الكرد - بترو دولار*، وتأثيره السلبي على اليسار والديمقراطية في العراق


رزكار عقراوي
الحوار المتمدن - العدد: 5435 - 2017 / 2 / 17 - 22:06
المحور: القضية الكردية     

للتأثير السلبي الكبير جدا للحزبين الكرديين الحاكمين في إقليم كردستان على عموم الحركة اليسارية والديمقراطية في العراق أعيد نشر مقالي هذا الذي نشر لأول مرة في 2013، وأتمنى ان يكون مساهمة متواضعة في مواجهة قوى الاستبداد والفساد المسيطرة في بغداد واربيل، وإثارة النقاش حول ضرورة استقلالية القوى اليسارية والديمقراطية في العراق ووضوح مواقفها وعدم التعامل بازدواجية تجاه الطغم الحاكمة من اللصوص والمجرمين وأعدائنا الطبقيين أينما كانوا!!.

*************************************

من الممكن أن يثير هذا الموضوع حفيظة الكثيرين، ولكن لابد من التعرض له مع تزايد الدور السلبي جدا ل ( الكرد- بترودولار) للحزبين الكرديين الحاكمين - الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة - مسعود البرزاني- والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة - جلال الطالباني- في اقليم كردستان العراق، في المساهمة في إضعاف، تفتيت، تشويه، اعاقة التنسيق والعمل المشترك، فرض التبعية والولاء،..... الخ ....وبطرق ودرجات مختلفة، على عدد كبير من قوى وشخصيات التيار اليساري والعلماني والديمقراطي في العراق، وحتى للأسف الشديد - إفساد - مجموعة غير قليلة من رموزه ومثقفيه ومؤسساته.



من أحزاب – تحرر وطني! – الى برجوازية طفيلية مستبدة

من الممكن ان الكثير من اليساريين والديمقراطين العراقيين مازال يعتبر الحزبين الكرديين - أحزاب تحرر وطني- تمثل وتدافع عن حقوق الشعب الكردي المشروعة، او على انها احزاب - ديمقراطية ومدنية نسبيا وفق المعايير الشرق اوسطية - ونحن بحاجة اليها لخلق التوازن في مواجهة قوى الاسلام السياسي والقومانيين العرب وجرائمهم، وهي وجهة نظر سياسية من الممكن الحوار عليها بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف ، وكما تنطلق وجهة النظر هذه من أن للبعض منهم علاقات سياسية وشخصية تاريخية تعود الى فترة الكفاح المسلح ضد الأنظمة الدكتاتورية وخاصة البعثي ، وهنا أرى من المهم جدا ان نمييز بين الأحزاب الكردية الحاكمة وقضية الشعب الكردي العادلة، حيث أؤمن بحقه الكامل في تقرير مصيره في استفتاء عام حر وتحت إشراف دولي حول البقاء مع الدولة العراقية أو الانفصال وتشكيل دولة مستقلة.

بعد الانتفاضة الجماهيرية الكبيرة التى عمت معظم مدن العراق سنة 1991 ،سيطر الحزبان الكرديان على مقاليد السلطة والنفوذ في معظم اجزاء إقليم كردستان العراق، وكقوى طبقية برجوازية تحالفا مع بقايا النظام البعثي الفاشي من مستشارين – امراء افواج المرتزقة (الجحوش)- ، والعاملين في الاجهزة العسكرية والامنية الاخرى، ورؤساء العشائر الملطخة اياديهم بدماء ابناء الشعب العراقي. رسخ الحزبان سلطاتهم من خلال القمع والتهديد والاغتيالات والإفساد والترغيب وشراء الذمم، وأدى صراعهم على السلطة والنفوذ الى إدخال المجتمع الكردستاني في حرب داخلية طاحنة في تسعينيات القرن المنصرم، نافسوا فيها النظام البعثي في الجرائم التي ارتكبوها من قمع وقسوة ، إعدام الأسرى والجرحى، اعتقالات وتصفية والتعذيب الوحشي للسجناء، اعتقال وترحيل أعضاء الحزب الآخر....... الخ، وبعد سقوط النظام البعثي الفاشي في 2003 كانوا الحليف الرئيسي لقوى الإسلام السياسي، واشتركوا معهم في إدخال العراق في حرب أهلية مدمرة، تعزيز سلطة الميليشيات واطلاق يدها، الفقر والبطالة، الفساد والانتهاك المتواصل لحقوق الإنسان ، غض النظر عن انتهاك حقوق المرأة،وقمع الحريات الفردية والمدنية، وفرض نظام المحاصصة الدينية والقومية السيئ الصيت.... الخ وكانوا معهم في اجهاض ومحاربة اي مسعى لتوجه مدني وديمقراطي على مختلف الاصعدة.

مارس الحزبان الفساد المنظم بشكل كبير جدا منذ بداية استلامهم للسلطة في إقليم كردستان، وتم نهب مؤسسات الدولة والمال العام بشكل علني وفج، وتحول قادة الحزبان والمرتبطون بهم إلى طبقة من البرجوازية الطفيلية التى سخرت معظم ما هو موجود من ممتلكات الدولة وعوائدها لمصالحها الحزبية والشخصية والعشائرية، وازداد غناهما بعد سقوط النظام الدكتاتوري، حيث خصصت ميزانية لإقليم كردستان من عوائد النفط العراقي.



الكرد - بترو دولار و - اليسارية والديمقراطية المؤطرة - !!

ومكن ذلك الحزبين الكرديين من خلال استخدام أموال نهب المال العام والامتيازات المختلفة، إلى جر! الكثير من الأحزاب السياسية والشخصيات السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية إلى تأييد سياساتهم، او السكوت عن جرائمهم وفسادهم، أو على الأقل عندما يتم التطرق إليها تصنف على إنها - أخطاء ونواقص صغيرة - ومن العادي أن تحصل في بداية التجربة الديمقراطية الفتية و الرائدة !! في إقليم كردستان العراق.

أصبح الحزبان الكرديان ومؤسساتهما من - رعاة الثقافة والقيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والمرأة!! - ويتم بشكل دائمي إحياء مؤتمرات ومهرجانات كبيرة ممولة بملايين الدولارات في الفنادق الراقية ذات الخمس نجوم!!، مثل ما كان يفعل النظام البعثي المقبور، لتجميل وجه حكمهم الكالح والقبيح، و يتم دعوة العشرات بل المئات من المثقفين والمفكرين العراقيين وحتى العرب، ويتنافس الحزبان في ذلك، في نفس الوقت الذي يحارب فيه الصوت التحرري لتقدميي وديمقراطيي ويساريي كردستان، وتقييد نشاطاتهم بشتى الطرق، وبنسب مختلفة في إقليم كردستان، حسب مستوى سيطرة الحزبين الحاكمين على المناطق، ولا يصرف اي نوع من التمويل للنشاطات الديمقراطية المستقلة المعارضة، التي تناهض استبدادهم وفسادهم وقمعهم، وتدافع عن المساواة و حقوق الإنسان والحريات والمدنية في الإقليم.

اعتقد أن السادة والسيدات المدعوين إلى تلك - المؤتمرات - في إقليم كردستان ، يرون بوضوح دكتاتورية البرزاني والطالباني وحزبيهما، يرون بوضوح الاستبداد والتسلط الشخصي والحزبي والعائلي والعشائري على المجتمع الكردستاني، يرون الفساد و الغنى والبذخ الفاحش لمسئولي الحزبين الحاكمين، ويتابعون بلا شك تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية حول الإقليم، ومع ان الكثير منهم شخصيات ديمقراطية ويسارية نزيهة ولها تاريخ نضالي يعتز به واكن لهم كل الاحترام الشخصي والسياسي، فمازال البعض منهم يدافع عنهم، و يلتزم الكثير الاخر الصمت الكامل او الجزئي عن تلك الجرائم والسياسات الفاسدة، التي لا تختلف عن سياسات الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراق، أو عن السياسات التي يتم تعميمها في وسط وجنوب العراق.

للأسف الشديد استطاع الحزبان الكرديان من خلال التمويل والامتيازات، فرض نوع من - اليسارية والعلمانية والديمقراطية المؤطرة !!- على تيار كبير من الأحزاب والشخصيات في وسط وجنوب العراق، وفق مقاسهما و مصالحهما، واستطاع هذان الحزبان من الإستفادة منهم واستخدامهم، حسب مستوى علاقاتهم وصراعاتهم مع – الحكومة المركزية - أي قوى الإسلام السياسي الحاكمة، حيث يتم إضعافهم وتهميشهم عندما تكون لهم علاقة مستقرة مع بغداد، وتفعيلهم في مواجهة تلك الحكومة عندما تسوء العلاقات ويشتد الصراع على السلطة والنفوذ وتقسيم عوائد النفط، وكما نرى يقوم الطرفان والمطبلون لهم، بتغطية تلك الصراعات وإظهارها على انها صراع وطني وقومي، وحتى انه كصراع من اجل الحقوق والحريات الديمقراطية!!.




التيار اليساري والديمقراطي والموقف من الحزبين

هناك رأي بين طيف من اليساريين والديمقراطيين العراقيين يطرح انه هناك إمكانية العمل المشترك والتحالف مع الحزبين الكرديين في مجالات معينة، وخاصة بما يتعلق بمدنية وديمقراطية الدولة العراقية ومواجهة اسلمتها من قبل قوى الإسلام السياسي، أو مناهضة فرض نظام الحزب الواحد مرة أخرى، ولكن الواقع وتجارب السنوات الماضية أثبتت إنها إمكانية ضعيفة بل وشبه معدومة!، فالحزبان وقادتهما ذو بنية استبدادية و يهمهم مصالحهم الطبقية والحزبية قبل كل شيء، وهم مستعدون للمساومة على كل شيء، بما فيه تحويل كل وسط وجنوب العراق الى – جمهورية اسلامية – مقابل الحفاظ على تلك المصالح.
لذلك ارى انه لابد على القوى والشخصيات اليسارية والديمقراطية العراقية توضيح مواقفها بصراحة، وإدانة جرائم واستبداد وفساد الحزبين الكرديين، ودورهما الكبير في نظام المحاصصة الطائفية والقومية المعادي للديمقراطية والمدنية، اسوة مع ادانة والوقوف ضد استبداد وتسلط الاحزاب - الميلشيات الاسلامية والقومية في وسط وجنوب العراق سواء كانت في السلطة او المعارضة، ولابد من العمل المشترك مع يساريي وديمقراطيي الإقليم ، وإلا ستكون مصداقية توجهاتها المدافعة عن اليسار والديمقراطية موضع شك كبير وضعيفة، ليس أمام ساكني إقليم كردستان فحسب بل في عموم العراق، وستكون تحالفاتهم المباشرة وغير المباشرة مع الحزبين الكرديين، تكرارا لتجارب – التحالفات الجبهوية – الفاشلة والبائسة مع الانظمة والاحزاب الدكتاتورية والشمولية، التى دخلت فيها الكثير من الفصائل اليسارية والتقدمية في العالم العربي، وكانوا هم أول ضحاياها!.


-----------------------------------------------------
* الكرد - بترو دولار: اقصد به أموال نهب المال العام - ومعظمه من عوائد النفط - التي يستخدمها الحزبان الكرديان الحاكمان في إقليم كردستان العراق لتجميل وجه حكمهم الاستبدادي الكالح والقبيح!، والتغطية على فسادهم الشخصي والعائلي والحزبي.