المنطقة في ظل -الربيع العربي- إلى أين


نايف حواتمة
الحوار المتمدن - العدد: 3989 - 2013 / 1 / 31 - 00:19
المحور: مقابلات و حوارات     

حواتمة في حوار مع قناة -الراية- القطرية
حاوره: أسعد العزوني
القاهرة - عمان

س1: حصل الفلسطينيون على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، ما الوزن السياسي لهذه الخطوة؟
آن الأوان أن تتحدث فلسطين عن آلامها بنفسها للعالم ولشعوب العالم، وهي ترسف في أغلال أسوأ أنواع الاحتلال العنصري الإقتلاعي. لقد تأخر هذا القرار عقوداً منذ عام 1948، ولا نريد سرد الأحداث والمنعطفات التاريخية التي عاشت قضيتنا خضمها وصولاً إلى محاولات تصفيتها، إن القرار يلهب جذوة المقاومة والنضال لإنجاز الاستقلال التي لن تنطفئ إلا بتحقيق أهدافها.. نحو الانتفاضة الثالثة لشعب تحت الاحتلال، لإنجاز حقوقه غير القابلة للتصرف، وفق معطيات وقرارات الشرعية الدولية ومجلدها الضخم لجذور هذه القضية.
إن هذا يعني أن التاريخ الفلسطيني يسير الآن إلى الأمام، قرار الجمعية العمومية الرقم 491 "الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 عاصمتها القدس المحتلة" انتصار سياسي وقانوني وطني ودولي تاريخي وصولاً لدولة مستقلة وحق العودة تاريخي واقعي ودون تضخيم، ويدرج في معارك النصر. واقعي ودون تضخيم، ويدرج في معارك النصر.
بشهادات محللين "إسرائيليين"، وبمعطيات ردود الفعل "الإسرائيلية" الرسمية، خاصةً وأن الضغوط الصهيوأمريكية كانت على مستوى العالم، ومعها توابع و"نصائح" عربية، ومارست واشنطن أعتى ضغوطها السياسية وتهديداتها، كما مارستها "إسرائيل" ميدانياً وعبر وسائلها المختلفة، إن الإرادة الفلسطينية تستحق الاحترام، حينما تحسم موضوعة الأرض الفلسطينية والحقوق الفلسطينية، في مشهد "فلسطين الدولة" و"إسرائيل" الاحتلال المعزول، ومن كيان فلسطيني ما إلى دولة، ومن أراضٍ محتلة إلى وطن محتل ودولة تحت الاحتلال، ودولة تحتل دولة أخرى وفق مرجعيات قرارات الشرعية الدولية، أي الانتقال من مفاوضات ثنائية "برعاية أمريكية منحازة والكيل بمكيالين" إلى دولة يعترف العالم بها، وتحمل رقماً في سلسلة الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة، تحاصر دولة الاحتلال وتعزل الكيان الصهيوني سياسياً وقانونياً وتعترف بأراضي دولة فلسطين على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 تحت الاحتلال وليست "أرضاً متنازع عليها" من خلال نتائج تصويت الأمم المتحدة.
جاءت حكمة التاريخ والأرقام أن يكون مقروءاً رقم القرار (491) من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار ليثير الذاكرة الفلسطينية بالقرار (194)، فالاقتلاع واللجوء مسؤولية هذا العالم، كذلك من "احتلال بلا تكاليف" لِـ "أراضٍ متنازع عليها"، إلى احتلال غاشم هو جزء من مسؤولية العالم، من المطلوب وضع حد نهائي له، كما أن معاهد خزانات التفكير والمستقبليات؛ ومنها "معهد واشنطن"، سبق حينها أن دوّن "ساتلوف" مسبقاً حول الانقسام الفلسطيني، وأن غزة أُخذت من مصر، وأن الحدود المصرية حُددت في كامب ديفيد، بين مصر و"إسرائيل"، وإذا ما توجب إعادة قطاع غزة، فإن "إسرائيل" لم تأخذه من الفلسطينيين، ومصر استعادت أراضيها، وبحسب المذكور؛ يمكن إعادته لمصر، ووفقاً لهذه المعادلة يجري الحديث عن الضفة الفلسطينية، الأمر المشابه لاتفاق الأردن و"إسرائيل"، في إشارة إلى ما دون الحال قبل عام 1967.
لقد أقرّ العالم من خلال القرار 491؛ مؤكداً على أن هذه الأراضي لما قبل عام 1967 هي أراضي الدولة الفلسطينية، ومن بين السطور ليس على مصر أن تقلق بعد هذا القرار من إلحاق قطاع غزة بها وتحمل إدارته ومسؤولياته، وليس عليها أن تقلق على سيناء، وهذا هو منطق المعادلة التي أقامها ساتلوف وهي مقلوبة رأساً على عقب.
سارعت "إسرائيل" بعد هذا القرار بساعات قليلة من عزلها دولياً، ومن ضم فلسطين إلى الأسرة الدولية، إلى إجراءات عقابية متوقعة، حين أعلنت المباشرة ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية بين مدينتيّ رام الله والقدس (المنطقة E1)، وإعلانها إلى المزيد من البناء الاستيطاني، وكانت اقتصرت الدعوات من بعض "الدول النافذة" بضرورة انضمام فلسطين إلى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وأن "منظمة العفو الدولية" طالبت دولة فلسطين الإسراع بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإلى "محكمة العدل الدولية"، طالما أن "العدل الدولية" هي أكثر اختصاصاً بسلوكيات الدولة الصهيونية على مرّ تاريخها، بشأن ما يرتكبه الاحتلال من خرق للقانون الدولي، فالانضمام لها يُمكّن دولة فلسطين تحت الاحتلال من رفع شكاويها بشأن العملية الاستيطانية المتواصلة وجذورها، فالاستيطان هو ما يهدد دولة فلسطين، وكذلك الاغتيال السياسي والجرائم المنظمة.
إن قوة الإرادة الفلسطينية تجسدت في مواجهة طواقم "المحافظين الجدد"، ومن أصحاب نظريات "المفاوضات للمفاوضات فقط"، في الإدارة الأميركية، ذاتها هددت بإجراءات انتقامية، واتخاذ إجراءات وقائية، وطلبها عدم التسرّع بالانضمام للمنظمات الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ومحاولة كبح المعادلة الجديدة التي أفرزها القرار، باعتباره قلب طاولة المفاوضات الأمريكية وتحت الرعاية الأمريكية المطلقة، وباعتبار أن القرار يمكن استثماره مضاداً للوجهة الأمريكية ـ الإسرائيلية التي وصلت معه وبه إلى أُفق مسدود، وخرج الأفق السياسي من "لعبة الدوران التفاوضية" التي لا تفضي إلا إلى المزيد من الاستيطان.
إن هذا الانتصار السياسي ينبغي أن يعزز بأنياب فلسطينية، وأن يذهب نحو خلق الوقائع على الأرض: إعادة البناء السياسي الفلسطيني وإنهاء الانقسام، كي يُبنى على هذا الانتصار، ومواجهة عمليات احتوائه وإجهاضه، يبدأ أولاً بديمقراطية فلسطينية شاملة وفق التمثيل النسبي الكامل، تعزز وقائع الصمود والوقائع الميدانية لوطن وشعب تحت الاحتلال، تمهد لنمط بناء الدولة والنظام بدءاً من البرلمان والأجهزة التنفيذية (الحكومة) والقضاء، إن هذه المطالب لم تعد ترفاً أمام وقائع رفع التمثيل الفلسطيني إلى دولة، فالسلطة الفلسطينية، ثم حالة الانقسام لم تعد تلائم هذا التوصيف، وقد بدأت النخب الفلسطينية والإعلامية باستخدام مصطلح "دولة تحت الاحتلال"، ولم يعد يكفي الشعب الفلسطيني أن تدين بيانات السلطة الاستيطان "الإسرائيلي" وتكتفي بذلك، والنخب والشعب ينتظر بشغف أن تغادر القيادة الفلسطينية سياسة التردد والانتظار، وترتب كامل أوراقها وأجندتها الجديدة بعد القرار 491.

س2: "إسرائيل" تستعد لاعتراف العالم بها كدولة يهودية خالصة، ما تبعات ذلك ؟
يعي عالم اليوم حقيقة "إسرائيل" ككيان عدواني توسعي عنصري، كما تشير الاستبيانات في الغرب الأوروبي وعلى مستوى مجتمعاته.
أمام الرأي العام العالمي أيضاً؛ سقطت أكذوبة أن "إسرائيل" نموذج فريد للديمقراطية في المنطقة، وأنها معرضة للإلقلاء في البحر، واستمرت هذه الأكاذيب على مدى عقود مديدة من ولادتها.
أما على أرض الواقع؛ وعلى الرغم من انسياقها مع غلاة اليمين المتطرف والعنصري، فقد خرجت من "العصر الذهبي" لما يسمى بـ "جيل الرواد المؤسس"، ذاته في حقيقته هو: "العصر الدموي"، وانتهت أمام الرأي العام العالمي وبالذات في الغرب الأوروبي، تلك التي رأوها فيما ادعته حينها بِـ "المُثل المنفتحة" المؤسسة، وقيامها بـ "عملية جراحية استئصالية رائعة" لإقامة مجتمع يحاكي المجتمعات الأوروبية بالاعتماد على ضواريها الإمبريالية، فتحدثوا نيابةً عنها وبلسانها ومثّلوها، وكرّموا مجرمي حربها.
في عالم اليوم زال "العصر الذهبي" في نظر الأوروبيين وبقي منه روحه الحقيقية وجوهره الممثل بـ "العصر الدموي" والأبارتهيد، المسلح والمتخم حتى نواجزه، مع الفارق أن "إسرائيل" اليوم يهيمن عليها الشعور بالقدرية والكارثة والوحدة والغموض والابتذال والعجرفة؛ تتويجاً لتاريخ دموي؛ ولكن بلا "رواد" و"مُثل" فهي وهمية في انفتاحها من حيث الجوهر وقد تم اغتيالها لهذه الادعاءات الكاذبة منذ رفضها لقرارات الشرعية الدولية، باعتبارها متمردة على روح التعاون والانفتاح الإنساني في هذا العالم.
كيف سيكون موقف الرأي العام العالمي من دولة ترفض وتنبذ وتقصي وتميّز خُمس مواطنيها (عرب 48)، في الوقت الذي تنحو وتتجسد المُثل العالمية بالانفتاح والتعدد وقيم الإيثار الإنساني ؟! ...
إن ممارسات "إسرائيل" العدوانية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، وتحدي الشرعية الدولية، لم يعد بالإمكان التغطية عليها، مترافقاً مع أبشع صور المجازر ومصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات. إن وعي حقيقة "إسرائيل" أخذ في التصاعد، من خلال هيئات وجمعيات ومنظمات نقابية وإنسانية وأكاديمية عالمية، تنخرط في مقاطعتها سياسياً واقتصادياً وأكاديمياً، وتقوم بتعرية ممارساتها وكشف جوهرها العنصري العدواني.
على سبيل المثال؛ هذا ما تقوم به هذه المؤسسات في بريطانيا ذاتها، الإمبريالية المؤسسة و"القابلة" لولادة "إسرائيل"، بانطلاق حملات من مجتمعها المدني في إطار حملة دولية لجمع مليون توقيع، من أجل حمل الحكومة البريطانية على الاعتذار عن "وعد بلفور"، وعن الانتداب و"النكبة الفلسطينية الكبرى"، وباعتبارها مسؤولة تاريخياً وبشكل عضوي مباشر عن جريمة العصر، وتشريد الشعب الفلسطيني من أرضه، فهي التي أخذت بيد العصابات الصهيونية بعد تهجيرها إلى فلسطين وبرعايتها، ومكنتها من ارتكاب المجازر المهولة بحق الشعب الفلسطيني.
وأخيراً؛ أليس التصويت بأغلبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لقيام دولة فلسطين المراقبة، رغم الضغوط والتهديدات كلها التي طالت عموم دول العالم من جانب الولايات المتحدة، توضح بكل جلاء أن العالم أخذ يعي حقيقة "إسرائيل" وأحقية الشعب الفلسطيني في دولته وعلى جزء من أرضه التاريخية ؟! ...
عالم اليوم لم يعد يحتمل الأسوار والغيتوات المغلقة مهما بلغ اتساعها، عالم اليوم منفتح تعددي في قيمه ... ولم يعد يحتمل آخر قلاع الأبارتهيد البغيض.
س3: بات واضحاً أن الكونفدرالية الأردنية - الفلسطينية تلوح في الأفق، ما هي قراءتكم لهذه الخطوة ؟
بعد نجاح التصويت في هيئة الأمم من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالقرار 491 وبأغلبية ساحقة "دولة فلسطينية عضوة مراقبة"، خطوة لفتح الأفق السياسي وبقرارات الشرعية الدولية، فإن أمامنا درب طويل ومتدرج وتراكمي لاستعادة كامل حقوق شعبنا الفلسطيني، بدءاً من حق المساواة والمواطنة لفلسطينيي عام 1948، وحق الاستقلال وتقرير المصير والدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، وحق العودة.
بعد هذا الانتصار السياسي والقانوني التاريخي الكاسح، انطلقت فكرة "الكونفدرالية"، ونحن نواجه الآن تحديات "التهويد" في القدس، و"أسرلة" منطقة الغور، واستيطان فلسطين برمتها، بينما المطلوب تثبيت هذا الانتصار الكبير والبناء عليه.
إن العلاقات الفلسطينية ـ الأردنية ذات جذور تاريخية مديدة، هي علاقة عضوية بين شعبين شقيقين، بيد أن الكونفدرالية بهذا الوقت تشكل غطاءً لتفريغ إنجازات القرار الأممي (491) من جوهره ومضمونه، فضلاً عن كونها قراءة خاطئة ومستعجلة بالبحث عن غطاء في هذا الوقت بالذات للاحتلال الصهيوني للتحلل من القرار المذكور، وفتح الإشكالات في الأردن، إننا مع أي شكل من أشكال العلاقة مع الأردن، لكن عندما يتم إنجاز الدولة الفلسطينية المستقلة، وبحرفية قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها القرار (491) ...
إن "إسرائيل" اليوم في حالة من تآكل الردع لديها رغم فائض القوة، وهو تفقد القوة على "الحسم العسكري"، وها هي اليوم تفقد القدرة أيضاً على التأثير الدبلوماسي والسياسي وتحقيق مآربها رغم الدعم الأمريكي المتعدد العسكري والمادي والسياسي، والعالم يتفهم طبيعة المشروع الصهيوني ومستقبله ومشروعه الإمبريالي التابع، فمسألة قيام الدولة الفلسطينية سيقود إلى متواليات في الحقوق الفلسطينية، حتى داخل الكيان الصهيوني ذاته ...
إن تهديد دول العالم بالويل والثبور، كما تهديد الفلسطينيين أيضاً من خلال الابتزاز لم يعد يجدي، وقد ظهر جلياً أن بنيامين نتنياهو يتخبط في أفعاله وأقواله، ومنها إثر الحصول على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة قوله: "إن الاعتراف لا يُغيّر شيئاً على الأرض"، أي أن قيام الدولة الفلسطينية رهن بـ "إسرائيل"، وهذا منافٍ للموضوعية بشكل مطلق، لأن الصهاينة يرون نهاية خرافة "أرض الميعاد" وبداية تهاوي الأحلام الصهيونية الكبرى.
نتنياهو يعلم ان "اسرائيل" قامت بثلاث قرارات اولها القرار الأممي (وعد بلفور، قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947، والثاني خلق الوقائع اليهودية على أرض فلسطين، والثالث التحالفات الدولية).
أخيراً؛ لقد خاضت الولايات المتحدة معركة "إسرائيل" بكامل جبروتها في الأمم المتحدة وعلى امتداد العالم، للحؤول دون حصول فلسطين على عضوية دولة مراقبة، وهي لم تتقبل هذه النتيجة بروح ديمقراطية باحترام قرار المجتمع الدولي بأغلبيته، وبما يتعارض مع ادعاءات مفاهيم العدالة وحقوق الإنسان كلها، بل والقيم التي تشكلت على أساسها الأمم المتحدة كي تكون ضامنة للأمن والسلم الدوليين.
عبرت وزيرة خارجيتها عن سخطها على نتيجة التصويت، وكذلك مندوبتها في الأمم المتحدة، وهي من أقصت الأمم المتحدة عن مهمة رفع الظلم عن الشعب الفلسطيني ووطنه، ومنعتها عن القيام بدورها المفترض تجاه تأمين أبسط حقوق الشعب الفلسطيني، بل لعبت لعبتها في "المفاوضات من أجل المفاوضات" حول ادعائها لقيام "دولتين" في الوقت كل أشكال الحماية والتأييد والإسناد السياسي والاقتصادي والعسكري، والتبرير لجرائم العدوان المتواصل، نحو إنهاء أية تسوية ممكنة مع كيان توسعي عدواني احتلالي.
س4: هل من مصالحة فلسطينية قريبة ؟
بدايةً أؤكد على أولاً: ضرورة البدء بالأعمال التحضيرية لبناء قانون انتخابات التمثيل النسبي الكامل في المجتمع والمجلس التشريعي للسلطة والمجلس الوطني لمنظمة التحرير.
ثانياً: إسقاط الانقسام وبناء الوحدة الوطنية وحكومة توافق وطني واحدة ضرورة فلسطينية.
كما تم اجتماع جميع الفصائل الفلسطينية برئاسة رئيس المجلس الوطني لمنظمة التحرير سليم الزعنون، وبلورة قانون انتخابات واحد للشعب الواحد بالتمثيل النسبي الكامل 100% للمجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير، عملاً بقرار اللجنة القيادية العليا لإصلاح وتطوير مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، وعملاً باتفاق 4 أيار/ مايو 2011 الذي تم التوقيع عليه بإجماع الفصائل الفلسطينية.
وتندرج هذه الخطوة في إطار الإعداد لاجتماع اللجنة القيادية العليا في أيار القادم لإقرار قانون الانتخابات الواحد للشعب الواحد بالتمثيل النسبي الكامل.
آن الأوان لإنهاء الانقسام، والعودة للشعب بانتخابات شاملة للمجلس التشريعي للسلطة، والمجلس الوطني لمنظمة التحرير بمشاركة جميع الفصائل والقوى والنقابات والشخصيات الوطنية المستقلة.
إن حكومة نتنياهو ـ ليبرمان تدير ظهرها لقرارات الشرعية الدولية والسلام المتوازن بتنفيذ القرارات الدولية بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والدولة؛ على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 القدس عاصمتها، وحق عودة اللاجئين وفق القرار الأممي 194.
س5: كيف تقرؤون مواجهات غزة الأخيرة، واتفاق التهدئة الذي أنجزه المصريون بين حماس وإسرائيل ؟
يحق للفلسطينيين الاحتفال بانكفاء وفشل العدوان الصهيوني، فالكيان لم ينجح إلا في أعمال التدمير والقتل دونما التمييز بين الشيخ والطفل والمرأة، مواصلاً همجيته ومسجلاً جرائم جديدة، وسجلت الفصائل الفلسطينية نصراً معنوياً جديداً، حينما هزّت المعنويات داخل الكيان وأضافت خوفاً ورعباً من استمرار جولات العدوان على غزة، هذا في اللحظة الفلسطينية المباشرة، وكي لا يبدد هذا في الأجل الطويل مع فائض القوة التقليدية التي تملكها "إسرائيل"؛ المقابلة لفائض الإرادة والصمود الفلسطينية، ينبغي فوراً استعادة المقاربة للحالة الفلسطينية، بالعودة إلى أُسس الصمود والمواجهة، باتخاذ مقومات صمود الشعب الفلسطيني، فالمصالحة وإنهاء الانقسام، لا يمكن أن تنجز بتبادل التهاني والقُبل، بل نحو إنهاء الانقسام بحلول شفافة ديمقراطية للشعب الفلسطيني تبدأ بالتمثيل النسبي الكامل.
بالإدراك أن تهويد القدس وقضم الضفة يجري على قدمٍ وساق، في سياق المشروع الصهيوني، وبالإدراك لخبرة التاريخ فإن العدوان على قطاع غزة لن يتوقف، بل سيتواصل مع أول فرص صهيونية بأشكال مختلفة، طالما أن الخبرة تقول بأن "التهدئة ليست نهاية المطاف"، ولا يمكن الاسترخاء تحت ظلالها، وكي لا يُفاجأ أحد ينبغي أن يكون الموقف شفافاً بجميع جوانبه مع الشعب الفلسطيني في جميع القضايا الجوهرية، فالمطلوب توفير مقومات الصمود الشاملة للشعب، الذي تتوفر لديه الإرادة في مواجهة آلة القتل والدمار الصهيونية الجهنمية. والمطلوب أولاً: إنهاء الاحتلال، فهذا الاحتلال آن له أن يزول، كي تزول المحارق و"الرصاص المصبوب"، وكي يتبخر "عمود السحاب"، فهي مرشحة للتكرار ليس في فلسطين أو جزء منها في قطاع غزة، بل على امتداد مساحة الوطن العربي كله، ولا يَدُل على ذلك سوى عدوانها قبل فترة على الخرطوم.
الاتفاق تحديداً "تفاهمات وقف إطلاق النار فقط"، الحصار البري والبحري والجوي الإسرائيلي على كل غلاف وسماء قطاع غزة بقي على حاله، والممرات بيد إسرائيل ولم تفتح، والبند الأخطر ينص على اعتبار المقاومة للاحتلال "أعمال عدائية تجاه إسرائيل"، وهذا لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية منذ حزيران/ يونيو 1967.
إن العدو لم يتغير، وكذلك أساليبه وإرهابه، ومذابحه لم تتوقف منذ ما قبل عام النكبة 1948، فهي نهج اقتلاعي وردعي و"كي للوعي" في فلسفة العدوان الصهيونية، إن رأس الأجندة الفلسطينية هو إنهاء الاحتلال.
س6: المنطقة في ظل "الربيع العربي" إلى أين ؟! ...
أجيب أولاً وبالملموس؛ لا خوف على مصر أو تونس بما تشكلان؛ لأنهما يستندان إلى عمق ليبرالي ومسار تاريخي "ليبرالي"، بما يشكلان فارقاً عن ذلك؛ تلك أمسكت بالتغيير من قوى ايديولوجية تقوم على احتكاره، على الرغم من الحملات المغرضة الإعلامية التي تصور الانتفاضة الشعبية الثانية في عمقها الطبيعي بأنها "فلول النظام السابق"، ولوجود نخب متقدمة عميقة بعمق النيل؛ تميز بين "حقوق الإنسان الميتافزيقية" وحقوق الإنسان الطبيعية والتاريخية الواقعية، ومنه النموذج العالمي السائد والمتطور القائم على "التسامح الديني والحرية المرتبطة بالفاعلية الإنتاجية"، بعيداً عن أي تصور غائم لمفهوم الحرية، فالأول يذهب إلى إلغاء الحرية الملموسة والواقعية للفرد، وباسم الشعب للأسف، وهذا غير حقيقي لأن القيم الليبرالية تتمحور حول تأكيد حقوق الفرد والحد من نفوذ السلطة، الأول يُذْهِب حركية مبدأ الحرية والمساواة الأصلية، حيث يرى بالجوهر أنه لا يمكن تكريسه في بنية مؤسسية أو نظام سياسي أو اجتماعي.
كما نرى اليوم استبداداً سينتهي إلى فظائع مأساوية، بدلاً من "الحريات الليبرالية الحديثة"، وحيث لا ديمقراطية دون "ثقافة عميقة للديمقراطية، ففي مصر وبعض البلدان العربية الصراع يدور لفرض "الديمقراطية الميتافزيقية" الطائفية والمذهبية على أرض الواقع بديلاً عن الشعب مصدر السلطات التشريعية والرئاسية والقضائية، فالديمقراطية بالشعب وللشعب.
والبعض الآخر يبرز الاستبداد "الديمقراطي" حين نرى النتائج بين الأول والثاني في الاستفتاء على مشروع الدستور متقاربة سوى أرقام معدودة ومحدودة، فيجري بناء المؤسسات في الدولة على قيم وأهداف الحزب والتيار الذي فاز لاغياً نصف المجتمع، طالما أن الاتجاه المهيمن هو المستفيد من ديناميكية حزبية منظمة، تستطيع أن تحرك بخطاب شعبوي طائفي ومذهبي انقسامي وصفقات اقليمية سلطوية طائفية، فضلاً عن صفقات دولية، بدلاً عن الخطاب، المساواة في المواطنة؛ والدعوة لصياغة دستور توافق وطني لكل المجتمع تحت سقف دولة القانون والدستور المنشود الجديد الديمقراطي ممثلاً للشعب الواحد بدون تمييز واستبداد طائفي.. بدون مساواة في المواطنة وبين المرأة والرجل.
أما النصف الآخر المؤسس للحراك والثورة، والذي استهدف بحراكة ثورة ليبرالية فهو يستند على جمهور مشتت لا مركز له سوى الميادين في العواصم، يقوم على "فرديات" مستقلة التنظيم في حالة واسعة من المرونة، بينما يحتفظ الآخر بنظام مؤسسي حزبي صلب، وقواعد تابعة منضبطة تفعل فعلها في مردود المواسم الانتخابية بطوفان الأموال الانتخابية والمحلية والنفطية السلطوية الطائفية ... الخ.
إن المطلوب هو الدفاع عن القيم والحريات الديمقراطية الشاملة الفردية، في مواجهة جسد الديكتاتورية الثقيل وكتله الانتخابية المنظمة والمهيمنة، لأنها ستسعى إلى الانفكاك من مرجعيات وأدوات ووسائل الشرعية السياسية التي أوصلتها ذاتها إلى السلطة ...
إن الخطر المعاين الآن يتطلب استعادة القيم المعيارية للديمقراطية، حيث أن الحريات الفردية المدنية مطلوب ترسيخها في النظام السياسي لا إزاحتها إلى الهامش، تحت دعوى وشعار "مبدأ سيادة الأمة" حين يجري اختزاله في العملية الانتخابية، فالمبدأ المذكور لا دور له في الممارسة الديمقراطية سوى جعله سكيناً مشحوذاً لحسم الصراع مع قوى سياسية، وفقط لأهداف ومراحل ظرفية.
في المعاصر والمعاش، يمكن الاستخلاص أن الممارسة الديمقراطية لا يمكن لها أن تتحقق دون أفق ديمقراطي ليبرالي واسع ومفتوح، ونقصد هنا بالضبط ترجمة فعلية قانونية لنظام الحريات الفعلي والواقعي والمنصوص عليها، وليس فقط الليبرالية الإيدلويوجية ومسلماتها.
ويكمن بهذا الفارق بين "حقوق الإنسان الميتافزيقية" وبين "حقوق الإنسان الطبيعية والتاريخية والواقعية"، لأن الأخيرة تحل مشكلة الصراع على السلطة وتفكك المعضلة السياسية وتقيم انتظام الجماعة. لقد سبق أن صاغ الفيلسوف سبينوزا سؤاله التاريخي: "لماذا يستميت البشر في دفاعهم عن عبوديتهم وكأنهم يدافعون عن حريتهم ؟" ...
وهذه إنذارات صريحة لما أطلق عليه تسمية "الربيع العربي" لتهميش ومصادرة اهداف الثورات "الحرية، الديمقراطية، العدالة الإجتماعية"، والمآلات بعواقب وخيمة، وقد تبدلت نسائمه الربيعية إلى رياح السموم وزوابع و"طوز" صحراوي، كي لا تدخل المنطقة بقيظ ساخن مجدب مديد، إن تسنى له أن يتواصل فإن عواقبه "القهقرية" مديدة وخارج السيطرة، امتداداً لِـ "الفوضى الخلاّقة الأمريكية" التي تعيث فساداً في المجتمعات ...
إن هؤلاء من ركبوا على صهوة "الربيع" بعد أن كانوا من النظّارة المتفرجين، يتحكمون بمصائر الربيع، بعد التقاط ثماره قبل أن تونع، وأخذوا يخربون النُسج الوطنية والاجتماعية العربية، بالحروب الأهلية الدموية وبالوحشية التي أطلقوها، أمامنا مشاهد لحروب أهلية فادحة مكلفة قادمة بين المذاهب والطوائف والقبائل والإثنيات، خدمةً لمشاريع إمبريالية واستعمارية جديدة.
إن المناصرين تشدقاً لِـ "الديمقراطية وحقوق الإنسان" لم تتغير مكاييلهم المزدوجة، والأمر يتطلب التأمل والتحليل، بدءاً من قضية فلسطين التي تشكل ضمير العالم وموقفهم الفعلي من "دولة فلسطين" التي تشدقوا بها مديداً، وصولاً إلى المآلات التي آلت إليها على صعيد التركيب الأمريكي للنظم السياسية الجديدة، وإفشالها تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود، وبما ينسجم مع وكالاتها ووكلائها وما يناسب مشاريعها.
وبالتمييز بين التناقضات الرئيسية والثانوية "التناقض الرئيسي والثانوي" فإن الحصاد "السلفي السياسي" لهذه الثورات، هو اليوم واضح بشدة وجلاء في تونس، على يد الذي قضى عقوداً مديدة في الغرب، وركب على إنجازات "الاتحاد العام للشغل" ولا يعلم تاريخ هذا الاتحاد، آخرون "حدّث ولا حَرَج" في الذهنية الانقلابية وانقسام مصر بكاملها بين وجهتين: "وجهة الديمقراطية ووجهة الديكتاتورية الطائفية"، دكتاتورية "تسييس الدين وتديين السياسة"، ولا يمكن لهذا أن يتطاول لولا إدراكه أن "العامل الخارجي" وبيئته العامة مؤيدة لما يذهب إليه من فجور وديكتاتورية لم يحظَ بها أحد قبله حتى من توابع واشنطن، ثم إن الوضوح الكامل هي في التغيير الذي وقع في ليبيا بتدخل مباشر من الأطلسي، وطالما أن النفط والطاقة هما الهدف، لا يمكن لهذا البلد أن ينعم بالأمن والاستقرار.
الصراع يدور في ميادين الانتفاضات الثورات، ولن يتوقف إلاّ بدساتير ديمقراطية وطنية وقوانين انتخابية تستجيب لبرنامج الإجماع في ميادين الثورات "عيش وكرامة، حريات وديمقراطية تعددية، عدالة اجتماعية".