تابو الواقع النفسي للمرأة العربية


عدوية السوالمة
الحوار المتمدن - العدد: 3907 - 2012 / 11 / 10 - 11:12
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     


فرض تعالي الأصوات المطالب بدعم النهوض بواقع المرأة العربية في محاولة لمسايرة تغيرات الساحة الدولية حراكا غير مدروس الأسباب والنتائج لهذا الواقع , فجاء ليمثل التجربة الغربية بشكل مبتسر كغيره من العديد من التجارب المستوردة والتي وإن عبرت في هذه الحالة عن ذات النشأة والاحتياج , إلا أن الحراك التاريخي لم يعبر ولم يكن انعكاسا لفهم حقيقي لضرورات انزياح السطوة الذكورية باعتبارها وعلى الصعيد النفسي محرض داخلي على المستويين الواعي واللاواعي للشعور بالقلق والاحساس المرتبط بعدم المقدرة . خاصة وأن المجتمع العربي مازال قلعة من قلاع الهيمنة الذكورية في تصوراته للأدوار السيكولوجية , رغم الخلط والتبادل الذي طرأ على مفهوم الدور نفسه كنتيجة لتزايد انخراط المرأة في غالبية مناحي الحياة .
وبالحديث عن مقارنات تتعلق بنجاح الحركة النسوية في الغرب مقارنة بمثيلتها العربية التي مازالت متعثرة الخطى على الرغم من مؤشرات ارتفاع نسب التعليم والمشاركة السياسية والاقتصادية في صفوف النساء , نجد أن المجتمعات الغربية في اطارها العام مجتمعات حداثية مكنت المرأة من اللحاق بوكبها وهو ما لم يتوفر للمرأة العربية كاطار عام يؤطر تجربتها ويدعمها فجاء الحراك مجرد دعوات ومكاسب غير مشروعة بدون مباركة القوانين والتشريعات التي ما فتئت تعمل كمحرض ومثير لمشاعر الاثم لدى المرأة كلما فكرت بكسر حقيقي لواقع الهيمنة الذكورية , والابتعاد عن النظام الأبوي المعاقب لكل من تخرج عن اعرافه وشريعته .
حقيقة نلاحظ ان تلونات التجربة في حياة المرأة المعاصرة ورفدها بتبدلات الدور السيكولوجي قد شكلت منعطفات مهمة في قراءة التحولات النفسية لديها , والتي تبلورت كمستقطب للاضطراب النفسي لابفعل المنعطف أو التحول ذاته , وانما لعدم اندماج العناصر النفسية والتاريخية والفردية في كل متناسق وانما في كل معقد متنافر أساسه التجاذب بين المتناقضات وعدم القدرة على تبين هذه التناقضات بفعل الممانعة النفسية اللاشعورية النشطة . فالكثير من هذه التجارب تم تأطيره في ظل تابو محرض لمشاعر الذنب .
وبالعودة إلى مرجعية مشاعر الاثم نجد أن المراجعة التاريخية للأدب النسوي الغربي يضيء ثغرات في التجربة الانسانية الممهدة للمشاعر العصابية من خلال تحليله لما يمكننا تسميته بواقع نسوي جمعي يوحد فيه التجربة وان كان هناك اختلاف يرجع لخصوصية كل مجتمع إلا أن حركة التطور التاريخي تشير إلى المسار ذاته الذي أفرز وجود الآخر كما اسمته سيمون دو بوفوار في كتابها الجنس الآخر, والذي بينت فيه من خلال رؤيتها التاريخية التحليلية دور مجموعة القوى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في تبدل صورة المرأة على نحو يظهر فيه هيمنة الرجل على هذه القوى وأن التاريخ تحقق من خلال رؤيته هو وفهمه هو للواقع، بصورة أدت في نهاية المطاف إلى إنتاج المرأة بصورة الآخر المطلق له.
المحطات التاريخية في مراجعة دوبوفوار بينت مايلي :
-بدايات خالية من تصورات حول الدور .
-بروز صورة سلبية بفعل الدور الأمومي المنوط بالمرأة , حجم دورها على صعيد العمل .
-منح الأفضلية الاجتماعية للفرد القادر على الحماية وجلب الصيد .
- في محاولة لتثبيت هذه الأفضلية قام بتحديد للأدوار السيكولوجية منتجا بذلك مجالا أنثويا ومجالا ذكوريا .
- مع تحول القبائل إلى قبائل زراعية امتلكت المرأة صورة أكثر ايجابية بفعل دورها في استمرارية القبيلة .
- تراجعت من جديد صورة المرأة بفعل الانتقال إلى المثال الزراعي الذي أطر دورها في قضايا الانجاب والرعاية , ومنح دورا مهيمنا للرجل بتوسيع ملكيته الزراعية التي أصبحت المرأة فيها جزءا من هذه الملكية .
وهو وضع بقيت المرأة الغربية في اساره حتى الثورة الفرنسية والمرأة العربية إلى يومنا هذا مع احتلالها مرتبة متقدمة في البقاء تسبح في فلك الأساطير المنسوجة عن المرأة .و مع ملاحظة عدم ادراكها كوسيلة اخضاع اجتماعي نفسي نجد أنها دفعت باتجاه التذكير الدائم والسعيد بضرورة الحفاظ على هذا الارث المشبع بالنبذ والدونية , والدفع بطيب خاطر للتماهي مع صورة أنثوية أقرب إلى المسخ .
أهمية هذه الأساطير وفق بوفوار أنها تعطي الشرعية لكل الأفضليات والامتيازات التي حصل عليها الرجل. كما أن هذه الأساطير تزيل الشعور بالذنب عن الرجل حيث أنها تبرر مصير المرأة بإرادة الطبيعة، وهكذا يتم استلاب حقوق المرأة والتعامل معها كجارية أو حتى حيوان نقل.
وفق هذه الأساطير تتموقع مكانة المرأة بين المخلوق السلبي التابع والتي لاقيمة لها بدونه , وبين الاغراء الشيطاني للرجل لفعل الافعال الشريرة.
وعلى الرغم من التطور الاجتماعي الذي شهدته العقود الأخيرة , إلا أنه لايمكننا أن ننكر أيضا أنه أفرز مجموعة اشكاليات تتعلق بارتفاع نسب العنف ضد المرأة منها ما طفى على السطح باسم جرائم على خلفية الشرف , ومنها ما طفى على شكل حرمانها من حقوقها الاقتصادية بعد الطلاق وحصارها بالارتياب والتحريمات التي لابد أن تخضع لها خشية العقاب .ومنها ما له علاقة بأشكال التمييز القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية وان كانت هناك مظاهر توحي بعدم التمييز لدى بعض الفئات إلا أنها في العمق تنهل من معين الارث الحضاري المشبع بالتابو يتجلى من خلال بعض النكات التي تسفر عن عدم الرغبة المكبوتة بخلاص الآخر من خلال التذكير بدونيته وعدم كفاءته . وعدم مقاومة الرغبة في تحريض المخاوف والشعور بالذنب والقناعة العصابية بالتصريح بأحقية الزوج والأسرة بوقتها المهدور في تولي بعض المناصب .أو بمحاولات التحرش المسكوت عنها في مجتمعنا خاصة بالأوساط السياسية ودوائر صنع القرار وهو ما كشفت عنه احدى المحطات الفرنسية من خلال تحقيق يظهر هذا التحرش بالوسط السياسي الفرنسي في محاولة من الرجل الغربي باستعادة ما سلب منه في حقه بالتملك الذي شمل النساء في الماضي لتؤكد المرأة الغربية في هذا التحقيق على عدم انجذابها للتعبير الخجل عن واقعها بعكس المرأة العربية التي مازالت تخشى التعبير عن أنات أناها تحت وطأة سيطرة مفهوم الذات العوري لديها , والذي يضطرها للانكار والنفي تارة , والحقد والكراهية تارة أخرى في محاولة لتهدئة الشعور بالذنب .ويصبح معه الضيق النفسي الكابت وضعا مأزميا يدفعها نحو الترنح بين الدفاع عن الذات وبين الاستسلام المازوكي يدفعها كم الصراعات فيه إلى استخدام وفي غالب الأحيان ميكانيزمات عصابية لحل الصراعات مزدوجة النشأة القديمة والمتكونة حديثا بفعل الحراك الاجتماعي . الوضعية برمتها يمكنها بشدة أن تفسر ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية لدى المرأة العربية بأنواعها المختلفة خاصة الكآبة والقلق الرهاب والأمراض السايكوسوماتية التي تشكل نسبة الاصابة بها في مجتمعات دول العالم الثالث أكثر من 40% من مجمل المراجعين في كافة الاختصاصات .
فالقلق المثار بفعل تهديد الشعور بالذنب لاينجح معه الانجاز المحقق لذا تبقى المرأة مشوشة تائهة تهرب من سطوته بالنفي تارة وبالحقد والكراهية الموجهة نحو الذات والآخر تارة أخرى وفي حالات أخرى بتبعية مازوكية مكرسة نجدها حتى لدى النخبة من النساء المتعلمات والقياديات مع ملاحظة التنكر للهوية الجنسية , ومحاولة التماهي مع صورة ذكورية توحي بها بالتفوق والقوة والمقدرة بصورة مفرطة , ومحاولة القطيعة مع كل ما يذكر بالارتباطات الأنثوية .
يمكن لانحرافات صورة المرأة التي تأثرت بعدم وجود توافق على صورة اتفاقية للمرأة في ظل التغيرات المجتمعية , وعدم الكفاءة النفسية نتيجة لعدم القدرة على تحمل أعباء نفسية جديدة تهوي معها في صراعات عنيفة يمكن لها أن تتجلى بشكل عدائي لتفوق المرأة نفسها ومحاولة عرقلة مسيرة الخلاص والذي لربما اعتبرناه ناجم عن عدم بلوغ أطوار نفسية أكثر نضجا رسخت بتقادم صورة ذات سلبية غير نشطة بفعل التصورات الذكورية المدعمة لها , تثيرها مخاوف الصورة المستقلة المحرضة على المواجهة التي يفترض فشلها نتيجة عدم التمكن من تطوير أدواتها النفسية بشكل يسمح لها بتحقيق نوع من المناعة ضد الأخطار في اطار ذات مستقلة .
أخيرا لابد من القول بأن محاولات النهوض قد تعتبر عدو لدود ان ظلت منسلخة عن الدراسات النفسية التحليلية للمرأة في محاولة لمساعدتها على تخطي ارث المحرمات الحاوي على مفاهيم ذات عورية أي اثارة لها تعتبر بمثابة مهدد يجب مقاومته .مساعدة تمكنها من الانفتاح على التجارب الجديدة بدون الاحساس بالذنب المبهم والغامض الأسباب .