والإنسانية للإسلام لدى أوساط محددة التي ترتبط بالإسلام السياسي، يمكننا أن نعيد ذلك إلى الفهم الطائفي المتخلف، وأن نعيدها إلى أدوات الفِرقة الداخلية والخارجية، وللظلم والتزوير والتحريف في عديد من بلدان العالمين العربي والمسلم، فهي على المستوى الداخلي لها أسبابها الاجتماعية والطبقية، وبدلاً من حلها فقد جعلوا من "المذهب" ستاراً كثيفاً للممارسات في ألوان ثلاثية "الإرهاب والطائفية والتخلف" التي تعيق حركة المجتمع الإنسانية والحضارية والتقدمية.
س2: من الواضح أن بعد الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني أن الحكومة ستكون مستمرة على نهج سابقتها، كيف ستواجه المقاومة الفلسطينية هذا الأمر ؟
أولاً أقول إن هناك احتلالاً لا بد أن يزول، واستيطاناً لا بد من أن يُقتلع، وأسرى ينبغي أن يحرروا، وحق العودة لا يملك أحد التصرف به أو التنازل عنه، يدور الكلام الآن عن حق تقرير المصير، وعن قرارات الشرعية الدولية، وعن دولة فلسطينية بحدود عام 1967 وعلى ذات الحدود القدس الشرقية، وحق عودة اللاجئين إلى ديارهم في فلسطين هذه هي الترجمة العملية للصراع بين الثورة والمقاومة الفلسطينية وبين حكومات الاحتلال والاستعمار التوسعي الاستيطاني.
أنياب التطرف الصهيونية توغل في بيت المقدس لحماً ودماً منذ عام 1967، اقتلاعاً وتهويداً، والسؤال هو كيف سيوفق العالم بين المخططات الشيطانية العنصرية الصهيونية، سوى بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بذلك. وبين الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، هذا المعيار هو فضح للزيف الغربي وخاصةً الولايات المتحدة، بالدفاع عن حقوق الإنسان وحريته وكرامته، وهو ما يرفعون راياته في الإعلام والمؤتمرات، هكذا أيضاً باتت المسألة الفلسطينية هي الامتحان الحقيقي لهذه الشعارات، وهنا أخص العالمين العربي والمسلم دولاً وشعوباً بالعمل على إعادة الأمور إلى نصابها، في شأن أولوية القضية الفلسطينية، فإلى متى صمت القبور على بقاء "إسرائيل" وإجرامها خارج أية مساءلة وعقاب، بينما إذا ما استجاب الحكام لشعوبهم سيجدون أن 300 مليون عربي وأكثر من مليار مسلم يريدون فلسطين محررة حرّة، ويطالبون بإنهاء الاحتلال، أليست الأولويات هي لربيع فلسطيني طال انتظاره، لماذا لا نثبت لواشنطن وللغرب وللعقل البراغماتي أن مصالحهم هي بالوقوف مع إنصاف فلسطين وبحلول متوازنة، هم لهم مصالحهم الكبيرة، والعرب والمسلمين لهم مصلحة كبيرة بالضغط على امريكا والكيان الصهيوني لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، معادلة بسيطة بديلها العنف والحرائق في عموم المنطقة.
ثانياً: على الصعيد الفلسطيني أقول إن هذا الحال من مواجهة احتلال غاشم، بكل ما فيه من دوائر مفرغة، أدت إلى انتشار سرطان الاستيطان الاستعماري سيفضي إلى الانتفاضة الفلسطينية الثالثة الكبرى، لأن كأس الاحتقان الفلسطيني قد طفح، وسيقطع الشك باليقين في سبيل الحرية والكرامة والاستقلال والسيادة، نحن أمام مشهد واضح وصريح، تتراكم مقوماته يوماً بعد يوم.
أما بشأن الانتخابات الأخيرة في الكيان الصهيوني فإن نتنياهو عاد لتشكيل حكومة الاحتلال والعدوان واستعمار الاستيطان بفارق مقعدين فقط لليمين واليمين المتطرف (61 مقعد) وصعود الوسط ويسار الوسط إلى 59 مقعداً.
وأدى تراجع نسبة التصويت الفلسطيني داخل 1948 إلى مراوحة التمثيل العربي عند 11 مقعداً بدلاً من الصعود إلى نسبة التجمع الفلسطيني الذي تشكل 21% من سكان داخل ارض 1948، وتشكيل قوة صاعدة مانعة في مواجهة القوانين العنصرية والاعمال الاسرائيلية التوسعية والعدوانية على الأرض الفلسطينية والأرض العربية الاخرى المحتلة (الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية)، ولم تؤخذ الدعوات إلى رفع منسوب الأصوات العربية، والذي لو تحقق لحدث انقلاب سياسي كبير، وخسر اليمين واليمين المتطرف الانتخابات.
إن مواجهة حكومة الاحتلال والاستيطان والعدوان والاعتقالات برئاسة نتنياهو تستدعي:
• إسقاط الانقسام في الصف الفلسطيني وتطبيق اتفاق 4 أيار/ مايو 2011 للوحدة الوطنية.
• الإصلاح الديمقراطي الشامل السياسي الاقتصادي والاجتماعي في المؤسسات السياسية والتشريعية والحكومية في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.
• وقف سياسة الاستئثار والهيمنة بقوة المال والامتيازات والتوظيفات الفئوية الضيقة في الضفة وقطاع غزة وأقطار اللجوء والشتات.
• العودة للشعب بانتخابات تشريعية ورئاسية لدولة فلسطين تحت الاحتلال، ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وفي المقدمة المجلس الوطني في الوطن والشتات وفق قانون التمثيل النسبي الكامل.
• بناء كل مؤسسات المجتمع النقابية والمهنية والبلدية ولجان المخيمات والاتحادات الجماهيرية في الوطن والشتات على قاعدة الوحدة والشراكة الوطنية بانتخابات التمثيل النسبي الكامل.
هذا هو طريق الصمود ومواجهة حكومة الاحتلال والاستيطان والعدوان اليمينية القادمة برئاسة نتيناهو.
تنفيذ اتفاقات الوحدة الوطنية والإصلاح الديمقراطي الشامل طريق الخلاص الوطني، الانقسام والاستئثار والهيمنة الفئوية طريق الفشل وتبديد الإنجازات والحقوق بتقرير المصير والدولة عاصمتها القدس والعودة إلى الديار عملاً بالقرار الأممي 194 وقرار الاعتراف الدولي بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 وعودة اللاجئين في هذه المرحلة من الصراع على طريق فلسطين ديمقراطية موحدة من البحر إلى النهر.
س3: كيف تقيمون تأثير المصالحة الفلسطينية على مستقبل القضية وخاصة دور المقاومة ؟
بدايةً أؤكد على أولاً: ضرورة البدء بالأعمال التحضيرية لبناء قانون انتخابات التمثيل النسبي الكامل في المجتمع والمجلس التشريعي للسلطة والمجلس الوطني لمنظمة التحرير.
ثانياً: إسقاط الانقسام وبناء الوحدة الوطنية وحكومة توافق وطني واحدة ضرورة فلسطينية.
كما تم اجتماع جميع الفصائل الفلسطينية برئاسة رئيس المجلس الوطني لمنظمة التحرير سليم الزعنون، وبلورة قانون انتخابات واحد للشعب الواحد بالتمثيل النسبي الكامل 100% للمجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير، عملاً بقرار اللجنة القيادية العليا لإصلاح وتطوير مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، وعملاً باتفاق 4 أيار/ مايو 2011 الذي تم التوقيع عليه بإجماع الفصائل الفلسطينية.
وتندرج هذه الخطوة في إطار الإعداد لاجتماع اللجنة القيادية العليا في 8 شباط/ فبراير 2013 في القاهرة لتنفيذ برنامج الاجماع الوطني وإقرار قانون الانتخابات الواحد للشعب الواحد بالتمثيل النسبي الكامل.
آن الأوان لإنهاء الانقسام، والعودة للشعب بانتخابات شاملة للمجلس التشريعي للسلطة، والمجلس الوطني لمنظمة التحرير بمشاركة جميع الفصائل والقوى والنقابات والشخصيات الوطنية المستقلة.
إن حكومة نتنياهو ـ ليبرمان تدير ظهرها لقرارات الشرعية الدولية بتنفيذ القرارات الدولية بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والدولة؛ على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 القدس عاصمتها، وحق عودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194 في هذه المرحلة من الصراع.
س4: كيف تقيمون أهمية موضوع الاعتراف بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة، وهذا كيف سيؤثر على النضال الفلسطيني في المستقبل ؟
آن الأوان أن تتحدث فلسطين عن آلامها بنفسها للعالم ولشعوب العالم، وهي ترسف في أغلال أسوأ أنواع الاحتلال الاستعماري العنصري الإقتلاعي. لقد تأخر هذا القرار عقوداً ولا نريد سرد الأحداث والمنعطفات التاريخية التي عاشت قضيتنا خضمها وصولاً إلى محاولات تصفيتها، إن القرار يلهب جذوة المقاومة والنضال لإنجاز الاستقلال التي لن تنطفئ إلا بتحقيق أهدافها.. نحو الانتفاضة الثالثة لشعب تحت الاحتلال، لإنجاز حقوقه غير القابلة للتصرف وفق حقوقنا الوطنية التاريخية المقدسة، ووفق معطيات وقرارات الشرعية الدولية ومجلدها الضخم لجذور هذه القضية.
إن هذا يعني أن التاريخ الفلسطيني يسير الآن إلى الأمام، قرار الجمعية العمومية رقم 491 "الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 عاصمتها القدس المحتلة" انتصار سياسي وقانوني دولي تاريخي واقعي ودون تضخيم، ويدرج في معارك النصر الكبرى، بشهادات محللين "إسرائيليين"، وبمعطيات ردود الفعل "الإسرائيلية" الرسمية، خاصةً وأن الضغوط الصهيوأمريكية كانت على مستوى العالم، ومعها توابع و"نصائح" عربية، ومارست واشنطن أعتى ضغوطها السياسية وتهديداتها، كما مارستها "إسرائيل" ميدانياً وعبر وسائلها المختلفة، إن الإرادة الفلسطينية تستحق الاحترام، حينما تحسم موضوعة الأرض الفلسطينية والحقوق الفلسطينية، في مشهد "فلسطين الدولة" و"إسرائيل" الاحتلال المعزول، ومن كيان فلسطيني ما إلى دولة، ومن أراضٍ محتلة إلى وطن محتل ودولة تحت الاحتلال، ودولة تحتل دولة أخرى وفق مرجعيات قرارات الشرعية الدولية، أي الانتقال من مفاوضات ثنائية "برعاية أمريكية منحازة والكيل بمكيالين" إلى دولة يعترف العالم بها، وتحمل رقماً في سلسلة الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة، تحاصر دولة الاحتلال وتعزل الكيان الصهيوني سياسياً وقانونياً وتعترف بأراضي دولة فلسطين على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 تحت الاحتلال وليست "أرضاً متنازع عليها" من خلال نتائج تصويت الأمم المتحدة.
لقد شاءت حكمة التاريخ والأرقام أن يكون مقروءاً رقم القرار (491) من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار ليثير الذاكرة الفلسطينية بالقرار (194)، فالاقتلاع واللجوء مسؤولية هذا العالم، كذلك من "احتلال بلا تكاليف" لِـ "أراضٍ متنازع عليها"، إلى احتلال غاشم هو جزء من مسؤولية العالم، من المطلوب وضع حد نهائي له، كما أن معاهد خزانات التفكير والمستقبليات؛ ومنها "معهد واشنطن"، سبق حينها أن دوّن "ساتلوف" مسبقاً حول الانقسام الفلسطيني، وأن غزة أُخذت من مصر، وأن الحدود المصرية حُددت في كامب ديفيد، بين مصر و"إسرائيل"، وإذا ما توجب إعادة قطاع غزة، فإن "إسرائيل" لم تأخذه من الفلسطينيين، ومصر استعادت أراضيها، وبحسب المذكور؛ يمكن إعادته لمصر، ووفقاً لهذه المعادلة يجري الحديث عن الضفة الفلسطينية، الأمر المشابه لاتفاق الأردن و"إسرائيل"، في إشارة إلى الحال قبل عام 1967.
لقد أقرّ العالم من خلال القرار 491 الاعتراف الأممي الكبير بدولة فلسطين 138 دولة معه، 41 دولة ممتنع، وفقط 9 دول ضد القرار (امريكا، "اسرائيل" تشيكيا وجزر صغيرة في المحيط الهادي)؛ مؤكداً على أن هذه الأراضي لما قبل عام 1967 هي أراضي الدولة الفلسطينية، ومن بين السطور ليس على مصر أن تقلق بعد هذا القرار من إلحاق قطاع غزة بها وتحمل إدارته ومسؤولياته، وليس عليها أن تقلق على سيناء، وهذا هو منطق المعادلة التي أقامها ساتلوف وهي مقلوبة رأساً على عقب.
سارعت "إسرائيل" بعد هذا القرار بساعات قليلة من عزلها دولياً، ومن ضم فلسطين إلى الأسرة الدولية، إلى إجراءات عقابية متوقعة، حين أعلنت المباشرة ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية بين مدينتيّ رام الله والقدس (المنطقة E1)، وإعلانها إلى المزيد من البناء الاستيطاني، وكانت اقتصرت الدعوات من بعض "الدول النافذة" بضرورة انضمام فلسطين إلى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وأن "منظمة العفو الدولية" طالبت دولة فلسطين الإسراع بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإلى "محكمة العدل الدولية"، طالما أن "العدل الدولية" هي أكثر اختصاصاً بسلوكيات الدولة الصهيونية على مرّ تاريخها، بشأن ما يرتكبه الاحتلال من خرق للقانون الدولي، فالانضمام لها يُمكّن دولة فلسطين تحت الاحتلال من رفع شكاويها بشأن العملية الاستيطانية المتواصلة وجذورها، فالاستيطان هو ما يهدد دولة فلسطين، وكذلك الاغتيال السياسي والجرائم المنظمة.
س5: كيف تقيمون الأوضاع الحالية في سورية ؟
وضع سورية من المحزن أن أقول أنه كان من الممكن حله بالحوار السياسي الشامل بين جميع الأطراف بدون شروط مسبقة، ولكن ذهاب الأمور باتجاه الحلول العسكرية والأمنية، وكل الوان العنف والموت والارهاب أدى إلى إطالة أمد هذه الأزمة الطاحنة الذي يذهب ضحيتها الآن العشرات وأحياناً مئات يومياً، ولذا أدعو من جديد وأقول: يجب وقف العنف بكل أشكاله على الجانبين: جانب الدولة والحكومة السورية وجانب القوى المعارضة التي تنتمي إلى عالم "الشعب والانتفاضة كما تقدم نفسها"، والجلوس من الجميع على طاولة مفاوضات بدون شروط مسبقة للوصول إلى حلول توافقية تؤدي من جديد إلى مرحلة انتقالية، وتحول ديمقراطي على الأرض السورية، وبدون هذا أقول أن الصراع سوف يطول أشهر مديدة وربما أكثر من أشهر مديدة، وهنا على الدول العربية وايران ودول العالم وخاصة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن؛ أن تتفاهم فيما بينها، لأن شرط الوصول إلى هذه المبادرة الجديدة هو التوافقات بين الدول الخمس دائمة العضوية، الرابح الأكبر فيها (الأزمة الدامية) مرة أخرى "إسرائيل" التي تحتل الجولان بالإضافة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، والخاسر الأكبر بالأزمة الطاحنة السورية هو الشعب السوري أولاً، وفلسطين وقوى المقاومة ثانياً.
في آب/ أغسطس الصيف الماضي، قال هنري كيسنجر وهو كبير عرابي الإستراتيجيات الأمريكية في الشرق الأوسط، بأنه "لو سار مخطط إسقاط الدولة السورية مثلما نريد ـ لاحظ الدولة السورية ـ لتمكنت (إسرائيل) من السيطرة على نصف منطقة الشرق الأوسط"، نستدل من هذا أن الأجندات مرسومة، لكنها غير مضمونة النتائج بالنسبة لمن خطط لها وعمل على أجندتها، ويمكن أن نرى أن من الأهداف الدنيا إشغال وإضعاف واستنزاف سوريا، وأننا إذ ندين العدوان الصهيوني الغاشم والدخول العلني الواضح والظاهر بضرب المركز العلمي السوري بالطيران الصهيوني، يدفعنا ذلك أن نعي أكثر للوصول إلى حلول توافقية، تذهب إلى تفويت الذرائع الصهيونية والكيسنجرية الغربية لاستنزاف سوريا والقضاء على بنية دولتها، وبالإدراك أن الشعب السوري في مقدمة الشعوب التي تنشد السيادة الوطنية، وهذا ما يؤكده التاريخ.
س6 : كلمة أخيرة ؟
ثمة سبب رئيسي لما دار ويدور من حِراكات وتوترات، انتفاضات وثورات عربية، هو معاناة المواطنين في هذه البلدان بسبب التدهور الاقتصادي والاستبداد والفساد، ونحن نرى الحكومات الجديدة تتابع السياسات الاقتصادية القديمة، عبر إبرام اتفاقيات مع المؤسسات الدولية "البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي"، أي إبرام اتفاقيات مع الدول المهيمنة الكبرى التي تسيطر على السوق العالمية، وتهيمن على ميزان السياسة الدولية، وأقصد هنا بالذات انقسام الشعوب طائفياً ومذهبياً وعرقياً، حيث وصل بعد إذكاء نار الصراعات والفتن الداخلية، إلى استدراج واستيراد قوى الإرهاب والتطبيل الإعلامي لها، هكذا بقيت الشعوب في التغيير الشكلي مع تعميق التوترات والأزمات هنا وهناك، دراما شكسبيرية دموية يمكن أن تقرأها على لسان "هملت"، إن أكبر الانتصارات هي بالتوافق الوطني والتخلص من الاحترابات، وعلى المستوى العام ديمقراطية الثقافة بين الشعوب، هنا أهمية وطنية الثقافة التي تقوم على وتبنى وحدة الثقافة الإنسانية نحو الحرية والعدالة الاجتماعية هي واحدة ومتماسكة، إذا ما بنت وطورت قواعدها الاجتماعية، فهي مهما كانت كثيرة التنوع فإنها ثابتة على المبادئ الأساسية للثقافات، والمبادئ العامة وأنماطها المشتركة، طالما أن الدوافع بعيدة عن التسلط والاستحواذ.
إن ما يعيق ويعترض هذا المسعى هو أنظمة الاستغلال الاقتصادي والهيمنة والاستكبار واستغلال موارد الآخر الذي يتحول إلى تهديد ليس الحرية فقط، بل الهوية والاستقلال الوطني.
اليوم نحن بحاجة إلى الانتقال نحو مرحلة جديدة للوعي الإنساني، وخاصة في المعضلة الطائفية والمذهبية الإسلامية - الإسلامية، في حالة تعميق الفِرقة بين المذاهب وتعمق الفِرقة في الوطن الواحد، من خلال كياناته وإثنياته وهوياته وثقافاته فإنها ستكون حرائق وليس ربيعاً.
إن باروميتر التقدم والتغيير هو المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون والمؤسسات والعلم الحديث، ونضيف لها بأن تفاعلات هذه الأركان الخمسة هي ما تضع الحكومات على المحك العملي من القضية الفلسطينية.
إن الشعوب تريد ديمقراطية حقيقية، فهذه الشعوب بشبابها الطليعي هم الأبطال الحقيقون للثورات، والتي هبت بشعاراتها ودمائها تحت الرايات الكبرى الثلاث "خبز وكرامة، ديمقراطية تعددية، عدالة اجتماعية"، نحو تحقيق أهداف الديمقراطية الاجتماعية، هناك من ركب موجتها بعد تحقيق أهدافها، بشعبوية الأبطال الخلفيون من المتفرجين، وأمام الديمقراطية الفعلية، لا نريد أن ينتهي هذا الربيع إلى "ربيع التخلف التاريخي"، الشعوب الفاعلة تريد التقدم، لا العودة إلى إقطاعات القرون الوسطى.