إذا بدأنا بالقروض فلا فائدة..!


جمال البنا
الحوار المتمدن - العدد: 3834 - 2012 / 8 / 29 - 09:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


دعونا من الحديث المتكرر عن الشريعة والمادة الثانية المقدسة، والتفرقة بين مبادئ الشريعة.. وأحكام الشريعة، وإنذار المعسكر الإسلامى بأسره بالحرب الشعواء إذا مُست هذه المادة أقل مساس، ولنقرأ ما جاء فى الصفحة الأولى من كل الصحف اليومية:

«إن المصادر المؤكدة تؤكد عقد مصر لاتفاقية مع البنك الدولى لقرض بمبلغ خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولى، وقرض آخر قدره نصف مليار من أمريكا».

ما معنى هذا أيها السادة؟!

إن السياسة التى تبدأ بالاقتراض لا يمكن أن تكون إسلامية فى شىء، لأن القروض هى الربا الذى توعد الله - تعالى - بالحرب من يمارسه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِىَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ».

وأهم من هذا أن السياسة التى تبدأ بذلك تكون سياسة مهزوم مستسلم، لا يستطيع أن يحل مشاكله الحاضرة إلا على أساس المستقبل، وبأن يحمّل الأجيال القادمة بعبء ومسؤولية سداده.

إن سياسة الاقتراض كانت سياسة النظام الفاسد، والتى وضع أساسها يوسف بطرس غالى وشركاؤه، ولا يمكن أن تكون سياسة ثورة ٢٥ يناير، ولا دولة الشريعة المرموقة.

ذلك لأن سياسات الاقتراض منذ أن بدأت من أقدم العصور- أريد بها استعباد الفقراء، فالفقير هو الذى لا يجد شيئاً، ويضطر إلى الاقتراض، فإذا اقترض عجز عن السداد لأنه لا يملك شيئاً، ولو كان يملك لما اقترض، ومن هنا فإن السيد يضع يده على جسم المدين، ويكون من حقه تشغيله وتسخيره، بل فى بعض الحالات يصبح سيده ومالكه الذى يتصرف فيه تصرف السيد مع العبد.. «اقرأوا رواية شكسبير (تاجر البندقية).. التى أراد المرابى أن يأخذ بدل دينه «رطلاً» من لحم مدينه». وظل هذا النظام قائمًا فى روما وبيزنطة حتى وصل إلى العرب، وكاد بلال مؤذن الرسول الذى كان يكل إليه توزيع الصدقات أن يكون ضحية هذا المصير الوبيل، لأنه اقترض من أحد المشركين، ولم يجد لديه ما يسدده لولا أن أنقذه الرسول فى آخر لحظة.

وروى بلال قصته فقال: حتى اعترضنى رجل من المشركين فقال: يا بلال إن عندى سعة فلا تستقرض من أحد إلا منى، ففعلت. فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت لأُؤذن للصلاة، فإذا المشرك فى عصابة من التجار، فلما رآنى قال: يا حبشى قلت يا لبيه، فتجهمنى، وقال قولاً عظيمًا، وقال: أتدرى كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب، قال: إنما بينك وبينه أربع ليال فآخذك بالذى لى عليك، فإنى لم أعطِك الذى أعطيتك من كرامتك، ولا من كرامة صاحبك، وإنما أعطيتك لتصير لى عبدا فأذرك ترعى لى الغنم، كما كنت قبل ذلك، قال: فأخذنى فى نفسى ما يأخذ فى أنفس الناس، فانطلقت فناديت بالصلاة حتى إذا صليت العتمة ورجع رسول الله إلى أهله، استأذنت عليه فأذن لى، فقلت: يا رسول الله بأبى أنت وأمى، إن المشرك الذى ذكرت لك أنى كنت أستدين منه قد قال كذا وكذا، وليس عندى ما يقضى عنى، ولا عندى، وهو فاضحى، فأذن لى أن آتى إلى بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله ما يقضى عنى، فخرجت حتى أتيت منزلى فجعلت سيفى وحرابى ورمحى ونعلى عند رأسى، فاستقبلت بوجهى الأفق، فكلما نمت انتبهت حتى انشق عمود الصبح الأول، فأردت أن أنطلق فإذا إنسان يدعو: يا بلال أجب رسول الله، فانطلقت حتى أتيته، فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن فأتيت رسول الله فاستأذنت، فقال لى رسول الله: أبشر فقد جاءك الله بقضاء دينك... إلخ.

فالمقترض اليوم ليس بأفضل من مقترض الأمس، ومن يراجع تاريخ علاقات الدول المقترضة من الدول المقرضة يجد أنها كانت عاملاً من عوامل الخراب والدمار الذى انتهى إلى الاحتلال الإنجليزى فى مصر وبقية الدول العربية، كما أن شروط البنك الدولى التى وضعها للدول المقترضة تضع هذه الدول تحت رحمة الدول المقرضة وتجعلها عاجزة عن أداء الدين، وقلما يمكن أن تسدد الفائدة عن هذا القرض.

إن دولة عظيمة مثل مصر ترفع لواء الشريعة من ناحية.. وعلم الثورة من ناحية أخرى.. لا يمكن أن تضطر إلى الاستدانة.. خاصة بعد أن تبين مدى غنى مصر بثرواتها. وصدقونى إذا قلت إن البلد الآن يعانى من تخمة فى الأموال كما لم يحدث من قبل، وانظروا إلى ملاحق الصحف اليومية عن المدن الجديدة أو السيارات أو العمارات التى تقام فى كل ضاحية أو كفر أو نجع، وأسمع عن أنباء ما ينفق على حفلات الزفاف وغيرها من المناسبات الاجتماعية وما يحصل عليه نجوم السينما ونجوم الكرة.. ولكم أن تتخيلوا ما أنفق على الانتخابات الماضية لمجلس الشعب، وعلى رئاسة الجمهورية، وقيل إن ميزانية أحد المرشحين بلغت ٧٠ مليون جنيه، أضف إلى هذا كله الأموال المنهوبة التى لم نحصل على قرش منها، وعشرات الآلاف من الأفدنة التى وضع البعض يده عليها فى عهد «السداح مداح».

كل هذا ينبئ بأن مصر دولة يمكن أن توفر لنفسها ما تستطيع به أن تبدأ نهضتها وتغطى كل تكاليفها، عندما توضع بصورة ممنهجة ومنظمة.

وأذكر المصريين بما قام به أجدادهم فى عهد إسماعيل باشا، عندما اجتمعوا فى بيت السيد البكرى، نقيب الأشراف، فى هيئة جمعية عمومية شعبية، وتعهدوا بسداد كل الديون التى تطالب بها بريطانيا وفرنسا، فهل يعجز اليوم أحفادهم عن الاجتماع بمثل هذه الطريقة وعمل اكتتاب عام يغطى تكلفة مشروعات النهضة والتنمية.

إن قطار التنمية يجب أن يسير عبر محطة أولى هى «العدالة»، وفى هذه المحطة يجب على الدولة أن تحاول بقدر ما يمكن تحقيق العدالة فى الدخول والأملاك بين الناس حتى لا يوجد ملياردير ومن يعيش فى العشوائيات وقبور الأموات، فيشعر الجميع بأنهم سواسية.

أما المحطة الثانية، فهى محطة الكفاية، وفيها يتحقق مشروع لعشرة أعوام للنهوض بالتنمية ورفع مستوى المعيشة، والعناية الاجتماعية والطبية، وتقديم الخدمات والمرافق.. وهذه كلها مما لا يمكن أن يتم إلا على أساس مشروع قومى اقتصادى واجتماعى يضعه خبراء وفنيون، ويشترك فى مراجعته جماهير الشعب وهيئاته، بحيث يصبح محل رضا الجميع ويبدأ التنفيذ، وخلال التنفيذ نفسه يتابع المسؤولون ومعهم الشعب إجراءات التطبيق كل مدة، وبهذا يأمن مثل هذا المشروع سوءات البيروقراطية والمركزية التى تقع فيها الحكومات عندما تستقل دون العشوب بوضع الخطة ومراقبة التنفيذ.

إن مصر تحتاج لاقتصادات غير تقليدية تقوم أساسًا على إيمان ومشاركة الشعب مع الحكومة فى الخطة الاقتصادية، بحيث تحول دون تطرق الفساد.

إن الرئيس مرسى عليه أن يحيى اقتصادات عمر بن الخطاب، وما يلهمه من تضحية، بل عليه أن يسلك شيئاً ما مثل «عمر»، لأن القدوة أكبر أسباب النجاح، ولأن الرئيس إذا حاول أن يسير مثل «عمر» فإن الوزراء والكبراء سيحاولون أن يسيروا مثل الرئيس.. وبهذا تستقيم الأمور.

■ ■ ■

■ حزب النور يقول: إن دين البنك الدولى ليس فيه ربــا، ولكن مصروفات إدارية «نكتة بايخة».

■ الرجل الذى أراد أن يحرق نفسه احتجاجًا على ديوان المظالم أكبر دليل على أن ديوان المظالم نظام بيروقراطى عقيم، هلا يمكن تكوين نظام مفتشين من قبل الرئيس يعمل باسمه لحل المشكلات بأنفسهم، وفى مكان العمل على أسس منهجية..!

■ الأخ الكريم اللواء شرطة محمد عواد، شكرًا لكلماتك المنصفة.. وآمل أن نعود للموضوع فى أقرب مناسبة.